برنامج "داخل واشنطن" استضاف السفير الأميركي السابق، رايان كروكر، رئيس مجلس إدارة شبكة الشرق الأوسط للإرسال، والدكتور جيفري غيدمان، الرئيس والمدير التنفيذي للشبكة.
برنامج "داخل واشنطن" استضاف السفير الأميركي السابق، رايان كروكر، رئيس مجلس إدارة شبكة الشرق الأوسط للإرسال، والدكتور جيفري غيدمان، الرئيس والمدير التنفيذي للشبكة.

شهدت الأيام القليلة الماضية حدثين مهمين: الأول، تصويت الكونغرس الأميركي على تمديد الميزانية الفيدرالية حتى سبتمبر، وشمل ذلك الانفاق على جميع البرامج الرئيسية مثل الدفاع والضمان الاجتماعي. إضافة الى برامج أخرى منها البث الدولي.

ولكن بعد يوم واحد من التصويت، قررت إدارة الرئيس دونالد ترامب إلغاء تمويل البث الدولي، وإلغاء تمويل صوت أميركا، وراديو أوربا الحرة، وقناة "الحرة".

وفي خضم هذا الخلاف، يبرز سؤالان: من يتحكم بالإنفاق في نظامنا الدستوري، الكونغرس أم الرئاسة؟

وفي الوقت الذي ينفق فيه أعداء أميركا مئات ملايين الدولارات على الدعاية، هل هذا هو الوقت المناسبة لحكومتنا كي تستسلم في معركة الأفكار؟

لمناقشة دور البث الدولي في معركة الأفكار،  استضاف برنامج "داخل واشنطن" الذي يبث باللغة الإنكليزية على قناة "الحرة"، السفير الأميركي المخضرم، رايان كروكر، رئيس مجلس إدارة الشبكة، والدكتور جيفري غيدمان، الرئيس والمدير التنفيذي للشبكة، في حوار حول مستقبل قناة "الحرة" وأهمية دورها الحيوي في المشهد الإعلامي العربي.

روبرت ساتلوف: رايان، لماذا لدى الحكومة الأميركية وجود دولي في مجال البث، وجود يمتد منذ الحرب العالمية الثانية؟

رايان كروكر: السبب في وجود البث الحكومي الأميركي هو ذاته الآن كما كان في الأيام العصيبة خلال الحرب العالمية الثانية عندما انطلق آنذاك أول بث لـ "صوت أميركا" من مدينة نيويورك. قيل حينها "سنخبركم بالحقيقة. بعض الأيام ستكون الأخبار عن الحرب جيدة بالنسبة لنا، وبعض الأيام سيئة. لكننا سنخبركم بالحقيقة".

وكانت هذه هي السمة المميزة للبث الممول من الحكومة الأميركية منذ ذلك الحين. وبالتأكيد، كانت هي البداية لشبكات البث في الشرق الأوسط. تم تأسيس قناة "الحرة" عام 2004 لمكافحة التضليل الإعلامي في وسائل الإعلام الناطقة بالعربية حول الولايات المتحدة وما كانت تفعله.

لذا، نحن لسنا ذراعًا دعائيًا. نحن موجودون لنقول الحقيقة باللغة العربية للجمهور العربي عما يحدث فعليًا في منطقتهم وفي الولايات المتحدة. الأمر بسيط كما هو مهم.

ساتلوف: جيف، أنت رئيس شبكة الشرق الأوسط للإرسال. كانت هذه الشبكة نتاج أحداث 11 سبتمبر. عالم ما بعد 11 سبتمبر. كيف حدث ذلك؟ ما هو الهدف الفريد لهذه الشبكة؟

جيفري غدمن: أعتقد أنه من العدل القول إن الهدف قد تطور مع مرور الوقت وتكيف مع المتغيرات. كما قال رايان، هي الشبكة الوحيدة الممولة من قبل الولايات المتحدة والتي تبث باللغة العربية. 

