تصعب السيطرة على حرائق لوس أنجلوس لأن رياح "سانتا آنا" حين تعبر مساحات مكسوة بالعشب والشجر الجاف، تكون الأسباب قد اجتمعت لوقوع الكارثة.
تنشط هذه الرياح عادة في فصلي الخريف والشتاء، حيث تهب الرياح الجافة من المناطق الداخلية الصحراوية العالية باتجاه سواحل كاليفورنيا.
وعلى طول الطريق، تمر الرياح عبر سلاسل جبلية وعندما تسير الرياح نزولا عبر الجبال، فإنها تتعرض للضغط الجوي كما أن الهواء يسخن أيضا.
هذا بدوره يقلل من الرطوبة النسبية للهواء الصحراوي الجاف بالفعل، مما يجعل الهواء أكثر قدرة على تجفيف النباتات التي يمكن أن تشعل الحرائق.
ويمكن أن تصل سرعة رياح سانتا آنا إلى 160 كيلومترا في الساعة مما يجعلها فعالة جدا في تهوية النيران ونقل الجمرات.
"الأكثر كلفة في التاريخ"
حرائق الغابات في هذه الولاية اندلعت سريعا في الأيام الماضية وأسفرت عن دمار كبير وخلفت ضحايا، وغذّت هذه الحرائق الظروف الجافة والرياح الموسمية العاتية.
وصلت سرعة الرياح إلى أكثر من 140كيلومترا في الساعة ودفعت هذه الرياح النيران بسرعة إلى المناطق الحضرية.
سرعة انتشار النيران أجبرت أكثر من مئة ألف شخص إلى إخلاء منازلهم وأدت إلى مقتل خمسة أشخاص على الأقل حتى التاسع من يناير.
أكبر الحرائق في كاليفورنيا يعرف باسم "حريق باليسيدز "، اندلع في صباح السابع من يناير على الجهة الغربية من لوس أنجلوس.
ومنذ ذلك الحين، التهم حوالي 7000 هكتار من الأراضي ودمر نحو 1000 مبنى وهيكل.
أما الحريق الثاني من حيث الحجم فيسمى "حريق إيتون"، نشب بالقرب من مدينة باسادينا والتهم خلال يوم واحد أكثر من 4290 هكتارًا.
قال دانيال سوين، عالم المناخ في جامعة كاليفورنيا، في بث مباشر نشره على موقعه الخاص للتواصل الاجتماعي "إن حرائق الغابات في كاليفورنيا ستكون الأكثر كلفة في تاريخ الولايات المتحدة".
Why do so many fires seem to grow rapidly on windy days?
— CAL FIRE (@CAL_FIRE) January 9, 2025
Watch this Reel to learn about the role of wind on wildfires and why preparation is key during fire season.
➡️One less spark equals one less wildfire#WildfireAwareness #CALFIRE #StaySafe #PalisadesFire #CAwx #EastonFire pic.twitter.com/KUYySiwJf7
لكن لماذا تحدث هذه الحرائق في الشتاء؟
يمتد موسم الحرائق في جنوب كاليفورنيا من مايو إلى أكتوبر من كل عام. ولكن أظهرت الأبحاث الحديثة أن ارتفاع درجات الحرارة وتناقص الأمطار يوسعان فترة موسم الحرائق.
ومن المتوقع أن يستمر هذا التوسع في المستقبل، ففي بعض أجزاء الولاية، يُعتبر موسم الحرائق الآن حدثا يمتد طوال العام.
وتتعرض الولاية لفترات طويلة من الجفاف، حيث تكون الأمطار أقل من المعدل المعتاد، مما يؤدي إلى جفاف الأعشاب والأشجار. هذه النباتات الجافة تصبح بيئة مثالية لاشتعال الحرائق وانتشارها بسرعة.
