الهجمات من الحوثيين أثرت على حركة الملاحة في البحر الأحمر. أرشيفية
الهجمات من الحوثيين أثرت على حركة الملاحة في البحر الأحمر. أرشيفية

يقترب  الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب من تسلم سلطاته في البيت الأبيض، في ظل تحديات دولية معقدة، أبرزها هجمات الحوثيين على الملاحة البحرية في البحر الأحمر. فما هي خيارات الإدارة الأميركية الجديدة لصد هذا الخطر؟

المحلل السياسي والعسكري الأميركي في معهد هدسون، ريتشارد وايتز، يرى أنه لا يمكن النظر إلى السياسة الخارجية الأميركية في عهد الرئيس المنتخب ترامب تجاه الحوثيين بمعزل عن إيران.

ويوضح في حديث لموقع "الحرة" أن سياسة واشنطن تجاه الحوثيين "ستكون بالضرورة حازمة، ولكنها ستكون متدرجة باتخاذ عقوبات أقصى عليهم، والحد من مواردهم المالية، ناهيك عن التوقعات بإعادة تصنيفهم كمنظمة إرهابية".

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، التزمت بحماية حركة الملاحة في البحر الأحمر، ضد الهجمات من الجماعة التي تتلقى الدعم من إيران.

اندلع النزاع في اليمن، في عام 2014، مع سيطرة المتمردين الحوثيين على مناطق شاسعة في شمال البلاد بينها العاصمة، صنعاء

وأضاف وايتز بالتأكيد واشنطن ستفرض الكثير من "العقوبات الشديدة على إيران ووكلائها في المنطقة، ومن بينهم الحوثيين، وهذا سيكون باتجاهين".

وبدأ الحوثيون في نوفمبر 2023، شن هجمات بالصواريخ والمسيرات في البحر الأحمر وبحر العرب بدأت أولا على سفن تجارية يعتبرون أنها مرتبطة بإسرائيل أو متجهة إلى موانئها، مؤكدين أن ذلك يأتي دعما للفلسطينيين في قطاع غزة في ظل الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس منذ السابع من أكتوبر من العام الماضي.

وأعلنوا لاحقا بدء إطلاق صواريخ ومسيرات باتجاه إسرائيل.

استهداف الموارد المالية

"السلام من خلال القوة"، هكذا يتوقع المحلل الأمني المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في واشنطن، محمد الباشا،  سياسة ترامب الخارجية في الشرق الأوسط وتجاه الحوثيين خلال ولايته الثانية.

ويرجح الباشا وهو مؤسس مجموعة "الباشا ريبورت" الاستشارية ومقرها واشنطن أن إدارة ترامب ستعمل على "عزل الحوثيين دبلوماسيا وسياسيا وماليا، من خلال فرض عقوبات تستهدف تجفيف مواردهم المالية بدلا من التصعيد العسكري".

الخارجية الأميركية أكدت أن هجمات الحوثيين "لا تفعل شيئا لمساعدة الفلسطينيين" (أرشيفية)

وتابع الباشا أن واشنطن قد تجري "إعادة تقييم شاملة للمساعدات الأميركية لليمن، لا سيما في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، مما قد يؤدي إلى تخفيضات كبيرة في التمويل، إذ أن الولايات المتحدة هي الممول الأول لخطة الاستجابة الإنسانية الأممية لليمن".

وأضاف أن مواقف كبار الذين اختارهم ترامب بمن فيهم وزير الخارجية ماركو روبيو، ومستشار الأمن القومي مارك والتز، وسفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة إليز ستيفانيك تشي بأن "يتم إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية خلال أول 100 يوم من ولايته".

وحذر تقرير أعده خبراء في الأمم المتحدة ونشر مطلع نوفمبر من أن الحوثيين في اليمن يتحولون إلى "منظمة عسكرية قوية" توسع قدراتها التشغيلية بفضل دعم عسكري "غير مسبوق" خصوصا من جانب إيران وحزب الله.

وأشار التقرير إلى "تحول الحوثيين من جماعة مسلحة محلية محدودة القدرات، إلى منظمة عسكرية قوية، حيث توسع نطاق قدراتهم التشغيلية متجاوزا بكثير حدود الأراضي الخاضعة لسيطرتهم".

