القرار بتصنيف الحوثيين جماعة إرهابية يدخل حيز التنفيذ لجمعة (أرشيفية)
القرار بتصنيف الحوثيين جماعة إرهابية يدخل حيز التنفيذ لجمعة (أرشيفية)

مع إعادة الولايات المتحدة لجماعة الحوثي إلى قائمة الجماعات الإرهابية، يدخل اليمن في مرحلة جديدة تستهدف من خلالها واشنطن عرقلة "تمويل العمليات الإرهابية" بسبب ما أحدثته هذه الجماعة المرتبطة بإيران من تعطيل لحركة التجارة في البحر الأحمر.

القرار الذي أقرته واشنطن، في منتصف يناير الماضي يدخل حيز التنفيذ الجمعة، وفق ما أكد المتحدث الرسمي لبعثة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، نيت إيفانز، في منشور على منصة "إكس" لمكتب التواصل الإعلامي التابع لوزارة الخارجية الأميركية.

وأضاف أن الولايات المتحدة أعلنت عن هذا القرار في 17 يناير الماضي، ولكن دخوله لحيز التنفيذ سيكون في غضون 30 يوما، مما سيسمح بتأمين وجود عمليات إنسانية قوية لضمان استهداف الحوثيين من دون الإضرار بالشعب اليمني.

ومنذ أشهر، ينفذ الحوثيون المدعومون من إيران هجمات يقولون إنها تستهدف السفن المرتبطة بإسرائيل، دعما للفلسطينيين في قطاع غزة على خلفية الحرب بين إسرائيل وحركة حماس المستمرة منذ أكتوبر، وفق تقرير لوكالة فرانس برس.

لمحاولة ردعهم، شنت القوات الأميركية والبريطانية ضربات على مواقع تابعة لهم منذ 12 يناير. وينفذ الجيش الأميركي وحده بين حين وآخر ضربات يقول إنها تستهدف مواقع أو صواريخ ومسيّرات معدة للإطلاق.

وإثر الضربات الغربية، بدأ الحوثيون استهداف السفن الأميركية والبريطانية في المنطقة معتبرين أن مصالح البلدين أصبحت "أهدافا مشروعة".

وتؤثر هجمات الحوثيين على الملاحة وتسببت بارتفاع كلفة التأمين لشركات الشحن، ما أجبر كثيرا منها إلى تجنب هذا الطريق الحيوي الذي تمر عبره 12 في المئة من التجارة البحرية العالمية.

ماذا يعني التصنيف كجماعة إرهابية؟

السفير روبرت وود، من البعثة الأميركية لدى الأمم المتحدة قال في تصريحات، الأربعاء، خلال إيجاز لمجلس الأمن الدولي بشأن اليمن إن الولايات المتحدة أعلنت الشهر الماضي إدراج جماعة أنصار الله المعروفة باسم الحوثيين على قائمة الإرهابيين العالميين المدرجين بشكل خاص، وذلك اعتبارا من 16 فبراير.

وأضاف أن الحوثيين يحاولون "تضييق الخناق على الشحن العالمي عبر البحر الأحمر، ويواجه الناس في مختلف أنحاء العالم زيادة في تكاليف السلع والإمدادات نتيجة لذلك".

وأشار وود إلى أن التوترات أدت إلى "إعادة توجيه السفن حول أفريقيا (وتأخيرها) بنحو 10 أيام ومليون دولار من تكاليف الوقود لكل رحلة في اتجاه واحد بين آسيا وأوروبا".

وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية حركة "أنصار الله"، التسمية الرسمية للحوثيين، "كيانا إرهابيا عالميا مصنفا تصنيفا خاصا"، ما يعني عمليا تجميد الأصول التي قد تملكها الحركة في الولايات المتحدة وقطع مصادر تمويلها.

وكان البيت الأبيض قد أكد في بيان سابق أن تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية جاء "ردا على التهديدات والهجمات المستمرة التي يشنها الحوثيون".

وأضاف أن "هذا التصنيف يعد أداة مهمة لعرقلة تمويل العمليات الإرهابية للحوثيين، وزيادة تقييد وصولهم إلى الأسواق المالية، ومحاسبتهم على أفعالهم".

