على مدار تاريخ جائزة الأوسكار الشهيرة، لم ينجح فيلم مصري واحد في المرور عبر التصفيات النهائية للمسابقة، وهي التي يحضر أبطالها حفل إعلان الجوائز للمنافسة على جائزة "أفضل فيلم أجنبي".
رغم ذلك، فإن مصر ترسل فيلما مصريا سنويا للمشاركة في المسابقة منذ عام 1958.
لذلك، كان قرار نقابة المهن السينمائية، أمس الخميس، صادما، حين أعلنت أنها لن ترشح أي فيلم للمشاركة في الجائزة لعام 2022.
وقالت النقابة في بيانها المقتضب: "بعد مشاهدة أعضاء اللجنة للأفلام التي ينطبق عليها شروط الترشيح للجائزة من قبل أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة (أوسكار)، انتهت اللجنة بأغلبية الأصوات إلى قرار بعدم ترشيح فيلم مصري لهذا العام".
وفي اتصال هاتفي لموقع الحرة أوضح أحد أعضاء اللجنة، الكاتب والناقد السينمائي، طارق الشناوي، أن اللجنة قد صوتت على القرار بأغلبية نسبية بعد طرح أول بند على قائمتها والمتمثل فيما إذا كان هناك فيلم من الأفلام الأربعة المعروضة على اللجنة يستحق أن يتم ترشيحه.
وتابع: "بعد أن أيدت أغلبية نسبية هذا القرار والذي لم أوافق عليه لم نستطع الانتقال إلى البند الثاني في الاجتماع لمناقشة أي فيلم من الأفلام الأربعة (كيرة والجن، 2 طلعت حرب، الجريمة، قمر 14) وبالتالي كان علينا احترام نتائج التصويت".
وشدد الشناوي على أن عدم ترشيح فيلم لهذا العام لا يعد هزيمة للسينما المصرية، موضحا: "الانتصار الحقيقي لا يمكن بمسألة تسمية فيلم، بل يتجسد في الوصول إلى القائمة الطويلة المؤلفة من 15 فيلما وهذا أضعف الإيمان، ناهيك عن تجاوزها لبلوغ القائمة القصيرة".
في المقابل ترى عضوة اللجنة، الناقدة السينمائية ماجدة خير الله أن قرارهم بعدم ترشيح أي فيلم لهذا العام كان صائبا لعدم "وجود أي فيلم يرقى للمعايير الفنية المطلوبة".
وشددت على أن تراجع دعم الدولة لسينما في الأعوام الاخيرة ساهم في تراجع مستوى الأفلام التي أصبح انتاجها على حكرا على شركات ربحية تلهث وراء شباك التذاكر، على حد قولها.
"العبرة ليست بشباك التذاكر"
ولكن هناك من رأى فيلم "كيرة والجن" كان يستحق أن يرشح خاصة وأنه يتمتع كما يرون بجماليات فنية تنافس ما يمكن مشاهدته في أفلام هوليود، وأنه قد حقق رقما قياسيا بعد أن أصبح الأعلى إيرادا في تاريخ السينما المصرية بإيرادات تجاوزت 116 مليون جنيها خلال 13 أسبوع عرض فقط.
ويرصد الفيلم حقبة مهمة في تاريخ مصر أثناء ثورة 19 إذ يتناول العمل واقع المجتمع المصري في فترة الاحتلال الإنكليزى إبان ثورة 1919، ويكشف عن قصص حقيقية لمجموعة من أبطال المقاومة المصرية ضد الاحتلال بين عامي 1919 و 1924، وذلك من خلال أبطال منسيين خاضوا معارك وتضحيات جريئة من أجل الاستقلال.
ولكن خير الله ترد بالقول إن "شباك التذاكر أو التكلفة العالية في الإنتاج لا تدخل ضمن المعايير الفنية عند ترشيح أي فيلم لجائزة أوسكار، فهناك عوامل أكثر أهمية وحاسمة تتعلق بوجود قيمة فنية حقيقة تشمل السيناريو والإخراج والتصوير والموسيقى التصويرية وما إلى ذلك".
من جهته، يرى الناقد الفني أمجد جمال أن "مصر صاحبة الرقم القياسي كدولة في معدل الترشيحات الفاشلة للأوسكار. فأفلام مثل باب الحديد أو دعاء الكروان أو المومياء أو المصير أو أرض الخوف، سهر الليالي، بحب السينما.. كل هذه الأفلام تم إرسالها للجنة الأوسكار ولم تستوف الشروط وعادت كما جاءت".
