عبد ربه منصور هادي
عبد ربه منصور هادي

شهدت اليمن خلال الأيام القليلة الماضية أحداثا متسارعة، وتغيرات عميقة في الخارطة السياسية هناك، خصوصا في عدن جنوبي البلاد.

وفي غمرة علاقات القوة والضعف، بين ما يعرف بـ "المجلس الانتقالي الجنوبي" بقيادة عيدروس الزبيدي، والحكومة المعترف بها دوليا بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي، سقطت عدن في أيدي الانفصاليين "دون مقاومة" وفق شهود عيان.

​​الأسبوع الأول من أغسطس الجاري، أوقف تأرجح موازين القوى بين التحالف العربي الذي جاء لنجدة الرئيس عبد ربه منصور هادي بعد اجتياح الحوثيين، وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي الذي استكمل السيطرة على كافة مفاصل عدن.

عدن هادي.. لا تقاوم

​​وسائل إعلام عالمية أكدت أن سيطرة المجلس الانتقالي على عدن لم تتطلب وقتا كبيرا، فالانفصاليون وصلوا إلى القصر الرئاسي في وقت قياسي.

مقاطع فيديو نشرها مناصرون لحركة الانفصاليين على المنصات الاجتماعية، وثّقت "انقضاض" القوات التابعة للمجلس الانتقالي على عدن بالكامل، كما نقلت وكالة رويترز شهادات لجنود "الانتقالي" أكدوا فيها أن قواتهم لم تلق أي مقاومة.

وفي ظل هذه التطورات، يتردد على وسائل الإعلام اسمان على وجه الخصوص، وهما عيدروس الزبيدي، وهاني بن بريك، في ظل غياب شبه تام لاسم هادي الذي وصفه كثيرون بأنه "متردد ولم يكن قادرا على تسيير الوضع منذ البداية".

إذ يقول الخبير في الشؤون اليمنية في مجموعة الأزمات الدولية، بيتر سالزبري، إنّ ما حدث في عدن الأسبوع الماضي شكل "ضربة حقيقية لمصداقية حكومة هادي".

وصل منصور هادي إلى رئاسة اليمن شهر فبراير 2012 بعد انتفاضة الشعب اليمني على الرئيس السابق علي عبد الله صالح في غمرة الربيع العربي الذي غير الخارطة السياسية لكثير من الدول العربية.

لكنه خضع للإقامة الجبرية بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء ومحاصرة القصر الرئاسي في 20 يناير 2015.

قدم هادي استقالته في 22 يناير 2015 لمجلس النواب، وأجبر على توقيع اتفاقية سياسية عرفت باتفاق السلم والشراكة الوطنية مع الحوثيين التي أتاحت لهم توسيع سيطرتهم على العاصمة صنعاء.

​​بعد فراره إلى عدن في فبراير 2015، أعلن سحب استقالته، ثم حاول بسط "سيطرته" على الجيش بإقالة قائد فرع قوات الأمن الخاصة عبد الحافظ السقاف المحسوب على صالح والحوثيين، لكن الأخير رفض.

​​​هذه الفترة شهدت تدخلا صارخا لإيران التي تتفق "مرجعيا" مع الحوثي، إذ شوهدت الرايات الإيرانية في أكثر من منطقة باليمن، ولا سيما في جبال مران بصعدة.

ولأول مرة في تاريخ اليمن، أعلنت عدن عاصمة مؤقتة بدلا عن صنعاء التي سيطر عليها الحوثي بالكامل، خصوصا بعد "فرار" هادي إلى المملكة العربية السعودية، و"تسييره" للأزمة من الرياض.

وفي هذا الصدد، يشير بيتر سالزبري، الخبير في الشؤون اليمنية إلى أن "التطورات الأخيرة في عدن تظهر بوضوح أن رئاسة هادي رمزية أكثر من أي شيء، وهي مجرد وسيلة للتمسك بشرعية الدولة أكثر من الجوانب العملية للحكم".

يعيب متابعون على هادي كذلك، سماحه للمملكة العربية التي تقود التحالف العربي في اليمن منذ شهر مارس 2015 اتخاذ القرارات بدلا عنه، ويقول سالزبري في هذا الصدد إن بقاءه في الرياض "يعطي غطاء قانونيا لتدخل التحالف" في اليمن.

عرض معرض كامل

​​الباحث في معهد "تشاتام هاوس" فارع المسلمي، يرى من جانبه، أن هادي الذي فر من عدن ويقيم حاليا في السعودية هو رئيس "غائب عن الواقع وغائب عن الأرض".

وأشار المسلمي إلى أن الحكومة اليمنية تمر حاليا "بتفتت غير مسبوق" في ظل غياب الرئيس هادي عن الساحة، ورغبة الانفصاليين بتحويل سيطرتهم العسكرية في عدن إلى "واقع سياسي" وكل ذلك وفقه، نتيجة لنجاحهم في تقويض سلطة هادي.

دورية من قوات الأمن الحوثية في صنعاء بتاريخ 27 سبتمبر 2024
دورية من قوات الأمن الحوثية في صنعاء بتاريخ 27 سبتمبر 2024- تعبيرية

قالت هيومن رايتس ووتش، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، إن سلطات الحوثيين في اليمن اعتقلت عشرات الأشخاص في الأسبوع الأخير من سبتمبر الماضي بسبب احتفالهم السلمي، أو منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي عن "ثورة 26 سبتمبر" اليمنية، وهي ذكرى تأسيس الجمهورية العربية اليمنية عام 1962. 

ويعتقد الحوثيون الذين يسيطرون على العاصمة اليمنية صنعاء وجزء كبير من شمال اليمن، أنه ينبغي الاحتفال بدلا من ذلك بيوم 21 سبتمبر، وهو اليوم الذي سيطروا فيه على صنعاء.

