ترامب في خطاب سابق في 2021 أمام جدار حدودي مع المكسيك
ترامب في خطاب سابق في 2021 أمام جدار حدودي مع المكسيك

أثار تعهد الرئيس المنتخب دونالد ترامب بتنفيذ أضخم حملة ترحيل جماعي في تاريخ البلاد، كثيرا من الجدل بشأن ما إذا كان من الممكن تنفيذ هذه الوعود، وما إذا كانت هذه الإجراءات ستستهدف المهاجرين غير المسجلين الذين عاشوا في البلاد لسنوات طويلة أو القادمين حديثا عبر الحدود الجنوبية أو كلا الفئتين معا.

ويعيش نحو 11 مليون شخص في الولايات المتحدة دون تصاريح قانونية، وفقاً لتقديرات مركز بيو للأبحاث لعام 2022، وقد أمضى قرابة الثلثين منهم أكثر من عقد في البلاد، مما يعقّد مسألة ترحيلهم بسبب الروابط التي كوّنوها مع المجتمع الأميركي، بحسب خبراء تحدثوا لقناة "الحرة".

ويرى الخبير في الشؤون العسكرية الأستاذ في جامعة الدفاع الوطني، ديفيد دي روش، أن ترحيل 11 مليون شخص من الولايات المتحدة أمر غير ممكن، نظراً لتعقيداته القانونية العديدة.

ويؤكد في مقابلة مع برنامج "الحرة الليلة" أنه "إذا تمكن شخص من دخول الولايات المتحدة سواء بطرق شرعية أو غير شرعية، يصبح من الصعب ترحيله. ورغم ذلك، هناك مجرمون يقيمون في الولايات المتحدة بشكل غير قانوني، ولا تقبل أي دولة استضافتهم، وحتى لو ارتكبوا جرائم خطيرة، فإن القانون الأميركي يفرض إطلاق سراحهم".

ويرى أستاذ القانون الدولي المحامي في ميشيغان، ناصر فياض، أن هناك العديد من العقبات أمام ترحيل أعداد كبيرة من المهاجرين، وهذه العقبات ليست قانونية فحسب، بل تشمل أيضا عوائق مادية واقتصادية واجتماعية.

وتنبع هذه التحديات من تعقيدات التنسيق بين الشرطة المحلية في الولايات والسلطات الفيدرالية، بالإضافة إلى المسائل المتعلقة بالعلاقات الدولية بين الولايات المتحدة والدول المستقبلة للمهاجرين المرحّلين.

من الناحية الاقتصادية، يوضح فياض في مقابلة مع "الحرة الليلة" أن تكلفة ترحيل 11 مليون شخص تقدر بما بين 400 إلى 600 مليار دولار، وهو مبلغ ضخم من شأنه أن يشكل عبئاً هائلاً على ميزانية الولايات المتحدة، فضلاً عن الموارد البشرية المطلوبة لتوظيف العاملين في تنفيذ هذه المهمة.

طول الحدود مع المكسيك أكثر من ثلاثة آلاف كيلو متر

أما بالنسبة للعلاقة بين الحكومة الفيدرالية والولايات، فيشير فياض إلى أن هذه العلاقة اتسمت أحياناً بالتوتر، خصوصا خلال فترتي رئاسة جورج بوش ودونالد ترامب، حيث ظهرت توترات بين الشرطة والمهاجرين والمجتمعات المحلية، مما أدى إلى تزايد حالات التمييز العرقي وتوقيف الأفراد بناءً على مظهرهم العرقي حتى إن كانوا مواطنين أميركيين.

وفي ما يتعلق بالعلاقات الدولية، فقد أظهرت فترة رئاسة ترامب الأولى صعوبات عدة، إذ نتج عنها قضايا قانونية في المحاكم الأميركية ومشاكل بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات حول آليات الترحيل. ويرى فياض أن هذه الحملات القائمة على الدعاية الانتخابية قد تستنفد الجهود وتأتي بنتائج محدودة.

وفي هذا الإطار يقول دي روش إن "اليمين السياسي يقترح دفع المهاجرين غير الشرعيين للرحيل بأنفسهم، من خلال حرمانهم من المزايا الاجتماعية وغيرها. لكن بالنسبة لدول مثل نيكاراغوا وفنزويلا وهايتي، هناك حالات لمواطنيها الذين لهم مطالب حقيقية في اللجوء ولا يمكن إعادتهم إلى بلدانهم".

وأوضح أن "أكثر من ستة في المئة من سكان نيكاراغوا قد انتقلوا إلى الولايات المتحدة، ولا يستطيعون العودة بسبب طبيعة النظام الديكتاتوري هناك، لكنه قد ينجح في إعادة البعض إلى بلدان مثل كولومبيا أو الإكوادور أو الصين". 

