القرارات الحمائية "الترامبية" تضع أميركا في مواجهة مع شركائها التجاريين. أرشيفية
القرارات الحمائية "الترامبية" تضع أميركا في مواجهة مع شركائها التجاريين. أرشيفية

"زيادة أسعار السلع في الأسواق الأميركية" نتيجة حتمية للرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مطلع فبراير.

لكن ارتفاع الأسعار  ليس سوى عارض جانبي لما يُعد بمثابة "عملية جراحية" لشكل العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وشركائها.

ويجادل خبراء اقتصاد أن تلك "الجراحة" ضرورية لحماية الأمن القومي الأميركي على الجبهة الاقتصادية. فليس بالأعمال العسكرية وحدها تسقط، أو تنهض، الأمم.

صحيح أن الكونغرس مكلف، وفق الدستور، بفرض وجمع الرسوم الجمركية وتنظيم المبادلات التجارية مع الدول الأجنبية.

لكن الدستور يسند إلى الرئيس الأميركي مهمة التفاوض بشأن "المعاهدات" الدولية.

ورغم أن موافقة الكونغرس أساسية لإبرام المعاهدات، فقد توسعت، خلال القرن العشرين، صلاحيات الرئيس في المجال التجاري.

يسمح "قانون التجارة مع العدو،" الذي صوت عليه الكونغرس في 1971 للرئيس بوقف الاستيراد من بلد "في أوقات الحرب أو خلال فترات أخرى من الحالات الطارئة الوطنية".

ويسمح "قانون التجارة" العائد إلى 1974 بفرض رسوم جمركية على بلد إذا كانت نشاطاته "غير منطقية"، أو بتعليق اتفاق تجاري إذا كان يحمّل الولايات المتحدة "أعباء" اقتصادية.

   

وفي مستهل ولايته الرئاسية الثانية، أبقى الرئيس ترامب الرسوم الجمركية على الصين بنسبة 10 في المئة، وفرض، ثم جمد، رسوما جمركية على كندا والمكسيك.

ووقع مذكرة لكبح الاستثمارات الصينية في قطاعات استراتيجية أميركية، بما فيها التكنولوجيا والبنى التحتية الحيوية.

يقول المحلل الاقتصادي الأميركي، ديفيد باين، إن الرسوم الجمركية "قد تكون ناجحة، لكن الحسابات فيها يجب أن تكون دقيقة، حتى لا تعود بنتائج عكسية على الاقتصاد الأميركي، أو بإيجاد نوع من المواجهات الدولية بالرسوم الجمركية".

ويرجح باين في حديثه مع موقع "الحرة" أن الرسوم "أداة ضغط" وتسهم في تحسين الموقف التفاوضي للولايات المتحدة.

في 20 فبراير، قال ترامب إن من "الممكن" التوصل إلى اتفاق تجاري بين الولايات المتحدة والصين.

وأشار إلى أن الولايات المتحدة أبرمت في 2020 "اتفاقية تجارية عظيمة مع الصين" وأن التوصل إلى معاهدة جديدة أمر "ممكن".

واعتبر مسؤولون في إدارة ترامب أن الرسوم الجمركية مصدر محتمل للإيرادات، فضلا عن كونها حافزا لشركات عالمية لزيادة القدرة التصنيعية في الولايات المتحدة.

ووضع ترامب الرسوم الجمركية في صلب شعاره "أميركا أولا،" ورأى أنها وسيلة لتصحيح المعاملة "غير العادلة" من جانب الحلفاء التجاريين.

ويرى أنصار ترامب أن المخاطرة تستحق المكافأة. وقال الرئيس التنفيذي لبنك "جي.بي.مورغان. تشيس"، جيمي ديمون، لشبكة "سي أن بي سي" أنه حتى لو تسببت الرسوم الجمركية في بعض التضخم، فهي تعالج قضية تتعلق بالأمن القومي.

على الناس أن "يتجاوزوا الأمر (أي مسألة الأسعار)"، أضاف.

ولم يخف ترامب خشيته من أن الأميركيين قد يشعرون "بألم" اقتصادي بسبب الرسوم الجمركية، لكنه اعتبر أن تأمين المصالح الأميركية "يستحق هذا الثمن".

وكتب على موقعه التواصلي، تروث سوشال، مطلع فبراير، قائلا: "هل سيكون هناك بعض الألم؟ نعم، ربما وربما لا".

وأضاف "لكننا سنجعل أميركا عظيمة مجددا، ويستحق ذلك الثمن الذي يجب دفعه".

ويقر الاقتصادي في مؤسسة كيبلينغر بواشنطن، باين أن فرض الرسوم الجمركية على الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، قد يعود بنتائج "مدمرة" على بعض القطاعات، وقد يكون "داعما" لأخرى.

ويشرح أن هذه الرسوم "مثال كلاسيكي على الربح والخسارة"، فقد تحمي صناعات محلية، وفي الوقت ذاته قد تعني زيادة التكاليف على المشترين.

الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب مطلع فبراير كانت نسبتها 10 في المئة على كل المنتجات المستوردة من الصين.

