أثار قرار الإدارة الأميركية الجديدة، تجميد مساعدات فدرالية، موجة واسعة من النقاش والجدل في واشنطن، قبل أن تتدخل قاضية فدرالية لوقف تنفيذه مؤقتاً.
ويأتي القرار تنفيذا للأوامر التنفيذية التي أصدرها الرئيس دونالد ترامب، بعد أسبوع من تنصيبه، حيث أصدر مكتب الإدارة والموازنة، مذكرة تطالب جميع الإدارات والوكالات الفدرالية بتجميد جزء من الإنفاق على هذه المساعدات، وإجراء مراجعة شاملة لها.
وبينما ترى الإدارة الجديدة أن هذه الخطوة تهدف إلى ضمان توافق برامج المساعدات مع الأولويات الحكومية وترشيد الإنفاق العام، يعتبرها معارضون "انتهاكاً للقانون وتهديداً للمصلحة العامة".
وأدى هذا الانقسام في وجهات النظر، إلى جدل سياسي واسع، ودخول القضاء الفدرالي على الخط.
تفاصيل القرار
أصدرت الإدارة الأميركية قراراً يقضي بتجميد برامج خاصة بالمساعدات الحكومية الفدرالية، في الولايات المتحدة.
يلزم القرار جميع الإدارات والوكالات الفدرالية بوقف صرف المساعدات المالية بشكل مؤقت، في خطوة تؤثر على برامج تصل قيمتها إلى 3 تريليون دولار سنويا.
ويشمل نطاق القرار مجموعة واسعة من البرامج، تتضمن المنح الدراسية، والقروض المخصصة للشركات الصغيرة، والمساعدات الطارئة في حال الكوارث الطبيعية.
كما يطال القرار التمويل المقدم للمنظمات غير الحكومية والمؤسسات البحثية والجامعات وبرامج المساعدات المحلية للولايات والمدن.
ويتعلق ذلك بمئات المليارات أو حتى تريليونات الدولارات، التي توزع في مختلف أنحاء البلاد.
وأنفقت الحكومة الفدرالية أكثر من 3000 مليار دولار العام الماضي على شكل "مساعدات مالية"، تشمل المنح الدراسية والقروض والمساعدات الطارئة في حال وقوع كارثة طبيعية، وكلها بموافقة الكونغرس.
وحدد البيت الأبيض استثناءات من قرار تجميد الدعم، تشمل برامج الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية للمسنين (Medicare)، وكذلك المساعدات المباشرة للمواطنين، مثل برنامج المساعدات الغذائية (SNAP) وبرنامج "Medicaid" للرعاية الصحية.
كما أُعفيت من القرار المساعدات المقدمة للمزارعين، وبرامج المساعدة في الإيجار.
ويطلب القرار من الوكالات الفدرالية مراجعة شاملة لجميع برامج المساعدات، للتأكد من توافقها مع "الأولويات الرئاسية".
غير أن غموض صياغة المذكرة وسرعة تنفيذها، أدى إلى حالة من الارتباك في العديد من المؤسسات الحكومية والمنظمات المستفيدة من هذه المساعدات، مما دفع البعض إلى طلب توضيحات عاجلة من البيت الأبيض حول نطاق تطبيق القرار.
الأهداف
يأتي إعلان البيت الأبيض، بعد أيام من خطوة مماثلة لتجميد المساعدات الأميركية الخارجية، إلى أن تخضع لمراجعة كاملة للتحقق من مدى امتثالها للسياسة التي يعتزم ترامب اتباعها.
وأوضحت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، أن الهدف الأساسي هو إجراء "وقفة مؤقتة" لمراجعة البرامج، والتأكد من توافقها مع الأوامر التنفيذية للرئيس ترامب.
ويربط البيت الأبيض هذه المراجعة، بإعادة هيكلة الدولة الفدرالية وتقليص الإنفاق، في إطار ما يصفه ترامب بأنه "إجراء مسؤول للغاية".
