الحوثيون يغرقون السفينة "توتور" باستخدام المتفجرات
الحوثيون يغرقون السفينة "توتور" باستخدام المتفجرات

أدى إغراق ناقلة فحم بعد استهدافها بزورق مسير أطلقه المتمردون الحوثيون في اليمن، الأسبوع الماضي، إلى زيادة المخاطر بمضيق باب المندب ورفعها إلى "مستوى جديد"، يحسب تقرير لوكالة "بلومبيرغ" الأميركية.

وقبل أسبوع، أصيبت السفينة التجارية "توتور" التي تملكها شركة يونانية بأضرار أثناء إبحارها في البحر الأحمر، وذلك بعد هجوم شنته الجماعة المسلحة باستخدام زورق مسيّر قبالة السواحل اليمنية، مما أسفر عن مقتل أحد أفراد الطاقم وإصابة آخرين، قبل أن يتم إغراقها بالمتفجرات، حسبما قالت الجماعة المدعومة من إيران.

والثلاثاء، قالت البحرية البريطانية إن آخر شيء مرئي ظهر في موقع الناقلة "توتور" عندما كانت شبه مغمورة بالمياه، بعض الحطام وبقع نفط.

ومنذ نوفمبر الماضي، يشن المتمردون الحوثيون هجمات انطلاقا من اليمن، بطائرات مسيّرة وصواريخ على سفن تجارية في البحر الأحمر والمحيط الهندي، "تضامنا مع الفلسطينيين" في حرب غزة، قائلين إنهم يحاولون استهداف السفن الإسرائيلية أو المرتبطة بإسرائيل.

لكن الكثير من السفن التي هاجموها ليست إسرائيلية أو متجهة إلى إسرائيل. وذكرت "بلومبيرغ" أن هذ العملية تعد أول هجوما ناجحا باستخدام زوارق مسيرة.

"ارتفاع تكلفة التأمين"

وبحسب "بلومبيرغ"، ارتفعت أسعار التغطية التأمينية لعبور السفن في البحر الأحمر كنسبة مئوية من قيمة السفينة نتيجة الهجوم الأخير إلى حوالي 0.6 بالمئة من مستوى كان يتراوح بين 0.3 و0.4 بالمئة وفقا لشخصين فاعلين في سوق.

وهذا يعني أن السفينة التي تبلغ قيمتها 50 مليون دولار سيتعين عليها دفع 300 ألف دولار مقابل رحلة مرور واحدة.

ومع ذلك، وفق الوكالة، فإن هذا المعدل أقل قليلا من الذروة التي وصل إليها خلال وقت سابق من هذا العام عندما تصاعدت الهجمات.

ويُعد إغراق السفينة التي كانت تنقل الفحم بمثابة تذكير "صارخ" بالتهديد المتزايد الذي يشكله المسلحون على السفن في المنطقة، حيث قال ديرك سيبلز، وهو أحد كبار المحللين في شركة "ريسك إنتليغنس"، "إنه مؤشر آخر على أن الحوثيين يكثفون هجماتهم على تلك السفن التي تم تحذيرها من المرور عبر البحر الأحمر".

ولا تدفع جميع السفن أقساط التأمين المرتفعة، إذ نقلت "بلومبيرغ" عن بعض الأشخاص الفاعلين في السوق، قولهم إن السفن الصينية لا تزال تحصل على خصم كبير، "على الأرجح لأنها أقل عرضة للاستهداف المتعمد حتى الآن".

منذ 19 نوفمبر نفذ الحوثيون المدعومون من إيران، عشرات الهجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر وبحر العرب
"انخفاض كارثي" بحركة الشحن.. والحوثيون يهاجمون السفن بزوارق مسيّرة
استخدم المتمردون الحوثيون في اليمن، زورقا مسيّرا يتم التحكم فيه عن بعد لمهاجمة سفينة مملوك لليونان، الأسبوع الماضي، مما أجبر طاقم السفينة على إخلائها، وسط تقارير تتحدث عن "انخفاض كارثي" في حركة الشحن بالبحر الأحمر.

"تهديدات القوارب المسيّرة"

ويقول صامويل كراني إيفانز، الزميل المشارك بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI)، وهو مركز أبحاث مقره لندن، إن "تزايد التهديدات يعتمد على العدد الذي يمكن إنتاجه من القوارب المسيّرة".

ويضيف إيفانز أن اعتراض الزوارق المسيرة "ليس بنفس صعوبة الصواريخ الباليستية؛ فهناك متسع من الوقت طالما تم اكتشاف التهديد مبكرا".