ووفقا لوكالة أسوشيتد برس فإن إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية في الولايات المتحدة لن يتضمن عقوبات على تقديم "الدعم المادي" ولا حظر السفر وبالتالي لن يشكل عائقا كبيرا أمام تقديم المساعدات للمدنيين اليمنيين.

ويهدف التصنيف إلى منح وزارة الخزانة يدا أوسع لإصدار العقوبات والإشارة إلى الحكومات الأجنبية الأخرى أو الأشخاص أو الشركات بأنها قد تفقد إمكانية الوصول إلى النظام المالي الأميركي، إذا خالفت العقوبات.

ويعكس الإجراء أيضا جهدا دقيقا من قبل الولايات المتحدة لتحقيق التوازن، الذي يحمي تدفق المساعدات الإنسانية التي يحتاجها بشدة الشعب اليمني، الذي عانى من المجاعة والمرض والنزوح خلال أكثر من عقد من الحرب الأهلية بعد أن استولى الحوثيون على صنعاء، في سبتمبر عام 2014.

محمد الباشا، كبير محللي الشرق الأوسط لدى مجموعة "نافانتي" الاستشارية الأميركية، قلل من الأثر المباشر للعقوبات على الحوثيين مشيرا إلى أن القطاعات التي ستتضرر في حقيقة الأمر هي "المؤسسات التي تتعامل بالدولار مثل البنوك وهيئة الطيران وموانئ الحديدة وكذلك شركات الاتصالات والنفط والغاز".

وقال في حديث لموقع "الحرة" إن "قراءة حزمة العقوبات الأميركية السابقة، أظهرت أن الحوثيين لا يتعاملون مع المنظومة البنكية أو المالية العالمية، وإنما عبر صرافين ووسطاء ولهذا هم لا يبالون بهذه العقوبات".

يسيطر الحوثيون على شمال غرب اليمن، الذي يشهد حربا أهلية منذ عام 2014، وقد كثفوا هجماتهم على سفن تجارية في البحر الأحمر وخليج عدن منذ نوفمبر، ما دفع الكثير من شركات الشحن إلى تجنب هذين الممرين الأساسيين للتجارة الدولية.

رئيس مركز واشنطن للدراسات اليمنية في العاصمة واشنطن، عبد الصمد الفقيه، يقول إن هذا التصنيف يتكرر للمرة الثانية، وهو ما يدل على عدم استقرار الإدارات الأميركية في طريقة تعاملها مع جماعة الحوثي.

الحرب تدور في اليمن منذ 8 أعوام. أرشيفية

ولفت في رد على استفسارات موقع "الحرة" إلى أن "الإدارة الأميركية الحالية هي نفسها من كانت ألغت قرار تصنيف الحوثي السابق، لتعيده حاليا، ولكنه ليس بقوة قرار الإدارة السابقة".

ويتفق الفقيه مع ما تحدث به الباشا إذ أن "القرار الأميركي لن يؤثر بشكل كبير على قدرات الحوثيين، إذ سيشعرون بوجود ضغط دولي على الجانب السياسي، ولكن على الجانب العملي هذه الجماعة كانت تتوقع هذا القرار ولهذا حصنت نفسها بشبكة تمويل بعيدة عن الأنظمة المالية الدولية التي يمكن ملاحقتها".

وزاد أن قادة الحوثيين يتمركزون في اليمن "ولا يغادرونه أبدا، ولا يوجد لهم أملاك وأصول يمكن ملاحقتها في خارج البلاد"، مضيفا أن "الحد من قدرات الحوثيين لا يمكن أن يتم بهذه العقوبات، إذ سيستمرون في الحصول على السلاح كما حصلوا عليه خلال السنوات الماضية عبر طرق غير شرعية".

ويشكك خبراء تحدثوا في تقرير سابق لوكالة فرانس برس في فعالية الإجراء الأميركي، ويقول الباحث في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، عبد الغني الإرياني، إن "العقوبات لم تنجح قط في الماضي ولن تفلح اليوم".

