ترامب أعلن عن مجموعة واسعة من الرسوم الجمركية على دول العالم
ترامب أعلن عن مجموعة واسعة من الرسوم الجمركية على دول العالم

تتوالى تبعات القرار الأميركي بفرض رسوم جمركية على دول حول العالم، فهناك عشرات البلدان التي قررت التفاوض مع الإدارة الأميركية، فيما أصرت أخرى، مثل الصين على سبيل المثال، على "القتال حتى النهاية"، في أحدث رد فعل ينبئ بصعوبة المرحلة المقبلة.

وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسينت، قال في تصريحات تلفزيونية مساء الإثنين، إن "ما بين 50 إلى 70 دولة تواصلت مع واشنطن للتفاوض" بشأن الرسوم الجمركية الجديدة، في محاولة لتفادي حرب تجارية عالمية.

وأوضح في مقابلة مع قناة "فوكس بيزنس"، أن الرئيس دونالد ترامب "يعرف كيف يمنح نفسه أقصى قدر من النفوذ"، مضيفا أن "الإدارة أعطت الدول مهلة بعد إعلان الرسوم في الثاني من أبريل لتفكر في خطواتها قبل التفاوض".

وقال ترامب إن الرسوم الجمركية -التي تبلغ 10 بالمئة كحد أدنى على جميع الواردات إلى الولايات المتحدة مع نسب تستهدف اقتصادات بعينها تصل إلى 50 بالمئة- من شأنها أن تساعد الولايات المتحدة على استعادة قاعدتها الصناعية التي يقول إنها تراجعت بفعل تحرير التجارة لعقود.

وكان الرئيس العائد إلى البيت الأبيض في يناير الماضي، قد اعتبر أن إعلان الثاني من أبريل سيكون "يوم تحرير" الاقتصاد الأميركي.

ونرصد في السطور التالية كيف ردت دول العالم على القرار الأميركي:

إسرائيل

الإثنين، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، أول قائد عالمي يبحث مسألة الرسوم الجمركية مع ترامب في البيت الأبيض.

ووعد نتانياهو بالقضاء على الفائض التجاري الإسرائيلي مع الولايات المتحدة، وقال: "نعتزم تنفيذ ذلك بسرعة كبيرة.. نعتقد بأن هذا هو الشيء الصحيح الذي يجب القيام به، وسنزيل أيضا الحواجز التجارية".

والولايات المتحدة، هي أقرب حليف لإسرائيل وأكبر شريك تجاري لها، وسجلت العام الماضي عجزا في تجارة السلع مع إسرائيل بقيمة 7.4 مليار دولار.

وبموجب سياسة ترامب الجديدة، تُفرض رسوم جمركية أميركية بنسبة 17 بالمئة على السلع الإسرائيلية.

الصين

بعد تهديد ترامب الليلة الماضية، بفرض رسوم إضافية بقيمة 50 بالمئة حال لم تتراجع الصين عن رسوم مضادة فرضتها بعد التعريفات الأميركية الجديدة، تعهدت بكين بـ"القتال حتى النهاية".

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، لين جيان، في إفادة صحفية الثلاثاء، إن بكين "ستستمر في اتخاذ إجراءات حازمة وقوية لحماية حقها المشروع في التنمية".

وأضاف أن الصين "ستقاتل حتى النهاية إذا أصرت الولايات المتحدة على شن حرب تجارية وحرب رسوم جمركية".

وأصبحت الصين في 4 أبريل، أول دولة ترد بالمثل على الرسوم الجمركية التي أصدرها ترامب الأسبوع الماضي، حيث فرضت تعريفة جمركية بنسبة 34 بالمئة على السلع الأميركية.

وكانت بكين قد فرضت في فبراير رسومًا بنسبة 15 بالمئة على واردات الفحم والغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، و10 بالمئة على النفط الخام والآلات الزراعية والسيارات ذات المحركات الكبيرة، ردًا على أمر تنفيذي أصدره ترامب بفرض تعريفة جمركية إضافية بنسبة 10 بالمئة على الصين.

وبحلول 18 مارس، فرضت بكين رسومًا جمركية بنسبة 10 إلى 15 بالمئة على منتجات أميركية بقيمة 21 مليار دولار، بما في ذلك لحم الخنزير والدجاج وفول الصويا ومنتجات زراعية أخرى، ردًا على رسوم أميركية إضافية على جميع صادرات الصين.