وكانت سفينة "توتور"، حديثة للغاية، إذ تم بناؤها في أواخر عام 2022، وهي قادرة على نقل حوالي 80 ألف طن من الفحم، وتقدر قيمتها بحوالي 37.5 مليون دولار في حال كانت جديدة، وفقا لبيانات من شركة "كلاركسون" المزودة لخدمات الشحن.

ولم تكن "توتور"، السفينة الوحيدة ذات القيمة التي أغرقت، حيث تعرضت السفينة "روبيمار" التي تم بناؤها عام 1997، للغرق في مارس الماضي، بعد هجوم شنه الحوثيون خلال حملتهم الحالية.

ووفق الوكالة، فإن ما يقرب من 9 بالمئة من التجارة العالمية المنقولة بحرا مر عبر باب المندب العام الماضي، غير أنه من المتوقع أن ينخفض ​​هذا الرقم في عام 2024.

وقالت 14 مجموعة تجارية للشحن في بيان الأربعاء إن "هذا وضع غير مقبول، ويجب أن تتوقف هذه الهجمات الآن. لقد سمعنا الإدانة ونقدر كلمات الدعم، لكننا نسعى بشكل عاجل إلى اتخاذ إجراءات لوقف الهجمات غير القانونية على هؤلاء العمال وهذه الصناعة الحيوية".

وتشن القوات الأميركية والبريطانية ضربات على مواقع تابعة للحوثيين في اليمن منذ يناير الماضي، في محاولة ردعهم و"حماية" الملاحة البحرية.

وأعلنت القيادة المركزية الأميركية "سنتكوم"، الأربعاء، تدمير طائرتين مسيرتين في البحر الأحمر بالإضافة إلى محطة تحكم أرضية ووحدة قيادة وسيطرة في منطقة خاضعة لسيطرة الحوثيين في اليمن.

موقع سقوط الصاروخ في تل أبيب الذي أطلق من اليمن الأحد
موقع سقوط الصاروخ في تل أبيب الذي أطلق من اليمن الأحد

في تطور دراماتيكي للصراع في الشرق الأوسط، أطلقت جماعة الحوثي اليمنية صاروخا باليستيا من اليمن إلى وسط الأراضي الإسرائيلية، الأحد، في أول هجوم من نوعه على هذا العمق.  

وحذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في تعليقه على الهجوم بأن جماعة الحوثي "يجب أن تدرك أنها ستدفع ثمنا باهظا لأي هجوم على الأراضي الإسرائيلية".

ووفقا للمتحدث العسكري باسم الحوثيين، يحيى سريع، فإن "الصاروخ الذي تم إطلاقه كان من طراز "فرط صوتي"، وقد قطع مسافة 2040 كيلومترا في 11 دقيقة ونصف.

وقال سريع إن دفاعات إسرائيل فشلت في اعتراضه بشكل كامل، في حين أشار مسؤول عسكري إسرائيلي إلى أن الصاروخ أصيب بصاروخ اعتراضي، لكنه لم يتم تدميره بالكامل، ما أدى إلى تساقط إجزاء من حطامه في مناطق مفتوحة وقرب محطة سكك حديدية، دون تسجيل إصابات مباشرة باستثناء إصابات طفيفة لأشخاص أثناء محاولتهم الاحتماء.

وأوضح الأستاذ في جامعة الدفاع الوطني الأميركية، ديفيد دي روش، في مقابلة مع قناة "الحرة"، أن الصاروخ الذي أطلقه الحوثيون كان صاروخا باليستيا تقليديا وليس فرط صوتي كما ادعت الجماعة.

وأشار إلى أن اعتراض الصاروخ تم بواسطة نظام "آرو 2" وليس "القبة الحديدية"، المتخصصة في الصواريخ قصيرة المدى.

وأكد دي روش أن الهجوم يعكس تصاعدا ملحوظا في قدرات الحوثيين على استهداف عمق إسرائيل، لكنه لا يزال ضمن نطاق الأسلحة التقليدية.

ورغم أن الحوثيين أعلنوا أن الصاروخ الجديد كان فرط صوتي، فإن دي روش أكد أن الصواريخ الفرط صوتية تتطلب قدرات إضافية للمناورة، وهو ما لم يظهر في هذا الهجوم. لكن الهجوم بحد ذاته يمثل تحديا كبيرا لإسرائيل، وقد يدفعها إلى توسيع قائمة أهدافها العسكرية في اليمن.

تصاعد القلق الإسرائيلي

أعقب الهجوم تحذيرات قوية من إسرائيل بشأن الرد المتوقع.

