مقاتلون من المجلس الانتقالي الجنوبي يتجمعون في مدينة زنجبار جنوب اليمن
مقاتلون من المجلس الانتقالي الجنوبي يتجمعون في مدينة زنجبار جنوب اليمن

مصطفى هاشم/ واشنطن

تبادلت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن وقوات الحكومة الاتهامات باستخدام تنظيمي القاعدة وداعش في الحرب المستمرة منذ أكثر من أسبوعين في الجنوب، في وقت ذكّرت وزارة الدفاع الأميركية حلفاءها بالتزامهم محاربة الجماعات المتشددة.

بدأت الاتهامات بعد تعرض قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يسعى للانفصال عن شمال اليمن، لكمين في مدينة أبين السبت الماضي.

واحتفل محسوبون على الحكومة بالكمين واعتبروه نصرا لقوات "الجيش الوطني"، لكن موالين للمجلس الانتقالي الجنوبي قالوا إن "أنصار الشريعة" أعلن مسؤوليته عن الكمين، ثم نشر آخرون أن تنظيم داعش أعلن مسؤوليته عن الحادث.

ورأى المتحدث باسم المجلس الانتقالي الجنوبي نزار هيثم في حديث مع "موقع الحرة" أن هذا "دليل جديد على علاقة الحكومة والقوات التي يقودها علي محسن الأحمر وحزب الإصلاح بالتنظيمات المتطرفة واستخدامهم لها ضد قوات المجلس الانتقالي الجنوبي".

ورغم وجود طرفي الأزمة في جدة من أجل التفاوض، لا تزال المعارك مستمرة بين القوات الحكومية المدعومة من تحالف "دعم الشرعية" بقيادة السعودية، وبين قوات "المجلس الانتقالي الجنوبي" الذي يقاتل في نفس التحالف الذي تأسس في 2014 لقتال الحوثيين الذين انقلبوا على حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، والمدعومين من إيران.

اتهام باطل

يصف وكيل وزارة الثقافة في الحكومة اليمنية، عبد الهادي العزعزي، اتهام القوات الحكومية بالتعاون مع "أنصار الشريعة" أو غيرها من التنظيمات المتطرفة بأنه "اتهام باطل وزيف"، مشيرا إلى أن الهدف من ذلك هو محاولتهم "كسب تعاطف دولي للحصول على دعم دولي ولتبرير تمردهم العسكري ضد السلطة الشرعية للجمهورية اليمنية".

وسيطر الانفصاليون في 10 أغسطس على مدينة عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة، إثر اشتباكات مع القوات الحكومية قتل وأصيب فيها عشرات، قبل أن يدفعوا القوات الحكومية لمغادرة معسكرين في محافظة أبين القريبة، التي تتمركز فيها قوات "الجيش الوطني"، الموالية لنائب الرئيس علي محسن الأحمر، الجنرال السابق في الجيش اليمني والذي يقال إنه مقرّب من حزب التجمع اليمني للإصلاح المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، كما أنّه هو حليف قديم للسعودية.

وقال العزعزي لـ"موقع الحرة": "تحاول هذه الجماعة الضغط على الحكومة والسلطة لتمرير أجنداتها الخاصة وانقلابها على السلطة الشرعية عبر إلصاق تهمة الإرهاب ضد الحكومة وضد أحد الأحزاب المنضوية في التحالف السياسي الداعم للحكومة الشرعية والسلطة عموما".

ويقاتل الانفصاليون الجنوبيون وقوات الحكومة معا في صفوف التحالف ضد المتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على مناطق في البلد الفقير منذ 2014.

ويقول المتحدث باسم المجلس الانتقالي الجنوبي نزار هيثم، بدوره، لـ"موقع الحرة" إن علي محسن الأحمر معروف عنه أنه منذ عام 1994 وقبلها كان يجند الأفراد الذين كان يرسلهم إلى أفغانستان، ثم في حرب 1994 كان رأس الحربة ضد الانفصاليين". 

ويضيف أن جزءا كبيرا يتمثل في "نحو 70 في المئة من قوات هادي من العناصر الإرهابية،" مشيرا إلى أن "متشددين من تنظيم القاعدة وأنصار الشريعة أعطوهم مناصب قيادية في الجيش في 2015 مثل مهران القباطي قائد اللواء الرابع في الحماية الرئاسية".

لكن العزعزي يقول إنهم "يحاولون بهذه الإسطوانة المشروخة إخفاء دورهم المشبوه باحتضان الكيانات الإرهابية التي أخرجوها من السجون، وهي متهمة بارتكاب أعمال إجرامية ومهاجمة المؤسسات وقوات الجيش اليمني في المحافظات الجنوبية، مثلما أخرجوا أحد قادة القاعدة في أبين ويدعى خالد عبد النبي من سجون عدن".

وأضاف العزعزي أن "القوات التي تقاتل في شبوة وعدن وأبين هي قوات الجيش الوطني وكلهم من أبناء المحافظات الجنوبية يدافعون عن الجمهورية ضد تمزيق اليمن".