وأضافت هيومن رايتس في تقرير نُشر، الثلاثاء، أن الحوثيين لم يوجّهوا تهماً إلى الكثير من المحتجين وهذا يرقى إلى "الاحتجاز التعسفي".

وطالبت الحوثيين بـ"الإفراج فورا عن كافة المحتجزين" الذين مارسوا حقهم في حرية التجمع والتعبير، وكذلك "الإفراج عن جميع الذين ما زالوا رهن الاحتجاز التعسفي، بمن فيهم عشرات موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني في اليمن، الذين تم اعتقالهم وإخفاؤهم خلال الأشهر الأربعة الماضية".

وقالت آمنة القلالي، مديرة البحوث في مركز القاهرة، إن "قمع الاحتجاجات وأي أنشطة تخالف معتقدات الحوثيين وأيديولوجياتهم يمثل انتهاكا إضافيا في سجل انتهاكات الحوثيين الطويل لحقوق الإنسان في ظل إفلات تام من العقاب".

ومنذ 21 سبتمبر تقريبا، بدأ الحوثيون يعتقلون عشرات الأشخاص في محافظات صنعاء وعمران وذمار وإب والحديدة والمحويت وتعز والبيضاء والضالع وحجة على خلفية الاحتجاجات.

 يُفترض أن هذه الاعتقالات وحظر جميع المظاهرات محاولة للحيلولة دون التعبئة الجماعية التي يمكن أن تتحدى سلطة الحوثيين، كما قال صحفي قابله مركز القاهرة.

وأضاف المركز "اعتُقِل 209 أشخاص على الأقل في محافظة عمران وحدها، بينهم أطفال وكبار في السن، يتجاوز عمر بعضهم 75 عاما، كما أن عدداً كبيراً من المحتجزين من الأطفال والمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و19 عاما".

وقابل مركز القاهرة وهيومن رايتس ووتش 11 شخصا، بينهم أقارب ومحامون وأشخاص على اتصال وثيق ببعض المحتجزين، للوقوف على تفاصيل الاعتقالات. راجعت هيومن رايتس ووتش أيضا ثلاثة فيديوهات تم تداولها على منصة إكس، تُظهر الترهيب والتهديدات المتعلقة بالاحتجاجات.

في الحالات التي وثقها الطرفان لم يُوجّه الحوثيون اتهامات للمحتجزين، كما تم اعتقال البعض لمجرد رفعهم علم اليمن على سيارتهم. 

العديد من أهالي المعتقلين يعتبرون أن تهم الحوثيين لا أساس لها من الصحة، وقال أحدهم إن من لم يُعتقل تعرض للتهديد في حال احتفاله بـ"ثورة 26 سبتمبر".

وفي حالات أخرى، اعتقل الحوثيون أشخاصا بسبب منشوراتهم على الإنترنت وعلى وسائل التواصل الاجتماعي إحياء لذكرى الثورة، بالإضافة لكاتب من صنعاء يتابعه الكثير من اليمنيين، بحسب هيومن رايتس ومركز القاهرة، وهؤلاء جميعاً لم يتلقوا مذكرة توقيف أو مذكرة تفتيش، وهذا "انتهاك للقانون اليمني والقانون الدولي".

اختفاء واحتجاز قسري.. الحوثيون يلاحقون موظفي منظمات حقوقية بذريعة "التجسس"
كان اليمني، عامر الأغبري، يعمل مع منظمة اليونيسف بمدينة صنعاء، ضمن مشروع دعم وتطوير المدارس في البلاد، وخلال انشغاله بإحضار مختبرات للعلوم وتوزيعها على 150 مدرسة، اختفى فجأة، في أكتوبر 2021، ليتبين أن الحوثيين اختطفوه.

من جانبها، قالت نيكو جعفرنيا، باحثة اليمن والبحرين في هيومن رايتس ووتش: "يواصل الحوثيون دعوة المجتمع الدولي إلى احترام حقوق الفلسطينيين في غزة، بينما ينتهكون في الوقت نفسه حقوق اليمنيين الذين يعيشون في الأراضي التي يُسيطرون عليها".

لذلك "يتعين عليهم أن يُبدوا للشعب اليمني الاحترام نفسه، الذي يطالبون به للفلسطينيين، بدءا من وقف هذه الحملة التي لا نهاية لها من الاعتقالات التعسفية"، أضافت جعفرنيا.

محام من صنعاء، قال إنه تلقى "تهديدات مباشرة" عبر حساباته في مواقع التواصل لأنه عرض المساندة القانونية للمعتلقين، لذلك فهو حالياً يتواصل مع عدد من أقاربهم "بشكل غير رسمي" عبر الهاتف من منزله أو من المكتب، كي لا  يتعرض للاعتقال.

كما تلقت امرأة، وفق تقرير المنظمة الحقوقية ومركز القاهرة، مكالمة تهديد بسبب منشوراتها على وسائل التواصل الاجتماعي في ذكرى "ثورة 26 سبتمبر".

وأوضح التقرير، أن اعتقال أي شخص دون أمر قضائي واتهامات واضحة يمثل انتهاكا لـ(المادة 132) من قانون أصول المحاكمات الجزائية اليمني. 

كما أن احتجاز أي شخص دون سند في القانون المحلي أو الدولي، ودون توجيه تهم إليه على وجه السرعة، يُعدّ انتهاكا للقانون الدولي لحقوق الإنسان. 

وكان فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن وثّق في تقريره لعام 2023 العديد من حالات الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب في اليمن، وأشار إلى أن "معظم الانتهاكات التي حقق فيها منسوبة للحوثيين".