رغم توقع البعض أن يساهم وقف الدعم الأميركي للحرب السعودية في اليمن، في تهدئة الأوضاع في البلد الذي مزقته الحرب لسنوات، فإن التطورات الأخيرة تنذر بعكس ما كان مأمولا.
فقد شن الحوثيون هجوما يوم الأربعاء على مطار أبها السعودي، مشيرين إلى أنهم استهدفوا "مرابض طائرات حربية".
فيما أعلن التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن، أن طائرة مدنية اشتعلت في مطار أبها السعودي جنوب البلاد على إثر الهجوم الحوثي.
ولا يعد الهجوم الأخير هو التصعيد الحوثي الوحيد، فقد سبقه هجوم، الثلاثاء، على مدينة مأرب، آخر معاقل الحكومة المعترف بها دوليا شرق العاصمة اليمنية صنعاء، حيث اندلعت اشتباكات عنيفة بين الطرفين بعد توقف دام لعدة أسابيع بحسب مصادر حكومية، ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى من الجانبين.
ويأتي الهجوم الأخير، رغم إعلان الرئيس الأميركي، جو بايدن، دعم بلاده للسعودية ضد هجمات الحوثيين، وفي نفس الوقت إيقاف شحنات أسلحة إلى الرياض وإيقاف الدعم لعمليات التحالف الهجومية، وعزم الولايات المتحدة رفع اسم جماعة الحوثي من قائمة الجماعات الإرهابية.
ولا يزال الحوثيون يسيطرون على الجزء الأكبر من الأراضي التي يعيش فيها سكان اليمن. واتهمت الحملة التي تقودها السعودية بقتل الآلاف من المدنيين وتعميق أوضاع البلاد التي يطاردها الجوع والمرض والكارثة الإنسانية المتواصلة.
التطورات الأخيرة طرحت أسئلة بخصوص جدوى الإجراءات الأميركية الأخيرة تجاه الملف اليمني، في ظل تعنت الحوثيين المدعومين من إيران، واستمرارهم في شن هجمات تهدد حياة المدنيين.
وقد عبرت الإدارة الأميركية، الأحد، عن استيائها بسبب مواصلة جماعة الحوثي هجماتها التي تطال المدنيين، مؤكدة على ضرورة وقف النزاع "فورا".
"رسالة خاطئة"
الكاتب والمحلل السياسي السعودي، مبارك آل عاتي، قال لموقع "الحرة"، أنه من الواضح أن "السياسة المتناقضة لبايدن" على حد تعبيره، قد "بعثت برسالة خاطئة للنظام الإيراني ثم للحوثي الذي يعتبر أداة له".
وأضاف آل عاتي "ولذلك رأينا منذ قدوم بايدن، كان هناك تحريك لجبهة اليمن من قبل النظام الإيراني، من خلال هجمات على السعودية أو مأرب عاصمة الجيش اليمني".
"لقد هجم الحوثيين على مأرب خلال الـ 48 ساعة الماضية، بثمانية صواريخ بالستية، ما يعني أن إيران تحاول الضغط عسكريا على الأرض من أجل تحسين موقفها في التفاوض على الملف النووي"، يقول المحلل السعودي.

وقالت الخارجية الأميركية في بيان عبر موقعها إنه "وفي وقت يتخذ الرئيس (جو بايدن) خطوات لإنهاء الحرب في اليمن وقبول السعودية التوصل إلى اتفاق، تشعر الولايات المتحدة بالقلق العميق تجاه الهجمات الحوثية المتواصلة".
ولفت آل عاتي إلى أن هجوم الحوثيين تزامن مع زيارة المبعوث الأميركي الجديد الخاص باليمن، تيموثي ليندركينغ، الأربعاء، كما جاء الهجوم بعد أيام من زيارة المبعوث الأممي لليمن، مارتين غريفيث، العاصمة الإيرانية طهران لإجراء مباحثات مع كبار المسؤولين الإيرانيين بشأن الوضع في اليمن.
واستقبل وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان بن عبدالله، في مكتبه بالوزارة، الأربعاء، ليندركينغ، حيث جرى بحث المستجدات على الساحة اليمنية، واستعراض الجهود المشتركة لدعم سبل الوصول إلى حل سياسي شامل للأزمة اليمنية.
ويرى آل عاتي أن "الرسائل الأميركية المتناقضة أدت إلى تأجيج الملف اليمني، بل أصبحت مبررات التحالف العربي في استخدام القوة أكبر عما كان"، الأمر الذي قد يدفع التحالف لتحرير مدينة الحديدة التي تحولت مكانا لتهديد الملاحة، ومحل ورش إعداد الطيارات المفخخة.
