لقطة من أغنية "رئيس الفقراء". المصدر: شبكات التواصل
إسحاق ولد سيدي ابراهيم أحد أفراد فرقة "أولاد لبلاد" التي اتهمت الرئيس محمد ولد عبد العزيز بالفساد

شهدت موسيقى الراب في موريتانيا تحولا غير مسبوق في السنوات الأخيرة، ونجح فنانونها في كسر الحواجز التقليدية وفي إيجاد مكان لهذا الفن في مجتمع معروف بتقاليده المحافظة.

وبرز هذا الفن الشبابي في تسعينيات القرن الماضي كحركة فنية احتجاجية منتقدة للأوضاع السياسية والاجتماعية ومناصرة لقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان.

موسيقى وافدة

تقبل المجتمع الموريتاني موسيقى الراب والهيب هوب على مضض، إذ لم يكن في بدايات ظهورها يتخيل أن ينجح هذا التيار الموسيقي في مزاحمة شعراء البلد وفنانيه الملتزمين.

من جديد أولاد لبلاد في ظهور رائع ضد العنصرية..فرق السماء عن الأرض بين أولاد لبلاد وبقية صناع الراب فموريتان أتريكة يعرفو يعدلو شغلتهم ويخترو نوع من الموسيقى ماه معقول..❤️

Posted by Boydia Sidi on Saturday, June 15, 2024

ويبدو ذلك مفهوما بالنظر إلى كون "بلد المليون شاعر" مجتمع محافظ "يقدس" الفن الشعبي الملتزم، ويخصص له جلسات سمر لا يطرب فيها إلا كبار الفنانين الذين ورثوا هذا الفن جيلا بعد جيل.

ومع بداية التسعينيات ظهر جيل شاب من الفنانين تأثروا كغيرهم منن الجيل الصاعد حينها بموسيقى الراب الأميركية، وحالوا بمجهوداتهم الذاتية تقديم هذا الفن الوافد للموريتانيين.

وعن تلك البدايات، يوضح مقال نشره موقع وزارة الثقافة الموريتانية أن هذا التيار الجديد "امتزج بالموسيقى العربية المحلية من جهة، وتفاعل مع واقع سياسي واجتماعي حافل بالأحداث".

وبحث الراب في موريتانيا من خلال مزجه أيضا بين اللغات الوطنية البولارية والولوفية والسوننكية والكلمات الإنجليزية على موطئ قدم رغم معارضته في البداية واعتباره فنا وافدا خارجا عن المألوف.

قضايا الأقليات والديمقراطية

ولعل تركيز هذا الصنف الموسيقى على قضايا حقوق الأقليات وعلى قضايا الظلم والإقصاء من بين الأسباب التي سهلت شيئا فشيئا انتشار هذا الفن بين الشباب والمراهقين.

في هذا السياق، يوضح المصدر ذاته، أن رواد فن الراب في موريتانيا نجحوا في أن يكونوا "صوتا للمواطن المهمش"، مشيرا إلى أنهم تبنوا قضايا "الدفاع عن المسكين والمواطن المحروم وآلام الفقراء، وعن الامتعاض من تكدس الأوساخ في نواكشوط"، ما سهل وصول كلماتهم إلى وجدان الشباب.

وتعد فرقة "أولاد لبلاد" من بين أشهر فرق موسيقى في موريتانيا، وبرز اسمها منذ عام 2000، خصوصا بعد تسجيلها لألبوم "ارحل" عام 2014 الذي انتقد نظام الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز (2009-2019).

وبسبب تلك الأغنية اعتقلت السلطات حينها عضو الفرقة حمادة ولد سيدي بونا لشهرين بتهمتي "الاغتصاب" و"تعاطي المخدرات" ورغم ذلك واصلت الفرقة ألبوماتها من السنغال.

واشتهرت هذه الفرقة الموسيقية بانتقادها اللاذع للنظام ولأوضاع حقوق الإنسان في موريتانيا، خاصة أغنية "رئيس الفقراء"، وأغنية "فبركة" التي تناولت التهم التي وجهتها السلطات لأعضائها وأثارت بدورها جدلا في البلاد بعد ظهور علم موريتانيا على شكل كعكة.

"أولاد لبلاد كانت من أوائل من تجرأ على اتهام ولد عبد العزيز بالفساد وطالبوا برحيله"، يقول المنتج الموسيقي سيدي العلوي في تصريح سابق لـ"أصوات مغاربية".

ولفت العلوي إلى أن نجاح هذه الفرق الموسيقية في "اختراق" المجتمع الموريتاني قرب بعضها من الأحزاب السياسية، موضحا أن الأغلبية والمعارضة تفطنوا إلى قوة حضورها وحاول كل طرف توظيفها "بغرض استغلالها للوصول إلى فئات كثيرة".

