تأشيرة H-1B.. وصفة ماسك، وحلم أميركي لا يتحقق!
قبل أسابيع قليلة ودع الثلاثيني، أتال أغاروال، الولايات المتحدة بعد أكثر من سبع سنوات قضاها بين الدراسة والعمل؛ ليعود إلى مسقط رأسه بالهند.
أغاروال دخل الولايات المتحدة عام 2017 للحصول على ماجستير في مجال إدارة التكنولوجيا من جامعة كاليفورنيا سانتا باربرا، وقد نجح في مسعاه.
لكن الدرجة العلمية لم تكن جل مبتغاه، فالشاب الهندي كانت تراوده فكرة تكوين شركة تكنولوجية ناشئة.
ولم لا وهو في كاليفورنيا التي على أرضها تجتمع أكبر شركات التقنية في مكان واحد: وادي السيليكون.
طموح أغاروال اصطدم بقوانين الهجرة الأميركية؛ فتأشيرة دخوله كطالب لا تدعم خطته في البقاء وتأسيس مشروعه.
يقول الشاب الهندي: "اضطررت للبحث عن عمل، وهنا تحصلت على تأشيرة (اتش 1 بي)".
مشوار أغاروال مع التأشيرة أخذه إلى قلب جدل الهجرة في أميركا!
(اتش 1 بي) هي تأشيرة عمل مؤقتة، تُمنح لحملة البكالوريوس والشهادات الأعلى في تخصصات تقنية.
في أميركا الآن، يطالب كثيرون بإلغاء تأشيرة (اتش 1 بي)، بينما يقود الملياردير الأميركي إيلون ماسك معسكر المدافعين عنها، كوصفة لجلب الكفاءات لقطاع التكنولوجيا.
وصفة إيلون ماسك وحلم أغاروال
ظن أغاروال أن تأشيرة (أتش 1 بي) ستكون المفتاح السحري الذي سيمنحه الغطاء القانوني المطلوب لتحقيق حلمه الأميركي، لكنه سرعان ما اكتشف أنه كان واهما.
أدرك الشاب الهندي بعد فترة بسيطة أن هذه التأشيرة تربط وجوده في الولايات المتحدة بصاحب العمل، وأنه حال فقد وظيفته سيتعين عليه ترك البلاد في غضون 60 يوما، إلا إن حالفه الحظ ووجد شركة أخرى تكفل له الاستمرار ضمن برنامج (أتش 1 بي).
"في طريقي للاجتماع الأسبوعي مع مديري كل يوم جمعة، كان فكري ينصب على سؤال واحد، وهو: ماذا لو فقدت وظيفتي اليوم؟."
سؤال عادة ما يجر وراءه أسئلة أخرى كما يقول أتال أغاروال "إذا فقدت وظيفتي كيف سأحزم متعلقاتي؟، ماذا سأفعل بشأن عقد إيجار المنزل؟."
عاش أغاروال حالة الخوف والقلق هذه لأكثر من ثلاث سنوات حتى جاء اليوم المشؤوم وتخلت عنه شركته.
"هذا نوع من العبودية." هكذا وصف أغاروال تجربته مع تأشيرة (اتش 1 بي) للعمل في الولايات المتحدة.
ويوضح: "لكنها تصبح نوعا من العبودية، فقط، عندما لا يكون لديك طريق للحصول على البطاقة الخضراء."
بحسب الشاب الهندي، وحدها الإقامة الدائمة أو ما يعرف بالبطاقة الخضراء تعطيك الحق في تقرير مصيرك.
ويضيف: "لا تذهب للولايات المتحدة إلا إن كنت على يقين بأنك ستحصل على البطاقة الخضراء، ولديك جدول زمني واضح لذلك".
الطريق إلى البطاقة الخضراء
رغم أن تأشيرة (اتش 1 بي) لا تمنح حاملها الإقامة الدائمة، يقول ناصر فياض المحامي المختص بقوانين الهجرة، إلا أنها خطوة أولى مهمة.
"معظم من ينجح في الحصول على تأشيرة (اتش 1 بي) ويدخل البلاد، ويكون جادا في عمله، يُقدم صاحب عمله كخطوة ثانية طلبا للسلطات لمنحه (الموظف) البطاقة الخضراء حتى تستفيد (الشركة) منه لمدة أطول."