اليابان

وزير الخزانة الأميركي، بيسينت، قال في مقابلته التلفزيونية، الإثنين، إن اليابان كانت من أولى الدول التي أبدت رغبتها في التفاوض.

وأضاف أنه إلى جانب الممثل التجاري الأميركي جيمسون غرير، سيقود المحادثات مع طوكيو، مشيراً إلى أن "الرئيس ترامب سيكون منخرطا بشكل مباشر" في المفاوضات.

وقال بيسينت إن "أشهر أبريل ومايو، وربما حتى يونيو، ستكون مزدحمة للغاية" بسبب المفاوضات، موضحا أن بعض الدول أبدت استعدادها للتراجع عن "الرسوم الجمركية الخاصة بها، وإزالة الحواجز غير الجمركية، ووقف التلاعب بأسعار الصرف".

من جانبه، قال المتحدث باسم الحكومة اليابانية، الثلاثاء، إن وزير الاقتصاد ريوسي أكازاوا، تم تعيينه مفاوضا تجاريا مع الولايات المتحدة.

وقال كبير أمناء مجلس الوزراء الياباني، يوشيماسا هاياشي، في مؤتمر صحفي، إن المناقشات الثنائية بشأن تحركات سعر الصرف ستستمر تحت إشراف وزير المالية الياباني ووزير الخزانة الأميركي، وفق رويترز.

وقال رئيس الوزراء الياباني، شيجيرو إيشيبا، إنه يدرس زيارة الولايات المتحدة مرة أخرى لإجراء محادثات مع الرئيس ترامب "في التوقيت الأكثر ملاءمة" مع التركيز على تحقيق تقدم في المحادثات على المستوى الوزاري.

يأتي هذا التعيين بعد أن اتفق إيشيبا وترامب على بدء مناقشات ثنائية بشأن الرسوم الجمركية في اجتماع هاتفي، الإثنين.

كندا

وصل متوسط التعريفات الجمركية الأساسية بين البلدين 3.8 بالمئة، قبل ولاية ترامب الثانية. 

وخضعت نسبة كبيرة من التجارة بين الولايات المتحدة وكندا للإعفاء من التعريفات الجمركية بفضل اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، التي توسطت فيها الدول الثلاث خلال ولاية ترامب الأولى، لتحل محل اتفاقيات التجارة الحرة التي كانت سارية لعقود.

والخميس، قال رئيس الوزراء الكندي، مارك كارني، إن بلاده ستعادل تعريفات ترامب البالغة 25 بالمئة على السيارات، بتعريفات جمركية على بعض المركبات أميركية الصنع.

ورغم توقيت هذه الخطوة، فإنها كانت ردًا على إجراءات سابقة، وليس على التعريفات الأميركية واسعة النطاق التي أُعلن عنها، الأربعاء.

ففي 4 مارس، فرضت كندا تعريفات جمركية بنسبة 25 بالمئة على سلع أميركية تُقدر قيمتها بنحو 21 مليار دولار.

وتبع ذلك في 12 مارس، فرض رسوم جمركية بنسبة 25 بالمئة على سلع أميركية بقيمة 20.7 مليار دولار، ردًا على قرار الولايات المتحدة رفع الرسوم الجمركية على جميع واردات الصلب والألومنيوم إلى 25 بالمئة.

وتستهدف الرسوم الجمركية الكندية منتجات فولاذية بقيمة 8.7 مليار دولار تقريبًا، ومنتجات ألمنيوم بقيمة 2.08 مليار دولار، ومنتجات أخرى بقيمة 9.85 مليار دولار.

الاتحاد الأوروبي

اقترحت المفوضية الأوروبية فرض رسوم جمركية مضادة بنسبة 25 بالمئة على مجموعة من السلع الأميركية، مثل فول الصويا والمكسرات والنقانق، لكنها تستبعد سلعا أخرى من القائمة، وفق وثيقة اطلعت عليها رويترز.

وقال مسؤولون إنهم مستعدون للتفاوض على اتفاق "صفر مقابل صفر" مع إدارة ترامب.

كما صرح مفوض التجارة بالاتحاد الأوروبي، ماروش شفتشوفيتش، في مؤتمر صحفي: "عاجلا أم آجلا، سنجلس على طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة، ونتوصل إلى تسوية مقبولة للطرفين".

ويُعاني الاتحاد الأوروبي، المؤلف من 27 دولة، من الرسوم الجمركية المفروضة على السيارات والمعادن. ويواجه رسوما جمركية تبلغ 20 بالمئة على منتجات أخرى.