وهي بالطبع تشمل التلفزيون والوسائل الرقمية. تمتد تغطيتها إلى 22 دولة عبر العالم العربي، والشرق الأوسط، وشمال أفريقيا. ونحن نريد أن نسلط الضوء على القصة الأميركية.

نريد أن يكون لدى مستمعينا، ومشاهدينا، وقرائنا فهماً أفضل لما يحدث في الولايات المتحدة من خلال السياسة في واشنطن. 

نحن أيضًا مهتمون بالديمقراطية والتنمية. ونحن مهتمون بما تفعله دول مثل إيران والصين وروسيا عبر المنطقة. لذا أعتقد أن الشبكة اليوم ما زالت ذات صلة بشكل كبير، ولدينا مواهب رائعة تعمل لدينا.

ساتلوف: هناك العديد من وسائل الإعلام في الشرق الأوسط. الشرق الأوسط ليس خاليًا من محطات التلفزيون والصحف والإذاعات. ما الذي يميز ما نقوم به؟

جيفري غدمن: الأمر صعب وبسيط في ذات الوقت. بمعنى أننا مستقلون صحفيًا، وهذا يحمي نزاهتنا الصحفية ويعزز مصداقيتنا مع الجمهور. ولكننا في ذات الوقت الشبكة الوحيدة التي تتماشى مع الأهداف الواسعة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية.

رايان كروكر: دعني أتناول هذا من زاوية أخرى. كما كنت أشير سابقًا، من نواحٍ عديدة، بدأت شبكات الشرق الأوسط للإرسال من خلال قناة "الحرة" في العراق. وأنا كنت سفيرا لمدة عامين، من 2007 إلى 2009. وكان العراق يتمتع حينها ببيئة إعلامية حرة للغاية. وأحد الأسئلة التي طرحتها كسفير أميركي كان: هل يمكن لأحد أن يخبرني ما الذي تقدمه هذه القناة ولا تطرحه بقية وسائل الإعلام الحرة المنتشرة في كل مكان؟

وقد عكست إجابة جيف حول تغطية الولايات المتحدة، حيث أن وسائل الاعلام "الحرة" لا تعني بالضرورة أن تكون "مسؤولة" أو "صادقة" أو "دقيقة" أو "موضوعية". 

لكن قناة "الحرة" تمثل كل تلك القيم، هذه القناة أكدت أنها تقول الحقيقة وتقدم الأخبار بدقة. وقد أقنعوني بذلك. ذهبت إلى الأستوديو، وأجريت مقابلة بنفسي، وتعرضت لأسئلة صعبة كسفير أميركي.

وما رأيته هناك هو ما أراه اليوم أيضًا: هذه المؤسسة موجودة لتقديم أعلى مبادئ الصحافة لمنطقة لا تتمتع كثيرًا بتلك المبادئ.

ساتلوف: سيقول النقاد إن هناك توترًا متأصلًا. فالإعلام الممول من الحكومة، بحكم تعريفه، يحتوي على توتر داخلي بين كونه إعلامًا حرًا، وبين من يمولونه، أي الحكومة التي تموله في الأصل. ما هو ردك على هذا الانتقاد؟ جيف؟

غدمن: هناك دائمًا توتر بين الإعلام المستقل والممول. وبالمناسبة، هذا ينطبق أيضًا على التمويل الخاص. 

هل تتذكر في عام 2016 عندما قال رئيس شبكة CBS للأخبار "إن دونالد ترامب قد لا يكون جيدًا للبلاد، لكنه مفيد جدًا لمساهمينا" جميع وسائل الإعلام العربية المستقلة في المنطقة لديها ممولين، حكومات تدعمها.

في حالتنا، الأمر صعب للغاية (خيط دقيق يجب تمريره) ولكن حتى الآن، كنا محظوظين بوجود جدار "Firewall" يحمي استقلاليتنا.

 نحن ممولون من قبل الحكومة الأميركية، ولكننا محميون من التدخلات السياسية. وهذا شيء سحري عندما يعمل بشكل صحيح. وحتى الآن، لقد نجح هذا النظام.