كما أن الرياح القوية، تلعب دورا مهما في تعزيز انتشار الحرائق. وهذه الرياح تتميز بسرعتها العالية، ويمكن أن تدفع النيران بسرعة عبر المناطق الجافة، مما يؤدي إلى سرعة انتشارها وتوسع نطاقها.
🚨 RED FLAG WARNING – Southern California 🚨
— CAL FIRE (@CAL_FIRE) January 7, 2025
⚠️ When: Wednesday to Thursday
⚠️ Where: Greater Los Angeles County, San Gabriel and San Fernando Valleys, San Diego & Riverside Mountains, Eastern San Diego Valleys, Inland Orange County, Santa Ana Mountains, Inland Empire and San… pic.twitter.com/JJY68nnsBs
العشب الجاف .. وقود حرائق الغابات
يؤثر التغير المناخي في توزيع خارطة هطول الأمطار، مما يجعل بعض المناطق أكثر عرضة للجفاف لفترات أطول، مما يزيد من القابلية للاحتراق.
كما أن هذا التغير يؤدي إلى تسارع ذوبان الثلوج في المناطق الجبلية، مما يقلل من المياه المتاحة للنباتات ويزيد من خطر الحرائق في تلك المناطق.
على سبيل المثال، كان عام 2024 شديد الرطوبة في جنوب كاليفورنيا، وكان هناك الكثير من العشب الذي تحول بعد جفافه إلى وقود إضافي يمكن أن يشعل الحرائق، بحسب العالم سوين.
وأوضح سوين قوله: "منذ سبتمبر الماضي، شهد جنوب كاليفورنيا بدء موسم شتوي الأكثر جفافا على الإطلاق، بالإضافة إلى أنه واحد من أكثر المواسم حرارة على الإطلاق".
التغير المناخي ... سبب رئيس للحرائق
لا يمكن إنكار أن التغير المناخي الذي يسببه الإنسان قد ساهم في تفاقم الظروف الجوية التي تسهم في حدوث حرائق غابات أكثر شدة في كاليفورنيا.
يوضح سوين أن الظروف الجافة أصبحت أكثر شيوعا واستمرارا، ويقول: "لسنا فقط أمام احتمالية متزايدة للجفاف المستمر، بل نواجه أيضا صيفا أشد حرارة وخريفا أكثر جفافا، مع تزايد فرص أن يكون الشتاء جافا كذلك".
في كاليفورنيا، تجعل هذه التقلبات المناخية المتزايدة الظروف أكثر ملاءمة لحرائق الغابات. فسنوات الأمطار تساهم في نمو المزيد من النباتات، ثم تأتي سنوات الجفاف التي تليها لتجعل هذه النباتات وقودا للاحتراق.
الكثير من المناطق التي تشتعل الآن في جنوب كاليفورنيا تكسوها الأعشاب والشجيرات، وهذه المناطق حساسة بشكل خاص لتقلبات الطقس لأن مساحات شاسعة من الأعشاب التي يمكن أن تشعل الحرائق يمكن أن تنمو أو تختفي في عام واحد فقط حسب الظروف المناخية.
أدلة "تاريخية" تثبت وقوع حرائق بسبب تغيرات مناخية
شهدت حرائق الغابات زيادة كبيرة خلال التغيرات المناخية في العصور القديمة، وفقا للبيانات المستخلصة من الجليد "القديم" في القارة القطبية الجنوبية.
من خلال تحليل هذا الجليد، تمكن العلماء من تحديد فترات زمنية مرت بها الأرض شهدت زيادات في درجات الحرارة، مما قد يكون ساهم في انتشار حرائق الغابات في تلك الفترات.
النتائج أوضحت أن الزيادة في درجات الحرارة قد تؤدي إلى ظروف أكثر جفافًا، ما يعزز من إمكانية اندلاع الحرائق بشكل أكبر.
هذا الاكتشاف ساعد العلماء في فهم كيفية تأثير تغير المناخ على النظم البيئي، وكيف يمكن أن تتفاعل التغيرات المناخية المستقبلية مع ظواهر طبيعية مثل حرائق الغابات.
