فاز فيلم "وحده الحب" للمخرج المغربي كمال الدين بن عبيد، الشهير بلقب كمال كمال، أواخر شهر أكتوبر بجائزة أحسن إنتاج للأفلام الروائية الطويلة في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، شمال المغرب، كما حظي بإشادة النقاد والجمهور لنقله معاناة ملايين الأسر المغربية والجزائرية التي تأثرت باستمرار إغلاق الحدود بين البلدين.
وشارك في هذا العمل الذي صور في مدينة وجدة الحدودية مع الجزائر، الفنان الجزائري أحمد مداح وثلة من الفنانين المغاربة كفاطمة الزهراء بلدي وسحر الصديقي ويونس ميكري وإدريس الروخ وربيع القاطي.
ويحكي "وحده الحب" على مدى 100 دقيقة قصة زوج جزائري (حميد) يعمل بوجدة وزوجته المغربية (نورا) يجمع بينهما حب بحجم "جبل عصفور" الواقع بين البلدين، ويسلط من خلال قصة حبهما الضوء على تداعيات الحدود المغلقة على حياة ملايين الأسر المستقرة في المدن الحدودية.
وينقل في إحدى مشاهده حزن الزوج على زوجته بعد وفاتها لعدم قدرته على تنفيذ وصتها بدفنها في "جبل عصفور" الواقع بمدينة تلمسان في الجزائر بسبب إغلاق الحدود البرية بين البلدين.
حزن وصل إلى منصات التواصل الاجتماعي حيث تعاطف مع الزوج آلاف المدونين من البلدين ونجحوا بضغطهم في اختراق الحدود سلميا لتحقيق حلم نورا.
في هذه المقابلة، يتحدث مخرج وكاتب سيناريو العمل، كمال كمال، عن كواليس هذا العمل وعن الدوافع التي شجعته على تسليط الضوء على إغلاق الحدود بين البلدين الجارين ولماذا يعتبر السينما وسيلة لبناء جسور من الحب بين الشعبين.
نص المقابلة:
- كيف جاءت فكرة فيلم "وحدة الحب"؟ وهل كانت التوترات السياسية بين المغرب والجزائر دافعا لك لتقديم عمل يسلط الضوء على الروابط الإنسانية بينن شعبي البلدين الجارين؟
فكرة الفيلم جاءت من خلال زيارة قمت بها إلى مدينة السعيدية ومروري بمنطقة بين لجراف التي يقصدها الجزائريون والمغاربة لتبادل التحايا فيما بينهم، وهناك شاهدت شابة جزائرية في الجهة المغربية تحمل رضيعا وتحاول إظهاره لوالدتها في الضفة الأخرى في التراب الجزائري.
آلمني مشهد هذه الشابة وهي تحاول إظهار ثمرة حب زواجها بمغربي لوالدتها وآلمني كيف تحاول والدتها في الجهة المقابلة معانقة حفيدها وكأنها تعانق الهواء.
هذا المشهد المؤلم شجعني على كتابة سيناريو هذا العمل وإظهار تداعيات إغلاق الحدود على ملايين الأسر في الجانبين بعيدا عن كل المتاهات السياسية لأنني لست رجل سياسة، بل فنان يهمه الإنسان كيما كان ومن أي حدب كان.
- ما الذي دفعك لاختيار قصة حب تجمع زوجين من وجدة لتكون المحور الرئيسي في الفيلم، وكيف تعكس هذه القصة موضوع الحدود المغلقة؟
يعيش في المدن الشرقية المغربية نحو 3 ملايين شخص ويعيش العدد نفسه في المدن الحدودية الجزائرية وتجمع بين هؤلاء صلات قرابة أسرية وعلاقات مصاهرة منذ أيام الثورة الجزائرية، حين كانت وجدة مقصدا للثوار الجزائريين الفارين من السلطات الفرنسية وبقيت هذه العلاقات الإنسانية مستمرة إلى اليوم.
حاولت في الفيلم التركيز على الجميل المشترك بين الشعبين، وخاصة ثمار الحب أو أبناء الأسرة المختلطة، الذين فرقت بينهم الحدود المغلقة بشكل مأساوي.