جيفري غدمن
الرئيس التنفيذي لـ MBN: أميركا يجب أن تحافظ على صوتها الوحيد في الشرق الأوسط
في ردٍّ على قرار إلغاء منحة تمويل شبكة الشرق الأوسط للإرسال (MBN) من قبل الوكالة الأميركية للإعلام الدولي (USAGM)، صرح الرئيس التنفيذي للشبكة، جيفري غدمن قائلاً: "تعد شبكة الشرق الأوسط للإرسال، التي تشمل قناة الحرة ومنصاتها الرقمية، والتي تصل إلى عشرات الملايين من المشاهدين في المنطقة، الصوت الوحيد للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا."

ساتلوف: يمكنني فقط أن أضيف أن هذه هي الحلقة رقم 928 لي، ولم أتلقَ أبدًا، في ما يقارب 21 عامًا، طلبًا أو تعليمات أو انتقادًا أو مطالبات من أي شخص حول ما يقال أو ما لا يقال في هذا العرض. هذا أمر نادر.

غدمن: دعني أضيف أنني كنت رئيسا تنفيذيًا مرتين في "إذاعة أوروبا الحرة/إذاعة الحرية" والآن أعمل رئيس تنفيذيا منذ 11 شهرًا في "شبكة الشرق الأوسط للإرسال". لم يتم إخباري أبدًا من البيت الأبيض أو وزارة الخارجية أو أعضاء الكونغرس بما يجب فعله أو عدم فعله.

كروكر: وكمشاهد لبرنامجك من حين لآخر، روب، دعني أقول إنك قدمت كل وجهات النظر الممكنة من اليمين المتطرف إلى اليسار المتطرف، وهذا واضح جدًا أن ذلك لم يأت من إدارة هذه المؤسسة.

ساتلوف: ساخذ هذا على إنه إطراء! دعني أسألكما، هناك مهمة لهذه الشبكة، ولكن من ناحية ما، هي أيضًا عمل تجاري. كيف تقيس النجاح عندما تكون مهمتك هي الصحافة الحرة التي تحدثت عنها؟

غدمن: لدينا أدوات، رغم أنها غير كاملة، لقياس النجاح. في الأسبوع الجيد، نصل إلى 30 مليون شخص أو أكثر عبر المنطقة. ثم، بالطبع، من الناحية النوعية، بما أن جمهورنا هو أساسًا، إذا جاز لي القول، صناع القرار والأشخاص المؤثرين وفي الحكومة والإعلام وفي تلك المجالات ذات التأثير الكبير، لذلك لدينا الكثير والكثير من التفاعل والتواصل والشهادات.

إذن لدينا مقاييس كمية ونوعية. ولكن ربما يرغب رايان في إضافة شيء إلى ذلك.

كروكر: أعتقد أن ذلك صحيح تمامًا. كنت في المنطقة قبل أسبوعين فقط. بما في ذلك في العراق، في بغداد، وكنت أشارك في مؤتمر دولي نظمته الحكومة العراقية. وكانت قناة "الحرّة" هناك، مع كاميراتها، ومقابلاتها مع كل شخص مهم شارك في المؤتمر.

وكانت تلك هي القناة المفضلة من قبل المشاركين في المؤتمر للحديث معها. وأعتقد أن ذلك مؤشر واضح على الحضور والمهنية التي تتمتع بها هذه الشبكة.

غدمن: هناك معيار نوعي آخر. فبينما نواجه الآن قضايا تتعلق بتمويلنا، نسمع من "حزب الله" اللبناني، والمليشيات المدعومة من إيران في العراق، يحتفلون بزوال "الحرّة". هذا أيضًا اختبار للسوق، أعتقد.

ساتلوف: إذا توقفت "الحرة" عن البث، ما الذي سيفتقده الناس؟

غدمن: أعتقد أن الناس يقدرون الاستقلالية، كما قال رايان، والسعي وراء الحقيقة. وإذا جاز لي أن أقول بصراحة، نحن منصة نادرة، إن لم نكن الوحيدة، التي تقدم فرصة للسياسيين الإسرائيليين والمسؤولين والمجتمع المدني للتحدث. أعتقد أن ذلك في نظر العديد من جمهورنا يعد أمرًا مثيرًا للجدل ومطلوبًا، ويحظى بشعبية كبيرة مع فضول كبير.

