رياح صحراء عوت تلك الليلة، رياح سانتا آنا. جافة، حارة، تعبر الجبال إلى شعر رأسك، لتشعل فوضى في روحك وحكة في جلدك.
في ليال كتلك، يترك الندامى خمرتهم ويتقاتلون، والزوجات الوديعات يتحسسن أنصال سكاكينهن، ويرمقن رقاب أزواجهن، متأهبات.
قد يحدث أي شيء في ليال كهذه.
هكذا يصف ريموند شاندلر، في مجموعته القصصية "الرياح الحمراء"، إحدى ليالي كاليفورنيا حين تهب عليها رياح سانتا آنا؛
التي بقوتها امتدت حرائق لوس أنجلوس إلى الأحياء السكنية في المقاطعة، وقتلت، حتى الأربعاء، 24 شخصا على الأقل.
وطال الدمار الجزئي أو الكليّ أكثر من 12 ألف مبنى، وأجلت السلطات أكثر من 300 ألف شخص من منازلهم.
وصعّبت سانتا آنا محاولات السيطرة على الحرائق لأنها رياح، إن مسّت عشبا يابسا أو شجرا جافا، فذلك إيذان بوقوع كارثة.
ومثل شاندلر، استحضر كتّاب آخرون في أعمالهم مرويّات شعبية وأساطير عن "نذير الشؤم": سانتا آنا.
رياح الشيطان
هناك اعتقاد بأن أصل "سانتا آنا" متجذر في لغة السكان الأصليين ويعني الرياح. ورأى فيه المبشرون الإسبان الأوائل معنى شريرا نظرا للتشابه بين كلمة "Santa" وكلمة شيطان "Satan"، لهذا سُميت رياح سانتا آنا، أيضا، بـ"رياح الشيطان".
ويذهب آخرون إلى أن أصل الاسم مقدس وليس شيطانيا.
في يوم من أيام القديسة آنا، عام 1769، هبت الرياح على بعثة إسبانية استكشافية كانت تخيم في مقاطعة أورانج الحالية في لوس أنجلوس، فقرر قائد البعثة، غاسبار دو بورتولا، أن يسمي الرياح باسم القديسة.
ويقترن الاسم، لدى آخرين، باسم الدكتاتور المكسيكي أنطونيو لوبيز دي سانتا (1794-1876).
يتذكره المكسيكيون بوصفه الخائن، الذي خسر أكثر من نصف أراضي بلده إلى الولايات المتحدة.
لكن العلماء اتفقوا، بعد بحث، أن الاسم مشتق من وادي سانتا آنا؛ البوابة التي يغادر منها نهر سانتا آنا نحو مقاطعة أورانج.

جفاف مثير للأعصاب
حتى من دون حرائق، لم تكن سانتا آنا يوما رفيقة بالبشر.
الجفاف، زيادة الكهرباء الساكنة التي توقف شعر الرأس، تشقق الشفاه، تشقق الجلد بشكل عام، وحالة من الكآبة تطغى على الأجواء، أينما حضرت سانتا آنا.
هبوبها الصاخب، بالنسبة للسكان المحليين، نذير شؤم يشبه الهدوء الذي يسبق العاصفة.
من الصعب على الأشخاص الذين لم يعيشوا في لوس أنجلوس أن يدركوا مدى تأثير رياح سانتا آنا في خيال الناس المحليين، تقول الكاتبة جوان ديديون.
"كأنها تعرف فصل الخريف في جنوب كاليفورنيا،" تضيف الكاتبة، "تضرب المنازل والسيارات وتحمل الغبار والحطام".
رغم ذلك، قد تشكل فرصة لراكبي الأمواج في المحيط الهادئ، ويشعر آخرون بأن الصيف قد تمدد.
في كتاب "الانزلاق لبيت لحم"، تصف ديديون المزاج العام لكاليفورنيا في السيتينات.
"العنف وعدم التنبؤ برياح سانتا آنا يؤثر على جودة الحياة في لوس أنجلوس، ويكشف عدم استقرارها، وعدم موثوقيتها".
"الرياح تُظهر لنا كم نحن قريبون من الحافة،" تقول.
تجعل سانتا آنا كاليفورنيا مكانا "قاسيا" مسكونا بالهواجس التي تثيرها رياح سانتا آنا إذ تعوي عبر الممرات بسرعة 100 ميل في الساعة.
"تزعج الأشجار وتثير على الأعصاب".
حين تحضر يصبح التنفس صعبا وتشتعل التلال من ذاتها.
"يبدو أن كل صوت صراخا. إنه موسم الانتحار والطلاق والخوف الحارق، حيثما هبت الرياح"، تتابع ديديون.
ويصف دين كونتز مشهدا داخل أحد البيوت في كاليفورنيا أثناء هبوب سانتا آنا، في روايته "الزوج" على نحو كابوسي.
"كان التنفس المتعجل، والهمسات، والتنهدات الجائعة ترتفع من كل فتحة في العلية، كما لو أن العلية كانت قفصا للكناري والريح قطة جائعة".
ويتابع "كانت هذه هي الطبيعة المقلقة لرياح سانتا آنا التي أثارت حتى العناكب، التي تحركت بشكل غير هادئ على شبكاتها".
الضحايا
الأطفال، وكبار السن، والأشخاص المصابون بأمراض تنفسية أو قلبية، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، ضحايا سانتا آنا في الغالب.
معهم تكون التأثيرات أكثر شدة، مثل صعوبة التنفس، والصفير، والسعال، والتعب، وآلام الصدر.
لن يقتصر إرث سانتا آنا على تدمير البيئة والصحة، ولن تقتصر آثار رياحها على أساطير القلق والعنف التي ينسجها الواقع فتلتبس بالخيال.
بعد حرائق هذا العام، ستضيف سانتا آنا فصلا جديدا إلى تاريخ كاليفورنيا الملتهب، وسيجد الكتاب إلهاما جديدا لإعادة نسج المأساة على وقع غضب الطبيعة.