ونفت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) صحّة التقارير التي تشير إلى استخدام القوات الحكومية تنظيم "أنصار الشريعة"، لكنها "ذكّرت بالتزام الولايات المتحدة وحلفائها بمقاتلة الإرهابين والقضاء عليهم بما في ذلك تنظيم القاعدة في اليمن"، في تصريح لـ"موقع الحرة".

وشدد المكتب الإعلامي لوزارة الدفاع على أن "البنتاغون، وعلى غرار تصفية حمزة بن لادن الخميس الماضي، ماض في ملاحقة قيادييّ التنظيم والقضاء عليهم من دون أي مهادنة". 

ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يشتبك فيها الانفصاليون التابعون للمجلس الانتقالي الجنوبي مع الوحدات الموالية للرئيس هادي متّهمين حكومته بـ"الفساد" وبالسماح بتنامي نفوذ الاسلاميين داخل سلطته والتأثير على قراراتها السياسية والعسكرية، وخصوصا أعضاء في حزب "التجمع اليمني للإصلاح" المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين.

لكن رغم قتال المتمردين معا، يخوض الانفصاليون والقوات الحكومية معركة ترسيخ نفوذ محتدمة في الجنوب، وخصوصا في عدن، عاصمة الدولة الجنوبية السابقة قبل اتحادها مع الشمال عام 1990 وولادة اليمن الموحد.

ويرى عبد الهادي العزعزي، وكيل وزارة الثقافة في حكومة هادي أن قوات المجلس الانتقالي الجنوبي تشعر "بفقدان الحجة السياسية" في مشروع فصل الشمال عن الجنوب وتحاول تجنب إدانتها من قبل لجنة المراقبين الدوليين، التي تم إنشاؤها بموجب القرار 2216، من خلال "خلق مبررات أخرى مستغلة اسم جماعة أنصار الشريعة"، التي كانت تسيطر على محافظة أبين في العام 2013 وطهرها الجيش اليمني حينها.

ويتساءل: "كيف يتهمون الحكومة باستخدام تنظيم أنصار الشريعة في أبين وهم المسيطرون على الأرض وأصحاب اليد العليا في محافظات أبين وعدن والضالع وشبوه؟".

الانتقالي الجنوبي: الإخوان إرهابيون

وهاجم الانفصاليون في المجلس الانتقالي الجنوبي، الذين يسعون إلى الحكم الذاتي للجنوب، الحكومة بعدما اتهموا حزب التجمع اليمني للإصلاح المتحالف مع هادي، والتابع لجماعة الإخوان المسلمين، بالتواطؤ في هجوم للحوثيين على القوات الجنوبية.

واتهم مسؤولون في المجلس الانتقالي الجنوبي حزب "الإصلاح" بقتل قائد في "الحزام الأمني". ويرون أيضا أن عناصر من حزب الإصلاح الذي يعتبرونه إرهابيا "تسللوا" إلى حكومة هادي.

وكثيرا ما يهاجم نائب رئيس المجلس الانتقالي هاني بن بريك ومسؤولون آخرون حزب الإصلاح خصوصا. ويتهمونه بأن لديه قوات تتعاون مع كل من جماعة الحوثي المدعومة من إيران وكذلك "أنصار الشريعة" المرتبطة بتنظيم القاعدة.  

وكان بن بريك وزيرا في حكومة هادي قبل إقالته في 2017.

ونفى المتحدث باسم حزب التجمع اليمني للإصلاح، عدنان العديني في تصريحات لـ"موقع الحرة" أن تكون هناك وحدات عسكرية تابعة للإصلاح "ولا يستطيع المجلس الانتقالي أو غيره إثبات عكس هذا"، مشيرا إلى أن "القوات المسلحة هي التي تولت مواجهة التمرد العسكري الذي قام به المجلس الانتقالي وليس حزب الإصلاح".

ويوضح العديني: "لا يجيز الدستور لأي حزب سياسي إنشاء تشكيلات عسكرية تابعة له بخلاف ما قام به الحوثي والمجلس الانتقالي اللذين أنشآ تشكيلات عسكرية مسلحة خارج الجهاز الرسمي القانوني للدولة".

وأضاف لموقع الحرة: "نحن في الإصلاح نتعرض لإرهاب منظم وممنهج، يستهدف قياداتنا وكوادرنا في محافظات عدن ولحج والضالع وهي مناطق سيطرة الانتقالي الذي مارس فيها ضدنا خطابا تحريضيا غير مسبوق، كما تم اقتحام مقراتنا وإحراقها ومنع العمل السياسي".

وتابع أن "قيادات الإصلاح توزعت بين قتيل ومطارد ومرمي في السجون غير الشرعية التي يديرها الانتقالي الجنوبي بشكل غير قانوني، وقيادة الانتقالي أعلنت استهدافنا صراحة بوسائل الإعلام ودون مواربة في الوقت الذي يتزعم الانتقالي شخصية متورطة بأعمال عنف وإرهاب وإدارة شبكات تدير عمليات اغتيالات وهو هاني بن بريك".

وفي الوقت الذي يتهم فيه المجلس الانتقالي الجنوبي حزب الإصلاح بالتعاون مع تنظيم "أنصار الشريعة"، يقول المحلل السياسي السعودي سليمان العقيلي عبر قناة "سهيل" التابعة لحزب الإصلاح إن "هاني بن بريك قائد فصيل في أنصار الشريعة". 