أعتقد أن هذه هي بعض الأشياء التي ستُفقد على الفور.

كروكر: سنفتقد صوتا صادقا وموضوعيا في منطقة مليئة بالأكاذيب والتشويهات وأنصاف الحقائق والتضليل الكامل. 

وكما أشار جيف، عندما أصبح خبر إنهاء تمويل الشبكة، انفجرت وسائل التواصل الاجتماعي في المنطقة. وكانت هناك تغريدات، على سبيل المثال، تقول: "بضربة قلم واحدة، قضى ترامب على صوت التابعين، أولئك الذين يهاجمون إيران، والذين يهاجمون المقاومة الشعبية، والذين يهاجمون الميليشيات الموالية لإيران في العراق".

حسنًا، هذا بالفعل إشادة عالية لعرض موضوعي لمنطقة معقدة جدًا. لذا، عندما يفرح أعداء الولايات المتحدة، فهذا ليس شيئًا ينبغي أن نكون سعيدين بشأنه هنا في الوطن. وهم يفرحون بالإعلانات حول إلغاء التمويل لـ "الحرّة".

ساتلوف: دعني أسألك رايان، أنت واحد من أبرز وأمهر الدبلوماسيين الأميركيين الذين مروا على الشرق الأوسط. لماذا لم توافق على الخروج من التقاعد، كما يمكن القول، لتصبح رئيس مجلس إدارة شبكة الشرق الأوسط للإرسال؟

كروكر: كما قلت سابقًا، روب، كانت لي تجربة مباشرة خلال مسيرتي المهنية مع هذه المؤسسة، ومع قناة "الحرة" على وجه الخصوص. ورأيت عن كثب العمل الاستثنائي الذي كانوا يقومون به في العراق، عندما كنت سفيرًا هناك، من أجل نقل القصة الأميركية، بشكل صادق ودقيق، وأيضًا لنقل أخبار المنطقة، بشكل صادق ودقيق، مع تضمين وجهات نظر لم تقدمها أي وسيلة إعلامية ناطقة بالعربية أخرى.

كما أشار جيف، قناة "الحرة" هي القناة العربية الوحيدة التي تجري مقابلات بشكل دوري مع الإسرائيليين، وهي منطقة، على الرغم من كراهيتها لإسرائيل على بعض المستويات، إلا أن لديها جوعًا شديدًا لمعرفة الأخبار الدقيقة حول ما يفكر فيه الإسرائيليون؟ ماذا يعتقدون ذلك؟ ونحن نوفر ذلك، بالإضافة إلى تقارير دقيقة أخرى.

لذا، كنت مشككًا في البداية حول دور القناة عندما وصلت إلى بغداد. لكنني كنت داعما قويا للمؤسسة عندما تركت العراق. وعندما أتيحت لي الفرصة للانضمام إلى مجلس إدارة الشبكة قبل عدة سنوات، اغتنمتها فورًا. وكان شرفًا وامتيازًا لي أن أصبح رئيسًا لذلك المجلس في الصيف الماضي.

ساتلوف: حسنًا، جيف، دعني أسألك. لقد أمضيت جزءًا كبيرًا من مسيرتك المهنية في صراع الأفكار، محاربًا ضد الأنظمة الاستبدادية، خاصة ضد الأنظمة في أوروبا الشرقية والكتلة السوفيتية السابقة. لماذا قبلت تحدي الشرق الأوسط بأن تصبح رئيسًا ومديرًا لشبكة الشرق الأوسط للإرسال؟

غدمن: روب، هناك ثلاث إجابات قصيرة لذلك. الأولى، لقد طورت على مدار سنوات علاقات مودة وإعجاب من خلال تنظيم المؤتمرات والسفر إلى العراق والأردن ومصر والكويت وما إلى ذلك. لذلك، لدي مودة وإعجاب عميقين بالمنطقة. السبب الثاني ببساطة هو أنني أؤمن بالرجال والنساء في هذه المؤسسة، الذين لطالما أعجبت بهم، رجالًا ونساء من أعمق المواهب، والتفاني الكبير، والمعرفة والخبرة.

