الرسوم الجمركية صعدت الخلاف بين الولايات المتحدة ومنافسين عالميين
الرسوم الجمركية صعدت الخلاف بين الولايات المتحدة ومنافسين عالميين

تتزايد المخاوف من تفاقم تبعات الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، بعد أن أعلنت بكين رفع الرسوم الجمركية على الواردات الأميركية إلى 125 بالمئة، رداً على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بزيادة التعرفة على السلع الصينية إلى 145 بالمئة.

وحذّر مراقبون من آثار اقتصادية عالمية محتملة، تشمل موجة تضخم حادة، واضطرابات كبيرة في سلاسل التوريد، إضافة إلى أضرار جسيمة تلحق بالدول النامية والأسواق الناشئة.

ديفيد سيدني، نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق لشؤون آسيا والمحيط الهادئ، قال لقناة الحرة إن ما يجرى بين الولايات المتحدة والصين ستكون له تبعات على الصين والتأثير سيكون واسع النطاق.

وأوضح أن الصين تسعى حالياً إلى دعم شركاتها المحلية لمواجهة القرار الذي اتخذه الرئيس ترامب برفع الرسوم الجمركية، إلا أن هذه الإجراءات ستنعكس سلباً على الاقتصاد الصيني، وقد تؤدي إلى تراجع مكانة الصين على الساحة الدولية.

لكن سيدني أشار إلى أنه رغم هذه المخاوف، فإن الصين لا تنوي التراجع عن موقفها، ولم تظهر أي نية للدخول في حوار مع الولايات المتحدة بهدف التوصل إلى حل لهذه الأزمة التجارية.

من جهة أخرى، فإن رفع الرسوم الجمركية من قبل الإدارة الأميركية لن يكون بلا ثمن، إذ من المتوقع أن يؤثر سلباً على الاقتصاد الأميركي أيضاً، مع احتمال ارتفاع معدلات التضخم، الأمر الذي يثير مخاوف حقيقية من الدخول في مرحلة ركود اقتصادي.

وأشار سيدني إلى أن الهدف الذي وضعه ترامب من خلال هذه الخطوة، وهو إعادة المصانع إلى داخل الولايات المتحدة، لن يتحقق في الوقت القريب، لأن بناء هذه المصانع من جديد سيتطلب عدة سنوات من العمل والتخطيط.

وفي نهاية المطاف، يرى سيدني أن الصين ستكون هي الرابح الأكبر في هذه الحرب التجارية، لأنها تمتلك القدرة على تعزيز علاقاتها التجارية مع دول أخرى، ما قد يؤدي إلى نشوء نظام تجاري جديد يرتكز في أساسه على الصين، وستلعب الهند فيه دوراً محورياً كذلك. 

وأكد أن هذه السياسة المتعلقة بالرسوم الجمركية تضر بالمصالح الأميركية، وستؤدي إلى أزمات ومشاكل متعددة على المدى القصير، كما أن التداعيات الاقتصادية لهذه الحرب التجارية لن تقتصر على طرفي النزاع، بل ستمتد لتشمل الاقتصاد العالمي بأكمله.

الصين ردت على الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة (رويترز)
مع اشتعال حرب التعريفات الجمركية.. ما هو حجم التبادل التجاري بين أميركا والصين؟
اشتعلت الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، الولايات المتحدة الأميركية والصين، مع فرض رسوم جمركية هائلة ومتبادلة من كلا الدولتين، وهو الأمر الذي يسلط الضوء على حجم التبادل التجاري بينهما.

مصطفى يوسف، المدير التنفيذي لمركز الدراسات التنموية والاستراتيجية في ميشيغان، قال من جهته لقناة الحرة إن فرض الرسوم الجمركية ستكون له آثار سلبية شديدة، بل ومدمرة، على الدول النامية والأسواق الناشئة، إلى جانب تأثيره الكبير على الاقتصاد العالمي ككل.

وذكر أن العالم بالكاد بدأ يتعافى من أزمات سابقة، مثل أزمة الرهن العقاري عام 2008، ثم جائحة كورونا وما خلفته من تبعات، وبعدها أزمة سلاسل التوريد، وأخيراً الحرب في أوكرانيا، والآن يدخل في أزمة جديدة وهي حرب الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين.

وأوضح يوسف أنه بعيدا عن الفكر الإيدولوجي، لكنه يقدر النية التي يحملها الرئيس ترامب في دعم الصناعة الأميركية ومحاولة إعادة توطين الشركات في الداخل الأميركي. 