ونفى بن بريك في تصريحات سابقة لـ"موقع الحرة" تهمة تورطه في عمليات الاغتيال.

ولا يزال الطرفان يتبادلان الاتهامات بالتعاون الجماعات الإرهابية المتطرفة. 

ومجددا الاثنين، سعى التحالف بقيادة السعودية الذي يقاتل جماعة الحوثي في اليمن، إلى تحقيق وقف لإطلاق النار بين حلفائه الجنوبيين الذين اقتتلوا فيما بينهم في صراع على السلطة هدد بتصدع التحالف. 

وحث البيان السعودي الإماراتي كل الأطراف على التعاون مع اللجنة المشتركة من أجل فض الاشتباك وجدد دعوة سعودية لعقد قمة في المملكة لتسوية المواجهة.

وقالت حكومة هادي إنها لن تشارك قبل أن يتخلى الانفصاليون عن المناطق التي سيطروا عليها.

وقال المجلس الانتقالي الجنوبي إنه سيظل يسيطر على معسكرات الحكومة في عدن والمناطق الأخرى إلى أن تخرج عناصر حزب الإصلاح، أحد أعمدة حكومة هادي، وكذلك الشماليون من مواقع السلطة بالجنوب.

ومنذ 2014، يشهد اليمن نزاعا بين المتمرّدين الحوثيين والقوّات الموالية للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا. وتصاعدت حدّة هذا النزاع مع تدخّل تحالف عسكري بقيادة السعودية، في مارس 2015 دعمًا للحكومة.

وتسبّب النزاع بمقتل عشرات آلاف الأشخاص، بينهم عدد كبير من المدنيين، حسب منظمات إنسانية متعددة.

إيران تزود الحوثيين بالوقود والسلاح
تعمل المنظمات الأممية ومنظمات إنسانية أخرى لمساعدة المدنيين في اليمن

أعربت وكالات أممية ومنظمات غير حكومية، السبت، عن "قلق بالغ" إزاء إحالة الحوثيين عددا كبيرا من موظفيها المحتجزين لديهم "تعسفا على النيابة الجزائية"، مجددة الدعوة للإفراج عنهم فورا.

ويعتقل الحوثيون عشرات الموظفين في الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية أخرى، معظمهم منذ يونيو الماضي، قائلين إنهم أعضاء في "شبكة تجسس أميركية إسرائيلية"، وهي تهمة تنفيها الأمم المتحدة.

وجاء في بيان صادر عن رؤساء الكيانات المتأثرة التابعة للأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية: "يساورنا قلق بالغ إزاء ما ورد بشأن إحالة سلطات الأمر الواقع الحوثية لعدد كبير من الزملاء المحتجزين تعسفا على +النيابة الجزائية+".

ولم يصدر عن سلطات الحوثيين المدعومين من إيران، أي إعلان في هذا الصدد.

ومن بين موقعي البيان المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس والمديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) أودري أزولاي ومفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك والمدير التنفيذي لمنظمة "أوكسفام" الدولية أميتاب بيهار.

وفي يونيو الماضي، اعتقل الحوثيون 13 موظفا في الأمم المتحدة، بينهم ستة يعملون في مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في العاصمة اليمنية صنعاء، إضافة إلى أكثر من 50 موظفا في منظمات غير حكومية وآخر في سفارة، بحسب الأمم المتحدة. 

ويقول الحوثيون إنهم اعتقلوا أعضاء في "شبكة تجسس أميركية إسرائيلية" يعملون تحت ستار منظمات إنسانية، وهي تهمة نفتها الأمم المتحدة بشكل قاطع.

وهناك موظفان في مكتب المفوضية محتجزان في مكان مجهول، أحدهما منذ نوفمبر 2021 والآخر منذ أغسطس 2023.

ومطلع أغسطس، اقتحم الحوثيون مكتب المفوضية وصادروا مفاتيحه واستولوا على وثائق وممتلكات، قبل أن يسلّموه في وقت لاحق من الشهر نفسه.

وجدد موقعو البيان نداءهم "العاجل للإفراج الفوري وغير المشروط" عن جميع الموظفين المحتجزين.

ويعتبر عمل الوكالات الإنسانية أساسيا في أفقر دول شبه الجزيرة العربية، إذ يعول أكثر من نصف اليمنيين البالغ عددهم حوالى 30 مليون نسمة على المساعدات.

واندلع النزاع في اليمن في 2014 مع سيطرة الحوثيين على مناطق شاسعة في شمال البلاد بينها العاصمة صنعاء. وفي العام التالي، تدخّلت السعودية على رأس تحالف عسكري دعما للحكومة اليمنية التي اتخذت من عدن (جنوب) مقرا موقتا لها، ما فاقم النزاع الذي أسفر عن مئات آلاف القتلى وتسبب بواحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.

وتراجعت حدة القتال بشكل ملحوظ منذ إعلان هدنة في أبريل 2022، رغم انتهاء مفاعيلها بعد ستة أشهر.