كما هدد ترامب بفرض رسوم جمركية على المشروبات الكحولية المُستوردة من الاتحاد الأوروبي.

المكسيك

لم تتأثر المكسيك بعاصفة الرسوم الجمركية، لكنها لا تزال متأثرة بالرسوم الجمركية العالمية على منتجات الصلب والألمنيوم التي أُعلن عنها في مارس، بالإضافة إلى الرسوم الجمركية البالغة 25 بالمئة على قطع غيار السيارات غير المصنعة في الولايات المتحدة، والرسوم الجمركية البالغة 25 بالمئة على السلع غير المتوافقة مع اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، التي وقّعها ترامب في ولايته الأولى.

والخميس، صرحت الرئيسة المكسيكية، كلوديا شينباوم: "لقد حظيت المكسيك بالاحترام، من الولايات المتحدة والعالم أجمع".

فيتنام

من بين الدول التي تواصلت مع الولايات المتحدة من أجل التفاوض بعد الرسوم الجمركية التي أعلنتها واشنطن، وفق ما ذكرت وكالة بلومبرغ بوقت سابق هذا الأسبوع.

ذكرت الوكالة أن رئيس فيتنام، تو لام، بعث برسالة إلى ترامب، الأسبوع الماضي، يعرض فيها إلغاء جميع الرسوم الجمركية على الواردات الأميركية.

وتضمنت الرسالة طلبًا من الولايات المتحدة بتأجيل الرسوم الجمركية البالغة 46 بالمئة المفروضة على فيتنام، لمدة 45 يومًا على الأقل.

وصرح ترامب على مواقع التواصل الاجتماعي، بأنه تحدث إلى لام وأشار إلى "انفتاحه" على إجراء المزيد من المفاوضات.

وبرزت فيتنام كقاعدة تصنيع رئيسية لمختلف السلع - من الأحذية الرياضية إلى الإلكترونيات الاستهلاكية - للشركات التي تسعى إلى نقل إنتاجها بعيدًا عن الصين، وسط التوترات التجارية مع الولايات المتحدة.

تايوان

أعلن رئيس تايوان، لاي تشينغ تي، أنه دخل في مفاوضات مع الولايات المتحدة، وعرض إلغاء الرسوم الجمركية على المنتجات الأميركية كأساس لتلك المفاوضات.

وكانت واشنطن قد فرضت على تايوان رسوما جمركية بنسبة 32 بالمئة، في وقت تعد تايوان فيه أحد أهم شركاء التجاريين للولايات المتحدة.

ووعد لاي في خطاب، الأحد، بزيادة استثمارات الشركات التايوانية في الولايات المتحدة.

ووفق صحيفة "واشنطن بوست"، لا تؤثر الرسوم الجمركية الجديدة على قطاع أشباه الموصلات، وهو قطاع تُهيمن عليه تايوان، حيث تُنتج 90 بالمئة من أكثر الرقائق تطورًا في العالم.

وكانت شركة "تي إس إم سي" التايوانية العملاقة في مجال الرقائق، قد أعلنت الشهر الماضي، عن استثمار بقيمة 100 مليار دولار في عملياتها التصنيعية في أريزونا، وهو ما وصفته إدارة ترامب بأنه "أكبر استثمار أجنبي مباشر في تاريخ الولايات المتحدة".

ترامب

في 20 يناير 2025، بعد دقائق من أدائه اليمين الدستورية لبدء ولايته الثانية، وقّع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حزمة أوامر تنفيذية، وصف أحدها بـ"الكبير" ـ الذي سيتردد صداه، لاحقا، في جميع أنحاء العالم.

كان جالسا إلى منضدته الرئاسية في المكتب البيضاوي؛ على يمينه صندوق مليء بأقلام "شاربي،" أحدها كان ينتظر بفارغ الصبر بين أصابع يده اليمنى، وحين تسلم ترامب من أحد مساعديه ملفا، سأل المساعدَ:

"ما هذا؟".

"الانسحاب من منظمة الصحة العالمية".

"أوه، هذا كبير،" عقّب ترامب، وهو يفرد ملف الأمر التنفيذي على المنضدة. لكن قبل أن يهوي بقلمه على الملف، ذكّر بأنه سبق أن أوقف دعم الولايات المتحدة لمنظمة الصحة في ولايته الأولى، لأسباب منها "غياب العدالة" في التمويل.