ومع ذلك، يرى أن معالجة مثل هذه القضايا لا ينبغي أن تتم من خلال التصعيد أو اللجوء إلى سياسة العقوبات، بل عبر اعتماد الحوار، والتراضي، والاقناع الأخلاقي – كما وصفه – بدلاً من اتخاذ إجراءات انتقامية أو الدخول في مواجهات مباشرة.

وشدد يوسف على أن هذه الحرب التجارية لن تمر مرور الكرام، بل ستؤدي إلى موجة تضخمية عالمية، حيث ستشهد الأسعار ارتفاعاً كبيراً، وهذا من شأنه أن يربك سلاسل التوريد، ويُلحق أضراراً جسيمة باقتصادات الدول النامية، ما سيزيد من معاناة شعوبها بشكل مباشر.

وفي ختام حديثه، دعا مصطفى يوسف الرئيس ترامب إلى إعادة النظر في قراراته المتعلقة بالرسوم الجمركية، مطالباً بأن يتم ذلك بعين "الرحمة والرأفة"، في إشارة إلى ضرورة مراعاة وضع الاقتصاد العالمي وما سيلحقه من ضرر في حال الاستمرار بحرب زيادة الرسوم الجمركية.

محطة تلفزيونية تبث رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جيروم باول يتحدث في جاكسون هول على أرضية بورصة نيويورك
تحسن الدولار والنفط بعد قرار ترامب تعليق الرسوم الجمركية
انتعش الدولار الأميركي أمام عملات الملاذ الآمن بما في ذلك الين والفرنك السويسري، كما صعدت أسعار النفط، الأربعاء، لتتعافى من أدنى مستوياتها في أربع سنوات بعد أن أعلن الرئيس دونالد ترامب تعليق العديد من الرسوم الجمركية الجديدة على الشركاء التجاريين لمدة 90 يوما ورفعها على الصين مما أدى إلى تصعيد المواجهة.

وقالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، كارولين ليفيت، الجمعة، إن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، متفائل بشأن التوصل إلى اتفاق تجاري مع الصين. وأضافت في مؤتمر صحفي "أوضح الرئيس بشكل تام أنه منفتح على التوصل إلى اتفاق مع الصين".

وأردفت "إذا استمرت الصين في الرد، فلن يكون ذلك في صالحها"، وأن الرسوم على بكين ستظل عند مستوى 145%.

وتمسكت الإدارة الأميركية بموقفها، الجمعة، وأشارت لمناقشات تجريها مع عدد من الدول بشأن اتفاقات تجارية جديدة تقول إنها تبرر نهجها السياسي.

وكتب ترامب على وسائل للتواصل الاجتماعي "نحن في وضع جيد جدا بفضل سياسة الرسوم الجمركية. أمر مثير للاهتمام والحماسة للغاية لأميركا وللعالم!!! الأمر يتحرك سريعا".

وهونت إدارة ترامب من شأن الاضطرابات التي عادت للأسواق وقالت إن إبرام اتفاقات مع الدول سيأتي بالاستقرار والثقة للأسواق.

الذئاب المنفردة

فجر أول أيام يناير، 2025، وثقت كاميرا مثبتة على جسم أحد أفراد الشرطة الأميركية لحظات محاصرة شمس الدين جبّار، منفّذ عملية الدهس في مدينة نيو أورلينز الأميركية، أثناء محاولته الهروب بينما تناثرت أجساد ضحاياه على الأرض من حوله.

تحوّلَ جبّار من رقيب سابق في الجيش الأميركي، إلى إرهابي قاتل لـ 14 ضحية، ساقتهم الأقدار  إلى شارع بوربون الشهير للاحتفال بليلة رأس السنة.

جبار ليس "الذئب المنفرد" الوحيد.

 في تحقيق لـ"الحرة تتحرى"، تقصت نسرين عجب تاريخ الظاهرة وواقعها، لتحذر من مستقبل ترسم فيه الذئاب صفحة مظلمة.

يروي عباس الداهوك، وهو عقيد سابق في الجيش الأميركي، في مقابلة مع الحرة، أن حياة جبار كانت مليئة بالمشكلات، وكانت لديه خطة لجمع عائلته في مكان واحد لارتكاب العنف ضد أفرادها. لكنه في اللحظة الأخيرة قرر العدول عن تنفيذ الخطة، وسلك طريقا مختلفا. 

قاد شاحنته، وعليها علم داعش، ليفتك بأبرياء عزّل في مدينة نيو أورلينز. لم يُستبعد ارتباطه بالتنظيم الإرهابي، لكن على الأرجح كان يتصرف كذئب منفرد.

صباح اليوم نفسه، على بُعد 1700 ميل إلى الغرب، أطل الإرهاب بوجهه البشع مرة أخرى.