وعلى نقيض خطابها المعارض للسلطة، أصدرت في الفترة نفسها فرقة "صوت الشعب" أغنية "لا ترحل"، التي طالبت عبد العزيز بالبقاء في السلطة  ومواصلة حكم البلاد، مما عكس حجم انتشار هذا الفن في المجتمع الموريتاني.

نحن أبناء الوطن شناقطة ونفتخر والقادم افضل شرتات

Posted by ‎موحى موريتانيا‎ on Friday, September 20, 2024

وإلى جانب "ولاد البلاد"، ظهرت فرق أخرى تناولت بإمكانياتها الذاتية قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان وركزت فرق أخرى على إظهار الموروث الثقافي للبلد كأغنية "شرتات" التي أصدرتها مؤخرا فرقة "موحا وبيغ دوز".

وعرفت السنوات الأخيرة بروز مهرجانات دولية تقام بشكل سنوي لفن الراب مثل مهرجان "السلام عليكم" الذي تحتضنه العاصمة نواكشوط ويشارك فيه فنانون من مختلف القارات.

المصدر: موقع الحرة

مدخل قصر المشور في مدينة تلمسان غرب الجزائر

تعتبر تلمسان من أعرق المدن الجزائرية، وإضافة إلى كونها عاصمة الدولة الزيانية لعدة قرون (1235-1554)، فإن جمالها وتنوع معالمها التاريخية، جعلها تكتسب اسم "الجوهرة" التي أنجبت كوكبة من القادة والزعماء ومشاهير العلوم والأدب والفن في البلاد.

ودفع الكاتب الفرنسي الجزائري، بوعلام صنصال، بتلمسان (غرب) إلى الواجهة عقب إدلائه بتصريحات لقناة فرنسية في أكتوبر الماضي، أشار فيها إلى "مغربية" عدد من مناطق الغرب الجزائري، من بينها "وهران، تلمسان ومعسكر"، وهو ما اعتبرته الجزائر "تجاوزا للخطوط الحمر، ووصفت الكاتب بـ"محترف التزييف" بعد اعتقاله في مطار الجزائر العاصمة في نوفمبر الماضي.

"المنارة" إرث من حصر تلمسان

يقف بومدين بلعطار مسؤول وكالة سياحية ومهتم بتاريخ المدينة، أمام منارة منصورة التاريخية التي بناها السلطان أبو يعقوب المريني عام 1303 خلال حصار قواته لمدينة تلمسان.

ويذكر المتحدث أن تاريخ المدينة "لم يبدأ من هنا، بل يطول إلى العهد الروماني عندما أقام القائد الأمازيغي صيفاكس ملك ماسيسيليا في غرب نوميديا عاصمة مملكته بجوارها خلال الربع الأخير من القرن الثالث قبل الميلاد".

ويشير بومدين إلى أن منارة منصورة "تحولت إلى أيقونة سياحية تبرز ثراء المدينة التي تعرضت لحصار مرير على يد المرينيين".

بدأ حصار المرينيين لمملكة تلمسان سنة 1299 وتواصل إلى غاية 1307، ورغم "ما سخروه من إمكانيات فقد أنهكته مقاومة الزيانيين"، مثلما يقول الباحث في تاريخ الجزائر، محمد بن ترار، الذي أضاف أن "مقتل السلطان يوسف بن يعقوب يوم 3 مايو 1307دفع بالمرينيين إلى رفع الحصار والعودة للديار".

ويوضح بن ترار لـ "الحرة" أن النزاع بين الزيانيين والمرينيين حول النفوذ في المنطقة "تحول إلى صراع مستمر ومتواصل أظهر فيه المرينيون أطماعا للاستيلاء على تلمسان".

عاصمة التعايش

ظلت تلمسان حاضنة لمختلف الطوائف الدينية والإثنية، وترحب بالتنوع الديني والعرقي، ويمثل حي قباسة الأرض التاريخية التي لجأ إليها العديد من اليهود سنة 1392 قادمين من شبه الجزيرة الأيبيرية، يتقدمهم الحاخام أفريم بن كاوا (1359/ 1442)، لاجئا إلى المغرب ثم تلمسان، بعد أن سمح لهم سلطانها بالدخول والاستقرار فيها.

لا زالت معالم الطائفة اليهودية في تلمسان حاضرة، حيث قبر الحاخام إفرايم بن كاوا الذي حج إليه مئات اليهود من مختلف أصقاع العالم سنة 2006 بترخيص حكومي، كما لا زالت أكبر أزقة وسط المدينة تحمل اسم "درب اليهود" إلى يومنا هذا قرب الكنيس التاريخي.

وتُعرف الموسوعة اليهودية، الحاخام بن كاوا، بأنه "الطبيب والحاخام، والكاتب اللاهوتي، ومؤسس الطائفة اليهودية في تلمسان وشمال أفريقيا، وحسب الأسطورة المتداولة، فإنه فر من محاكم التفتيش الإسبانية وهناك فقد والده وأمه".