وتستهدف المذكرة التي وجهها مكتب الإدارة والموازنة (OMB) التابع للبيت الأبيض، والموجهة إلى جميع الوكالات الفدرالية، بشكل صريح ما وصفته بـ"استخدام الموارد الفدرالية لتعزيز المساواة الماركسية والهويات الجنسية المتحولة".
كما تنتقد ما تسميه "هندسة اجتماعية" مرتبطة بقضايا البيئة، معتبرة أن هذه السياسات "إهدار لأموال دافعي الضرائب ولا تحسن الحياة اليومية للمواطنين".
ويأتي هذا القرار في إطار رؤية أوسع للإدارة الأميركية، تهدف من خلاله إلى إعادة هيكلة الدولة الفدرالية، بعد أن وعد الرئيس الجمهوري خلال حملته الانتخابية، بخفض عبء الدولة الفدرالية وتقليص الإنفاق.
وتشير المذكرة إلى هدف معلن آخر، هو "إزاحة العبء المالي للتضخم عن المواطنين"، ووضع حد لما يعتبره المحافظون سياسات "تقدمية مفرطة".
وأكدت المتحدثة ليفيت أن برامج المساعدات للأفراد لم تتأثر بهذا التجميد، الذي أربك العديد من الخدمات الحكومية منذ نشر المذكرة، مساء الإثنين.
جدل واسع
رافق قرار تجميد المساعدات الفدرالية انتقادات كبيرة من معارضي الإدارة الجديدة، خاصة من جانب الحزب الديمقراطي الذي وصف القرار بأنه "غير قانوني وكارثي".
وتمحور النقاش حول القرار على عدة مستويات، من دستوريته إلى تأثيراته العملية على حياة الملايين من الأميركيين.
وعلى المستوى السياسي، شن زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، هجوما حاداً على الإجراء، واصفاً إياه بأنه "طعنة في قلب الأسر الأميركية المتوسطة".
وأضاف شومر أن "هذا القرار غير قانوني وخطير ومدمر وقاس"، معتبر إياه بمثابة "عملية سطو نُفذت على نطاق وطني". وأكد أن الديمقراطيين سيحاربون هذه المبادرة "بكل الوسائل المتاحة".
من جانبها، حذرت السناتورة باتريشيا موراي، من العواقب "الكارثية" المحتملة للقرار، مشيرة إلى تأثيره على قطاعات حيوية مثل رعاية الأطفال وأبحاث السرطان ومكافحة الإدمان على المواد الأفيونية وإعادة بناء الطرق.
وأشارت موراي إلى أن الأميركيين "سيجدون أنفسهم مجبرين على المفاضلة بين تمويل أبحاث السرطان أو إصلاح الجسور المتداعية".
وعلى المستوى القانوني، أعلن مدعون عامون ديمقراطيون من 23 ولاية، عزمهم رفع دعوى قضائية لوقف التجميد، معتبرين إياه "غير دستوري".
ويرى منتقدو القرار أنه "ينتهك" قانون مراقبة تجميد الأموال لعام 1974، الذي يحدد إطار صلاحيات الرئيس في تجميد الأموال المخصصة من الكونغرس.
كما أثار القرار قلقا في أوساط المنظمات غير الربحية والمؤسسات المستفيدة من المساعدات الفدرالية.
ووصفت رئيسة المجلس الوطني للمنظمات غير الربحية، ديان ينتل، القرار بأنه "حريق محتمل من الدرجة الخامسة للمنظمات غير الربحية"، محذرة من أن "تأثير حتى وقف قصير للتمويل يمكن أن يكون مدمراً ويكلف أرواحاً".
وفي مواجهة هذه الانتقادات، نجحت تحالفات من المنظمات غير الربحية في الحصول على قرار قضائي مؤقت بوقف تنفيذ القرار.
ومنحت القاضية لورين علي خان، مهلة حتى الإثنين المقبل، للنظر في الحجج القانونية المقدمة من الحكومة الأميركية والمدعين في القضية.
وقالت خلال جلسة المحكمة الاتحادية في واشنطن، إن "الحكم يهدف إلى الحفاظ على الوضع الراهن".
ووفقا لخان، فإن أمر الإيقاف "مؤقت"، حتى الثالث من فبراير المقبل.