وأشار ترامب، تحديدا، إلى الاختلال بين مساهمة الولايات المتحدة ومساهمة الصين في دعم الصحة العالمية.

وقال إن المنظمة عرضت عليه أن يدفع أقل، وإن سلفه ـ جو بايدن ـ الذي أعاد تمويل المنظمة خلال رئاسته بين 2020-2024، كان بإمكانه أن يتفاوض لكي يدفع أقل.

لم يكن إعلان ترامب الانسحاب من منظمة الصحة العالمية (WHO) في أول يوم من ولايته الثانية مصادفة، بل كان رسالة مفادها أن سياسته الخارجية ستكون، في هذه المرحلة أكثر حزما، أحادية إذا تطلب الأمر، وترتكز بقوة على مبدأ المصلحة الوطنية: "أميركا أولا".

رسّخ قرار الانسحاب من منظمة الصحة، أيضا، الثيمة التي هيمنت على أول مئة يوم من ولاية ترامب الثانية، وهي الضغط لإعادة التفاوض من أجل رسم خريطة جديدة في علاقات الولايات المتحدة بالعالم الخارجي، تجاريا وسياسيا.

هذه الخريطة الجديدة، ما هي ملامحها؟ 

ماذا يريد ترامب، عالميا؟ وما هي وسائله لتحقيق مبتغاه؟

هل هناك ملامح واضحة لعقيدة "ترامبية" محددة في السياسة الخارجية الأميركية؟ 

هذه محاولة إجابة!

ساحر أوز العجيب

في رواية ليمان فرانك بوم، "ساحر أوز العجيب"، يختطف إعصار هائل الصبية دورثي من منزلها في كنساس، ويلقي بها في أرض أوز السحرية، وخلال رحلة العودة تتجلى أمامها الحقيقة: "لا مكان مثل الوطن".

تلك العبارة أضحت من أشهر الاقتباسات التي تعبر عن روح الوطنية الأميركية، ورددها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حامل شعار "أميركا أولا"، في قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (APEC)، في فيتنام عام 2017.

"العالم فيه العديد من الأماكن، والعديد من الأحلام والعديد من الطرق، ولكن في كل العالم لا يوجد مكان مثل الوطن"، قال ترامب في خطاب عن القومية والعالم، ألقاه أمام زعماء 21 دولة.

في تلك القمة حض ترامب ـ وكان في بداية ولايته الرئاسية الأولى ـ زعماء العالم على تحقيق مصالح بلدانهم، التي "يتوجب أن تعلو فوق أي مصلحة".

وكان فوز ترامب المفاجئ في انتخابات 2016، قد جعل شعاره "أميركا أولا" عنوانا لمرحلة جديدة في العقيدة السياسية الأميركية.

العقيدة السياسية؟

في حوار أجراه موقع "الحرة" في يناير الماضي، يعرّف أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، تود بيلت، العقيدة في السياسة الخارجية بأنها استراتيجية كبرى تحدد نوع العلاقات الدولية التي يتبناها الرئيس، وهو ما يمكن أن ينطبق على عقيدة مونرو، أو عقيدة ترومان، أو عقيدة ريغان.

ترتكز عقيدة الرئيس جيمس مونرو، على سبيل المثال، والتي عبر عنها في ديسمبر 1823 أثناء خطاب حالة الاتحاد أمام الكونغرس، على معارضة الاستعمار الأوروبي في نصف الكرة الشمالي، وتعتبره عملا عدائيا.

أما ريغان، فحدد "عقيدته" في فبراير عام 1985، عندما قال: "يجب ألا نخون ثقة من يخاطرون بحياتهم - من أفغانستان حتى نيكاراغوا- لمواجهة العدوان المدعوم من الاتحاد السوفيتي، ويجب أن نصون الحقوق التي لطالما كانت لنا منذ الولادة".

داخليا، كانت أميركا في ذلك الوقت تعاني من أزمة اقتصادية خانقة بسبب التضخم.

عقيدة ترامب

بدأت ملامح عقيدة ترامب السياسية تتوضح ابتداء من أبريل 2016، عندما استخدم عبارة "أميركا أولا" مع انطلاق حملته الانتخابية.

وبعد فوزه في الانتخابات، تعهد خلال خطاب التنصيب في يناير 2017 بأن "رؤية جديدة" ستحكم أميركا.