ويقول دي روش إنه "ربما بالغ ترامب في وعوده". 

لكن دي روش أشار إلى أنه في نهاية المطاف ستكون هناك زيادة واضحة في إجراءات إنفاذ قوانين الهجرة، وسيتم تعزيز الحدود واتخاذ إجراءات مشددة مع دول الترانزيت لرصد حركة المهاجرين، مؤكداً على أهمية دور المكسيك في هذا الشأن.

ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤول كبير في الهجرة في إدارة ترامب الأخيرة أن من المتوقع استئناف مداهمات واسعة النطاق لمواقع العمل.

وقالت الصحيفة إن ترامب تحدث في حملته، عن استخدام قانون "الأعداء الأجانب" لعام 1798 لتنفيذ عمليات الترحيل الجماعي، وهو قانون تم بموجبه احتجاز الأشخاص من أصل ياباني في معسكرات اعتقال خلال الحرب العالمية الثانية.

وأضاف أن عمليات الترحيل ستكون على غرار تلك التي حدثت في عهد الرئيس أيزنهاور، الذي استخدمت إدارته عمليات التفتيش والمداهمات وأشكال صريحة من التنميط العنصري في الخمسينيات من القرن الماضي لجمع وطرد العمال المكسيكيين والأميركيين من أصل مكسيكي في الغالب.

وشهدت فترة إدارة بايدن ارتفاعا أعداد المهاجرين إلى مستويات قياسية بسبب الفقر والصراع في دول مثل فنزويلا والإكوادور إلى جانب الشعبية المتزايدة لطريق يعبر ما سمته بفجوة داريان، وحيث يمر الطريق من خلال غابة ممتدة بين أميركا الجنوبية وأميركا الشمالية.

في عام 2022، ارتفعت أعداد المهاجرين الذين يحتجزون على الحدود الجنوبية إلى 2.2 مليون، مما أدى إلى تأجيج السخط في الولايات المتحدة وأصبح محورًا للانتخابات الرئاسية في نوفمبر.

وألقى ترامب باللوم على المهاجرين في العديد من المشاكل في الولايات المتحدة، مثل الجريمة وارتفاع تكاليف السكن، وتعهد بتنفيذ أكبر عملية ترحيل جماعي في تاريخ البلاد.

بدورها، قالت جمعية محامي الهجرة الأميركية، إنها كانت تحلل منذ فترة طويلة وعود ترامب بشأن الهجرة، وتستعد لرفع دعاوى قضائية لتحدي السياسات التي يعتقدون أنها ستنتهك حقوق عملائهم في الاستماع إلى قضاياهم ومعالجتها بشكل عادل بموجب القانون.

استعدادات الجمعية تأتي بالتزامن مع إعلان مجموعة وطنية يقودها نشطاء مهاجرون شباب، وضع خطط لرئاسة ترامب الثانية، تشمل استراتيجيات للتدريب على ما سمته بـ"اعرف حقوقك"، إلى جانب حملات كتابة رسائل لتشجيع المسؤولين المنتخبين ووقفات احتجاجية لإظهار الدعم للمهاجرين غير المسجلين.

الذئاب المنفردة

فجر أول أيام يناير، 2025، وثقت كاميرا مثبتة على جسم أحد أفراد الشرطة الأميركية لحظات محاصرة شمس الدين جبّار، منفّذ عملية الدهس في مدينة نيو أورلينز الأميركية، أثناء محاولته الهروب بينما تناثرت أجساد ضحاياه على الأرض من حوله.

تحوّلَ جبّار من رقيب سابق في الجيش الأميركي، إلى إرهابي قاتل لـ 14 ضحية، ساقتهم الأقدار  إلى شارع بوربون الشهير للاحتفال بليلة رأس السنة.

يروي عباس الداهوك، وهو عقيد سابق في الجيش الأميركي، في مقابلة مع الحرة، أن حياة جبار كانت مليئة بالمشكلات، وكانت لديه خطة لجمع عائلته في مكان واحد لارتكاب العنف ضد أفرادها. لكنه في اللحظة الأخيرة قرر العدول عن تنفيذ الخطة، وسلك طريقا مختلفا. 

قاد شاحنته، وعليها علم داعش، ليفتك بأبرياء عزّل في مدينة نيو أورلينز. لم يُستبعد ارتباطه بالتنظيم الإرهابي، لكن على الأرجح كان يتصرف كذئب منفرد.

صباح اليوم نفسه، على بُعد 1700 ميل إلى الغرب، أطل الإرهاب بوجهه البشع مرة أخرى.

