شكلت عمليات شراء الأراضي جزءا من استراتيجية الولايات المتحدة لتوسيع نفوذها الجغرافي والاقتصادي. فمنذ أوائل القرن التاسع عشر، شهدت البلاد توسعا هائلا.
وتوسع حجم الولايات المتحدة بفضل صفقات شراء، وتسويات دبلوماسية، وأحيانا نزاعات مسلحة. فهل تمثل غرينلاند فصلا جديدا في هذا الإرث التاريخي؟
وفي خضم الجدل الدائر حول فكرة شراء غرينلاند، أعاد وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، تأكيد أهداف إدارة الرئيس، دونالد ترامب، من هذه الخطوة.
وقال إن ما قاله "الرئيس ترامب علنا هو أنه يريد شراءها" في إشارة إلى غرينلاند.
وأضاف روبيو في مقابلة لإذاعة "سيريوس إكس إم" أن "هذا الأمر لا يتعلق بالاستحواذ على الأراضي لغرض الاستحواذ على الأراضي. هذا يصب في مصلحتنا الوطنية ويجب حله".
وشهد التاريخ صفقات كبيرة، أبرمتها الولايات المتحدة لشراء الأراضي التي باتت الأن جزءا من خارطتها الجغرافية:
لويزيانا.. أعظم الصفقات العقارية في التاريخ
البداية كانت في 1803، في صفقة اكتسبت سمعة "أعظم الصفقات العقارية في التاريخ"، عندما اشترت إقليم لويزيانا بـ 15 مليون دولار، وحصلت حينها على أكثر من مليوني كلم من الأراضي.
حازت هذه المنطقة على اهتمام كبير حيث يمر عبر المسيسبي، والتي كانت تسيطر عليه إسبانيا منذ 1762.
ضمن محاولات نابليون بونابرت لإحياء الإمبراطورية الفرنسية استولى على لويزيانا من إسبانيا بعد 1800، ليتخوف الرئيس الأميركي توماس جيفرسون حينها ويقول إن هناك منطقة يمتلكها عدونا الطبيعي المعتاد إنها "نيو أورلينز"، في إشارة إلى الفرنسيين.
وكانت توجيهات جيفرسون، بالتفاوض على إقليم لويزيانا بقيمة 10 ملايين، لتخرج الصفقة بـ 15 مليون دولار وسط إصرار نابليون على المبلغ.
عندما وصلت الأنباء لجيفرسون حينها، كان في "حيرة من أمره"، إذ أراد الالتزام بالدستور، ولكن لم يكن هناك أي بند يتيح له شراء الأراضي، ولكنه وسط الدعم الشعبي حينها، قرر التخلي عن تمرير تعديل دستوري لهذه الغاية، والمضي في عملية الشراء.
فلوريدا.. معاهدة أنهت الخلاف مع إسبانيا
قبل 1820 ظلت المستعمرات في فلوريدا، مخلصة للبريطانيين، وبعدها سيطر عليها الإسبان.
وفي 1783، بدأ المهاجرون الأميركيون ينتقلون إلى غرب فلوريدا، وفي 1810 أعلنوا التمرد والاستقلال عن إسبانيا.
وفي تلك الفترة، بدأ الرئيس جيمس ماديسون، بالمطالبة بالمنطقة، معتبرين أن بعض المناطق كانت ضمن المناطق التي اشترتها الولايات المتحدة من فرنسا، والتابعة إلى إقليم لويزيانا.
وبقيت العلاقة متوترة بين الولايات المتحدة وإسبانيا في تلك الفترة، حتى إبرام معاهدة آدمز ـ أونيس.
المعاهدة التي عرفت باسم "المعاهدة عبر القارات" توصل إليها وزير الخارجية الأميركي، جون كوينسي آدمز تحت رئاسة جيمس مونرو، ووزير خارجية اسپانيا لويس دي أونيس.
وتنص على تنازل إسبانيا على ما تبقى من إقليم لوزيانا، وبيع كامل فلوريدا للولايات المتحدة.
لم تتلق إسبانيا أي مقابل بدلا لفلوريدا، ولكن تحملت الولايات المتحدة مسؤولية دفع خمسة ملايين دولار بدل أضرار تسبب بها مواطنون أميركيون ضد إسبانيا.
صفقة غادسدن.. 10 ملايين دولار للمكسيك
أبرمت الولايات المتحدة معاهدة مع المكسيك في عام 1853-1854، حيث وافقت واشنطن على دفع 10 ملايين دولار للمكسيك، مقابل أجزاء تابعة لها، والتي تعرف حاليا بمناطق جنوب أريزونا، وجنوب غرب نيو مكسيكو.
سميت بصفقة أو معاهدة غادسدن، لتوقيع السفير الأميركي في المكسيك في ذلك الوقت جيمس غادسدن عليها.
وجاءت هذه المعاهدة، لإنهاء النزاعات الحدودية، بين المكسيك والولايات المتحدة، فرغم انتهاء الحرب رسميا في 1848، استمرت التوترات بين البلدين.
وتم التفاوض على دفع مبلغ 15 مليون دولار للمكسيك، ليتم تخفيضه لاحقا إلى 10 ملايين دولار.
ألاسكا.. صفقة شراء وصفت بـ "الحماقة"
اشترت الولايات المتحدة ولاية ألاسكا من الإمبراطورية الروسية عام 1867، بموجب معاهدة وقعها الرئيس الأميركي أندرو جونسون.
باعت روسيا حينها تلك المنطقة الباردة لصعوبات العيش فيها وحاجتها للمال، حيث بيعت بـ 7.2 مليون دولار.
وفي بداية الأمر، لم يكن لهذه الولاية الجديدة أي أهمية للولايات المتحدة، والبعض كان يصف شرائها بـ "الحماقة"، ليتبين لاحقا أنها تمتلك مخزون كبير من الذهب والمعادن.
جزر مختلفة
وخلال تاريخ الولايات المتحدة اشترت العديد من الجزر، من بينها جزر العذراء الأميركية والتي اشترتها عام 1917 من الدنمارك بمبلغ 25 مليون دولار.
وكان قد سبقها دفع الولايات المتحدة 20 مليون دولار لإسبانيا مقابل تنازلها على جزر الفلبين عام 1898، إذ استمرت تبعيتها حتى عام 1946.
محاولات شراء غرينلاند
وحاليا، يتزايد القلق في الدنمارك بشأن طموحات ترامب الذي يكرر أن الولايات المتحدة "ستحصل" على غرينلاند، وأن كوبنهاغن ستستسلم في نهاية المطاف.
وأظهر استطلاع للرأي نشرته صحيفة بيرلينغسكي اليومية وصحيفة سيرميتسياك في غرينلاند الأربعاء أن الغالبية العظمى من سكان غرينلاند لا يريدون أن يكونوا جزءا من الولايات المتحدة.
وفي ردها الثلاثاء، قالت رئيسة الوزراء الدنماركية ميتي فريدريكسن بعد زيارة إلى باريس حيث التقت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "يتعين علينا احترام أراضي الدول وسيادتها بشكل مطلق، إنه عنصر أساسي في المجتمع الدولي".
وتسعى غرينلاند إلى الحصول على السيادة، وستكون مسألة الاستقلال في صلب حملة الانتخابات المحلية المقبلة المقرر أن تجري في موعد أقصاه 6 أبريل.