وتوضح مديرة كلية غورتن في جامعة كامبريدج، إليزابيث كيندال، لفرانس برس أن الآلية التي اختارتها إدارة بايدن هي بالتأكيد أكثر مرونة من تلك السابقة، لكنها تشمل حتما "معاملات أكثر ومخاطر بالنسبة للمنظمات والمستوردين، ما سيؤثر على توصيل المنتجات وسيرفع الأسعار".

وترى الخبيرة في شؤون اليمن، كيندال، أنه حتى لو كان الحوثيون "يستحقون" بالفعل هذا التصنيف "فليسوا هم من سيتحملون" تبعاته، مشيرة إلى أن قادة عدة من الحركة "يجمعون ثروات على حساب الاقتصاد الخفي للحرب".

وتضيف "قد يتبين أن التهريب مربح أكثر بعد التصنيف".

هل سيؤثر تصنيف جماعة الحوثي على الشعب اليمني؟

اليمنيون على أمل بالسلام واستقرار البلاد. أرشيفية

وكان الحوثيون قد أُدرجوا على قائمة الإرهاب مطلع عام 2021 في نهاية عهد الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، وكذلك على لائحة "المنظمات الإرهابية الأجنبية"، ما يمنع إجراء أي مبادلات معهم.

ونددت آنذاك منظمات الإغاثة بهذا الإجراء، معتبرة أنه يعقّد الاستجابة للأزمة الإنسانية الحادة التي يعاني منها الشعب اليمني.

لكن بعد أسابيع، ألغت إدارة الرئيس الأميركي الحالي، جو بايدن، هذا التصنيف استجابة لمطالبات المنظمات.

وتعهد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في يناير، أن واشنطن "ستجري تواصلا قويا مع أصحاب المصلحة ومقدمي المساعدات والشركاء الذين يلعبون دورا حاسما في تسهيل المساعدات الإنسانية والاستيراد التجاري للسلع الحيوية في اليمن".

وقال السفير وود إن الحوثيين "يواصلون حصارهم لمدن في اليمن ويمنعون نقل الغذاء والماء والمساعدات الإنسانية إلى السكان المدنيين، مما يفضح نفاق ادعاءاتهم".

وأكد أن تأخير تطبيق سريان القرار الأميركي، كان بهدف "التشاور مع أصحاب المصلحة بشأن التخفيف من تأثير هذه الإجراءات على الوضع الإنساني".

وتابع وود أنه "بالإضافة إلى الاستثناءات الإنسانية الحالية التي تخفف من الأثر الإنساني على الشعب اليمني"، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة أعلنت "عن تراخيص عامة جديدة لدعم استمرار الوصول إلى السلع والخدمات الأساسية في اليمن".

وشدد على أن الولايات المتحدة ستظل "ملتزمة بتحقيق السلام الدائم والاستقرار والازدهار للشعب اليمني".

وقال المحلل الباشا إن العقوبات ستؤثر على الشعب اليمني لا محالة خاصة في "ظل الارتفاع الملموس لكلفة تأمين الشحن البحري وأسعار النقل إلى اليمن، فإن التصنيف سيضيف إلى هذه التحديات ولن يشجع البنوك الدولية وشركات الشحن والمؤسسات التجارية العالمية من التعامل مع السوق اليمنية".

وتابع أنه "خلافا للجماعات الأخرى المدرجة في القوائم الأميركية للإرهاب، جماعة الحوثي أمر واقع ويؤثرون بشكل مباشر على ما لا يقل عن 20 مليون نسمة، ومن الصعب الفصل بين ما هو مرتبط بالحوثيين أو الحكومة اليمنية".

وكانت وزارة التخطيط والتعاون الدولي اليمنية قد أصدرت تعميما دعت فيه المنظمات الدولية والإقليمية وغير الحكومية المعتمدة في اليمن إلى نقل مقراتها في "مدينة عدن عاصمة البلاد، وفتح حساب مصرفي لدى البنك المركزي اليمني"، بحسب ما نشر وزير الإعلام، معمر الإرياني، في منشور على منصة "إكس".

وأكدت الوزارة على دعمها "الكامل لجميع المنظمات المخلصة في تنفيذ المشاريع والبرامج التنموية والإنسانية، التي تصب في مصلحة الشعب اليمني، وتساهم في تحسين أوضاعه المعيشية".