أمام فندق يعود للرئيس دونالد ترامب، في مدينة لاس فيغاس، انفجرت شاحنة كهربائية، بعد انتحار مستأجرها ماثيو ليفلسبيرغر، الرقيب الأول في القوات الخاصة الأميركية. 

يقول كولن كلارك، الخبير في قضايا الإرهاب، إن هذا كان أشبه بعرض لجذب الانتباه إلى ما كان للأسف نوعا من التشتّت الذهني لشخص ربما كان يعاني بشدة من اضطراب ما بعد الصدمة.

ويضيف أنه بعد 20 عاما من تركيز ضيّق للغاية على نوع واحد من الإرهاب، وهو الإرهاب الجهادي، "أدركنا الآن أن الأمور أكثر تعقيدا".

يشير كلارك إلى مفهوم الذئب المنفرد، أي كيف يمكن لشخص ما، من دون مقدمات، أن يتحوّل في أي بقعة من العالم، إلى ذئب منفرد يتبربص بضحاياه الغافلين، ليفتك بهم وينشر الرعب.

الذئب المنفرد، بحسب وزارة العدل الأميركية، هو شخص ينفّذ بمفرده هجوما إرهابيا ضد مجتمع يكون هو جزءا منه، بدوافع سياسية أو دينية، ولغرض التأثير على الرأي العام، أو عملية صنع القرار السياسي. وقد يستلهم أفكاره من مجموعة أو شبكة معينة، ولكنه لا يكون خاضعا لقيادتها.

برنامج "الحرة تتحرى" يعود بملف الذئاب المنفردة إلى بدايات هذا النوع من الإرهاب، وكيف تنامى، ويعرض أبرز الهجمات، ودوافع منفذيها، والأيديولوجيات التي تبنوها، إضافة إلى شرح الكوامن النفسية التي تدفع شخصا ما عن سابق إصرار وترصّد، إلى قتل آخرين، يراهم غالبا للمرة الأولى، وهو يدرك أنه سيدفع حياته ثمنا لذلك.

بحسب أحمد سلطان، الباحث في الأمن الإقليمي والإرهاب، يصعب في الغالب الكشف أو التنبؤ بهجمات الإرهابي الوحيد أو الذئب المنفرد، لأنك لا يمكن أن تراقب المجتمع بالكامل، كما أن الذئب المنفرد لا تظهر عليه أي علامات سابقة على تنفيذه الهجوم. 

في المقابل، يرى رامون سباي، وهو عالم اجتماع متخصص بظاهرة الذئاب المنفردة في ملبورن، أستراليا، أنه بمرور الوقت، أصبح إرهاب الذئاب المنفردة يشكّل نسبة أكبر بكثير من إجمالي الهجمات الإرهابية، وأن سياق هذه الهجمات، ورغم أن منفذيها أفراد، غالبا ما تكون نسخة متطرفة، أو تعبيرا عن الصراعات المجتمعية الأوسع الجارية في ذلك الوقت.

أما وائل سلامة، طبيب نفسي عمل على حالات لإرهابيين في السجون اللبنانية، فيؤكد أن هذه الحالات هي بلا شك نوع من البحث عن هوية.

"بالنسبة له (الذئب المنفرد) حتى عندما يتم قتله يصل إلى الغاية المنشودة، فالغاية الأساسية من الجريمة، أن يثبت قدراته".

قد يكون مصطلح "الذئاب المنفردة" حديث العهد، لكن فعل الهجوم الأحادي، ظهر قبل قرنين من الزمان.

يعود تاريخ الهجمات الأحادية، بحسب رامون سباي مؤلف كتابين عن إرهاب الذئاب المنفردة، إلى القرن التاسع عشر، لما يُعرف بإرهاب "الأناركية"، وهي تستند إلى فلسفة سياسية، وكان لديها استراتيجية تسمى "المقاومة القانونية"، و"الدعاية بالفعل".

وتتضمن استراتيجيتها ارتكاب أعمال عنف جماعي بشكل متفرق، وليس كجزء من مجموعة منظمة، من خلال قيام أفراد بشن هجمات عنيفة على مسؤولين حكوميين، رؤساء دول، وعائلات ملكية.

يشتق مصطلح الأناركية من الكلمة اليونانية "أنارخيا"، التي تعني بدون حاكم.

اكتسف فلسفة الأناركية شهرة في القرن التاسع عشر، ودعت إلى مجتمع بلا حكومة، أو هياكل هرمية.

في حديث مع "الحرة"، يقول ستيف كيليليا، مؤسس ومدير معهد الاقتصاد والسلام، الذي ينشر تقارير سنوية عن مؤشرات الإرهاب في العالم، إن مفهوم الذئب المنفرد، بدأ بالظهور فعليا في الفترة بين عامي 1870 و1930، مع حركة الأناركية في أوروبا والولايات المتحدة.وقد تكون إحدى أبرز هجمات هذه الحركة اغتيال الرئيس الأميركي، وليام ماكينلي، عام 1901.