"أحجية أمام ترامب" 

صورة أرشيفية لعنصرين من مسلحي الحوثي (رويترز)

سياسة ترامب تجاه الحوثيين قد "يحددها الحوثيون أنفسهم، إذ أن أفعالهم هي التي ستحدد الطريقة التي ستذهب بها الإدارة المقبلة للتعامل معهم"، على ما يؤكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، ريتشارد تشازدي، في تصريحات لموقع "الحرة".

وتابع أن هذه السياسة ستحددها أيضا تصرفات إيران، فإذا نشطت طهران وكلائها، هذا سيجعل واشنطن تتجاوب بطريقة حازمة معهم جميعا.

وقال إن ترامب عليه أن يتعامل مع واقع مختلف في الشرق الأوسط عما كانت عليه الأمور في إدارته الأولى، إذ أن السعودية التي كانت تقود تحالفا ضد الحوثيين أصبحت في تقارب أكبر مع إيران بوساطة صينية، ناهيك عن رغبتها في الانسحاب بأي شكل من الحرب في اليمن.

وحشدت السعودية عام 2015 تحالفا دوليا في اليمن دعما للحكومة المعترف بها دوليا، بعد أن استولى الحوثيون المدعومون من إيران على العاصمة صنعاء في العام السابق.

وأسفرت الحرب في اليمن عن مقتل مئات الآلاف، وفق الأمم المتحدة، إما بسبب القتال أو لأسباب غير مباشرة مثل نقص الغذاء.

وتراجعت الأعمال العدائية في اليمن بشكل كبير في أبريل 2022 مع دخول هدنة لمدة ستة أشهر توسطت فيها الأمم المتحدة حيز التنفيذ، وبقيت عند مستوى منخفض منذ ذلك الحين.

وقال الأكاديمي تشازدي إن التغييرات الجيوسياسية ستكون أشبه بـ "أحجية" أمام ترامب، خاصة في ظل ما يحصل في لبنان وغزة والبحر الأحمر، إذ قد تتطلب منه الأحداث "تسريع وتيرة الهجمات المباشرة ضد الحوثيين، ما قد يتطلب تعزيز القوات العسكرية الأميركية الموجودة في البحر الأحمر، وهو ما يتعارض مع سياسة ترامب الانعزالية في سحب القوات الأميركية من الكثير من المناطق حول العالم".

من الدفاع إلى الهجوم

حاملة الطائرات يو إس إس دوايت دي أيزنهاور بالبحر الأحمر ـ صورة أرشيفية.

ويستبعد وايتز أن تتجه واشنطن لشن حرب على الحوثيين أو على إيران، مشيرا إلى أن حتى من اختارهم ترامب لإدارة ملف السياسة الخارجية في إدارته، غير متحمسين للحروب، بقدر ما سيتم استخدام سياسة الضغط الأقصى من خلال العقوبات لدفع إيران، لتغيير سياساتها في المنطقة، وهو ما يعني تغيير سياسات الحوثيين.

ونوه إلى أن هذا لا يعني أن واشنطن لن ترد على أي هجمات من إيران ووكلائها، التي تستهدف أمن البحر الأحمر أو إسرائيل أو حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.

ولمحاولة ردعهم، تشن القوات الأميركية والبريطانية بشكل مشترك أو الجيش الأميركي وحده، ضربات على مواقع تابعة لهم في اليمن منذ 12 يناير.

لكن هجمات الحوثيين على السفن التجارية استمرت رغم تلك الغارات. كما اعتبروا بعد بدء هذه الضربات الغربية، أن السفن الأميركية والبريطانية باتت أهدافا مشروعة لهم.

التصعيد ضد الحوثيين في حالة واحدة

القوات الأميركية تستهدف مواقع الحوثيين لحماية ممرات الملاحة

ولا يعتقد الأكاديمي تشازدي أن إدارة ترامب ستحجم عن استخدام القوة ضد الحوثيين وإيران، مشيرا إلى أن حديث ترامب عن "أنه لن يكون هناك حرب خلال عهده" ما هو "إلا للاستهلاك المحلي وشعار لجذب الناخبين الأميركيين".

وقال إن "ترامب بالنهاية تحكمه حسابات العلاقات والمصالح، أكان ذلك على الصعيد الشخصي وحتى الرسمي"، مؤكدا أنه "من غير المنطقي الإدلاء بتصريحات أن الولايات المتحدة لن تخوض حربا خلال السنوات الأربعة المقبلة".

ومنذ بدء هجمات الحوثيين على السفن، أدى أكثر من مئة هجوم إلى مقتل أربعة بحارة وإغراق سفينتين في حين ما زال الحوثيون يحتجزون إحدى السفن مع أفراد طاقمها.

