قوات أمنية يمنية بعد هجوم دام الخميس الماضي
قوات أمنية يمنية بعد هجوم دام الخميس الماضي

مصطفى هاشم - واشنطن

دعوات انفصال جنوب اليمن عن شماله عاودت الظهور بعد سلسة هجمات استهدفت قوات "الحزام الأمني" في الثاني من أغسطس الجاري وقتل فيها 68 شخصا، بينها هجوم بطائرة دون طيار تبناه المتمردون الحوثيون.

ومن بين قتلى الهجمات الثلاث، أحد قادة قوات الحزام الأمني المدعومة من الإمارات العميد منير اليافعي الملقب بأبو اليمامة، والذي أعلنت قواته تشييعه الأربعاء إلى مقبرة بجانب القصر الجمهوري في عدن. 

عشرات القتلي في جنوب اليمن في هجمات استهدفت قوات الحزام الأمني المدعومة من الإمارات

​​وتحظى قوات "الحزام الأمني" التي تتمتع بنفوذ في الجنوب اليمني وتقاتل الحوثيين ضمن صفوف القوات الحكومية، بدعم من الإمارات العربية المتحدة، العضو الرئيسي في تحالف عسكري تقوده السعودية في هذا البلد ضد المتمردين الحوثيين.

وتتألف هذه القوات أساسا من الانفصاليين الجنوبيين، الذين يرغبون باستقلال الجنوب اليمني، وينتمون للمجلس الانتقالي الجنوبي.

وقال السياسي الجنوبي، أحمد الصالح، المقيم في الولايات المتحدة الأميركية لـ"موقع الحرة": "دعونا لهبّة شعبية من أجل إسقاط حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي وطردها من عدن وباقي المحافظات الجنوبية الأخرى على خلفية الهجمات الأخيرة".

وكان نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، هاني بن بريك أعلن الثلاثاء، إطلاق ما أسماها حملة شعبية لطرد حكومة الشرعية من العاصمة المؤقتة عدن.

وقال بن بريك إن "الهجوم على معسكر الجلاء الخميس الماضي نفذ عبر تنسيق ثنائي بين الحوثيين وحزب التجمع اليمني للإصلاح، مشيرا إلى أن الأخير يقود مؤامرة خطيرة للسيطرة على مدينة عدن".

وأضاف بن بريك، خلال مؤتمر صحفي، إنهم مستعدون للحرب والمواجهة العسكرية إذا ما فُرِضت عليهم، على حد قوله، مضيفا "أن أي قائد جنوبي سيرد بقوة على أي اعتداء على الشعب دون الرجوع لقيادة المجلس".

وكانت عدن قد شهدت مواجهات دامية عدة بين القوات الحكومية وقوات "الحزام الأمني" المتحالفة معها، إثر مطالبة متظاهرين بإجراء تغيير حكومي، متهمين الحكومة بالفساد.

وحسب المعلومات، تشهد ساحة العروض في مدينة عدن توافدا شعبيا لليوم الثاني على التوالي من بعض المحافظات الجنوبية تلبية لدعوات مشايخ وقبائل وأعيان وشخصيات سياسية جنوبية تطالب بانفصال الجنوب".

وعن سبب الدعوة لإسقاط الحكومة قال الصالح لـ"موقع الحرة": إن "المقاومة الجنوبية هي الواقع العسكري ميدانيا ولكن تم إقصاؤنا تماما ولم يتم التعامل معنا سياسيا، ولا إشراكنا في الحكومة ولا دعوتنا لأي مفاوضات أو مشاورات سلام".

وأوضح "نطمح بأن نرى صيغة لعودة الدولة الجنوبية بالتفاهم مع كل الأطراف المحلية والإقليمية الممثلة في دول التحالف".

وكان الجنوب دولة مستقلة حتى الوحدة مع الشمال عام 1990.

وأصدرت جهة، أطلقت على نفسها "الجماهير المحتشدة في الهبة الشعبية"، بيانا هاجمت فيه الحكومة، وطالبتها بـ"مغادرة العاصمة عدن وكل مدن الجنوب فورا".

كما دعت هادي و"الأشقاء في التحالف العربي لنقل كامل السلطات على أرض الجنوب سلمياً، وتمكين الجنوبيين.. من إدارة أرضهم ومواردهم بسلاسة دون تأخير".

وطالبت بـ"إخلاء كافة الوحدات العسكرية الشمالية المتمركزة أرض الجنوب، ونقلها إلى جبهات الحرب ضد الحوثي في الشمال".

الأمم المتحدة: تجاوزات بحق يمنيين شماليين في عدن

وأعرب مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الثلاثاء، عن قلقه من تعرض يمنيين تعود أصولهم إلى شمال اليمن إلى تجاوزات، إثر هجومين، الأسبوع الماضي، في عدن.