- عاب عليك بعض النقاد اختار "وحده الحب" عنوانا للفيلم بدلا من "جبل عصفور" الذي له دلالات قوية في سياق القصة، ما الدلالات التي أردت إيصالها من خلاله مقارنة بالعنوان البديل؟
جبل عصفور تبقى مسألة رمزية لأن الزوج طلب من زوجته في الفيلم أن تخبره كم تحبه، فأجابته بأن حبها له كبير كبر جبل عصفور الواقع بين البلدين، ثم تطلب منه بعد مرضها أن يدفنها في قلبه وهناك يدرك الزوج أن المقصود هو ذلك الجبل الواقع بتلمسان، فصار هذا الحديث أسطورة بعد وفاة السيدة حيث تجند سكان المدن الحدودية بطرق سلمية لتمرير جثمانها إلى التراب الجزائري لتحقيق حلمها.
- في السياق نفسه، لعبت مواقع التواصل الاجتماعي دورا أساسيا في نشر قصة الزوجين وجذب تعاطف الناس معها من الجانبين، كيف ترى دور هذه الشبكات اليوم، خاصة بعد أن أصبحت في الآونة الأخيرة ساحة للصراع والسجال بين المغاربة والجزائريين وإلى أي مدى تعتقد أن الفن يمكن أن يساهم في تغيير هذا الدور السلبي وتحويله إلى تقارب بين البلدين الجارين؟
لا أريد أن أتحدث عن الغوغائيين، لأن هذه الآراء سواء من المغرب أو من الجزائر تتغير بسرعة، وأتذكر مثلا تعاطف الجزائريين بشكل كبير مع مأساة الطفل المغربي ريان، كما أن المغاربة يتعاطفون من جانبهم وبشكل كبير مع الجزائريين ويشاركونهم أحزانهم وأفراحهم.
مررنا بالتجربة نفسها في بدايات الثمانينيات وأتذكر حصول مناوشات بين سكان المدن الحدودية ولكن بمجرد لقاء المرحوم الحسن الثاني مع المرحوم الشادلي بن جديد وإعلانهما إعادة فتح الحدود بين البلدين توقفت تلك المناوشات وعاد الحب والوئام بين الشعبين وامتلأت مدينة وجدة بالجزائريين كما استقبلت مدينة وهران الجزائرية الكثير من المغاربة.
لذلك، لا أهتم بالسجال الدائر بين المغاربة والجزائريين في شبكات التواصل الاجتماعي لأن الشعبين يربطهما حب قوي ودائم على عكس هذه العداوات التي يمكن أن تزول بمجرد زوال الظروف التي أثارتها.
- هل أثر الوضع السياسي الراهن بين البلدين على سير عملية التصوير أو على اختيار مواقع محدد؟
لا أبدا، لم نواجه أي تحديات أو صعوبات، لأن المغرب يبقى بلدا رائدا في المجال السينمائي وهناك حرية تسمح للمخرجين بتناول مختلف المواضيع التي يريدون تصويرها.
كنت أتمنى أن يشارك في العمل فنانون جزائريون كثر ولكن اقتصرت المشاركة على البطل أحمد مداح، وهنا أود أن أقول إن الفنان يبقى قوة ناعمة همه الوحيد خلق الجمال.
- هل كانت هناك مواقف أو لحظات معينة أثناء التصوير أثرت فيك بشكل خاص؟
تقيم والدتي إلى اليوم في الجزائر وخلال تصوير العمل توفي أخي الأصغر بالمغرب وحالت ظروف غلق الحدود دون انتقال أمي وأختي إلى المغرب لحضور الجنازة وهو وضع مأساوي ومؤسف تعيشه ساكنة المدن الحدودية بسبب استمرار غلق الحدود.
- إلى أي مدى هو مهم في الوقت الراهن، أن تعود السينما المغاربية لتحاكي القصص الإنسانية خاصة ما يجمع البلدان الخمسة من ماض ومصير مشترك؟
الوعي الفني يقتضي ذلك، على الفنان أن يتساءل دائما ما هو دوري في المجتمع، لذلك أحاول دائما في حدود إمكانياتي الفنية والمادية أن أتحدث عن الفواجع المغاربية وأتمنى أن يعمل الفنان المغاربي على إظهار هذه القواسم المشتركة التي تجمعنا.
كانت المهرجانات المغربية والجزائرية ملتقى للفنانين من البلدين باستثناء هذا العام حيث غاب المغاربة عن مهرجان وهران وغاب الجزائريون عن مهرجان وجدة وأتأسف لذلك، لأن الفنان إنسان قبل كل شيء.
المصدر: موقع الحرة