هجمات الحوثيين على السفن التجارية بدأ في نوفمبر الماضي
هجمات الحوثيين على السفن التجارية بدأت في نوفمبر الماضي

في الوقت الذي تراجعت فيه الهجمات التي تشنها المليشيات الموالية لإيران في العراق وسوريا، على المصالح الأميركية، خلال فبراير الجاري، فإن جماعة الحوثي في اليمن لم تتوان عن شن المزيد.

واستمر الحوثيون المدعومون من إيران في شن هجماتهم على السفن التجارية في البحر الأحمر، الذي تمر عبره 12 مئة من حجم التجارة العالمية.

صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، كانت قد ذكرت الأحد، أن إيران "تحث حزب الله والجماعات المسلحة الأخرى على ممارسة ضبط النفس ضد القوات الأميركية".

وأشارت الصحيفة إلى أن إيران "تواجه الاختبار الأكثر أهمية حتى الآن لقدرتها على ممارسة نفوذها على هذه الميليشيات المتحالفة معها"، مع استمرار الحرب في قطاع غزة. 

وامتنعت الميليشيات المدعومة من إيران في العراق وسوريا عن شن هجمات منذ 4 فبراير، على الرغم من الغارة الأميركية في 7 فبراير التي أودت بحياة المسؤول الكبير في كتائب حزب الله العراقي، أبو باقر الساعدي.

وعلى النقيض تماما، يواصل الحوثيون استهداف السفن التجارية في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن بالصواريخ والطائرات المسيرة، في هجمات وصفتها واشنطن بـ "المتهورة والعشوائية".

أعضاء من خفر السواحل اليمني التابعين لمجموعة الحوثيين
ميلر يصف هجوم الحوثيين على سفينة أميركية بـ"المتهور"
دان المتحدث باسم الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، مواصلة الحوثيين هجماتهم على السفن في البحر الأحمر، وقال المتحدث ردا على سؤال لقناة "الحرة" الثلاثاء، "نواصل إدانة الهجمات المتهورة والعشوائية التي ينفذها الحوثيون على سفن الشحن المدنية".

وكان آخر تلك العمليات، إعلان الجماعة المصنفة إرهابية، الثلاثاء، شن سلسلة هجمات بطائرات بدون طيار على سفن حربية أميركية في خليج عدن وبحر العرب، وإطلاق صواريخ بحرية على ما قالوا إنها "سفينة إسرائيلية"، وكذلك على أهداف في جنوب إسرائيل.

ويأتي ذلك بعد أن أعلن الحوثيون، الإثنين، شن 4 هجمات على سفن تجارية في آخر 24 ساعة.

وقال الجيش الأميركي، الثلاثاء، إن المدمرة "يو إس إس لابون" أسقطت صاروخ كروز مضاد للسفن أطلقه الحوثيون نحوها.

من جانبه، أعلن الاتحاد الأوروبي، الإثنين، إطلاق مهمة للمساعدة في حماية الملاحة الدولية في الممر المائي الاستراتيجي، في جهود مماثلة لتلك التي أعلنت عنها الولايات المتحدة، التي تقود تحالفا بحريا باسم "حارس الازدهار".

"الحوثيون قرارهم مستقل"

وتباينت الآراء فيما يتعلق باستمرار الهجمات التي يشنها الحوثيون في اليمن مقارنة بوكلاء إيران الآخرين في العراق وسوريا.

ويرى بعض المحللين أن "إيران لا تسيطر فعليا على الحوثيين" حتى تجبرهم على إيقاف تلك الهجمات، فيما يعتقد آخرون أن تواصل هجمات الحوثي يمثل "لعبة استراتيجية إيرانية".

ويقول علي البخيتي، المتحدث السابق باسم الحوثيين والذي انشق عن الجماعة وتحول لمعارض قبل نحو عقد من الزمن، إن "إيران لا تسيطر على الحوثي".

ويضيف البخيتي في حديثه لموقع قناة "الحرة"، أن "الحوثيين قرارهم مستقل وليسوا مثل بقية جماعات إيران المسلحة في العراق وسوريا".

ويذهب مدير مشروع إيران بمجموعة الأزمات الدولية، علي واعظ، في الاتجاه ذاته بقوله إن "الإيرانيين لا يستطيعون كبح جماح الحوثيين".

ويقول واعظ لصحيفة "وول ستريت جورنال"، إنه "من غير المرجح أن يتبع الحوثيون أي توجيه من طهران للحد من هجماتهم"، مردفا: "نرى الآن في العراق أنهم تمكنوا على الأقل من وقف الهجمات على القوات الأميركية - ربما مؤقتا، ولكن هذا التأثير لا يمكن ممارسته على الحوثيين".

