تنظيم داعش تبنى عدة هجمات إرهابية في الولايات المتحدة . أرشيفية
تنظيم داعش تبنى عدة هجمات إرهابية في الولايات المتحدة . أرشيفية

شهدت الولايات المتحدة سلسلة من الهجمات التي تبناها تنظيم داعش على مدى نحو 10 سنوات، حيث استهدفت المدنيين في أماكن عامة، وعادة ما كانت تتم عبر أساليب مثل إطلاق النار أو الدهس. 

ورغم التراجع النسبي للهجمات الإرهابية، إلا أن التنظيم لا يزال يشكل تهديدا مستمرا، مع توجيه الانتباه إلى الهجمات التي تستهدف التجمعات المدنية في المدن الكبرى.

وأعلن الرئيس الأميركي، جو بايدن، الأربعاء، أن السلطات تحقق لمعرفة "ما إذا كانت هناك أي صلة محتملة" بين انفجار سيارة تيسلا أمام فندق ترامب في لاس فيغاس، وعملية دهس استهدفت حشدا من المحتفلين برأس السنة في نيو أورليانز في هجوم أوقع عشرات القتلى والجرحى.

ورغم انخفاض الهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة، إلا أنه منذ 2014 تم تسجيل عدد منها، والتي يعتقد أنها مرتبطة بتنظيم داعش.

كانت أولى الحوادث التي تم تسجيلها في الولايات المتحدة في أكتوبر من 2014، عندما هاجم شخص اعتنق الإسلام قبل فترة وجيزة من الهجوم، إذ حاول مهاجمة ضابطين، ما تسبب في وقوع إصابات، بينما تم قتل المهاجم برصاص الشرطة.

وفي مايو 2015 هاجم رجلان ضباط بطلقات نارية عند مدخل معرض يعرض صورا كاريكاتيرية للنبي محمد في مركز كورتيس كولويل في تكساس، إذ استطاعت الشرطة صد الهجوم، بينما أعلن تنظيم "داعش" مسؤوليته.

وفي ديسمبر من العام ذاته، وقع هجوم سان برناردينو الإرهابي، عندما فتح زوجان النار في مركز خدمات لذوي الإعاقة في سان برناردينو في ولاية كاليفورنيا، ما تسبب بمقتل 14 شخصا وإصابة 24 آخرين.

وفي يونيو من 2016 تسبب هجوم على نادي ليلي للمثليين في أورلاندو بمقتل 49 شخصا وجرح 53 آخرين في إطلاق نار جماعي.

وبعدها بأشهر قليلة، في نوفمبر من 2016 أشاد تنظيم داعش بالعملية التي نفذها شخص في جامعة أوهايو عندما قامل بدهس وطعن عدد من الأشخاص والتي أسفرت عن إصابة 11 شخصا.

وفي نوفمبر من 2017 تبنى تنظيم داعش هجوما وقع في مدينة نيويورك عندما قام شخص بدهس حشد من المارة، ما أدى إلى وفاة 8 أشخاص، وإصابة 20 شخصا.

وفي مطلع 2025 أعلن مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي" أن حصيلة الهجوم الذي نفذه الأربعاء مسلح دهس بشاحنته حشدا من المحتفلين برأس السنة في مدينة نيو أورليانز قبل أن يترجل ويطلق النار على آخرين ارتفعت إلى 15 قتيلا.

ووقع الهجوم في منطقة مكتظة بالمحتفلين بالعام الجديد في شارع كانال وبوربون في الحي التاريخي والسياحي الشهير المعروف باسم "الحي الفرنسي"، إذ حاول سائق المركبة دهس أكبر عدد ممكن من الأشخاص.

وأكد مكتب "إف بي آي" أن المشتبه به عنصر سابق في الجيش الأميركي ينحدر من تكساس يدعى شمس الدين جبار ويبلغ 42 عاما.

وفي الوقت ذاته، أعلنت شرطة لاس فيغاس أن سيارة من طراز "سايبر تراك" التي تنتجها شركة "تيسلا" انفجرت صباح الأربعاء أمام فندق ترامب في المدينة الأميركية، مما أسفر عن مقتل شخص وإصابة سبعة آخرين بجروح طفيفة واستدعى إخلاء الفندق.