ومنذ ذلك الحين، بات شعار "أميركا أولا" بمثابة اسم ثان للترامبية في السياسة الأميركية، رغم أنه لم يكن أول سياسي أميركي يستخدم المصطلح.

المرشح في سباق الرئاسة لعام 2000، بات بيوكانان، استخدم شعار "أميركا أولا" خلال حملته الانتخابية.

أما عبارة "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، التي اقترنت بترامب وتعرف اختصارا بـ"ماغا"، فاستخدمها رونالد ريغان في حملته الانتخابية عام 1980.

اختار بيوكانان شعار "أميركا أولا"، الجذاب شعبيا، بعد أن فشل مرتين في التسعينيات في الفوز بترشيح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة.

وعنت العبارة بالنسبة لبيوكانان الانسحاب من منظمة التجارة العالمية، وصندوق النقد الدولي، واتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا)، ومعارضة التدخل العسكري في الخارج، من بين أشياء أخرى.

لكن آخرين يشيرون إلى تاريخ سابق لشعار "أميركا أولا".

ترتبط العبارة بـ"لجنة أميركا أولا" التي دعت بين عامي 1940ـ1941 إلى عدم انخراط الولايات المتحدة في النزاعات الخارجية خلال الحرب العالمية الثانية. اجتذبت اللجنة، آنذاك، عددا كبيرا من الناشطين، وزعمت أن عدد أعضائها تجاوز 800 ألف عضو، وكان من بينهم قطب السيارات الأميركي هنري فورد.

لكن ترامب أعاد تعريف "أميركا أولا" ببساطة كبيرة:

"أميركا ستضع مواطنيها وقيمها واهتماماتها في المقام الأول، مثلما ينبغي أن تفعله جميع الدول"، تقول وثيقة نشرها البيت الأبيض في سبتمبر 2017.

وتشير الوثيقة، التي تحدد سياسة خارجية قائمة على "الواقعية المبدئية"، إلى "استراتيجية العمل من أجل المصلحة الوطنية الأميركية وبما يتفق مع قيمنا".

التدخل حسب الموقف

تصف دراسة نشرت على موقع كلية غيتيسبيرغ الأميركية أيدولوجية "أميركا أولا" في سياسة ترامب الخارجية بأنها "الانعزالية والتدخل حسب الموقف،" على النقيض من سياسة سلفه، آنذاك، باراك أوباما.

أوباما وضع أميركا على قدم المساواة مع الدول الأخرى، وتعاون مع المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمات التجارة واتفاقية المناخ.

وتخلت عقيدة ترامب "بشكل متعمد"، وفق الدراسة، عن السياسة الخارجية لأوباما والرؤساء السابقين، وحتى الجمهوريين منهم.

لا تنكر الدراسة "عقيدة ترامب"، لكنها ترى أنها "تستند أكثر إلى التفضيلات الشخصية والعاطفة بدلا من اتباع نموذج سياسي صارم".

ما ليس ترامب

يعرف الكاتب المحافظ، مايكل أنتون، فكر ترامب السياسي بما ليس هو:

"ترامب ليس من المحافظين الجدد أو المحافظين القدماء، ولا من الواقعيين التقليديين ولا من الليبراليين الدوليين".

"ينطبق الشيء ذاته على حقيقة أن ترامب لا يميل فطريا إلى الانعزالية أو التدخل،" يتابع أنتون، "وهو ليس حمامة أو صقر. ولا تندرج سياسته الخارجية بسهولة في أي من هذه الفئات، على الرغم من أنها تستمد من كل منها".

لكنّ أنتون يلاحظ، مثل كثيرين، أن شعار "أميركا أولا" لا يجب أن يكون مستغربا لأن البلدان يجب أن تضع مصالحها الخاصة في المقام الأول.

طالما جادل ترامب ومريدوه من "اليمين الجديد"، بأن العولمة كلفت الولايات المتحدة غاليا، وكانت مفيدة للقوى الصاعدة التي تسعى إلى منافسة الولايات المتحدة على النفوذ والزعامة.

وطالما هاجم ترامب سياسات قال إنها تستجيب لاهتمامات النخبة التي تروج لفكرة أن من مصلحة أميركا البقاء في حلف شمال الأطلسي واستمرار العولمة.

لذلك سعى خلال رئاسته الأولى إلى ما وصفه بـ"تصحيح المسار". 