وأخيرًا، أُتيحت الفرصة لأن رايان كروكر اتصل بي في الربيع الماضي وطلب مني أن أتولى هذا الدور. وعندما يتصل السفير كروكر، يجب أن ترد، وعندما يطلب، يجب أن تقول نعم.

ساتلوف: خصصنا حلقة اليوم من البرنامج للحديث حول تهديدات غلق مؤسسة الشرق الأوسط للإرسال، كما نعرف أن الكونغرس مرر مؤخرًا قرار الاستمرارية في انفاق الميزانية الفيدرالية على الأقل حتى شهر سبتمبر، هذا التمويل شمل هذه المؤسسة أيضا. لكن في اليوم التالي، أعلنت إدارة ترامب أنها ستنهي المنحة وأنها لن تقوم فعليًا بتحويل الأموال التي أقرها الكونغرس للحفاظ على عمل الشبكة. بمعنى آخر، قرروا أنهم يريدون إغلاقها. تحدث عن هذا الصراع بين السلطات الدستورية بين الكونغرس والجهات التنفيذية.

كروكر: نعم، هذا هو بالضبط. روب، إنها لحظة فريدة في تاريخ أميركا يجب أن نوليها جميعًا اهتمامًا. تتعلق بسؤال السلطة التنفيذية، وامتيازات السلطة التشريعية، وولاية السلطة القضائية. وجميع هذه الأطراف تلعب دورًا، كما وصفت. بالنسبة لي، نحن نأمل بشدة أن يُسمع صوت فرعنا التشريعي، أي الكونغرس، الذي يخصص الأموال، في هذا الموضوع.

مصلحتهم أيضًا على المحك، وهي مسألة دستورية. لدينا أيضًا السلطة القضائية، ونحن نراقب عن كثب وبدقة لإمكانية تقديم تحدٍ قانوني لهذا. الجهد الذي تبذله السلطة التنفيذية لإيقاف البث، لأننا نرى هذا ليس فقط قضية لقناة الحرة وبقية المؤسسة، ولكن أيضًا مسألة أساسية في القانون الأميركي وتنفيذه.

روبرت ساتلوف: الدكتور جيفري غدمن هو الرئيس والمدير تنفيذي لشبكة الشرق الأوسط للإرسال، الشركة الأم لقناة الحرة. خدم لمدة أربع سنوات كرئيس ومدير تنفيذي لـ "إذاعة أوروبا الحرة/إذاعة الحرية"، وهي منظمة إعلامية ممولة من الحكومة الأميركية تبث في منطقة الإعلام الصعبة في أوروبا الشرقية والقوقاز وآسيا الوسطى.

وكان أيضًا مؤسسًا مشاركًا ورئيس تحرير لمجلة فكرية هامة تسمى "الهدف الأميركي"، ورئيسًا للمركز البحثي المؤثر "معهد ليجاتوم" في لندن، ورئيسًا ومديرًا تنفيذيًا لمعهد آسبن في برلين، ألمانيا.

روبرت ساتلوف: السفير رايان كروكر، هو رئيس مجلس إدارة شبكة الشرق الأوسط للإرسال، وعلى مدار مسيرته المهنية التي امتدت لـ37 عامًا، شغل منصب السفير الأميركي في ست دول مختلفة: أفغانستان، العراق، باكستان، سوريا، الكويت ولبنان، حيث مثل بلاده في غالب الأحيان في أوقات الصراع الشديدة ولحظات الخطر البالغة.