 وتسجل الصين أكبر فائض تجاري مع الولايات المتحدة على صعيد السلع، قُدر بنحو 296 مليار دولار في 2024 بحسب مكتب التحليل الاقتصادي التابع لوزارة التجارية الأميركية.

وكانت الولايات المتحدة وجهة لحوالي 15 في المئة من صادرات الصين في 2024 على ما أظهرت بيانات الجمارك الصينية.

وفي رد فعل على رسومات ترامب، فرضت بكين رسوما جمركية بنسبة 15 في المئة على وارداتها الأميركية من الفحم والغاز الطبيعي المسال، و10 في المئة على النفط والسلع الأخرى مثل الآلات الزراعية والمركبات.

"لا أعتقد أن أحدا ينبغي أن يفاجأ بشأن هذه التعريفات الجمركية أو التهديدات بالتعريفات الجمركية،" قالت كريستين ماكدانييل، زميلة باحثة بارزة في مركز ميركاتوس.

وأضافت ماكدانييل، وهي مسؤولة سابقة في إدارة الرئيس الأميركي الأسبق، جورج دبليو بوش، أن ترامب "كان واضحا للغاية في أنه يراها أداة مهمة في مجموعة أدواته".

وأوضحت، في تصريحات نقلتها فرانس برس، أن ترامب ينظر إلى الرسومات الجمركية "كأداة تفاوضية" لتحقيق التوازن التجاري.

وتثير هذه التدابير قلق المحللين في وقت يتمتع فيه الاقتصاد الأميركي بحالة جيدة، إذ سجل في 2024 نسبة نمو بلغت 2.8 في المئة.

وحذر معهد "أكسفورد إيكونوميكس" من خسارة الولايات المتحدة 1.2 نقطة مئوية من نموها الاقتصادي.

وقال وزير التجارة الأميركي، هوارد لوتنيك، في أواخر يناير قبل فرض الرسوم الجمركية: "يجب أن نُعامل بشكل أفضل، ويجب أن نُعامل باحترام، ويمكننا استخدام الرسوم الجمركية لفرض المعاملة بالمثل والعدالة والاحترام".

ووصف فكرة أن فرض رسوم جمركية كبيرة يمكن أن يؤدي إلى زيادة التضخم، بأنها "سخيفة"، مع إقراره أنه "قد تشهد بعض المنتجات ارتفاعا في الأسعار، ولكن ليس كلها، ولن يكون ذلك تضخميا".

وستفرض واشنطن كذلك اعتبارا من 12 مارس رسوما جمركية جديدة بنسبة 25 في المئة على صادرات الفولاذ والألمنيوم على كل شركائها التجاريين.

وهدد ترامب كذلك بفرض رسوم جمركية جديدة بنسبة 25 في المئة أو أكثر على شريحة واسعة من القطاعات اعتبارا من مطلع أبريل، وضمنها خشب البناء والمنتجات الحرجية فضلا عن السيارات وشبه الموصلات وصناعات الأدوية.

في ما يخص خشب البناء والمنتخبات الحرجية، قال ترامب إنه "يبحث" في فرض هذه التدابير "بحدود الثاني من أبريل".

وتفيد لجنة التجارة الدولية أن كندا، جارة للولايات المتحدة، هي مزود واشنطن الأول بالمنتجات الحرجية وتلبي حوالي نصف الواردات الأميركية في هذه المجال.

تجارة أميركا بالأرقام

وفرض ترامب على مجمل الواردات من كندا والمكسيك رسوما جمركية بنسبة 25 في المئة، لكنه عاد ومنح البلدين مهلة حتى الأول من مارس قبل بدء العمل بهذه التدابير.

وقد يتجنب قطاع السيارات الرسوم الجمركية من خلال الاستثمار في مصانع داخل الولايات المتحدة على ما أكد ترامب، الأمر الذي يثير حفيظة الاتحاد الأوروبي، الذي يتخوف من حزمة رسوم جمركية أيضا.

وقال "نريد أن نمنحهم الوقت للمجيء.. نريد أن نمنحهم فرصة".

وأكد ترامب في 19 فبراير أنه تلقى "اتصالات من بعض أكبر الشركات في العالم، وبفضل ما نقوم به بشأن الرسوم الجمركية والحوافز، أعربوا عن رغبتهم بالعودة إلى الولايات المتحدة وسنعلن عودة شركات ضخمة".

وبحسب بيانات وزارة التجارة الأميركية، فإن العجز التجاري الأميركي في السلع مع الاتحاد الأوروبي ناهز 235 مليار دولار في 2024.

ترامب أمام معادلة صعبة بفرض الرسوم الجمركية والحد من التضخم . أرشيفية

ويهدد الاتحاد الأوروبي برد "حازم وسريع" في حال فرض رسوم جمركية على منتجاتهم.

وخلال الأسابيع القليلة الماضية، فرض ترامب الرسوم الجمركية على شركاء تجاريين، أبقى بعضها، وجمد بعضها الآخر، ويهدد بفرض مزيد منها على آخرين، ويستثني البعض.

الإجراءات الاقتصادية "الترامبية" الحمائية، وضعت الولايات المتحدة في حالة مواجهة مع الصين، ومهادنة مع المكسيك وكندا، وترقب حذر مع الاتحاد الأوروبي.