رئيس مركز واشنطن للدراسات اليمنية، الفقيه، قال إن "واشنطن عبّرت عن التزامها بعدم انعكاس القرار الأميركي على الشعب اليمني الذي يعاني أصلا من وجود الحوثيين".

وذكر أن الفترة المقبلة ستكشف ما إذا كانت الإجراءات الأميركية قادرة على تحييد أثر هذه العقوبات على الشعب اليمني واستمرار دخول المساعدات الإنسانية.

ويؤكد نائب منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في اليمن، دييغو زوريلا، لوكالة فرانس برس أن "المنظمات الإنسانية تأمل بشدة ألا يؤثر تصنيف الإدارة الأميركية على إيصال المساعدات إلى الشعب اليمني". 

غير أن المنظمات غير الحكومية التي تواجه أصلا تقليص التمويل الدولي للمساعدات في اليمن، تعرب عن قلقها إزاء عملياتها في البلد الذي يعتمد فيه ثلثا السكان البالغ عددهم 30 مليون نسمة، على المساعدات للعيش.

ويخشى مدير منظمة "كير إنترناشونال" إيمان عبداللهي، من احتمال أن تؤدي هذه العقوبة إلى "تأخير على مستوى تمويل اللوجستيات والعمليات".

الأجراء الأميركي الجديد ضد الحوثيين لن يؤثر على المساعدات الإنسانية المقدمة للشعب اليمني  والشحنات التجارية القادمة إلى الموانئ اليمنية التي
ماذا يعني تصنيف الحوثيين "جماعة إرهابية".. وهل يحد من تهديداتهم للملاحة؟
أعادت الولايات المتحدة، الأربعاء، إدراج جماعة الحوثي، على قائمة الجماعات "الإرهابية"، وذلك في أحدث محاولة من جانب واشنطن لوقف الهجمات التي تشنها الميلشيا المدعومة من طهران في اليمن، على الشحن الدولي الحيوية في البحر الأحمر.

ذلك أنه حتى لو منحت استثناءات للمنظمات الإنسانية، فإن نظام العقوبات يشمل جهات أخرى ينبغي التعامل معها مثل المصارف والتجار، ما قد يؤدي إلى "تأجيج الأزمة الإنسانية"، بحسب عبداللهي.

ودعا السفير اليمني لدى فرنسا، الخميس، المجتمع الدولي إلى "التدخل لوقف أعمال الحوثيين"، و"ليس فقط" تنفيذ "ضربات جوية" ضد المتمردين الذين يكثفون هجماتهم في البحر الأحمر، بحسب فرانس برس.

وقال رياض ياسين عبد الله في مؤتمر صحفي: "يجب على الدول الأجنبية التدخل لوقف أعمال الحوثيين، ليس في البحر الأحمر فحسب، لكن داخل اليمن خصوصا".

وأضاف ردا على سؤال للوكالة "نحن بحاجة إلى كثير من المعدات والمساعدات المالية والاقتصادية"، مشيرا إلى أن "عملية حل مشكلة اليمن تتمثل في دعم الحكومة الشرعية" و"ليس فقط" تنفيذ "ضربات جوية تعزز شعبية الحوثيين".

وزاد أنه "من الضروري التذكير بأن المليشيات لم تنتظر حتى 7 أكتوبر لتنفيذ هجمات في المنطقة" و"في حال غادرت إسرائيل غزة، فليس هناك ما يضمن أن الحوثيين سيوقفون الأعمال التي يشنونها منذ أكثر من 10 سنوات".

وقال الدبلوماسي اليمني إن "الهجمات في البحر الأحمر تؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية الحادة بالفعل في اليمن".

الحوثي وطهران

شحنة الأسلحة التي صادرتها القوات الأميركية في بحر العرب

وأعاد السفير وود إلقاء الضوء على الدعم الإيراني المقدم للحوثيين، وقال: "ليس بوسع طهران أن تنكر دورها في تمكين الهجمات التي يشنها الحوثيون ودعمها، وذلك نظرا لدعم إيران المادي طويل الأمد للحوثيين وتشجيعها لأعمالهم المزعزعة للاستقرار في المنطقة".