الكُرات الهوائية الصغيرة المحاصرة في الجليد القديم في القارة القطبية الجنوبية كشفت عن زيادات في حرائق الغابات العالمية التي تتزامن مع علامات التغير المناخي المفاجئ.
بينما كانت تقلبات درجات الحرارة، وتغيرات الأمطار الاستوائية، وارتفاعات الميثان سمات معروفة للتغيرات المناخية، إلا أنه حتى الآن لم تكن الحرائق جزءًا من المعادلة.
تحتوي عينات الجليد التي حفرها فريق عالم المناخ ريدل-يونغ، بحسب صحيفة ScienceAlert، على خط زمني للجليد والهواء يمتد على 67,000 سنة.
الميثان الذي يُطلق في الغلاف الجوي يبقى عادة لمدة حوالي 9 سنوات قبل أن يتم تحليله أو إزالته.
هذا يوفر وقتا كافيا ليغطي جميع أنحاء الكرة الأرضية، حيث يمكن أن يحتجز في جيوب هوائية صغيرة بين طبقات الجليد في أماكن مثل القارة القطبية الجنوبية الغربية.
يشير عدد النيترونات في الكربون والهيدروجين في جزيء الميثان إلى تاريخ الغاز الحديث.
إذا كان الميثان قد جاء من مصدر بيولوجي، مثل ازدهار الطحالب المتعفنة أو غازات الماموث، فمن المتوقع أن ينخفض التركيب النظائري مع زيادة مستويات الميثان.
وإذا كان الميثان قد انفجر من أعماق الأرض، مثلًا عن طريق البركان، فإن التركيب النظائري سيرتفع مع زيادة الميثان في الغلاف الجوي.
رصد فريق ريدل-يونغ لحظات في خط زمني لنواة الجليد حيث قفز التركيب النظائري للميثان إلى مستويات أعلى بكثير مما يمكن أن تحققه المصادر الجيولوجية، مما يلمح إلى وجود غازات ناتجة عن حرائق الغابات.
الأمر الملفت هو أن هذه اللحظات تزامنت مع فترات معروفة من التغير المناخي المفاجئ، مما يشير إلى أن الحرائق مرتبطة بتلك الأحداث.
دخان الحرائق.. مخاوف صحية
دخان الحرائق هو مزيج من الجسيمات الصغيرة، والغازات، وبخار الماء. والقلق الصحي الرئيس يتعلق بهذه الجسيمات التي يمكن أن تسبب حرقة في العينين، وسيلان الأنف، وحكة في الحلق، والصداع، والأمراض مثل التهاب الشعب الهوائية.
الأشخاص الأكثر عرضة للخطر مثل الأطفال، وكبار السن، والأشخاص المصابين بأمراض تنفسية أو قلبية، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، قد يعانون من تأثيرات أكثر شدة مثل صعوبة التنفس، والصفير، والسعال، والتعب، وألم في الصدر.
الجسيمات الدقيقة في دخان الحرائق يمكن أن تؤثر على صحة حتى أولئك الذين يعيشون بعيدًا عن مواقع الحرائق.
مجلة ساينز نيوز الأميركية ذكرت مثلا أن دراسات حديثة أظهرت أن دخان حرائق الغابات في ولاية كاليفورنيا بين 2008 و2018 تسبّب في وفاة ما يصل إلى 55700 شخص.
وقال مونتو ديفيس، مسؤول الصحة في مقاطعة لوس أنجلوس، في نصيحة نشرها على موقع المقاطعة الرسمي
"الدخان والرماد يمكن أن يضر الجميع، حتى أولئك الذين يتمتعون بصحة جيدة. ومع ذلك، فإن الأشخاص الأكثر عرضة للخطر هم الأطفال وكبار السن والأفراد الحوامل وأولئك الذين يعانون من أمراض القلب أو الرئة أو ضعف جهاز المناعة".