ولا يتوقع المحلل الباشا أن تتحول سياسة واشنطن البحر الأحمر "من الدفاع إلى الهجوم" إلا إذا استمر الحوثيون في استهداف السفن البحرية أو الأفراد العسكريين الأميركيين أو المصالح الأميركية، وذلك تماشيا مع نهج ترامب الحازم في السياسة الخارجية واستعداده للرد بشكل حاسم على التهديدات.

ويعتقد أنه إذا استمر الحوثيون في شن الهجمات قد توجه واشنطن ضربات مباشرة أو بعيدة المدى ضد قيادات الحوثيين كوسيلة للردع، ورغم تأكيد ترامب تجنب شن الحروب واسعة النطاق، إلا أن سجله في إدارته الأولى تضمن تصفية قائد فيلق القدس قاسم سليماني بالعراق، وهو ما قد يعني استعداده لاستخدام القوة لحماية المصالح الأميركية دون الانخراط في صراع طويل الأمد.

ويشرح الباشا أن الرئيس المنتخب، ترامب خلال ولايته الأولى، تحالفه مع "السعودية والإمارات لزيادة الضغط على الحوثيين وداعميهم الإيرانيين، وهي استراتيجية من المحتمل أن تستمر"، منوها إلى أن الرياض وأبوظبي لم يعد لديها بمزيد من العمليات العسكرية ضد الحوثيين، مما يعزز أيضا خفض فرضية التدخل العسكري الأميركي واسع النطاق".

ويقول إن الولايات المتحدة قد تشن هجوما، أو تتجه للتصعيد في البحر الأحمر في حالة واحدة "إذا تسبب هجمات الحوثيين في إلحاق الأذى بالأفراد الأميركيين أو السفن الحربية".

وعلى غرار ما يتوقع أن يحدث في حرب أوكرانيا بأن يطالب ترامب حلف الناتو والاتحاد الأوروبي بتولي دور أكبر، سيطالب أيضا بدور أكبر منهم في عمليات البحر الأحمر، خاصة وأن ممرات الملاحة والتجارة في هذه المنطقة تؤثر على أوروبا والصين أكثر من الولايات المتحدة، وسيدعو إلى مساهمات دولية أكبر لتأمين هذه الطرق التجارية الحيوية، بحسب الباشا.

ودفعت هجمات الحوثيين بعض شركات الشحن إلى الالتفاف حول جنوب إفريقيا لتجنب عبور البحر الأحمر، وهو طريق حيوي يمر عبره 12 في المئة من التجارة العالمية.

نازحون في اليمن
آلاف اليمنيين يواصلون النزوح بسبب الأوضاع الاقتصادية والأمنية بالبلد

أعلنت منظمة الهجرة الدولية أن أكثر من 20 ألف شخص نزحوا داخلياً في اليمن، منذ بداية العام 2024 الجاري.

وقالت المنظمة، في تقرير الاثنين، إنها رصدت 3 آلاف و411 أسرة تتكون من 20 ألفا و466 شخصاً، نزحت مرة واحدة على الأقل خلال الفترة بين 1 يناير و30 نوفمبر 2024.

وأضاف التقرير أن معظم الأسر النازحة منذ بداية العام سُجلت في محافظة مأرب بالغة ألفا و506 أسر، تضم 9 آلاف و36 شخصاً، تليها الحديدة بـ799 أسر (4 آلاف و794شخصاً)، ثم تعز التي شهدت نزوح 762 أسرة (4 آلاف و572 شخصاً)، ولحج بـ281 أسرة (ألف و686 شخصاً)، والضالع بـ50 أسرة (300 شخصاً)، بالإضافة إلى 8 أسر (48 شخصاً) في شبوة و5 أسر (30 شخصاً) في حضرموت.

ووفق التقرير، فإن حالات النزوح المسجلة الأسبوع الماضي تمثل انخفاضاً بنسبة 30 في المئة عن الأسبوع السابق له.

وأشارت منظمة الهجرة الدولية إلى أن العوامل الاقتصادية المرتبطة بالنزاع كانت السبب الرئيس وراء مغادرة 55 في المئة من الأسر النازحة لمناطقها الأصلية من إجمالي حالات النزوح المسجلة خلال الأسبوع المنقضي، فيما دفعت المخاوف والتهديدات الأمنية 45 في المئة من الأسر النازحة إلى مغادرة أماكن إقامتها.