وفي الأسبوع الماضي، نقلت وكالة رويترز عن عدة مصادر إيرانية وعراقية قولها، إن زيارة قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني، إلى بغداد، أدت إلى توقف الهجمات التي تشنها فصائل متحالفة مع إيران في العراق على القوات الأميركية.

ووصفت المصادر هذا بأنه علامة على رغبة طهران في الحيلولة دون نشوب صراع أوسع نطاقا.

وقالت المصادر إن "قاآني التقى بممثلي عدة فصائل مسلحة في مطار بغداد يوم 29 يناير"، أي بعد أقل من 48 ساعة من اتهام واشنطن لهذه الفصائل بالوقوف وراء مقتل 3 جنود أميركيين في موقع البرج 22 العسكري بالأردن.

ولم يوافق أحد هذه الفصائل في البداية على طلب قاآني، وفق رويترز، لكن معظم الفصائل الأخرى وافقت. وفي اليوم التالي، أعلنت جماعة كتائب حزب الله المتحالفة مع إيران أنها ستعلق هجماتها.

وتشكل الجماعات المدعومة من إيران ما يسمى بـ "محور المقاومة"، وهو تحالف من الميليشيات المسلحة التي تضم حماس في غزة، وحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، وكتائب حزب الله في العراق وسوريا. 

وتستخدم طهران هذه المليشيات التي تدعمها بالمال والسلاح لنشر نفوذها في جميع أنحاء المنطقة، وتكون بمثابة خط دفاع أمامي ضد الولايات المتحدة وإسرائيل.

"اختلافات أيدولوجية"

ويرجع البخيتي الذي يقيم حاليا في لندن، أسباب عدم سيطرة إيران على الحوثي "للاختلافات الأيدولوجية في الزيدية والاثنى عشرية"، وهما فرعان من فروع الإسلام الشيعي.

ويقول إن إيران والحوثيين "في تحالف سياسي، لكن مرجعيتهم الدينية مختلفة.. الحوثيون هم زيديون يعتبرون الاثنى عشرية مذهب باطل والعكس صحيح، وهذا يجعل كل طرف مستقل في إرادته".

واستطرد قائلا: "عبد الملك الحوثي يرى نفسه موازيا لـ (علي) خامنئي ولا يمكن أن يقبل على نفسه وعلى جماعته تلقي الأوامر" من المرشد الإيراني.

"لعبة استراتيجية"

وفي اتجاه آخر، يعتقد رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، محمد أبو النور، أن تراجع الهجمات في العراق وسوريا مقابل ارتفاع وتيرتها في البحر الأحمر "لعبة استراتيجية" من جانب طهران.

ويقول أبو النور في حديثه لموقع "الحرة"، إن "تراجع حدة الهجمات الإيرانية وهجمات الجماعات التابعة لإيران في العراق وسوريا، يأتي "في إطار استراتيجية تحريك القطع على رقعة الشطرنج بحيث تتراجع قطعة إذا تقدمت قطعة أخرى، وعدم الدفع بكل القطع والأدوات في وقت واحد".

ويشير إلى أن "تراجع الهجمات في العراق وسوريا تزامن مع اشتداد وتيرة التصعيد على الجبهة الشمالية الإسرائيلية عن طريق حزب الله، وكذلك اشتداد التصعيد على جبهة البحر الأحمر قبيل وأثناء انطلاق عملية (الدرع الأوروبية)"، مما يعني، وفقا لأبو النور، أن "إيران لم تفقد السيطرة على الحوثي؛ لكنها تستخدم تلك الورقة في الظرف الراهن بضراوة لصرف الأنظار عن حالة الكمون الاستراتيجية التي دخلت فيها القطع الإيرانية في كل من سوريا والعراق"، على حد تعبيره.

والتقى وزير الخارجية الإيراني، أمير حسين عبد اللهيان، خلال زيارته الثالثة إلى لبنان منذ اندلاع الحرب في غزة بأمين عام حزب الله اللبناني، حسن نصر الله، خلال وقت سابق من فبراير الجاري، ووعد بمواصلة دعم طهران للجماعة، المصنفة على قائمة الإرهاب الأميركية.

وعلى الرغم من أنها تمول وتدرب من قبل إيران، فإن المجموعات المسلحة تعمل "بشكل مستقل وخارج جهاز الأمن الرسمي في طهران"، بحسب صحيفة "واشنطن بوست". 

وسمح لهم هذا الترتيب بتعزيز أهداف السياسة الإيرانية، مع عزل طهران عن المسؤولية المباشرة – والانتقام المحتمل – عن أفعالهم، وفق الصحيفة.

ومع ذلك، يعتقد البخيتي أن إيران "يمكن لها التأثير على الحوثي"، لكنه شدد على ضرورة التفريق بين "التأثير المتبادل وإصدار التوجيهات".