وقالت المتحدثة باسم المكتب، رافينا شامداساني، في بيان، إن وحدات تابعة للقوات التي تعرف باسم "الحزام الأمني" تقف وراء هذه التجاوزات.

وأكدت المتحدثة أن المعاملة السيئة تندرج في إطار "هجمات انتقامية"، تقوم بها هذه القوات المؤلفة من سكان تعود أصولهم إلى جنوب اليمن، وجاءت بعد هجمات وقعت الجمعة في عدن ومحافظة أبين.

وقال البيان، الثلاثاء، "تلقينا معلومات من مصادر متنوعة حول اعتقالات وعمليات احتجاز تعسفي وتهجير قسري واعتداءات جسدية ومضايقات بالإضافة إلى عمليات نهب وتخريب قامت بها القوات الأمنية بحق مئات من الشماليين".

وأضاف البيان أنه بحسب معلومات وردته فإن قوات الأمن "قامت بتفتيش الفنادق والمطاعم، وأوقفت الناس مطالبة إياهم بهوياتهم" واعتقلت أشخاصا يتحدرون من شمال اليمن.

وأكد مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن "الاعتقالات والتهجير القسري تعد انتهاكا للقانون الدولي".

وندد رئيس الوزراء اليمني معين عبد الملك سعيد الأحد بهذه الأعمال عبر تغريدة في حسابه على موقع تويتر مؤكدا "ما يحصل في عدن من انتهاكات تطال بالأذى والإهانة مواطنين يمنيين بدوافع مناطقية لا يمكن التغاضي عن تبعاتها الخطيرة في شق النسيج الاجتماعي" محذرا من أثارها على الوحدة بين اليمنيين.

لكن أحمد الصالح قال لـ"موقع الحرة" إن ما تتحدث عنه الأمم المتحدة ما هو إلا "أعمال فردية"، متهمة المنظمة الدولية بالاستناد إلى تقارير مزيفة.

وأضاف "هناك 3 ملايين شمالي في الأراضي الجنوبية نتعامل معهم كنازحين بسبب الإرهاب الحوثي".

ويشهد اليمن حربا منذ 2014 بين المتمردين الحوثيين المقرّبين من إيران، والقوات الموالية لحكومة الرئيس المعترف به عبد ربه منصور هادي، تصاعدت في مارس 2015 مع تدخل السعودية على رأس تحالف عسكري دعما للقوات الحكومية.

لم يعلق الحوثي على الضربة التي أودت بحياة 3 جنود بحرينيين ضمن التحالف العربي
لم يعلق الحوثي على الضربة التي أودت بحياة 3 جنود بحرينيين ضمن التحالف العربي

عندما اتفقت السعودية وإيران على إعادة علاقاتهما الدبلوماسية خلال وقت سابق من العام الحالي، تعززت الآمال بالتوصل لسلام في اليمن، الغارق في حرب مدمرة، قبل أن تعلن البحرين مؤخرا مقتل 3 من أفراد جيشها في هجوم نُسب إلى الحوثيين.

وخلال الأسابيع الماضية، تقدمت المفاوضات بين السعودية، التي تقود تحالفا عسكريا لدعم الحكومة المعترف بها دوليا في اليمن، وجماعة الحوثي التي تسيطر على أجزاء واسعة من اليمن، بما في ذلك العاصمة صنعاء منذ 2014.

وخلال أبريل، توجه السفير السعودي لدى اليمن، محمد الجابر، إلى صنعاء للقاء مسؤولين حوثيين، فيما وصفه بأنه مسعى لـ "تثبيت" الهدنة التي تم التوصل إليها برعاية أممية، منذ العام الماضي.

وفي هذا الشهر، أجرى مسؤولون حوثيون محادثات في الرياض طيلة 5 أيام، في أول زيارة علنية لوفد حوثي إلى السعودية منذ اندلاع الحرب عام 2015.

وبصورة مفاجئة، الإثنين، أعلنت المنامة مقتل 3 أفراد من جيشها، ومن بينهم ضابط، بالإضافة إلى سقوط عدد من الجرحى في هجوم اتهمت المملكة الخليجية الصغيرة، الحوثيين بشنه بواسطة طائرات مسيرة، واستهدف مواقع قوة دفاع البحرين جنوب السعودية.

"مناوشات منخفضة المستوى"

وقال زميل أبحاث سياسة الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، حسن الحسن، إن هذه الضربة "هي الأخيرة في سلسلة مستمرة من المناوشات منخفضة المستوى، التي ما زالت تدور" بين قوات التحالف والحوثيين.