تكريمًا لخدمته الاستثنائية، تم منح رايان كروكر ميدالية الحرية في عام 2009، وهي أعلى وسام مدني في الولايات المتحدة. تقاعد من الخدمة الخارجية كسفير مهني، وهو أعلى رتبة في وزارة الخارجية الأميركية. ثم أمضى ست سنوات كعميد لكلية بوش للحكومة والخدمة العامة في جامعة تكساس. ووصفه الرئيس جورج بوش الابن بـ "لورنس العرب الأميركي".

روبرت ساتلوف: أود أن أشكركم. شكرًا لك، الرئيس والمدير التنفيذي جيفري غدمن، شكرًا لك، السفير رايان كروكر، وقبل كل شيء، شكرًا لجميعكم، مشاهدينا عبر الشرق الأوسط الذين كنتم داعمين مخلصين ومتابعين لهذا البرنامج وكل ما قامت به قناة الحرة. نحن لم نغادر. سنعود. ولكن شكرًا لكم.

الجامعات الأميركية

قبل عقود، كانت جامعة ميشيغان، شأن العديد من الجامعات الأميركية المرموقة، توفر تعليما عالي الجودة لشريحة طلابية معظمها من المولودين في الولايات المتحدة. قلّة فقط كانوا يأتون من أماكن بعيدة للعيش في بلدة آن آربر الجامعية—فمعظم الزوّار كانوا يقودون سياراتهم من المناطق القريبة لحضور مباريات كرة القدم الجامعية. وحتى أولئك الذين جاؤوا من أماكن أبعد، كانوا غالبا طلابا أميركيين من ولايات أخرى.

اليوم، أصبحت هذه البلدة الجامعية، التي كانت يوما ما ريفية، كأنها حاضنة اجتماع للأمم المتحدة. فالتجول في الحرم الجامعي يكشف أن قسماً كبيراً من الطلاب لم يأتوا من مناطق مجاورة، بل من بلدان تقع على الجانب الآخر من الكرة الأرضية. وأثناء تجوالك، يمكنك سماع لغات متعددة، من الصينية، والإسبانية، والكورية، والعربية، وبالطبع الإنكليزية، التي غالبا ما تُنطق بلكنة تشي بأن المتحدثين لم يولدوا في أميركا.

هذا هو الوجه الجديد للأكاديمية الأميركية—عقول شابة طموحة وعلماء مخضرمون من جميع أنحاء العالم، يوحدهم شغف مشترك بالبحث العلمي.

مع ذلك، يخشى البعض، اليوم، من أن الغموض وعدم اليقين باتا يلقيان ظلالا على مستقبل الطلاب الدوليين والبحث العلمي عموما. ومع ورود تقارير عن "قمع" لاحتجاجات في الحرم الجامعي، وخفض للمنح الخاصة بالمعاهد البحثية، والتغيرات في سياسات الهجرة، يبرز سؤال ملح: هل ستظل أميركا رائدة في مجال التعليم العالي على المستوى العالمي؟

لكن هناك من يعتقد أن لا ضرورة للمبالغة في التشاؤم. 

يقول الاقتصادي، دون غرايمز، في حديث مع قناة "الحرة" إن "الحكايات عن أفراد من الطلاب يواجهون صعوبات هي حقيقية، لكنها تمثل جزءاً ضئيلاً جداً من بين أكثر من مليون طالب أجنبي في البلاد. كثيرا ما لا تتطابق التصورات مع الواقع الأوسع".


خلفية

قبل تصاعد الجدل الحالي بشأن الجامعات، كانت المؤسسات الأميركية التعليمية تعاني بالفعل—ليس بسبب تغيّرات سياسية أو اقتصادية بشكل رئيسي، بل بسبب العامل الديموغرافي، حيث انخفض عدد السكان في سنّ الدراسة الجامعية في الولايات المتحدة.

ومنذ عودة دونالد ترامب إلى السلطة، أصبحت الجامعات في دائرة الضوء: من النقاشات حول مبادرات التنوع والعدالة والشمول (DEI)، واتهامات لأعضاء هيئة التدريس بالتحيز "الليبرالي"، إلى ادعاءات بمعاداة السامية بين المتظاهرين من الطلاب.