أمام فندق يعود للرئيس دونالد ترامب، في مدينة لاس فيغاس، انفجرت شاحنة كهربائية، بعد انتحار مستأجرها ماثيو ليفلسبيرغر، الرقيب الأول في القوات الخاصة الأميركية. 

يقول كولن كلارك، الخبير في قضايا الإرهاب، إن هذا كان أشبه بعرض لجذب الانتباه إلى ما كان للأسف نوعا من التشتّت الذهني لشخص ربما كان يعاني بشدة من اضطراب ما بعد الصدمة.

ويضيف أنه بعد 20 عاما من تركيز ضيّق للغاية على نوع واحد من الإرهاب، وهو الإرهاب الجهادي، "أدركنا الآن أن الأمور أكثر تعقيدا".

يشير كلارك إلى مفهوم الذئب المنفرد، أي كيف يمكن لشخص ما، من دون مقدمات، أن يتحوّل في أي بقعة من العالم، إلى ذئب منفرد يتبربص بضحاياه الغافلين، ليفتك بهم وينشر الرعب.

الذئب المنفرد، بحسب وزارة العدل الأميركية، هو شخص ينفّذ بمفرده هجوما إرهابيا ضد مجتمع يكون هو جزءا منه، بدوافع سياسية أو دينية، ولغرض التأثير على الرأي العام، أو عملية صنع القرار السياسي. وقد يستلهم أفكاره من مجموعة أو شبكة معينة، ولكنه لا يكون خاضعا لقيادتها.

برنامج "الحرة تتحرى" يعود بملف الذئاب المنفردة إلى بدايات هذا النوع من الإرهاب، وكيف تنامى، ويعرض أبرز الهجمات، ودوافع منفذيها، والأيديولوجيات التي تبنوها، إضافة إلى شرح الكوامن النفسية التي تدفع شخصا ما عن سابق إصرار وترصّد، إلى قتل آخرين، يراهم غالبا للمرة الأولى، وهو يدرك أنه سيدفع حياته ثمنا لذلك.

بحسب أحمد سلطان، الباحث في الأمن الإقليمي والإرهاب، يصعب في الغالب الكشف أو التنبؤ بهجمات الإرهابي الوحيد أو الذئب المنفرد، لأنك لا يمكن أن تراقب المجتمع بالكامل، كما أن الذئب المنفرد لا تظهر عليه أي علامات سابقة على تنفيذه الهجوم. 

في المقابل، يرى رامون سباي، وهو عالم اجتماع متخصص بظاهرة الذئاب المنفردة في ملبورن، أستراليا، أنه بمرور الوقت، أصبح إرهاب الذئاب المنفردة يشكّل نسبة أكبر بكثير من إجمالي الهجمات الإرهابية، وأن سياق هذه الهجمات، ورغم أن منفذيها أفراد، غالبا ما تكون نسخة متطرفة، أو تعبيرا عن الصراعات المجتمعية الأوسع الجارية في ذلك الوقت.

أما وائل سلامة، طبيب نفسي عمل على حالات لإرهابيين في السجون اللبنانية، فيؤكد أن هذه الحالات هي بلا شك نوع من البحث عن هوية.

"بالنسبة له (الذئب المنفرد) حتى عندما يتم قتله يصل إلى الغاية المنشودة، فالغاية الأساسية من الجريمة، أن يثبت قدراته".

قد يكون مصطلح "الذئاب المنفردة" حديث العهد، لكن فعل الهجوم الأحادي، ظهر قبل قرنين من الزمان.

يعود تاريخ الهجمات الأحادية، بحسب رامون سباي مؤلف كتابين عن إرهاب الذئاب المنفردة، إلى القرن التاسع عشر، لما يُعرف بإرهاب "الأناركية"، وهي تستند إلى فلسفة سياسية، وكان لديها استراتيجية تسمى "المقاومة القانونية"، و"الدعاية بالفعل".

وتتضمن استراتيجيتها ارتكاب أعمال عنف جماعي بشكل متفرق، وليس كجزء من مجموعة منظمة، من خلال قيام أفراد بشن هجمات عنيفة على مسؤولين حكوميين، رؤساء دول، وعائلات ملكية.

يشتق مصطلح الأناركية من الكلمة اليونانية "أنارخيا"، التي تعني بدون حاكم.

اكتسف فلسفة الأناركية شهرة في القرن التاسع عشر، ودعت إلى مجتمع بلا حكومة، أو هياكل هرمية.