أعلن نهاية ما وصفها بـ"الامتيازات المجانية،" وأصر على أن يدفع أعضاء حلف شمال الأطلسي "نصيبهم العادل"، سواء في ما يتصل بالضمانات الأمنية أو الصفقات التجارية.

وفي الأشهر الأولى من ولايته الثانية، أعادت ترامب التشديد على ضرورة أن تزيد الدول الأعضاء إنفاقها الدفاعي. وكشف، من خلال موقفه الداعي لإنهاء الحرب في أوكرانيا، عن إدارة أميركية أقل ميلا إلى الالتزام باتفاقيات الدفاع الجماعي.

ويلخص الكاتب جورج فريدمان "مبدأ ترامب" في أنه سياسة "نزع فتيل المواقف التي قد تتطلب اتخاذ إجراءات عسكرية، والانخراط بدلا من ذلك في سياسة اقتصادية هجومية".

وتأتي أفكار ترامب، وفق الكاتب، على خلفية وضع دولي يشهد انتشار القوات الأميركية حول العالم، وهو وضع يخلق توترا لأن الولايات المتحدة قد تجد نفسها متورطة في حرب مكلفة وعلى أكثر من جبهة في الوقت ذاته، لذلك فإن الأفضل هو اتباع مبدأ الدبلوماسية.

لذلك اختار ترامب، في الولاية الأولى، "التفاهم " مع كوريا الشمالية، واتبع مسارا دبلوماسيا مع روسيا، خاصة وأنها كانت لديها قوات في سوريا قد تتقاطع في أماكن انتشار القوات الأميركية.

وفي نفس السياق، يبدو ترامب وكأنه يسير عكس التيار في ما يتعلق بالملف النووي الإيراني. إذ رغم الدعوات ـ من الداخل الأميركي ومن خارجه ـ إلى استخدام القوة لتفكيك البرنامج النووي الإيراني، تنخرط الإدارة الأميركية منذ أسابيع في محادثات مع الإيرانيين للوصول إلى حل سلمي يفكك الطموحات النووية لطهران.

وعرف ترامب بانتقاداته لحرب العراق وعمل خلال ولايته الرئاسية الأولى إلى إنهاء الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط وإعادة الجنود الأميركيين إلى الوطن.

يعتقد ترامب، وفق رؤية فريدمان، أن "الذهاب إلى الحرب خيار خاطئ لأن نوايا الخصوم غير متوقعة، والحل يكمن في الحفاظ على الوجود وتجنب القتال والانخراط في مفاوضات مطولة قد تؤدي إلى شيء أو لا شيء ولكنها قد تقلل من التهديد العسكري".

السياسة قطعة قطعة

العقيدة السياسية تعني أن "كل الإجراءات التي يتخذها الرئيس تستند إلى مجموعة من الافتراضات حول كيفية عمل العالم، والتوقعات، والعلاقات، وما إلى ذلك،" يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، تود بيلت.

"أما ترامب،" يضيف بيلت، "فهو على العكس تماما، يأخذ كل شيء قطعة قطعة. ويتعامل مع الأمور على أنها صفقات (تجارية)".

ترامب "لا يفضل الاتفاقيات متعددة الأطراف. هو يحب الاتفاقيات الثنائية وأن يكون هو الشخص الذي يبرم الصفقة"، يتابع بيلت.

"أميركا أولا"، بالنسبة لبيلت، ليست عقيدة "لأنها لا تتعلق بكيفية التفكير في شؤون العالم والاستجابة للتهديدات الدولية.

وتقضي بـ"ألا تعمل الولايات المتحدة مع أي جهات فاعلة دولية أخرى ما لم يكن ذلك ضروريا، ومن أجل المصلحة الدولية والوطنية".

وفي نفس الاتجاه يذهب ريتشارد وايتز، محلل السياسيات الأمنية في معهد هدسون: "ترامب لا يملك عقيدة" ثابتة. يقول وايتز في حاديث سابق مع موقع "الحرة" إن ترامب "لديه بعض القيم التي يريد تطبيقها، مثل الحد من الحروب، وزيادة دخل الأميركيين".

في بعض القضايا "يتسم بالحزم الشديد، مثل تغير المناخ، وقضايا أخرى يتسم فيها بالمرونة مثل الناتو، فهو لم يقرر بعد ما يمكن فعله بالنسبة للناتو. هو حازم في بعض القضايا ومنفتح في أخرى ويرحب بالتعليقات التي يتلقاها في هذا الشأن".