اتهامات بدعم داعش ونشر الدعاية للتنظيم
اتهام رجل من تكساس بدعم داعش.. السلطات كشفت الاسم والتفاصيل
وجهت السلطات في هيوستن بولاية تكساس الأميركية الاتهام إلى رجل بمحاولة تنفيذ اعتداء إرهابي على الأراضي الأميركية، وتقديم دعم مادي لتنظيم داعش، وفقا لما أعلنته المدعية العامة الأميركية، ألمدار حمداني، والعميل الخاص المسؤول عن مكتب FBI في هيوستن، دوغلاس أ. ويليامز جونيور.

وبحسب رصد مؤسسة "نيو أميركا" البحثية لاحقت السلطات الأميركية مئات الأميركيين والمقيمين في الولايات المتحدة بـ "الإرهاب الجهادي" منذ 2001، والتي كانت ذروتها بعد صعود تنظيم داعش.

وتظهر البيانات تراجع "عدد قضايا الإرهاب"، إلا أنه تم توجيه التهم لأكثر من 506 شخصا، توفي من بينهم 40 شخصا، بينما تم توجيه الاتهامات لثمانية أشخاص خارج الولايات المتحدة.

وحذرت المؤسسة من الإرهابيين الذين يتبعون "الإيديولوجيات الجهادية" خاصة أولئك الذين يصبحون متطرفين عبر الإنترنت، حيث يستغلون انتشار الأسلحة في السوق الأميركي، مشيرة إلى أن هذ التهديد قد يكون "محليا" أي أن المنفذين قد يكونوا مواطنين وليس أجانب يتسللون إلى البلاد، ما يعني أن اتباع سياسات حظر السفر قد لا تكون فعالة.

الذئاب المنفردة

فجر أول أيام يناير، 2025، وثقت كاميرا مثبتة على جسم أحد أفراد الشرطة الأميركية لحظات محاصرة شمس الدين جبّار، منفّذ عملية الدهس في مدينة نيو أورلينز الأميركية، أثناء محاولته الهروب بينما تناثرت أجساد ضحاياه على الأرض من حوله.

تحوّلَ جبّار من رقيب سابق في الجيش الأميركي، إلى إرهابي قاتل لـ 14 ضحية، ساقتهم الأقدار  إلى شارع بوربون الشهير للاحتفال بليلة رأس السنة.

يروي عباس الداهوك، وهو عقيد سابق في الجيش الأميركي، في مقابلة مع الحرة، أن حياة جبار كانت مليئة بالمشكلات، وكانت لديه خطة لجمع عائلته في مكان واحد لارتكاب العنف ضد أفرادها. لكنه في اللحظة الأخيرة قرر العدول عن تنفيذ الخطة، وسلك طريقا مختلفا. 

قاد شاحنته، وعليها علم داعش، ليفتك بأبرياء عزّل في مدينة نيو أورلينز. لم يُستبعد ارتباطه بالتنظيم الإرهابي، لكن على الأرجح كان يتصرف كذئب منفرد.

صباح اليوم نفسه، على بُعد 1700 ميل إلى الغرب، أطل الإرهاب بوجهه البشع مرة أخرى.

أمام فندق يعود للرئيس دونالد ترامب، في مدينة لاس فيغاس، انفجرت شاحنة كهربائية، بعد انتحار مستأجرها ماثيو ليفلسبيرغر، الرقيب الأول في القوات الخاصة الأميركية. 

يقول كولن كلارك، الخبير في قضايا الإرهاب، إن هذا كان أشبه بعرض لجذب الانتباه إلى ما كان للأسف نوعا من التشتّت الذهني لشخص ربما كان يعاني بشدة من اضطراب ما بعد الصدمة.

ويضيف أنه بعد 20 عاما من تركيز ضيّق للغاية على نوع واحد من الإرهاب، وهو الإرهاب الجهادي، "أدركنا الآن أن الأمور أكثر تعقيدا".

يشير كلارك إلى مفهوم الذئب المنفرد، أي كيف يمكن لشخص ما، من دون مقدمات، أن يتحوّل في أي بقعة من العالم، إلى ذئب منفرد يتبربص بضحاياه الغافلين، ليفتك بهم وينشر الرعب.