ودعت الدول الأعضاء في مجلس الأمن، خاصة تلك التي لديها قنوات مباشرة مع طهران، إلى الضغط على القادة الإيرانيين لكبح جماح الحوثيين ووقف هذه الهجمات غير القانونية والوفاء بالتزاماتهم بموجب قرارات مجلس الأمن.

وأكد وود أن الحرس الثوري الإيراني زوّد الحوثيين بـ"ترسانة متزايدة من الأسلحة المتقدمة منذ عام 2014، وقد استخدموها لمهاجمة السفن التجارية في البحر الأحمر"، وهذا ينتهك قراري مجلس الأمن الدولي رقم 2140 و2216.

وأضاف أن الولايات المتحدة وشركاءها اعترضوا ما لا يقل عن 18 سفينة تهرب أسلحة إلى الحوثيين بشكل غير قانوني بين العامين 2015 و2023، وصادرت صواريخ باليستية وصواريخ كروز وصواريخ مضادة للسفن وطائرات مسيرة وأسلحة أخرى.

والخميس، أعلنت القيادة المركزية الأميركية "سنتكوم" في بيان نشرته على منصة "إكس" أن سفينة تابعة لخفر السواحل الأميركي "قامت بمصادرة شحنة من الأسلحة التقليدية المتطورة وغيرها من المساعدات الفتاكة مصدرها إيران ومتجهة إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن من على سفينة في بحر العرب في 28 يناير".

وأضاف البيان أن الشحنة تحتوي على أكثر من 200 حزمة تشمل مكونات صواريخ ومتفجرات وأجهزة أخرى.

ونقل البيان عن قائد "سنتكوم"، مايكل إريك كوريلا، قوله إن "هذا مثال آخر على نشاط إيران الخبيث في المنطقة".

وأضاف أن "استمرارهم في إمداد الحوثيين بالأسلحة التقليدية المتقدمة... يستمر في تقويض سلامة الشحن الدولي والتدفق الحر للتجارة".

وفي 16 يناير، أعلن الجيش الأميركي أنه صادر في 11 من الشهر ذاته، مكونات صواريخ إيرانية الصنع على متن قارب في بحر العرب كانت متوجهة إلى الحوثيين، في أول عملية من نوعها منذ بدأ المتمردون اليمنيون استهداف سفن قبالة اليمن.

وحتى قبل بدء الهجمات، أعلن الجيش الأميركي مرارا مصادرة شحنات أسلحة قال إنها متجهة من إيران إلى الحوثيين، وفقا لفرانس برس.

في ديسمبر، شكلت الولايات المتحدة قوة بحرية متعددة الجنسيات لحماية السفن في البحر الأحمر، لكن هذا التحالف لم يتمكن حتى الآن من وقف الهجمات.

الحوثيين

في السادس من مايو، وقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمام الصحفيين ليُعلن ما بدا لحظة تحوّل: الولايات المتحدة ستوقف قصفها لمواقع الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن. والسبب، كما قال، هو أن الحوثيين وافقوا على وقف هجماتهم على السفن الأميركية في البحر الأحمر.

الخبر تردّد صداه من واشنطن إلى مسقط، حيث أكّدت سلطنة عمان أنها أدّت دور الوسيط في هذا التفاهم الهادئ. وللحظة، بدا وكأن اليمنيين في هذا البلد الممزق بالحروب وجدوا فسحة قصيرة لالتقاط أنفاسهم.

لكن، في اليوم التالي، خرج كبير مفاوضي الحوثيين، محمد عبدالسلام، ليؤكد لوكالة رويترز أن "الاتفاق لا يشمل إسرائيل إطلاقا، لا من حيث الشكل ولا المضمون". وأردف: "ما دامت الويلات المتحدة ملتزمة فعلا بوقف الهجمات، فنحن أيضا- لأننا كنا في موقف دفاعي- سنوقف هجماتنا".

وراء هذا التحول في موقف الحوثيين قصة أعمق. إنها قصة ضغط عسكري، وإشارات تخلٍ إيرانية، وخشية حوثية من أن يُتركوا في مهبّ التغييرات الإقليمية، كما قال الخبير العسكري وأستاذ جامعة الدفاع الوطني، ديفيد ديس روش، في مقابلة مع قناة "الحرة".