وفي نفس المدينة يرقد سيدي بومدين الغوث الأندلسي (1126- 1198) أحد أهم أقطاب الصوفية في العالم الإسلامي، الذي تحول ضريحه إلى مزار سنوي لمريديه من داخل الجزائر وخارجها.

معاهدة لالة مغنية

ظلت تلمسان مركزا حضاريا قويا إلى أن ضعف جسمها مع بدء الإسبان هجماتهم على وهران (غرب)، واضطر ملوكها للتحالف معهم ضد العثمانيين، الذين تمكنوا من دخولها سنة 1553 وطرد الإسبان منها، وبعد احتلال الجزائر من قبل الفرنسيين سنة 1830، تعرضت المدينة لعدة هجمات تصدى لها جيش الأمير عبد القادر إلى غاية 1844 تاريخ سقوطها.

ولترتيب بيت مستعمرتها الجديدة لجأت الحكومة الفرنسية إلى إبرام معاهدة على أرض تلمسان في 18 مارس 1845 لترسيم الحدود بين الجزائر المستعمرة والمملكة المغربية، وعرفت منذ ذلك الوقت بـ"معاهدة لالة مغنية" نسبة إلى المدينة الجزائرية المحاذية للمغرب.

كما حملت "مجموعة تلمسان" اسم المدينة، ويشير  أستاذ التاريخ الجزائري، عبد الرحمان قدوري، أنه كان "نسبة لقادة الجيش والثورة الذين قدموا من المغرب عشية الاستقلال، في يوليو 1962، وعقدوا اجتماعهم في تلمسان، قبل الزحف على الجزائر العاصمة وتولي الحكم، عوضا عن الحكومة الجزائرية المؤقتة".

و"لم تتوقف الخلافات بين الجزائر والمغرب بعد الاستقلال، ولم تهدأ مرحلة التوتر إلا بدخول المملكة السعودية على خط المصالحة"، مثلما يذكر قدوري لـ"الحرة"، الذي أضاف أن "الملك فهد بن عبد العزيز تقاربا بين الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد والعاهل المغربي الحسن الثاني في قمة احتضنتها مدينة مغنية بولاية تلمسان على مقربة من الحدود بين البلدين".

نجوم السياسة والطب والأدب والفن

سطعت أسماء لامعة من تلمسان في سماء السياسة بالجزائر، فقد انحدر منها الزعيم الوطني الشهير مصالي الحاج،  وأحمد بن بلة، أحد مفجري الثورة الجزائرية وأول رئيس للبلاد بعد الاستقلال، فضلا عن الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

وكان محمد بن رحال التلمساني أول جزائري حائز على البكالوريا عام 1874. وأنجبت هذه الولاية أشهر الأطباء من بينهم إلياس زرهوني المدير السابق لمعاهد الصحة الطبية الأميركية خلال الفترة ما بين 2002/ 2008.

وفي الأدب يقول المؤلف المسرحي على عبدون لـ"الحرة"": "يعتبر الكاتب الجزائري المعروف محمد ديب والروائي واسيني الأعرج، وأمين الزاوي، وعمار بلحسن، وبلقاسم بن عبد الله، من أبرز ما أنجبت تلمسان".

ويشير المتحدث إلى أن تلمسان اشتهرت أيضا بكونها "عاصمة الموسيقى الأندلسية من خلال كوكبة من الفنانين من أمثال عبد الكريم دالي، والحاج الغفور والعربي بن صاري".

أميرات الأندلس

كانت تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية لسنة 2011، واحتضنت التظاهرة بعد اختيارها من قبل المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، باعتبارها أشبه بالمتحف المفتوح، بمعالمها التاريخية البالغ عددها 48 معلما مصنفا ومحميا، أشهرها قصر المشور وأبواب المدينة ومنارة منصورة.

كما اشتهرت تلمسان بلباس أميرات الأندلس المعروف بـ"الشدة التلمسانية"، وفي عام 2012 صنفته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونيسكو" تراثا غير مادي للإنسانية، لقيمته التاريخية والحضارية والجمالية.

ويتشكل زي الشدة التلمسانية من "اِثنيْ عشر قطعة متناسقة تم تصنيفها جميعا، فيما بينها، ومن بين هذه القطع، نجد: البلوزة، القفطان، الحايك، الشاشية والمجوهرات"، حسب تعريف وزارة الثقافة والفنون له.

أما مطبخ تلمسان فلا يقل شهرة عن ألبستها، فهو يزخر بأطباق الحريرة التلمسانية والحلو (زبيب وبرقوق ولحم بمذاق حلو) وطاجين الزيتون والكسكس، وحلويات المقروط والقرويش والكعك التلمساني.