وفي حديثه لموقع قناة "الحرة"، قال الحسن إن الهجوم جاء "رغم انخراط الطرفين في محادثات ترمي إلى التوصل إلى اتفاق بشأن هدنة شاملة ووضع حد للنزاع، وُصفت بالإيجابية، كان آخرها زيارة وفد الجماعة إلى الرياض".

والبحرين، المجاورة للسعودية، عضو في التحالف العسكري الذي تقوده الرياض منذ عام 2015 دعما للحكومة اليمنية، ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران.

في حديثه لموقع "الحرة"، قال المحلل السياسي والعسكري السعودي، محمد الحربي، إن هذا "هجوم غادر ومؤسف"؛ لأنه جاء "في ظل وجود استراتيجية متقدمة للسلام من قبل السعودية، التي تقود مسارا شاملا للحل في اليمن".

واستنكرت السعودية والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والأمم المتحدة، الهجوم الذي نسبته واشنطن ولندن والمنامة فقط إلى الحوثيين. ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم، كما لم يصدر عن الحوثيين أي تعليق.

وفي زيارة لملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، إلى مقر القيادة الرئيسي للجيش بعد يوم من الهجوم، "تمت الإشارة خلال الاجتماع إلى أنه إذا كان الحوثيون يستنكرون من قام بهذا العمل الإجرامي الغادر خلال سريان الهدنة الأممية، فمن الواجب عليهم القبض عليهم وتسليمهم لنا أو للتحالف العربي، ليأخذ القانون مجراه بحقهم، وعليهم مراعاة مصالح الجمهورية اليمنية الشقيقة في المنطقة"، حسبما ذكرت وكالة أنباء البحرين الرسمية (بنا).

وفي هذا الإطار، قالت أستاذة العلوم السياسية اليمنية المقيمة في سويسرا، إلهام مانع، "إن الهجوم قد يكون مرتبطا برسالة حوثية إلى السعودية، للضغط عليها في المفاوضات والحصول على تنازلات أكثر".

وفي حديثها لموقع "الحرة"، أضافت مانع أن "التفسير المحتمل الآخر للضربة، إن كان الحوثي يقف وراءها، فهو يتمثل في مدى قدرة الحركة على السيطرة على الجزء الشمالي من اليمن".

وتابعت: "سيطرة الحركة في المناطق الشمالية قائمة على خطاب قومي متعلق بالحرب، وغياب هذا العامل قد يمثل تعقيدات في المشهد بالنسبة للحوثي، مما يؤدي إلى خلخلة سيطرة الحركة داخل المناطق الشمالية".

"رغبة في استمرار المحادثات"

وفي قراءته لدلالات الهجوم، قال الحربي: "ربما هناك انقسام بين الأجنحة السياسية والأجنحة الثورية لدى الحوثيين، أو أن هناك فعلا انتهازيون منتفعون من زخم الحرب ويريدون استمرارها".

وفي سياق متصل، يزور وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، المنامة، الخميس، في رحلة لم يتم الإعلان عنها مسبقا، جاءت بعد أن تلقى ملك البحرين اتصالا هاتفيا من ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في أعقاب الهجوم.

وقال الحربي إن الزيارة ستتناول "بكل تأكيد" هذا الموضوع، على اعتبار أن "موقف السعودية دائما يدعم البحرين، التي تعد جزءا من التحالف".

وفي اليمن، تراجعت حدة القتال بشكل ملحوظ بعد وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الأمم المتحدة ودخل حيز التنفيذ في أبريل 2022. ولا تزال هذه الهدنة سارية إلى حد كبير، حتى بعد انتهاء مفاعيلها في أكتوبر 2022.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، في مؤتمر صحفي: "هذا الهجوم غير المبرر يهدد أطول فترة من الهدوء منذ بدء الحرب في اليمن".

وقال الحربي إن الهجوم جاء في "ظل وجود استراتيجية متقدمة للسلام من قبل السعودية التي تقود مسارا شاملا للحل في اليمن"، معتبرا أنه الىن أصبحت "السيناريوهات مفتوحة على مصراعيها" جراء هذا الهجوم.

وفي وقت يعتقد فيه الحربي أن "الضربة قد تكون مؤثرة على سير المفاوضات" بين السعودية والجماعة الموالية لإيران، يستبعد الحسن ذلك السيناريو.

وقال الحسن: "إن عدم تبني جماعة أنصار الله للهجوم من ناحية، وعدم تحميل قوات التحالف لقيادة الجماعة المسؤولية عن الهجوم، ونسبته عوضا عن ذلك إلى بعض العناصر التابعة للحوثيين من ناحية أخرى، يشير إلى رغبة الطرفين في الاستمرار في المباحثات، وعدم العودة إلى المواجهة المفتوحة على الرغم من الخروقات".