مدة تأشيرة (أتش 1 بي) ثلاث سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، بما لا يتجاوز ست سنوات.
إن حالفك الحظ، ووجدت صاحب عمل يكفل لك البطاقة الخضراء فهذا لا يعني أنك ستحصل عليها فورا، بحسب أغاروال، فبعض المهاجرين ومنهم الهنود يواجهون تأخيرا في الحصول على الإقامة الدائمة قد يستمر لعشرات السنين.
غيا أميركية لأبوين مهاجرين من الهند، نشرت على حسابها الشخصي على منصة تيك توك تقول إن والديها دخلا الولايات المتحدة بتأشيرة (أتش 1 بي) لكنهما لم يحصلا على الإقامة الدائمة إلا بعد ما يقرب من 15 عاما، بسبب التأخير في البت في الطلبات من طرف إدارة الهجرة.
تحدد الولايات المتحدة عدد البطاقات الخضراء التي تصدرها كل عام، لكن طلبات الحصول على بطاقة الإقامة الدائمة تتجاوز بكثير هذا العدد، ما يؤدي إلى حدوث تراكم أو تكدس.
بنهاية السنة المالية 2023، بلغ عدد الطلبات المتراكمة (أو المتكدسة) للحصول على البطاقة الخضراء 4 ملايين و300 ألف طلب، وفق آخر إحصاء لدائرة الهجرة.
أما التراكم في طلبات الحصول على البطاقات الخضراء لغرض العمل تحديدا، فقد بلغ في العام نفسه، مليون و800 ألف طلب، بينها مليون و 100 ألف طلب من موظفين هنود، وفق معهد كاتو البحثي في العاصمة واشنطن، الذي يدعو لتوسيع نطاق حرية الأفراد وتقليص دور الحكومات.
يحصل الهنود كل عام على نصيب الأسد (70 في المئة) من تأشيرات (أتش 1 بي) التي تصدرها الولايات المتحدة، يليهم الصينيون، فالكنديون.
ولا يولي العرب اهتماما كبيرا لهذه التأشيرة، بحسب المحامي المختص في قوانين الهجرة ناصر فياض، رغم تفوقهم في مجالات الهندسة والطب على حد قوله.
تأشيرة تثير الجدل
باتت (أتش 1 بي) محل اهتمام وجدل كبيرين مؤخرا، خاصة بعد إعلان الرئيس المنتخب دونالد ترامب دعمه لاستمرار منح هذه التأشيرة، رغم سياساته المتشددة تجاه الهجرة، ومعارضة بعض أنصاره داخل الحزب الجمهوري.
إذ يدخل ترامب البيت الأبيض هذا الشهر، واعدا بترحيل جميع المهاجرين الموجودين في الولايات المتحدة بشكل غير قانوني، وبفرض تعريفات جمركية على الواردات للمساعدة على خلق المزيد من فرص العمل للمواطنين الأميركيين.
لكن صناعة التكنولوجيا الأميركية تعتمد بشكل كبير على برنامج تأشيرة (أتش 1 بي) لتوظيف العمال الأجانب المهرة للمساعدة على إدارة مشاريعها، وهي قوة عمل يقول منتقدوها إنها تقلل من أجور المواطنين الأميركيين.
وتمنح الولايات المتحدة، عبر نظام القرعة، سنويا، 65 ألف تأشيرة (أتش 1 بي)، إضافة إلى 20 ألف تأشيرة للمهنيين الأجانب الذين يحملون درجة الماجستير أو أعلى من جامعة أو مؤسسة تعليمية أميركية.
ويجادل منتقدون لهذا البرنامج بأنه يأتي على فرص العمل المتاحة أمام المواطنين الأميركيين.
واتخذ أميركيون من شبكات التواصل الاجتماعي ساحة لانتقاد برنامج تأشيرات (أتش 1 بي)، والمطالبة بإلغائه، وقالوا إن الشركات تجلب الأجانب لا لوجود نقص في سوق العمل الأميركية بل لتدفع لهم رواتب أقل.
لكن وبحسب محامي الهجرة ناصر فياض، هذا الأمر غير صحيح، إذ يلزم القانون الأميركي صاحب العمل أن يدفع للموظف حامل تأشيرة (أتش 1 بي) الراتب السائد أو المتعارف عليه.