بعد اتفاق الهدنة لن يكون لدى الحوثيين القدرة على استهداف السفن في البحر الأحمر أو إطلاق صواريخ على إسرائيل. "لأنهم أدركوا أنه مع دخول الإيرانيين في محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة، قد يجدون أنفسهم في موقف حرج".

منذ عام 2014، يغرق اليمنيون، أكثر فأكثر، في ويلات الحرب. ولم تكتفِ جماعة أنصار الله الحوثية بنسج هذا الواقع الكابوسي داخل البلد، فقررت أن تبحر باليمنيين إلى مواجهات يائسة في البحر الأحمر، حيث التوترات تتصاعد يوميا، بسبب مهاجمة الجماعة السفن لشل حركة الملاحة الدولية.

يستخدم الحوثيين أسلحة ثقيلة لتنفيذ أكبر هجوم على الملاحة الدولية منذ عقود، ما أثر على حوالي 15 بالمئة من حركة التجارة البحرية العالمية، يقول برادلي بومان، وهو خبير عسكري أميركي في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، في حوار مع "الحرة".

ويشير بومان إلى أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الداعم الرئيسي للحوثيين، هي التهديد الرئيسي، للشحن البحري وحرية الملاحة في الشرق الأوسط.

لكن السؤال: كيف تمكن الحوثيون من جر اليمن إلى حرب أهلية مدمرة، استتبعت مواجهة مع دول إقليمية، ثم الدخول في مواجهة مع الولايات المتحدة والدول الغربية في البحر الأحمر؟

ما سر هذه الجماعة؟ من هم الحوثيون؟ وكيف بدأ نشاطهم؟

يقول وولف كريستيان بايس، من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية إن الحوثيين حركة تمرد تنشط في شمال اليمن منذ نحو عشرين عاما، لكنهم برزوا بقوة عام ٢٠١٥ عندما استولوا على السلطة في صنعاء، وأصبحوا منذ ذلك الحين الحكومة الفعلية، وهم ويسيطرون بالفعل على حوالي ٨٠٪ من سكان اليمن.

بدأت ظاهرة الحوثيين في بداية التسعينيات، مع تشكيل أول حركة باسم "الشباب المؤمن". 

ولدت الحركة كرد فعل على التهميش الذي كانت تعانيه مناطق الزيديين، وبالتالي، كانت تطالب بحقوق السكان أبناء تلك الطائفة. والزيدية، مذهب ديني منبثق من الفقه الإسلامي الشيعي. 

ارتبط الزعيم الأول للحركة، حسين بدر الدين الحوثي، ابن رجل دين زيدي بارز، في بداية مسيرته السياسية بحزب سياسي صغير كان يعرف باسم "الحق"، وفاز هذا الحزب بمقعدين في برلمان اليمن في انتخابات 1993، أحدهما لحسين الحوثي نفسه.

بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، اتبع حسين الحوثي، نهجا فكرياً جديداً جمع بين "إحياء العقيدة" و"معاداة الإمبريالية"، متأثراً بالأفكار العامة للثورة الإسلامية في إيران.

تحولت الحركة إلى تنظيم مسلح، عام 2004 في غمرة المواجهات مع القوات الحكومية، وهو العام الذي قتل فيه حسين الحوثي، ليخلفه شقيقه الأصغر عبد الملك في القيادة.

اتخذت الحركة أسماء مختلفة حتى استقرت في النهاية على اسم "أنصار الله"، وقد شكلت هاجساً امنياً كبيراً لدى الحكومة اليمنية وقتها خاصة مع قيامها بعدة أعمال أمنية كبيرة، دفعت وزير الداخلية وقتها، رشاد العليمي، باتهام إيران بتخصيص وسائل إعلامها الرسمية لقادة أنصار الله و"لترويج الإرهاب والتمرد في محافظة صعدة".

