قبل عشر سنوات، دخلت الشابة الريفية والأصغر في تاريخ الكونغرس الأميركي إيليس ستيفانيك إلى مجلس النوّاب، ولم تغادره حتى اللحظة، إذ كسبت كل الجولات الانتخابية الماضية، آخرها قبل أيام، حيث هزمت خصمتها الديمقراطية باولا كولينز، بحصولها على 62.3 في المئة من أصوات الناخبين في الدائرة الانتخابية للكونغرس "نيويورك 21".
وفي إعلان ترشيحها لمنصب سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، الذي أكدته قناة "سي إن إن"، وصفها الرئيس المنتخب دونالد ترامب بأنها "مقاتلة قوية للغاية وذكية من أجل أميركا أولاً"، والقرار الآن بيد مجلس الشيوخ للموافقة النهائية.
بالتعرف على دائرة "نيويورك 21" وما يميزها، وكذلك الدور الذي تلعبه ستيفانيك من أجل سكانها طيلة السنوات العشر الماضية، يمكن استقراء الرابط القوي بين برامج عاملها ومراكز اهتمامها النيابية من جهة، وبين تاريخها الشخصي كابنة عائلة تدير عملها الخاص، والأولى التي تحصل على فرصة التعليم الجامعي من بين أفرادها، من جهة أخرى.
وصُنفت ستيفانيك "كواحدة من أكثر أعضاء الكونغرس فعالية وتعاوناً"، وفق ما ورد في السيرة الذاتية لها على الموقع الإلكتروني الخاص بها.
وتعد "نيويورك 21" حيث وُلدت وترعرعت ستيفانيك، واحدة من أكبر المناطق الجغرافية في شرق الولايات المتحدة، وتشمل مدن أوغدينسبورغ وغلينز فولز وبلاتسبرغ في ولاية نيويورك، كما تضم معظم جبال آديرونداك (وُجهة شهيرة لرياضة الهايكينغ وفيها عشرات البحيرات) ومنطقة جزر الألف (أرخبيل يضم 1864 جزيرة تمتد على الحدود الكندية الأميركية)، تحدّها ولاية فيرمونت من الشرق ودولة كندا من الشمال.
وتحتوي منطقتها كذلك، ملايين الأفدنة من الحدائق وآلاف الأميال من البحيرات والأنهار، كما أنها موطن أكبر عدد من كبار السن وواحدة من أجزاء نيويورك التي يعيش فيها أكبر عدد من المحاربين القدامى.
بين عالم السياسة والبزنس العائلي
من اللافت في ترشيحات أو تعيينات ترامب اهتمامه بجيل الألفية، فستيفانيك هي الثانية بعد نائبه جي ديفانس الذي سيكون أيضاً رئيس مجلس الشيوخ بحسب الدستور الأميركي، من مواليد الثمانينيات.
ويمكن القول كذلك، إن موقفهما من ترامب ودعمهما جاء بالتدرج، حيث عٌرف دي فانس بمعارضة سياسات ترامب خلال ولايته الأولى (2016- 2020) قبل أن يصبح من أشدّ المؤيدين.
وُلدت ستيفانيك في مدينة ألباني شمال ولاية نيويورك يوليو 1984، ونشأت في كنف والدين، الأب من أصل تشيكي والأم من أصل إيطالي، وفق تقرير سابق لموقع "فامس دي سي".
ومن خلال عملها مع الشركة العائلية الصغيرة حيث يدير والدها مصنعاً للخشب، استطاعت تعلّم وعيش وفهم "قيم العمل الجادّ والمثابرة والإصرار"، كما جاء في سيرتها الذاتية.
تخرجت من كلية الآداب بجامعة هارفارد عام 2006 بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف. ومنذ تخرجها حتى 2009، عملت ستيفانيك في الجناح الغربي للبيت الأبيض ضمن فريق مجلس السياسات الداخلية للرئيس جورج دبليو بوش ومكتب رئيس الأركان، وساعدت في الإشراف على عملية تطوير السياسات في جميع القضايا الاقتصادية والمحلية، بحسب ما ورد في سيرتها الذاتية.