في حديث مع "الحرة"، يقول ستيف كيليليا، مؤسس ومدير معهد الاقتصاد والسلام، الذي ينشر تقارير سنوية عن مؤشرات الإرهاب في العالم، إن مفهوم الذئب المنفرد، بدأ بالظهور فعليا في الفترة بين عامي 1870 و1930، مع حركة الأناركية في أوروبا والولايات المتحدة.وقد تكون إحدى أبرز هجمات هذه الحركة اغتيال الرئيس الأميركي، وليام ماكينلي، عام 1901.

أُعدم قاتل الرئيس، الأناركي ليون تشولغوش، بالكرسي الكهربائي، لكن هجمات الحركة استمرت على مدى عقود. وفي نهاية السبعينيات، شغل إرهابي مجهول الهوية السلطات الأميركية لسبعة عشر عاما كاملا.

وفق تقرير مكتب التحقيقات الفيدرالي أرسل هذا الشخص، أو سلّم باليد، سلسلة من القنابل التي كانت تزداد تطوراً، وأسفرت عن مقتل ثلاثة أميركيين، وإصابة أكثر من عشرين آخرين. 

يخبر سباي فريق "الحرة تتحرى" أنه منذ التسعينيات، ومع صعود اليمين المتطرف، بدأت فعلياً استراتيجية الذئب المنفرد أو الفاعل المنفرد، واستُخدم المصطلح بشكل أكثر تحديدا وانتشارا بواسطة نشطاء اليمين خاصة المتطرفين منهم.

وظهر كثير من "الذئات المنفردة" يضيف سباي، في صفوف اليمين المتطرّف، وذلك نتيجة استراتيجية تسمى "المقاومة بلا قائد"، وهي طريقة لمنع اختراق أو تفكيك جماعة أو منظمة من قبل وكالات إنفاذ القانون، وهي أيضا وسيلة لحماية القيادة، من خلال جعل الأشخاص يتصرفون بشكل فردي، فإذا تم القبض عليهم، فلن يكون لديهم تفاصيل عن الشبكة أو المخطط الأكبر.

لا يقتصر وجود الإرهاب على طريقة الذئاب المنفردة على الولايات المتحدة، بل يمتد عبر الأطلنطي إلى القارة العجوز.

بحسب ستيف كيليليا مؤسس ومدير معهد الاقتصاد والسلام في أستراليا، فإن عددا من الدول التي لم تتعرض لهجمات في السنوات الخمس الأخيرة، شهد عام 2024 ثماني هجمات ذئاب منفردة في السويد. وفي كل من فنلندا وهولندا والدنمارك وقع هجومان، وتصاعدت الهجمات من هذا النوع في دول أخرى مثل النرويج.

أما ألمانيا، فمن أكثر الدول الغربية تعرضا للإرهاب، ومنها هجمات ذئاب منفردة. 

قبيل عيد الميلاد عام 2024، نفّذ طالب العبد المحسن، طبيب نفسي من أصول سعودية، عملية دهس في سوق مزدحم، في مدينة ماغديبورغ الألمانية، أدت إلى مقتل خمسة أشخاص، وإصابة مئات آخرين.

طبقا لتقارير متخصصة، 93 في المئة من الهجمات الإرهابية المميتة في الغرب خلال السنوات الخمس الماضية نفذت بواسطة "ذئاب منفردة". فما الذي يجذبهم إلى هذا الأسلوب دون سواه؟ 

يجيب أحمد سلطان، الباحث في الأمن الإقليمي والإرهاب، بأن الأسهل هي هجمات الذئاب المنفردة لأنها طبعا أصعب في الكشف والتوقع. ويعني أنها يمكن أن تحدث في أي وقت وأي مكان، "أما الهجمات المنسقة فتحتاج للموارد، وتأخذ وقتا طويلا في التجهيز والتخطيط والتنفيذ".

قد يبدو الفعل بعدائيته نابعا من قوة، إلا أن علم النفس له رأي آخر.

في الجزء الأكبر منه هو ناتج عن عقدة نقص "دائما ما تدفع بالشخص ليبالغ بردة الفعل"، ، يقول وائل سلامة، الطبيب النفسي، فمن ناحية المجرم أو الإرهابي فهو "يريد أن يضخم بجريمته لتضخيم ردة الفعل وبالتالي يغذي عقدة النقص الموجودة لديه".

يخبر رامون سباي "الحرة" أن ما لاحظه في كثير من حالات الذئاب المنفردة التي درسها هو أنه "بمرور الوقت يحدث تحوّل حقيقي في هويتهم"، فيرون ارتكاب العنف عملا ثوريا يمنحهم شعورا بالوجود والأهمية،  ... والإحساس القوي بالاستقامة الأخلاقية والتصرّف باسم الحق والخير"، رغم أن ما يقومون به هو فعل إجرامي ضحاياه في الغالب أناس أبرياء يُستهدفون بينما هم منشغلون بشؤونهم اليومية.