خاضت الحركة صراعا مسلحا مع حكومة علي عبد الله صالح، بين عامي 2004 و2010 في مناطق انتشار الحوثيين، في محافظة صعدة، شمالي اليمن. لكن سقوط حكم صالح، عام 2012، مثل فرصة ثمينة للحوثيين لتعزيز موقعهم ونفوذهم في البلاد، خاصة بعد أن تحول بعض أنصار عدوهم اللدود صالح إلى مناصرين لهم من الناحية العسكرية.

في خريف عام 2014، انقلب الحوثيون على سلطة الحكم الشرعية، واستولوا على العاصمة صنعاء. وبدعم إيراني، أحرز الحوثيون تقدماً سريعاً، وسيطروا على مدن البلاد الكبرى، مأرب شرقاً، وعدن جنوباً.

بعد عام تقريباً، في ربيع 2015، بدأ تحالف تقوده السعودية بتنفيذ عمليات عسكرية، بهدف إعادة الحكومة المعترف بها دوليا. خسر الحوثيون مناطق سيطرتهم تدريجياً ما عدا صنعاء والحديدة وتعز.

يقول ستروان ستيفنسون لـ"الحرة"، وهونائب سابق في البرلمان الأوروبي، إن "الحرس الثوري الإيراني هم الرعاة والمدربون والمزودون الرئيسيون بالأسلحة للمتمردين الحوثيين في اليمن".

وفقاً لتقارير عسكرية، بدأ الحوثيون بتوسيع أنشطتهم الإرهابية خارج اليمن، باستخدام طرازات متنوعة من الصواريخ، وخاصة الباليستية المضادة للسفن، كما استخدموا أنواعا مختلفة من الأسلحة في هجماتهم البرية والبحرية، والتي زودتهم ودربتهم عليها إيران.

ويشير برادلي بومان، الخبير العسكري في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إلى أن إيران تستحق بجدارة لقب أسوأ وأكبر دولة راعية للإرهاب في العالم، "فلديها شبكة هائلة من الوكلاء، ميليشيات وجماعات في العراق وسوريا، حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، حزب الله في لبنان، الحوثيون في اليمن". ويضيف أن هذه الشبكة الضخمة، هي الوسيلة التي تصدر بها إيران الإرهاب.

وبالفعل في 11 يناير 2021، صنفت الولايات المتحدة الحوثيين منظمة إرهابية.

مع اندلاع الحرب في غزة، خريف عام 2023 تحرك وكلاء إيران في المنطقة، فتح حزب الله جبهة في جنوب لبنان، ليتبعه الحوثيون في اليمن. وفي نوفمبر 2023، نشرت الحركة مقطعاً مصوراً يبين هجوما مسلحا، جنوبي البحر الأحمر، أجبر طاقم السفينة "غالاكسي ليدر" على الاستسلام.

وسُحبت السفينة التي تشغّلها شركة يابانية، لصالح أخرى إسرائيلية، إلى ميناء الحديدة، واستولى الحوثيون على كامل حمولتِها.

عملية القرصنة هذه كانت بداية الاعتداءات الحوثية على خطوط الملاحة الدولية، في خليج عدن والبحر الأحمر.

 يقول دجون ستاوبرت، مسؤول في الغرفة الدولية للنقل البحري "هناك، منذ عام 2014، بين 120و 130 حادثاً في المنطقة، والغالبية العظمى هي نتيجة لعدوان الحوثيين على الشحن التجاري".

في خضم كل هذه الهجمات، أعلنت الولايات المتحدة في أواخر عام 2023، تشكيل تحالف دولي لصد هجمات حركة الحوثيين على خطوط الشحن البحري في البحر الأحمر وخليج عدن.

وأعلن لويد أوستن، وزير الدفاع الأميركي وقتها، أن لجميع البلدان الحق في التنقل بحرّية وبشكل قانوني طبقا للنظام الدولي، لكن هذا الحق العالمي الأساسي، "يتعرض لتهديد جديد، بفعل هجمات الحوثيين المرفوضة تماما، على السفن التجارية".

وأطلق أوستن عملية "حارس الازدهار"، التي تجمع أكثر من 12 بلدا من جميع أنحاء العالم، للقيام بدوريات مشتركة في البحر الأحمر وخليج عدن.