وتابع في منشور له على موقع فيسبوك: "إذن هل فيلم كيرة والجن كان سيكون مصيره أسوأ من تلك الأفلام؟! بالتأكيد لا. لكن من الممكن أن تكون الطبقية الفنية التي توالدت وتعاظمت عند بعض النقاد هي من دفعتهم لعدم ترشيحه".
علامات استفهام
واعتاد مصر، صاحبة الريادة في صناعة السينما أفريقيا وعربيا، أن ترشح أفلاما حققت نجاحا نسبيا في مهرجانات مختلفة للأوسكار، دون أن تحقق المأمول في الوصول إلى القائمة الطويلة لترشيحات الأوسكار على أقل تقدير.
وفي هذا الصدد يرى المخرج، تامر عزت، في منشور له على موقع "فيسبوك" أن أحد أسباب ذلك الفشل القديم يعود إلى أن المسألة دعائية بامتياز، موضحا: "الجهات الإنتاجية تنفق علي الأ فلام مابين ٣-١٦ مليون دولار في حملة الترشيح للأوسكار فقط ؟ فإذا كان ميزانية أكبر فيلم مصري لا تتعدى ٣ ملايين دولار.. فهذا يفسر لماذا لا نملك عمليا فرصة أي فرصة في المنافسة الشرسة حتى لو أنتجنا أفلاما رائعة".
أما الشناوي، فينفي من جهته لموقع الحرة وجود أي "نوايا مسبقة" تجاه مصر، موضحا:"هناك عوامل عدة ساهمت في عدم فوز أي فيلم مصري بجائزة الأوسكار أو الوصول إلى القائمتين الطويلة والقصيرة، منها جودة الأفلام المنافسة في المسابقة لاسيما من دول لديها صناعة متطورة كما هو الحال في العديد من البلدان الأوروبية".
وتابع: "وأيضا علينا الأخذ في الحسبان التوجهات الفكرية والثقافية لأعضاء اللجنة الذين قد يمليون للإعجاب بمواضيع تناقشها الأفلام الأخرى وليست مطروحة في السينما المصرية".
وفي سياق متصل تؤكد خير الله أن أحد أبرز الأسباب هو سيطرة شركات الإنتاج الربحية على السينما المصرية والتراجع الكبير في دعم الدولة، مؤكدة على أن بعض الأفلام المصرية ذات المستوى الراقي قد ظلمت لعدم تحقيقها شروط المشاركة لاسيما شرط العرض الجماهيري الذي يحسم قبول أي ترشيحات.
وتابعت: "فعلى سبيل المثال العام الماضي تعرض فيلمي (ريش) و(سعاد) لظلم بين رغم المستوى الفني المذهل علما أنهما محسوبان على السينما المستقلة، فلو عرضا الفيلمين جماهيريا لكانا شارك في مسابقة الأخيرة وربما فاز أحدهما بالجائزة".
ويتفق الشناوي مع ذلك بخصوص فيلم ريش الذي حصل جائزة أسبوع النقاد من مهرجان كان مؤكدا أنه كان يستحق المشاركة وأن كان سوف يترك بصمة واضحة لدى لجنة الحكام في الأوسكار.
ولدى سؤاله لو كان الخيار بترشيح أحد الأفلام للأوسكار يجيب الشناوي: "أعتقد أنني كنت سوف أرشح فيلم ( 2 طلعت حرب) لأنه الأفضل من النواحي الفنية ويرقى إلى أدنى المعايير الفنية المطلوبة في المشاركة".
وتدور أحداث في إطار اجتماعي سياسي، في شارع طلعت حرب عبر شقة سكنية، تطل على ميدان التحرير بمصر، من خلال استعراض أربع حكايات مختلفة على مدار فترة زمنية طويلة، علما أن هذا الفيلم هو آخر أعمال النجم الراحل، سمير صبري، وهو من إخراج مجدي أحمد علي.
أما الناقدة ماجدة خير الله رأت أنه لا يوجد فيلم يستحق بالفعل أي يرشح باسم مصر، مشددة أنها صوتت بالرفض بناء على قناعات قوية لديها.