"محاولة انتزاع تنازلات"

وبعد أن أدت هجماتهم لاضطرابات في حركة الملاحة البحرية في منطقة البحر الأحمر، شنت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ضربات جوية على مواقع تابعة للحوثيين في اليمن.

كما تشن واشنطن بمفردها بين الفينة والأخرى، ضربات على صواريخ معدة للإطلاق على السفن في مناطق سيطرة الحوثيين، وهي الجماعة التي أعادت الولايات المتحدة تصنيفها في قائمة الإرهاب.

القرار بتصنيف الحوثيين جماعة إرهابية يدخل حيز التنفيذ لجمعة (أرشيفية)
كيف سيتأثر الحوثيون بتصنيفهم جماعة إرهابية؟
مع إعادة الولايات المتحدة لجماعة الحوثي إلى قائمة الجماعات الإرهابية، يدخل اليمن في مرحلة جديدة تستهدف من خلالها واشنطن عرقلة "تمويل العمليات الإرهابية" بسبب ما أحدثته هذه الجماعة المرتبطة بإيران من تعطيل لحركة التجارة في البحر الأحمر.

ومع ذلك، لم تتوقف هجمات جماعة الحوثي، وهي التي تواصل مفاوضاتها مع السعودية بشأن إنهاء الحرب في اليمن.

وتقول صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في تحليل لها نشر، الثلاثاء، إن "الحوثيين يعتزمون استغلال المواجهة مع قوات التحالف في البحر الأحمر لانتزاع تنازلات لصالحهم، لا علاقة لها بالموقف الإيراني".

وتضيف الصحيفة: "بالتالي ليس من المؤكد أنه إذا تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، فإن الحوثيين سينضمون إليه في ساحتهم الخاصة، حتى لو طلبت إيران منهم وقف هجماتهم".

وفي هذا الإطار، يرى البخيتي أن "الولايات المتحدة تدرك جيدا أن إيران لا تسيطر على الحوثي، ولا يمكن لطهران توجيه أوامرها للحوثي لإيقاف هجمات البحر الأحمر، بعكس قدرتها على إيقاف الهجمات في العراق وسوريا".

ويعرب البخيتي عن اعتقاده بأن "تستمر الهجمات" على السفن التجارية في البحر الأحمر، قائلا إن "الحوثي يتمنى مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، لاستغلالها في إحياء شعارات الجماعة" المتماشية مع توجهات ما يعرف بـ"محور المقاومة".

هجمات الحوثيين أدت لتعطيل الملاحة في البحر الأحمر وبحر العرب
هجمات الحوثيين أدت لتعطيل الملاحة في البحر الأحمر وبحر العرب

فرضت الولايات المتحدة، الأربعاء، عقوبات على فرد وثلاث شركات سهّلت عمليات شراء الأسلحة وتهريبها لصالح الحوثيين.

وذكر المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر في بيان أن "هؤلاء الميسّرين والموردين مكنوا الجماعة الإرهابية من الحصول على مواد ومكونات ذات استخدام مزدوج ودرجة عسكرية مطلوبة لتصنيع وصيانة ونشر الصواريخ المتقدمة والطائرات بدون طيار التي تهدد مصالح الولايات المتحدة وحلفائنا."

كما أعلن ميلر عن فرض الولايات المتحدة عقوبات على كيان واحد مرتبط بشحنات تجارية حوثية غير مشروعة، فضلا عن فرض عقوبات على سفينتين تابعتين لذلك الكيان، بما في ذلك سفينة نقلت شحنات نيابة عن شبكة المسؤول المالي الحوثي سعيد الجمل وأحد الشركات التابعة لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية.

وأوضح البيان أن "الحوثيين يعتمدون على سلاسل التوريد العالمية وتأمين الإيرادات غير المشروعة لدعم هجماتهم المتهورة ضد السفن التجارية في الممرات المائية الحيوية والسكان المدنيين".

وشدد أن الولايات المتحدة ستواصل استهداف أولئك الذين يدعمون محاولات الحوثيين لزعزعة الاستقرار والسلام والأمن الإقليميين، فضلا عن تهديد أرواح الأبرياء وحرية الملاحة.

ويواصل الحوثيون منذ نوفمبر شنّ هجمات بالصواريخ والمسيّرات بدأت أولاً على سفن تجارية في البحر الأحمر وبحر العرب يعتبرون أنها مرتبطة بإسرائيل أو متجهة إلى موانئها، ويقولون إن ذلك يأتي دعما للفلسطينيين في قطاع غزة في ظل الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس منذ السابع من أكتوبر الماضي.

وأدت هجماتهم إلى تعطيل الملاحة في هذه المنطقة البحرية الأساسية في التجارة العالمية، ما دفع الولايات المتحدة إلى إنشاء تحالف بحري دولي وتنفيذ ضربات على أهداف للمتمردين في اليمن شاركت بريطانيا في بعضها.