رغم الجهود الدولية، استمر الحوثيون في شن هجماتهم البحرية، ليرتفع عددها بحلول نهاية عام 2024 إلى129 هجوماً، على أكثر من 300 سفينة.

يقول فريز نديمي، خبير الشؤون العسكرية الإيرانية في معهد واشنطن إن الحوثيين تلقوا المكونات الرئيسية والأنظمة الفرعية لإنتاج الصواريخ من الإيرانيين، كالمحركات ومعدات التوجيه.

 "هم يصنعون بعض أجزاء تلك الصواريخ بأنفسهم، ويضيفون إليها الأجزاء الأكثر تعقيدا وأهمية، التي تصلهم من إيران بطرق مختلفة، ويساعدهم الخبراء الإيرانيون الموجودون في اليمن على ذلك، كما تلقى الحوثيون تدريبات في سوريا ولبنان وإيران، على كيفية تعديل وتشغيل الصواريخ"، يقول لـ"الحرة".

بعد عودة الرئيس دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض في يناير 2025، قرر تكثيف الضربات الجوية على الحوثيين بشكل كبير، وأعلن في 15 مارس بدء الحملة العسكرية "الفارس الخشن"، للقضاء على المنظمة الإرهابية. 

وردت الولايات المتحدة بهجمات صاروخية على مواقع الحوثيين، لكن جماعة "أنصار الله" الحوثية عكفت على تحشد قواتها استعدادا، لما يسمونها معركة "الحرب المقدسة". 

وقد صرح شون بارنيل، المتحدث باسم البنتاغون أن إطلاق النار على العسكريين الأميركيين في المنطقة، وعلى السفن وعلى الطائرات المسيرة وتعريض حياة الأميرييين للخطر ليس طريقة جيدة لإنهاء هذا الصراع. 

"يستطيع الحوثيون إيقاف هذا غدًا إذا قالوا سنتوقف عن إطلاق النار على شعبكم، لكنهم اختاروا بوضوح عدم القيام بذلك، ولذلك ستكون هذه الحملة بلا هوادة، لإضعاف قدراتهم وفتح ممرات الشحن في المنطقة والدفاع عن وطننا"، أضاف بارنيل.

منذ بداية الحملة، استهدفت الولايات المتحدة أكثر من 1000 هدف في اليمن، منها مواقع تدريب، ما أسفر عن مقتل مئات المقاتلين الحوثيين. 

وقال مركز القيادة الأميركية في الشرق الأوسط (سنتكوم) في بيان، في 28 أبريل 2025 أنه ومنذ بداية عملية (راف رايدر)، أو "الفارس الخشن" دمرت الغارات العديد من منشآت القيادة والسيطرة، وأنظمة الدفاع الجوي، ومرافق تصنيع وتخزين الأسلحة المتقدمة، التابعة للحوثيين في اليمن. 

"عملياتنا قللت من معدل هجماتهم وفعاليتها، إن معدل إطلاق الصواريخ البالستية، تراجع بنسبة 69 في المئة، فيما تراجعت الهجمات الانتحارية بالطائرات المسيّرة بنسبة 55 في المئة،" قال البيان.

يسأل وولف كريستيان بايس، من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية عن الخطة طويلة المدى، لأن التحدي، حسب رأيه، يكمن في أن هذه الهجمات الجوية بالطبع قد تُلحق ضررًا كبيرًا بالقدرات العسكرية للحوثيين لكنها لن تمنعهم من مهاجمة السفن التجارية أو الدول المجاورة عمومًا، "لذا يتطلب الأمر برأيي عملية برية، ولا أعتقد أن هناك رغبة كبيرة في واشنطن، لشن عملية برية في اليمن".

تتعمد الإدارة الأميركية الحفاظ على سرية العمليات في اليمن، لكنها تؤكد على تحقيق أهدافها المنشودة، والاستمرار حتى يتوقف الحوثيون عن مهاجمة السفن في البحر الأحمر. 

فهل سنشهد قريبا على بتر آخر ذراع للنظام الإيراني، منظمة أنصار الله الحوثية، بعد القضاء على حماس، وانهيار حزب الله اللبناني، وسقوط نظام بشار الأسد؟