شهدت موسيقى الراب في موريتانيا تحولا غير مسبوق في السنوات الأخيرة، ونجح فنانونها في كسر الحواجز التقليدية وفي إيجاد مكان لهذا الفن في مجتمع معروف بتقاليده المحافظة.
وبرز هذا الفن الشبابي في تسعينيات القرن الماضي كحركة فنية احتجاجية منتقدة للأوضاع السياسية والاجتماعية ومناصرة لقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان.
موسيقى وافدة
تقبل المجتمع الموريتاني موسيقى الراب والهيب هوب على مضض، إذ لم يكن في بدايات ظهورها يتخيل أن ينجح هذا التيار الموسيقي في مزاحمة شعراء البلد وفنانيه الملتزمين.
ويبدو ذلك مفهوما بالنظر إلى كون "بلد المليون شاعر" مجتمع محافظ "يقدس" الفن الشعبي الملتزم، ويخصص له جلسات سمر لا يطرب فيها إلا كبار الفنانين الذين ورثوا هذا الفن جيلا بعد جيل.
ومع بداية التسعينيات ظهر جيل شاب من الفنانين تأثروا كغيرهم منن الجيل الصاعد حينها بموسيقى الراب الأميركية، وحالوا بمجهوداتهم الذاتية تقديم هذا الفن الوافد للموريتانيين.
وعن تلك البدايات، يوضح مقال نشره موقع وزارة الثقافة الموريتانية أن هذا التيار الجديد "امتزج بالموسيقى العربية المحلية من جهة، وتفاعل مع واقع سياسي واجتماعي حافل بالأحداث".
وبحث الراب في موريتانيا من خلال مزجه أيضا بين اللغات الوطنية البولارية والولوفية والسوننكية والكلمات الإنجليزية على موطئ قدم رغم معارضته في البداية واعتباره فنا وافدا خارجا عن المألوف.
قضايا الأقليات والديمقراطية
ولعل تركيز هذا الصنف الموسيقى على قضايا حقوق الأقليات وعلى قضايا الظلم والإقصاء من بين الأسباب التي سهلت شيئا فشيئا انتشار هذا الفن بين الشباب والمراهقين.
في هذا السياق، يوضح المصدر ذاته، أن رواد فن الراب في موريتانيا نجحوا في أن يكونوا "صوتا للمواطن المهمش"، مشيرا إلى أنهم تبنوا قضايا "الدفاع عن المسكين والمواطن المحروم وآلام الفقراء، وعن الامتعاض من تكدس الأوساخ في نواكشوط"، ما سهل وصول كلماتهم إلى وجدان الشباب.
وتعد فرقة "أولاد لبلاد" من بين أشهر فرق موسيقى في موريتانيا، وبرز اسمها منذ عام 2000، خصوصا بعد تسجيلها لألبوم "ارحل" عام 2014 الذي انتقد نظام الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز (2009-2019).
وبسبب تلك الأغنية اعتقلت السلطات حينها عضو الفرقة حمادة ولد سيدي بونا لشهرين بتهمتي "الاغتصاب" و"تعاطي المخدرات" ورغم ذلك واصلت الفرقة ألبوماتها من السنغال.
واشتهرت هذه الفرقة الموسيقية بانتقادها اللاذع للنظام ولأوضاع حقوق الإنسان في موريتانيا، خاصة أغنية "رئيس الفقراء"، وأغنية "فبركة" التي تناولت التهم التي وجهتها السلطات لأعضائها وأثارت بدورها جدلا في البلاد بعد ظهور علم موريتانيا على شكل كعكة.
"أولاد لبلاد كانت من أوائل من تجرأ على اتهام ولد عبد العزيز بالفساد وطالبوا برحيله"، يقول المنتج الموسيقي سيدي العلوي في تصريح سابق لـ"أصوات مغاربية".
ولفت العلوي إلى أن نجاح هذه الفرق الموسيقية في "اختراق" المجتمع الموريتاني قرب بعضها من الأحزاب السياسية، موضحا أن الأغلبية والمعارضة تفطنوا إلى قوة حضورها وحاول كل طرف توظيفها "بغرض استغلالها للوصول إلى فئات كثيرة".
وعلى نقيض خطابها المعارض للسلطة، أصدرت في الفترة نفسها فرقة "صوت الشعب" أغنية "لا ترحل"، التي طالبت عبد العزيز بالبقاء في السلطة ومواصلة حكم البلاد، مما عكس حجم انتشار هذا الفن في المجتمع الموريتاني.
وإلى جانب "ولاد البلاد"، ظهرت فرق أخرى تناولت بإمكانياتها الذاتية قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان وركزت فرق أخرى على إظهار الموروث الثقافي للبلد كأغنية "شرتات" التي أصدرتها مؤخرا فرقة "موحا وبيغ دوز".
وعرفت السنوات الأخيرة بروز مهرجانات دولية تقام بشكل سنوي لفن الراب مثل مهرجان "السلام عليكم" الذي تحتضنه العاصمة نواكشوط ويشارك فيه فنانون من مختلف القارات.
المصدر: موقع الحرة