وتقود السعودية منذ 2015 تحالفا عسكريا دعما للحكومة المعترف بها دوليا والتي تخوض نزاعا داميا ضد الحوثيين منذ 2014 حين سيطروا على العاصمة صنعاء ومناطق أخرى.
من جانبه، يرى الكاتب السياسي، سليمان العقيلي، إن خطوة الولايات المتحدة برفع الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية، قد شجعتهم على استهداف المدنيين سواء في السعودية أو حتى داخل المدن اليمينة.
وأضاف العقيلي أن رفع الحوثيين عن قائمة الإرهاب لم يساهم في تحسين الحالة الإنسانية، لأن الحوثيين كما يرى "يستخدمون ورقة الحالة الإنسانية من أجل إقرار وضعهم كسلطة أمر واقع في صنعاء، والمحافظات المجاورة".
وكان بايدن قد ذكر في خطابه عن اليمن منذ أيام، أن دعوته لإنهاء الحرب في اليمن، تأتي على خلفية "الكارثة الإنسانية والاستراتيجية"، التي حلت باليمن على مدار السنوات الماضية بسبب الحرب.
وتابع العقيلي في حديثه مع موقع "الحرة" قائلا، "نعتقد أن رفع الإدارة الأميركية الجديدة للحوثيين من على قائمة الإرهاب، قد شجعهم لضرب مطار أبها ومدن أخرى، مثل مدينة مأرب كما استهدفوا أحياء سكنية ومخيمات اللاجئين القادمين من صنعاء، والذي يبلغ عددهم نحو ثلاثة ملايين نازح، جاءوا من محافظات يسيطر عليها الحوثيون، إن سياسة المهادنة التي أعلنتها إدارة بايدن لن تؤدي إلا لمزيد من الحروب في المنطقة".
"لا علاقة بين الأمرين"
من جانب آخر، يرى الباحث الأميركي في شؤون الدفاع والأمن القومي بالجامعة الكاثوليكية بواشنطن، غيلمان بارندولار، أنه لا يوجد تأثير ملموس لقرار رفع الحوثيين من قائمة الإرهاب، على سلوكهم عسكريا.
وقال بارندولار في حديثه لموقع "الحرة"، "لا أعتقد أن إزالة التصنيف الإرهابي للحوثيين له تأثير ملموس على تحركاتهم التكتيكية. لكن، الإنهاء المعلن للدعم الأميركي للعمليات الهجومية السعودية، وتجميد بيع الأسلحة أكثر أهمية".
وأضاف بارندولار "الحوثيون صعدوا في ساحة المعركة منذ فترة، لم يكن فيها السعوديون قادرين على الدفاع حتى عن أراضيهم وبنيتهم التحتية، بدعم من الولايات المتحدة أو بدونها".
وتذهب أيضا إلى نفس الرأي، الباحثة المتخصصة في شؤون الخليج بمركز الدفاع عن الديمقراطيات "FDD" بواشنطن، فرشا كودوفايور، والتي قالت إن تصعيد الحوثيين غير مرتبط بقرار إدارة بايدن، فالهجمات وقعت طوال فترة الحرب، قبل وبعد التصنيف.
وقالت كودوفايور في حوار مع موقع "الحرة"، إن الحوثيين ليس لديهم حافز يذكر لوقف الهجمات. كما أن ميزان القوى لم يتغير على الأرض كثيرا.
وأضافت كودوفايور "بمقارنة سيطرتهم على أراضيهم قبل الحرب والآن، فإنهم يسيطرون حاليا فعليا على المزيد من الأراضي . كما أن المنطقة التي يسيطرون عليها هي المكان الذي يعيش فيه غالبية اليمنيين، مما يضعهم تحت سيطرة توزيع المساعدات الإنسانية".
وأشارت كودوفايور إلى أن الحوثيين لا يسيطرون على غالبية نفط اليمن وموارده الطبيعية، وطالما ظلت هذه الموارد بعيدة عن أيدي الحوثيين، فلن يوجد هناك حافز كبير لديهم لوقف الهجوم.
واعتبرت الباحثة في الشؤون الخليجية، الهجمات الحوثية المستمرة، وسيلة يمكن للحوثيين من خلالها مواصلة الضغط على أعدائهم.
وترى كودوفايور بأن هجمات الحوثيين تعتبر عشوائية، وأحيانا تحمل أهدافا إستراتيجية وتتزامن مع حدث سياسي، مثل ما حدث في وقت تصنيفهم كجماعة إرهابية من قبل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وكما حدث أيضا حاليا مع قرار بايدن الأخير بشبطهم من القائمة.
وتختتم كودوفايور حديثها مع "الحرة"، قائلة إن الهجمات العشوائية التي يشنها الحوثيون، هي "جزء من محاولاتهم المتفرقة، لمواصلة الضغط على التحالف الذي تقوده السعودية".