وأسست ستيفانيك مدونة "American Maggie"، وهي منصة للترويج لآراء "النساء المحافظات والجمهوريات"، وحملت اسمها نسبة لرئيسة وزراء بريطانيا الشهيرة مارغريت تاتشر.
في 2012، ساعدت في إعداد البرنامج الجمهوري، وشغلت منصب مديرة وسائل الإعلام الجديدة للجنة الاستكشافية الرئاسية لتيم باولنتي، كما عملت في مؤسسة "الدفاع عن الديمقراطيات" و"مبادرة السياسة الخارجية".
كذلك، أدارت ستيفانيك إعداد مناظرة النائب بول ريان للمناظرات الرئاسية لعام 2012. بعد أن خسر ريان والمرشح الرئاسي ميت رومني أمام الرئيس المنتخب في حينه باراك أوباما، عادت لمسقط رأسها وانخرطت في العمل العائلي.
وقال عنها ريان إنها "بانية (بنّاءة)"، حيث كتب عنها في مجلة "تايم" الأميركية: "ستيفاني بانية، وهذا ليس بالأمر السهل في عصرنا حيث يتمحور عمل الكثير من السياسيين حول تمزيق الناس".
وفي عملها داخل الكونغرس، تنشط ستيفانيك داخل عشرات اللجان وضمن مشاريع عديدة لتحقيق أهداف بعينها، أغلبها يصب في مجالات الزراعة والتكنولوجيا والتعليم والصحة في المناطق الريفية، إضافة للسياسات الاقتصادية وإنتاج الطاقة والذكاء الاصطناعي وأمن الحدود وتشريعات تخص الشركات والأعمال الصغيرة وكذلك المحاربين القدامى والكبار في السن.
بحسب موقعها الإلكتروني نفسه، تمكنت سيتفانيك خلال السنوات الماضية من استرداد أكثر من 3.2 مليون دولار في فوائد الضمان الاجتماعي لكبار السن في شمال ولاية نيويورك ونورث كانتري، وأكثر من 5.6 مليون دولار في فوائد للمحاربين القدامى في المنطقة نفسها، كما استردت أكثر من 23.7 مليون دولار من الأموال المستحقة للمقيمين هناك.
كذلك، أعادت أكثر من 700 مليون دولار من أموال الضرائب إلى المنطقة على شكل منح فيدرالية، وقدمت ملايين الدولارات إلى مستشفيات نورث كانتري ومراكز الصحة المجتمعية المؤهلة فيدرالياً ومقدمي الرعاية الصحية الآخرين خلال جائحة كوفيد-19.
تعيش ستيفانيك حالياً في في أحد أحياء مدينة نيويورك شرقي برونكس الذي يُوصف بأن أغلب سكانه من الطبقة الوسطى، مع عائلتها المؤلفة من زوجها مات وطفلها سام.
دفاع "ناري" عن ترامب وصعود سياسي
يتوقع تقرير لصحيفة "بوليتيكو" الأميركية، نشر اليوم الاثنين، أن يشهد ترشيح إيليس ستيفانيك مقاومة قليلة من الجمهوريين في مجلس الشيوخ، إذ تُعتبر حليفة مقربة من ترامب ولديها علاقات واسعة في كلا المجلسين (النواب والشيوخ).
وجاء فيه، أن النائبة الجمهورية قدّمت نفسها في البداية كوسطية، واكتسبت شهرة بين زملائها بسبب جهودها لانتخاب النساء الجمهوريات، ولكن مع تحوّل دائرتها في شمال نيويورك نحو المزيد من التأييد للجمهوريين، أصبحت مدافعة أكثر صراحة عن ترامب.