"أميركا أولا" 2.0

في ولايته الأولى، انسحب ترامب عام 2018 من الاتفاق النووي الذي أبرمته الدول الغربية مع إيران عام 2015، وأعاد فرض عقوبات اقتصادية صارمة، ركزت على خنق الاقتصاد الإيراني في ما عُرف بسياسة "الضغط الأقصى". وكان الهدف إجبار إيران على القبول باتفاق أكثر صرامة بشأن على برنامجها النووي.

وباستثناء استهداف الجنرال الإيراني قاسم سليمان في 2020، لم يلجأ ترامب إلى العمل العسكري ضد إيران، باستثناء حوادث متفرقة.

في الولاية الثانية، صعد ترامب النبرة تجاه إيران. وبدلا من الاعتماد بشكل أساسي على العقوبات، لوح علنا باللجوء إلى ضربات عسكرية إذا لم توافق إيران على اتفاق نووي وفق رؤية أميركية جديدة.

وهدد ترامب طهران بـ"عواقب وخيمة" تتجاوز العقوبات الاقتصادية في حال استمرارها في تطوير برنامج النووي.

وانخرطت إيران أخيرا في مفاوضات مع الولايات المتحدة بوساطة عمانية بشأن مستقبل برنامجها النووي.

أوكرانيا: الدعم شرط للسلام

وافق ترامب، في الولاية الأولى، على تقديم مساعدات عسكرية كبيرة لأوكرانيا، لكنه تعرض لاتهامات بتسييس تلك المساعدات خلال تحقيق العزل الأول في 2019.

في مستهل ولايته الثانية، علق ترامب المساعدات العسكرية لأوكرانيا، وأوضح أن استمرار الدعم الأميركي مشروط بدخول أوكرانيا في مفاوضات لإنهاء الحرب مع روسيا.

مثّل تعامل ترامب مع ملف الحرب الروسية الأوكرانية، تحولا في السياسة الخارجية الأميركية من الدعم غير المشروط تقريبا إلى استخدام الدعم كأداة للضغط من أجل التفاوض لإحلال السلام.

روسيا: من الردع إلى السعي للتقارب

بشكل عام، حافظت إدارة ترامب الأولى على العقوبات المفروضة على روسيا، بل وزادتها بسبب تدخلها في الانتخابات الأميركية وضمها للقرم وقضايا أخرى.

الآن يركز ترامب على الدبلوماسية المباشرة مع روسيا، بهدف التفاوض على وقف لإطلاق النار في أوكرانيا، حتى لو تطلب ذلك تقديم تنازلات لا تعتقد كييف أنها عادلة.

الصين: من حرب تجارية إلى منافسة شاملة

أطلق ترامب حربا تجارية واسعة ضد الصين، مستخدما الرسوم الجمركية كأداة رئيسية لمواجهة العجز التجاري وسرقة حقوق الملكية الفكرية. وفي الولاية الثانية، تصاعدت المواجهة إلى مستويات غير مسبوقة.

لم يكتفِ ترامب بزيادة الرسوم الجمركية بل دفع نحو تقييد الاستثمارات الصينية في القطاعات التقنية الأميركية، وتقليص الاعتماد على سلاسل التوريد الصينية ـ خصوصا في مجالات الأدوية وأشباه الموصلات ـ ودعم مبادرات الردع العسكري في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

الترامبية واليمين الجديد

يعرف قاموس جامعة كامبريدج الترامبية بأنها سياسات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب وأفكاره، فيما تذهب دراسات عديدة إلى أن الترامبية مثلت بداية حزب جمهوري جديد، يشكل "قطيعة حادة" مع أفكار الحزب والمبادئ التي اتبعها على مدى عقود خلت.

هل تبقى الترامبية بعد دونالد ترامب؟ يسأل كاتب نيويورك تايمز مايكل ليند:

"اختيار ترامب للسناتور جي.دي. فانس لمنصب نائب الرئيس يعني أن الجواب هو نعم،" يجيب الكاتب.

تمخضت الترامبية عن ظهور تيار سياسي جديد في الولايات المتحدة، بات يعرف بـ"اليمين الجديد".

وشاع استخدام المصطلح حديثا بالإشارة إلى مجموعة من المثقفين والسياسيين الجمهوريين الذين يعملون على تحويل الترامبية إلى أيديولوجية متماسكة.

أيديولوجية ستتاح لها أربع سنوات أخرى لتترسخ وتكتسب الزخم.