الذئب المنفرد، بحسب وزارة العدل الأميركية، هو شخص ينفّذ بمفرده هجوما إرهابيا ضد مجتمع يكون هو جزءا منه، بدوافع سياسية أو دينية، ولغرض التأثير على الرأي العام، أو عملية صنع القرار السياسي. وقد يستلهم أفكاره من مجموعة أو شبكة معينة، ولكنه لا يكون خاضعا لقيادتها.

برنامج "الحرة تتحرى" يعود بملف الذئاب المنفردة إلى بدايات هذا النوع من الإرهاب، وكيف تنامى، ويعرض أبرز الهجمات، ودوافع منفذيها، والأيديولوجيات التي تبنوها، إضافة إلى شرح الكوامن النفسية التي تدفع شخصا ما عن سابق إصرار وترصّد، إلى قتل آخرين، يراهم غالبا للمرة الأولى، وهو يدرك أنه سيدفع حياته ثمنا لذلك.

بحسب أحمد سلطان، الباحث في الأمن الإقليمي والإرهاب، يصعب في الغالب الكشف أو التنبؤ بهجمات الإرهابي الوحيد أو الذئب المنفرد، لأنك لا يمكن أن تراقب المجتمع بالكامل، كما أن الذئب المنفرد لا تظهر عليه أي علامات سابقة على تنفيذه الهجوم. 

في المقابل، يرى رامون سباي، وهو عالم اجتماع متخصص بظاهرة الذئاب المنفردة في ملبورن، أستراليا، أنه بمرور الوقت، أصبح إرهاب الذئاب المنفردة يشكّل نسبة أكبر بكثير من إجمالي الهجمات الإرهابية، وأن سياق هذه الهجمات، ورغم أن منفذيها أفراد، غالبا ما تكون نسخة متطرفة، أو تعبيرا عن الصراعات المجتمعية الأوسع الجارية في ذلك الوقت.

أما وائل سلامة، طبيب نفسي عمل على حالات لإرهابيين في السجون اللبنانية، فيؤكد أن هذه الحالات هي بلا شك نوع من البحث عن هوية.

"بالنسبة له (الذئب المنفرد) حتى عندما يتم قتله يصل إلى الغاية المنشودة، فالغاية الأساسية من الجريمة، أن يثبت قدراته".

قد يكون مصطلح "الذئاب المنفردة" حديث العهد، لكن فعل الهجوم الأحادي، ظهر قبل قرنين من الزمان.

يعود تاريخ الهجمات الأحادية، بحسب رامون سباي مؤلف كتابين عن إرهاب الذئاب المنفردة، إلى القرن التاسع عشر، لما يُعرف بإرهاب "الأناركية"، وهي تستند إلى فلسفة سياسية، وكان لديها استراتيجية تسمى "المقاومة القانونية"، و"الدعاية بالفعل".

وتتضمن استراتيجيتها ارتكاب أعمال عنف جماعي بشكل متفرق، وليس كجزء من مجموعة منظمة، من خلال قيام أفراد بشن هجمات عنيفة على مسؤولين حكوميين، رؤساء دول، وعائلات ملكية.

يشتق مصطلح الأناركية من الكلمة اليونانية "أنارخيا"، التي تعني بدون حاكم.

اكتسف فلسفة الأناركية شهرة في القرن التاسع عشر، ودعت إلى مجتمع بلا حكومة، أو هياكل هرمية.

في حديث مع "الحرة"، يقول ستيف كيليليا، مؤسس ومدير معهد الاقتصاد والسلام، الذي ينشر تقارير سنوية عن مؤشرات الإرهاب في العالم، إن مفهوم الذئب المنفرد، بدأ بالظهور فعليا في الفترة بين عامي 1870 و1930، مع حركة الأناركية في أوروبا والولايات المتحدة.وقد تكون إحدى أبرز هجمات هذه الحركة اغتيال الرئيس الأميركي، وليام ماكينلي، عام 1901.

أُعدم قاتل الرئيس، الأناركي ليون تشولغوش، بالكرسي الكهربائي، لكن هجمات الحركة استمرت على مدى عقود. وفي نهاية السبعينيات، شغل إرهابي مجهول الهوية السلطات الأميركية لسبعة عشر عاما كاملا.