في المقابل، اتخذ ترامب خطوات للضغط على المؤسسات التي يعتبرها نخبوية—وخاصة جامعات الـ Ivy League—من خلال التهديد بقطع ما مجموعه 5.2 مليار دولار من التمويل الفيدرالي. وفي الوقت ذاته، واجهت وكالات رئيسية مرتبطة بالبحث العلمي، مثل المؤسسة الوطنية للعلوم (NSF) والمعاهد الوطنية للصحة (NIH) ووزارة الصحة والخدمات الإنسانية، تخفيضات في الميزانية تحت إشراف وزارة كفاءة الحكومة (DOGE)، مع اقتطاعات قد تؤثر حتى على الدرجات العلمية المصنفة "آمنة" مثل تخصصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM).

وبالإضافة إلى هذه التوترات، تم إلغاء منح التأشيرات لبعض الطلاب الدوليين، ووجّه بعض المسؤولين في الجامعات طلابهم بعدم السفر خارج الولايات المتحدة خلال عطلة الصيف.


في المقابل، تؤكد إدارة ترامب أن إجراءات إلغاء التأشيرات تستهدف الدوليين الذين "ينتهكون قوانيننا" والطلاب الدوليين الذين "يسيئون استخدام ضيافتنا".

ويشير مراقبون إلى أن هذه الإجراءات جاءت إلى حدّ كبير كردّ فعل على مشاركة العديد من الطلاب الدوليين في احتجاجات عنيفة مؤيدة للفلسطينيينو وانتماءاتهم المزعومة لجماعات متطرفة.

وبينما تراجعت إدارة ترامب عن إلغاء العديد من تأشيرات الطلاب، أثارت حالة عدم اليقين هذه قلقاً في الأوساط الجامعية من احتمال انخفاض أعداد الطلاب الدوليين. 

وأظهر استطلاع أجرته منظمة IDP Education، المتخصصة في توجيه الطلاب الدوليين، أن عددا ضئيلا فقط من الطلاب الدوليين ما زالوا يحتفظون برؤية إيجابية تجاه الولايات المتحدة.

"كنت أتمنى لو أستطيع أن أكون أكثر تفاؤلاً بشأن المستقبل،" قال ويليام بروستين، نائب الرئيس السابق للاستراتيجية العالمية والشؤون الدولية في جامعة وست فرجينيا، "الحقيقة هي، يبدو أن هناك مزيدا من الغيوم الداكنة في الأفق أمام الطلاب الدوليين".


ما مدى أهمية الطلاب الدوليين لقطاع التعليم الأميركي؟

يلعب الطلاب الدوليون دوراً رئيسياً في دعم قطاع التعليم العالي الأميركي. ففي عام 2023، استقبلت الولايات المتحدة 1.1 مليون طالب الدوليين، وهو ما يمثل نحو سدس جميع الطلاب الدوليين حول العالم. بالمقابل، في عام 2024، التحق 19.1 مليون طالب أميركي بجامعات محلية، في حين اختار 280,716 طالباً فقط الدراسة في الخارج ـ أي ما يعادل 1% فقط من مجموع الطلاب الأميركيين.

"عادة ما يدفع الطلاب الدوليون أعلى معدلات الرسوم الدراسية ولا يتلقون مساعدات مالية من الولاية أو الحكومة الفيدرالية، ما يجعلهم جذابين من الناحية المالية للجامعات،" قال دونالد غرايمز، "كما يساهمون بشكل كبير في الاقتصادات المحلية، لا سيما في البلدات الجامعية التي تميل إلى أن تكون أكثر ازدهارا بسبب ارتفاع نسبة الخريجين فيها".

ويضيف: "في آن آربر، يشكل الطلاب الدوليون نحو 20% من إجمالي المسجلين. إنهم عنصر حيوي في مجتمعنا الأكاديمي".