أُعدم قاتل الرئيس، الأناركي ليون تشولغوش، بالكرسي الكهربائي، لكن هجمات الحركة استمرت على مدى عقود. وفي نهاية السبعينيات، شغل إرهابي مجهول الهوية السلطات الأميركية لسبعة عشر عاما كاملا.

وفق تقرير مكتب التحقيقات الفيدرالي أرسل هذا الشخص، أو سلّم باليد، سلسلة من القنابل التي كانت تزداد تطوراً، وأسفرت عن مقتل ثلاثة أميركيين، وإصابة أكثر من عشرين آخرين. 

يخبر سباي فريق "الحرة تتحرى" أنه منذ التسعينيات، ومع صعود اليمين المتطرف، بدأت فعلياً استراتيجية الذئب المنفرد أو الفاعل المنفرد، واستُخدم المصطلح بشكل أكثر تحديدا وانتشارا بواسطة نشطاء اليمين خاصة المتطرفين منهم.

وظهر كثير من "الذئات المنفردة" يضيف سباي، في صفوف اليمين المتطرّف، وذلك نتيجة استراتيجية تسمى "المقاومة بلا قائد"، وهي طريقة لمنع اختراق أو تفكيك جماعة أو منظمة من قبل وكالات إنفاذ القانون، وهي أيضا وسيلة لحماية القيادة، من خلال جعل الأشخاص يتصرفون بشكل فردي، فإذا تم القبض عليهم، فلن يكون لديهم تفاصيل عن الشبكة أو المخطط الأكبر.

لا يقتصر وجود الإرهاب على طريقة الذئاب المنفردة على الولايات المتحدة، بل يمتد عبر الأطلنطي إلى القارة العجوز.

بحسب ستيف كيليليا مؤسس ومدير معهد الاقتصاد والسلام في أستراليا، فإن عددا من الدول التي لم تتعرض لهجمات في السنوات الخمس الأخيرة، شهد عام 2024 ثماني هجمات ذئاب منفردة في السويد. وفي كل من فنلندا وهولندا والدنمارك وقع هجومان، وتصاعدت الهجمات من هذا النوع في دول أخرى مثل النرويج.

أما ألمانيا، فمن أكثر الدول الغربية تعرضا للإرهاب، ومنها هجمات ذئاب منفردة. 

قبيل عيد الميلاد عام 2024، نفّذ طالب العبد المحسن، طبيب نفسي من أصول سعودية، عملية دهس في سوق مزدحم، في مدينة ماغديبورغ الألمانية، أدت إلى مقتل خمسة أشخاص، وإصابة مئات آخرين.

طبقا لتقارير متخصصة، 93 في المئة من الهجمات الإرهابية المميتة في الغرب خلال السنوات الخمس الماضية نفذت بواسطة "ذئاب منفردة". فما الذي يجذبهم إلى هذا الأسلوب دون سواه؟ 

يجيب أحمد سلطان، الباحث في الأمن الإقليمي والإرهاب، بأن الأسهل هي هجمات الذئاب المنفردة لأنها طبعا أصعب في الكشف والتوقع. ويعني أنها يمكن أن تحدث في أي وقت وأي مكان، "أما الهجمات المنسقة فتحتاج للموارد، وتأخذ وقتا طويلا في التجهيز والتخطيط والتنفيذ".

قد يبدو الفعل بعدائيته نابعا من قوة، إلا أن علم النفس له رأي آخر.

في الجزء الأكبر منه هو ناتج عن عقدة نقص "دائما ما تدفع بالشخص ليبالغ بردة الفعل"، ، يقول وائل سلامة، الطبيب النفسي، فمن ناحية المجرم أو الإرهابي فهو "يريد أن يضخم بجريمته لتضخيم ردة الفعل وبالتالي يغذي عقدة النقص الموجودة لديه".

يخبر رامون سباي "الحرة" أن ما لاحظه في كثير من حالات الذئاب المنفردة التي درسها هو أنه "بمرور الوقت يحدث تحوّل حقيقي في هويتهم"، فيرون ارتكاب العنف عملا ثوريا يمنحهم شعورا بالوجود والأهمية،  ... والإحساس القوي بالاستقامة الأخلاقية والتصرّف باسم الحق والخير"، رغم أن ما يقومون به هو فعل إجرامي ضحاياه في الغالب أناس أبرياء يُستهدفون بينما هم منشغلون بشؤونهم اليومية.