وفق تقرير مكتب التحقيقات الفيدرالي أرسل هذا الشخص، أو سلّم باليد، سلسلة من القنابل التي كانت تزداد تطوراً، وأسفرت عن مقتل ثلاثة أميركيين، وإصابة أكثر من عشرين آخرين. 

يخبر سباي فريق "الحرة تتحرى" أنه منذ التسعينيات، ومع صعود اليمين المتطرف، بدأت فعلياً استراتيجية الذئب المنفرد أو الفاعل المنفرد، واستُخدم المصطلح بشكل أكثر تحديدا وانتشارا بواسطة نشطاء اليمين خاصة المتطرفين منهم.

وظهر كثير من "الذئات المنفردة" يضيف سباي، في صفوف اليمين المتطرّف، وذلك نتيجة استراتيجية تسمى "المقاومة بلا قائد"، وهي طريقة لمنع اختراق أو تفكيك جماعة أو منظمة من قبل وكالات إنفاذ القانون، وهي أيضا وسيلة لحماية القيادة، من خلال جعل الأشخاص يتصرفون بشكل فردي، فإذا تم القبض عليهم، فلن يكون لديهم تفاصيل عن الشبكة أو المخطط الأكبر.

لا يقتصر وجود الإرهاب على طريقة الذئاب المنفردة على الولايات المتحدة، بل يمتد عبر الأطلنطي إلى القارة العجوز.

بحسب ستيف كيليليا مؤسس ومدير معهد الاقتصاد والسلام في أستراليا، فإن عددا من الدول التي لم تتعرض لهجمات في السنوات الخمس الأخيرة، شهد عام 2024 ثماني هجمات ذئاب منفردة في السويد. وفي كل من فنلندا وهولندا والدنمارك وقع هجومان، وتصاعدت الهجمات من هذا النوع في دول أخرى مثل النرويج.

أما ألمانيا، فمن أكثر الدول الغربية تعرضا للإرهاب، ومنها هجمات ذئاب منفردة. 

قبيل عيد الميلاد عام 2024، نفّذ طالب العبد المحسن، طبيب نفسي من أصول سعودية، عملية دهس في سوق مزدحم، في مدينة ماغديبورغ الألمانية، أدت إلى مقتل خمسة أشخاص، وإصابة مئات آخرين.

طبقا لتقارير متخصصة، 93 في المئة من الهجمات الإرهابية المميتة في الغرب خلال السنوات الخمس الماضية نفذت بواسطة "ذئاب منفردة". فما الذي يجذبهم إلى هذا الأسلوب دون سواه؟ 

يجيب أحمد سلطان، الباحث في الأمن الإقليمي والإرهاب، بأن الأسهل هي هجمات الذئاب المنفردة لأنها طبعا أصعب في الكشف والتوقع. ويعني أنها يمكن أن تحدث في أي وقت وأي مكان، "أما الهجمات المنسقة فتحتاج للموارد، وتأخذ وقتا طويلا في التجهيز والتخطيط والتنفيذ".

قد يبدو الفعل بعدائيته نابعا من قوة، إلا أن علم النفس له رأي آخر.

في الجزء الأكبر منه هو ناتج عن عقدة نقص "دائما ما تدفع بالشخص ليبالغ بردة الفعل"، ، يقول وائل سلامة، الطبيب النفسي، فمن ناحية المجرم أو الإرهابي فهو "يريد أن يضخم بجريمته لتضخيم ردة الفعل وبالتالي يغذي عقدة النقص الموجودة لديه".

يخبر رامون سباي "الحرة" أن ما لاحظه في كثير من حالات الذئاب المنفردة التي درسها هو أنه "بمرور الوقت يحدث تحوّل حقيقي في هويتهم"، فيرون ارتكاب العنف عملا ثوريا يمنحهم شعورا بالوجود والأهمية،  ... والإحساس القوي بالاستقامة الأخلاقية والتصرّف باسم الحق والخير"، رغم أن ما يقومون به هو فعل إجرامي ضحاياه في الغالب أناس أبرياء يُستهدفون بينما هم منشغلون بشؤونهم اليومية.