ويرى المستشار السابق لوزير الدفاع الإسرائيلي، ألون أفيتار، في حديث لقناة "الحرة"، أن وصول صاروخ من اليمن إلى وسط البلاد "بالتأكيد حادث سيئ لإسرائيل، ولكنه في النهاية صاروخ واحد فقط وليس عددا كبيرا من الصواريخ".

وقال إن "هذا الحادث رغم أنه يمثل اختبارا للقدرات الدفاعية الإسرائيلية، فإن القيادة وسلاح الجو يعملان على التحقيق في ما حدث للوصول إلى استنتاجات مهنية وتحسين نظام الدفاع الجوي".

وأضاف أن "الرد الإسرائيلي سيأتي في الوقت والمكان المناسبين"، ما يزيد من حالة الغموض التي تحيط بالتوقيت المتوقع لهذا الرد ويزيد من قلق الحوثيين".

وأشار نتانياهو الأحد إلى الضربة التي نفذتها إسرائيل على ميناء الحديدة اليمني في يوليو الماضي، ردا على هجوم بطائرة مسيرة حوثية استهدفت تل أبيب.

ويبدو أن هذا التصعيد يشير إلى استعداد إسرائيل لتكرار هذه الضربات في حال استمرت الهجمات من اليمن.

توسيع دائرة الصراع

وقال الحوثيون الأحد، إن الهجوم الأخير على إسرائيل جاء ردا على "العدوان الإجرامي" على مدينة الحديدة. وأكد أن الحوثيين سيواصلون تنفيذ ضربات إضافية في المستقبل، مما يزيد من احتمالية تصعيد الصراع في المنطقة.

هجوم حوثي على تل أبيب

هل يتوسع نطاق "حارس الازدهار"؟

ومن المتوقع أن تدفع هذه الأحداث الدول الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، إلى إعادة النظر في استراتيجياتها في المنطقة.

ومنذ نوفمبر، ينفذ الحوثيون المدعومون من إيران، هجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر وبحر العرب يشتبهون بأنها مرتبطة بإسرائيل أو متّجهة إلى موانئها، ويقولون إن ذلك يأتي دعما لقطاع غزة الذي يشهد حربا بين حركة حماس وإسرائيل منذ السابع من أكتوبر الماضي.

ميناء الحديدة تلقى ضربات إسرائيلية السبت
صحيفة إسرائيلية نقلا عن مسؤول: الغارات في اليمن تمت دون مشاركة أميركية
بعد قصف طائرات إسرائيلية أهدافا عسكرية تابعة للحوثيين، تنامت الاتهامات بمشاركة أطراف أخرى في الهجوم، مثل القوات الأميركية، أو حتى بمساهمة غير مباشرة من دول عربية بالسماح للطيران الإسرائيلي بالتحليق في أجوائها.

وفي مواجهة هجمات الحوثيين، أنشأت الولايات المتحدة تحالفا بحريا متعدد الجنسيات لحماية الملاحة في البحر الأحمر في ديسمبر يحمل اسم "حارس الازدهار"، بينما أطلق الاتحاد الأوروبي مهمة مماثلة في فبراير،  باسم "أسبيدس"، لمدّة عام قابلة للتجديد.

وردا على السؤال عما إذا كان تحالف "حارس الازدهار" قد يوسع عملياته ضد الحوثيين، أشار دي روش إلى أن الإدارة الأميركية تحت قيادة الرئيس جو بايدن كانت حذرة في توسيع تدخلها العسكري في اليمن بسبب الاعتبارات السياسية الداخلية.

وقال: "حتى الآن، كانت الأهداف الأميركية تقتصر على ضربات محدودة ضد مخازن الأسلحة التي تهدد الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، دون توسيع نطاق الأهداف ليشمل منصات الصواريخ أو مواقع القيادة والسيطرة".

ويرى دي روش أن التركيز الآن ينصب على الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في الخامس من نوفمبر، "وبعدها سيكون هناك إعادة تفكير في "حارس الازهار" وسيتم اتخاذ قرار بما إذا كان سيتم توسيع قائمة الأهداف أم لا".

وأضاف: "إذا كان هناك نزاع عام بين إسرائيل وحزب الله وانضم الحوثيون، قد يكون رد الفعل مختلفا، ولكن لا أظن أن الولايات المتحدة ستبادر الآن بالقيام بهذا الأمر".

وأوضح أن "إطلاق صاروخ باليستي ضد إسرائيل، هو أمر ذو مغزى ولكنه ليس ذو مغزى بالقدر الكافي الذي يستدعي ردا أميركيا".