يقول صاحب هذا الحساب على تيك توك، إن القول بإن صناعة التكنولوجيا بحاجة لبرنامج تأشيرات (أتش 1 بي) "كذبة".
ويضيف في مقطع فيديو حظي بآلاف المشاهدات، "هذا مجرد غطاء.. إنهم يجلبون الناس عبر (أتش 1 بي) لأنها (التأشيرة) تمنحهم كامل السيطرة على هؤلاء الموظفين."
في نوفمبر الماضي، تجاوز معدل البطالة في الولايات المتحدة 4% بحسب مكتب إحصاءات العمل.
ويبلغ معدل البطالة في مجالات التقنية تحديدا، 2.5 %، وفق رابطة صناعة التكنولوجيا والحاسبات (CompTIA)ومقرها ولاية إلينوي.
تتسائل المتحدثة في مقطع الفيديو أدناه، عما إن كان هناك رابط بين تسريح تسلا التي يملكها إيلون ماسك لما يزيد عن ألفي موظف في أوستن بولاية تكساس هذا العام، وحصول الشركة على موافقات في العامين السابقين لاستقدام عدد مماثل من الموظفين الأجانب من الخارج بتأشيرة (أتش 1 بي).
ماسك الذي سيكون مسؤولا مع رجل الأعمال من أصل هندي فيفيك راماسوامي عن وزارة الكفاءة الحكومية في إدارة ترامب الثانية، يقود بشراسة معسكر الدفاع عن برنامج تأشيرات (أتش 1 بي)، وهو ما يجعله في مرمى نيران المعسكر المضاد.
ويتهم الأميركي، جو كلارك، شركة تسلا باستبدال الموظفين الأميركيين بآخرين أجانب، مستغلة أن تأشيرة (أتش 1 بي) تمنح صاحب العمل اليد عليا.
ويردف في مقطع فيديو نشره على حسابه على تيك توك، "هؤلاء الموظفون لن يتركوا الشركة، لأن هذا يعني أنهم سيخسرون تأشيرة دخولهم إلى الولايات المتحدة".
استفاد إيلون ماسك نفسه وهو من جنوب أفريقيا، من هذا التأشيرة، قبل حصوله لاحقا على الجنسية الأميركية.
وتأتي شركته، تسلا، في المرتبة 16 بين أكثر الشركات تقديما وطلبا لتأشيرات (أتش 1 بي)، وفق المؤسسة الوطنية للسياسات الأميركية (NFAP) وهي مؤسسة فكرية غير حزبية تركز على قضايا التجارة والهجرة.
وبحسب NFAP، زادت تسلا في عام 2024 بشكل كبير عدد الموظفين المعينين لديها عبر برنامج تأشيرات "أتش 1 بي" بعدما وافقت دائرة الهجرة على منح الشركة 742 تأشيرة من هذا النوع.
وكانت تسلا قد حصلت على 328 تأشيرة (اتش 1 بي) في 2023.
يقول محامي الهجرة ناصر فياض، إن التأشيرة التي يعود تاريخ العمل بها إلى 1990، لعبت ولا تزال تلعب دورا في جعل الولايات المتحدة أهم دولة اقتصاديا، فقد ساعدت البلاد على استقطاب العقول من حول العالم.
ويضيف أن الولايات المتحدة تعتمد على الاقتصاد الحر، وهو ما يحدد متطلبات وحاجة السوق، وعليه فالحديث عن أن تأشيرات العمل من هذه الفئة تنال من فرص عمل المواطنين الأميركيين "ما هو إلا استهلاك للسياسة يُستعمل لمناهضة الهجرة والمهاجرين."
أما أتال أغاروال فقد تمكن أخيرا من تأسيس شركته الناشئة، والتي تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي في مساعدة الراغبين في الهجرة إلى بلد آخر، عبر تقديم المعلومات اللازمة لهم قبل اتخاذ هذا القرار المصيري.
يقول في نهاية حديثه مع موقع "الحرة" إنه ورغم تحفظاته على تأشيرة "أتش 1 بي" يؤيد الإبقاء عليها، لكن مع إدخال بعض الإصلاحات بما يحمي حقوق الموظف الأجنبي ويخدم المجتمع الأميركي.