قد ترضي هذه الإجراءات الحمائية، في ظل نظام التبادل الحر للسلع العديد من أنصار ترامب في الحزب الجمهوري، وفي الوقت ذاته قد تعيد تشكيل علاقات الولايات المتحدة مع الشركاء التجاريين بما يصون المصالح الأميركية، وفق الرئيس ترامب.

العلم الأميركي وشعار وزارة التعليم

قال البيت الأبيض في وثيقة إن الرئيس دونالد ترامب سيوقع الخميس أمرا تنفيذيا يهدف إلى إغلاق وزارة التعليم، تنفيذا لتعهد رئيسي قطعه خلال حملته الانتخابية.

ويوجه الأمر وزيرة التعليم ليندا مكماهون إلى "اتخاذ جميع الخطوات اللازمة لتسهيل إغلاق وزارة التعليم وإعادة سلطة التعليم إلى الولايات، مع الاستمرار في ضمان تقديم الخدمات والبرامج والمزايا التي يعتمد عليها الأمريكيون بشكل فعال ومتواصل".

كما ينص على أن أي برامج أو أنشطة تتلقى تمويلات متبقية من وزارة التعليم يجب ألا "تدعم التنوع والإدماج أو أيديولوجية النوع الاجتماعي".

وتم الطعن في هذه الخطوة من قبل مجموعة من المدعين العامين الديمقراطيين من الولايات، الذين رفعوا دعوى قضائية لوقف حل الوزارة وتسريح نحو نصف موظفيها الذين تم الإعلان عنهم الأسبوع الماضي.

وحاول ترامب ومستشاره الملياردير إيلون ماسك إغلاق برامج ومؤسسات حكومية مثل وكالة الولايات المتحدة للتنمية الدولية دون موافقة الكونغرس، لكن إلغاء وزارة التعليم سيكون أول محاولة من ترامب لإغلاق وكالة على مستوى الوزراء.

ولا يستطيع ترامب إغلاق الوزارة دون تشريع من الكونغرس، وهو ما قد يكون صعبًا.

حيث يسيطر الجمهوريون في مجلس الشيوخ على 53 مقعدًا مقابل 47، لكن التشريعات الكبرى مثل مشروع قانون لإلغاء وكالة على مستوى الوزراء تحتاج إلى 60 صوتًا، وبالتالي فأن تمرير القرار بحاجة إلى دعم سبعة ديمقراطيين.

ولم يظهر الديمقراطيون في مجلس الشيوخ أي إشارات على أنهم سيدعمون إلغاء وزارة التعليم.

وكرر ترامب دعوته لإلغاء الوزارة، واصفًا إياها بأنها "خدعة كبيرة"، واقترح إغلاقها في فترة ولايته الأولى كرئيس، ولكن الكونغرس لم يتخذ أي إجراء.

وقال الرئيس ترامب في شهر فبراير إنه يريد إغلاق الوزارة فورًا، لكنه اعترف بأنه سيحتاج إلى دعم من الكونغرس ونقابات المعلمين.

مساع لتفكيكها.. لماذا تختلف وزارة التعليم الأميركية عن نظيراتها بالعالم؟
في العديد من دول العالم، ومن بينها دول الشرق الأوسط، تشرف وزارة التعليم بمختلف مسمياتها على التعليم بشكل مباشر من خلال صرف المخصصات المالية لتمويل الفصول الدراسية والموارد ورواتب العاملين، لكن الوضع مختلف في الولايات المتحدة.

وقبل إنشاء الوزارة، كان التعليم جزءًا من وزارة الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية في الولايات المتحدة، التي عملت من 1953 إلى 1979.

ويقول المدافعون عن الوزارة إنها أساسية للحفاظ على معايير التعليم العام العالية، وقد يؤدي الإغلاق الفوري إلى تعطيل عشرات المليارات من الدولارات من المساعدات للمدارس الابتدائية والثانوية، بالإضافة إلى المساعدة في دفع الرسوم الدراسية لطلاب الجامعات.

وتدير الوزارة حوالي مئة ألف مدرسة عامة و34 ألف مدرسة خاصة في الولايات المتحدة، على الرغم من أن أكثر من 85% من تمويل المدارس العامة يأتي من الحكومات المحلية والولايات.

كما تقدم الوزارة منحًا فيدرالية للمدارس والبرامج المحتاجة، بما في ذلك الأموال لدفع رواتب معلمي الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وتمويل برامج الفنون، واستبدال البنية التحتية القديمة.

كما تشرف الوزارة على قروض الطلاب التي تبلغ قيمتها 1.6 تريليون دولار والتي يحصل عليها عشرات الملايين من الأميركيين الذين لا يستطيعون دفع تكاليف الجامعات بشكل كامل.

من ناحية أخرى، أشادت الجماعات المحافظة بهذه الخطوة باعتبارها "إجراء طال انتظاره لإعادة تأكيد السيطرة المحلية على الفصول الدراسية الأميركية".

لكنهم أقروا أن مهمة تقليص حجم الوزارة لن تكون سهلة.