وبعد التخرج، يبقى العديد من الطلاب الدوليين في الولايات المتحدة للعمل في مجالات متخصصة تستفيد من مهاراتهم. ووفقا لغرايمز  "توفر الجامعات ما نسميه ‘وظائف جيدة’، ذات رواتب مجزية، ومزايا، وتساهم في إنشاء صناعات فرعية. سواء كانت شركات ناشئة في مجال التكنولوجيا الحيوية أو مقاهٍ محلية تعتمد على حركة الطلاب، فإن الجامعة تُعد محركا اقتصاديا".

وحذّر من أن تخفيض تمويل المؤسسات البحثية لن يضر المختبرات الأكاديمية فحسب. "الأمر لا يقتصر على العلماء. سترى التأثير في التصنيع، والخدمات، وحتى في قطاع العقارات. فقدان جامعة يشبه فقدان مصنع في القرن العشرين—إنه يضرب الاقتصاد المحلي في الصميم".

علاوة على ذلك، فإن الاستثمار في الطلاب الدوليين يعود بفوائد كبيرة أخرى، وفقا لغرايمز. 

"أولا، يدفع الطلاب الدوليون عادة رسوم الدراسة بالكامل، ما يسهم في تحمل تكلفة تعليم الطلاب المحليين. وثانيا، لأن اطلاب الدوليين تلقوا تعليمهم الأساسي خارج أميركا، فإن ذلك يعني أن تكلفة تعليمهم حتى هذه المرحلة قد تحملها نظام تعليمي في بلد آخر".

هذه الفرصة الاقتصادية أصبحت مربحة جدا لدرجة أن مؤسسات مثل جامعة إلينوي في أوربانا-شامبين حصلت على بوليصة تأمين تغطي خسارة محتملة تصل إلى 60 مليون دولار من إيرادات الرسوم الدراسية، في حال حصول انخفاض كبير في عدد الطلاب الصينيين.


هل القلق مبرر؟

يحذر محللون من احتمال انهيار نظام التعليم العالي الأميركي، وحصول نزيف أدمغة وشيك، بينما يعتقد آخرون أن العائلات حول العالم ما زالت حريصة على إرسال أبنائها إلى الولايات المتحدة للدراسة في جامعاتها.

وأطلقت دول مثل فرنسا، وبلجيكا، وهولندا مبادرات تهدف إلى جذب الباحثين الأميركيين. وقال يان دانكيرت، وهو بروفيسور في جامعة (Vrije Universiteit Brussel) عزمه اجتذاب المواهب الأميركية للعمل في جامعة بروكسل.

في الوقت ذاته، لاحظ خبراء جامعات في الولايات المتحدة توجها بين العائلات القلقة نحو إرسال أبنائها للدراسة في الخارج.

وقال حفيظ لكهاني، مؤسس ورئيس شركة Lakhani Coaching في نيويورك إن "هناك الكثير من عدم اليقين، وعدم اليقين لا يناسب التخطيط طويل المدى".

بالإضافة إلى ذلك، ورغم أن الولايات المتحدة لا تزال الوجهة الأكثر تفضيلا في العالم للطلاب الدوليين، بدأت دول أخرى  تقترب من منافستها في هذا المجال. فمنذ سنوات، أصبحت كندا، والمملكة المتحدة، وأستراليا، وألمانيا وجهات جاذبة للطلاب الدوليين.

على سبيل المثال، في 2010، استقبلت الولايات المتحدة 723,277 طالباً دولياً مقارنة بـ 225,260 في كندا. أما في 2023، فقد استقبلت الولايات المتحدة 1.1 مليون طالب، مقابل مليون طالب في كندا.

ومع ذلك، يرى كريستوفر ريم، الرئيس التنفيذي لشركة Command Education للاستشارات الجامعية، أن هناك، لا تزال، مساحة واسعة للتفاؤل.

"رغم التغيرات العالمية، لا تزال العائلات المتعلمة والثرية حريصة على إرسال أبنائها إلى الولايات المتحدة للحصول على تعليم جامعي. لا يزالون يرون أن أميركا موطن لأفضل الجامعات في العالم".