ووصفت قناة "سي إن إن" موقف ستيفانيك من ترامب، بأنها كانت معارضة صريحة لبعض سياساته مثل خطته الضريبية لعام 2017. ويعود تحوّلها تأييد ترامب لشعبيته الواسعة في شمال نيويورك، بحسب ما صرّحت ستيفانيك نفسها.
وعلى الصعيد الوطني، برزت ستيفانيك خلال محاكمة عزل ترامب الأولى في 2019 بدفاعاتها النارية عنه، كما رفضت التصديق على نتائج انتخابات 2020 بعد اقتحام الكابيتول (6 يناير 2021)، ودعمت ادعاءات ترامب "الخاطئة" بأن الانتخابات "قد سُرقت".
استخدمت ستيفانيك، بحسب "بوليتيكو" هذا الارتفاع في شعبيتها للتقدم في قيادة الجمهوريين داخل مجلس النواب، وتحدت النائبة الجمهورية ليز تشيني (عن ولاية وايومنغ) بسبب موقف الأخيرة الداعم لمحاسبة ترامب على التمرد.
مؤخراً، أشاد بها الجمهوريون والقادة اليهود بعد استجوابها لرؤساء الجامعات في جلسة استماع بالكونغرس حول كيفية تعاملهم مع التظاهرات الطلابية بشأن الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وفصائل فلسطينية مسلحة أبرزها حركة حماس، ما أدى لاستقالة رؤساء جامعتي هارفارد وبنسلفانيا.
وعن ترشيح ترامب لها سفيرة في الأمم المتحدة، قال التقرير إن المنصب يُعتبر منذ فترة طويلة نقطة انطلاق للمناصب العليا، وقد خدم بعض المبعوثين الأميركيين للأمم المتحدة، مثل مادلين أولبرايت، التي أًبحت لاحقاً وزيرة خارجية. فيما شغل آخرون مثل سامانثا باور وسوزان رايس، مناصب بارزة أخرى في مجال الأمن القومي، أو كما حدث في حالة جورج بوش الأب الذي أصبح رئيساً للولايات المتحدة.
وستيفانيك، التي تعد من أبرز جامعي التبرعات، كان بإمكانها أن تبقى في قيادة مجلس النواب لعدة عقود وربما تطمح لمناصب انتخابية أعلى، حتى أن تكهنات عديدة أثيرت منذ فترة طويلة، وفق "بوليتيكو" حول إمكانية ترشحها لمجلس الشيوخ أو لمنصب حاكم.
صوت معارض لقرارات أممية
اتهمت ستيفانيك الأمم المتحدة مرارًا وتكرارًا بمعاداة السامية بسبب انتقادها لإسرائيل في حرب غزة، ومعارضتها المستمرة لتوسيع المستوطنات ومعاملة الفلسطينيين في الضفة الغربية.
في أكتوبر الماضي، دعت ستيفانيك إلى "إعادة تقييم كاملة لتمويل الولايات المتحدة للأمم المتحدة" رداً على مساعي السلطة الفلسطينية إلى طرد إسرائيل من المنظمة بسبب مزاعم بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات حقوق الإنسان في قطاع غزة والضفة الغربية.
إلى ذلك، دعمت النائبة قطع دعم الولايات المتحدة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، التي تعد المزود الرئيسي للمساعدات الإنسانية للفلسطينيين في المناطق المحتلة، بناء على اتهامات بأن الوكالة لم تقم بفحص موظفيها بشكل كافٍ لمنع صلتهم بحركة حماس، بحسب ما أشارت "بوليتيكو".
وفي الرابع من نوفمبر الجاري، أبلغت إسرائيل الأمم المتحدة رسميا بإلغاء الاتفاقية الموقعة عام 1967 مع الأونروا، وهي الاتفاقية التي كانت تتيح للمنظمة الأممية العمل في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس.
وجاء ذلك بعد حوالي أسبوع من مصادقة الكنيست على قانون ينص على وقف أنشطة الأونروا في إسرائيل، التي كانت قد اتهمت بعض موظفي الوكالة بالمشاركة في هجوم السابع من أكتوبر.