عمليات البحث عن ناجين عالقين تحت أنقاض مبنى مدمر في ديار بكر التركية.
عمليات البحث عن ناجين عالقين تحت أنقاض مبنى مدمر في ديار بكر التركية.

تدخل تركيا يومها الثاني مع الكارثة التي خلفها الزلزال المدمّر بأعداد كبيرة من الضحايا والمباني المنهارة وآلاف العائلات المفجوعة، وبينما تواصل فرق البحث والإنقاذ عملها في أكثر من 10 مناطق متضررة، حذّر خبراء في حديثهم لوسائل إعلام تركية من خطر بات يواجه العالقين تحت الأنقاض، ويتمثل بانخفاض حرارة الجسم. 

وتزامن الزلزال الذي ضرب وسط وجنوب تركيا وسوريا بقوة 7.7 درجات مع عاصفة ثلجية تضرب عدة ولايات تركية، الأمر الذي ضاعف من حدة الكارثة، لتكون "مزدوجة". 

وفي حين أجبرت عائلات كثيرة على ترك منازلها خوفا من الهزات الارتدادية وآثارها، باتت مضطرة لقضاء الليلة الأولى في الشوارع بمواجهة البرد والصقيع ودرجات حرارة بالقرب من الصفر، وكذلك الأمر بالنسبة للعالقين، الذين يفتقدون أدنى مقومات البقاء على قيد الحياة. 

ووفق آخر إحصائيات "هيئة الكوارث والطوارئ التركية" (آفاد) ارتفع عدد الضحايا إلى 2316 قتيلا و13293 مصابا، فيما سجّلت فرق الإنقاذ والبحث انهيار 6216 مبنى، وانتشلت 7840 شخصا، وهم أحياء. 

وأعلن أورهان تتار، مدير عام هيئة الكوارث أن "القوات المسلحة التركية كانت تعمل بـ 4470 جنديا، وأن طائرات الجيش أقلعت 100 مرة لنقل الأفراد والإمدادات إلى المناطق المتضررة". 

"الوقت ينفذ" 

ويقول الخبراء إن وقت عمال البحث والإنقاذ في تركيا بات "ينفذ"، حيث تهدد الثلوج والأمطار حياة الناجين تحت الأنقاض. 

ويوضح مهندس الأرصاد الجوية والمتخصص في إدارة الكوارث، ميقدات كادي أوغلو لصحيفة "صباح" المقربة من الحكومة إن عمال الإنقاذ سيحتاجون إلى الإسراع في عمليات البحث والإخلاء، مشيرا بالقول: "هناك سباق مع الزمن ويجب ألا ننسى مشكلة انخفاض درجة الحرارة".   

ويضيف كادي أوغلو: "في الظروف العادية مدة البقاء على قيد الحياة تحت الأنقاض 72 ساعة، أو 3 أيام، وحاليا تنشأ مشكلة انخفاض حرارة الجسم بسبب الظروف الجوية". 

"نظرا لترك الأشخاص دون حماية تحت الحطام، يحدث انخفاض حرارة الجسم في الليل، وخاصةً عندما تنخفض درجة حرارة الهواء كثيرا". 

ويتابع الخبير للصحيفة: "هناك سباق مع الزمن، والظروف الجوية وخطر الصقيع تجعل المشكلة أكثر إثارة للقلق". 

بدوره قال الدكتور سيرفار يلماز، رئيس غرفة أطباء هاتاي: "علينا أن نتحرك بسرعة للوصول إلى الضحايا"، مضيفا: "قد يموتون فقط بسبب الطقس البارد بدلا من الإصابات الفعلية التي يعانون منها". 

ويحدث انخفاض حرارة الجسم عندما تصل إلى أقل من 35 درجة مئوية، وتنتج عن عوامل مثل التعرض للمطر أو الرياح أو الثلج أو الماء البارد. 

ووفقا لتقارير توقعات الطقس الصادرة عن المديرية العامة للأرصاد الجوية، من المتوقع تساقط ثلوج في كهرمان مرعش وغازي عنتاب ومالاتيا وديار بكر وكيليس وشانلي أورفا وأديامان، ومن المتوقع هطول أمطار في هاتاي وعثمانية وأضنة. 

وبناءً على ذلك، من المتوقع أن يكون الطقس في كهرمان مرعش غائما جدا، مع تساقط الثلوج بشكل متقطع من وقت لآخر، وتكون أدنى درجة حرارة للهواء 0، وأعلى درجة حرارة للهواء 3 درجات. 

وستكون غازي عنتاب ثلجية يوم الثلاثاء، وستصل درجات حرارة الهواء فيها إلى حوالي 0 درجة صغرى، و 6 درجات عليا، وفي يومي الأربعاء والخميس سيكون الطقس غائما جزئيا. 

أما في هاتاي التي تضررت من الزلزال، من المتوقع الثلاثاء هطول أمطار غزيرة، على أن تصل درجة حرارة للهواء إلى 4 درجات والصغرى 9 درجات. 

"الأعلى منذ 23 عاما" 

وأرقام الضحايا المسجلين في تركيا حتى ساعة إعداد هذا التقرير هي أعلى حصيلة ضحايا زلزال في البلاد، منذ عام 1999، بقوة مماثلة في منطقة بحر مرمرة الشرقية المكتظة بالسكان بالقرب من إسطنبول، مما أسفر عن مقتل أكثر من 17 ألف شخص. 

وفي أعقاب الكارثة، أعلن الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، الاثنين، الحداد الوطني لمدة سبعة أيام، فيما وعدت أكثر من 40 دولة بإرسال خبراء ومساعدات، حسبما صرح رئيس هيئة إدارة الكوارث في تركيا، يونس سيزر. 

وأضاف إردوغان أن زلزال كهرمان مرعش كان أكبر كارثة بعد زلزال إرزنجان عام 1939 في القرن الماضي، وصرح: "آمل أن نترك هذه الأيام الكارثية وراءنا في الوحدة والتضامن كدولة وأمة". 

وقال نائب الرئيس التركي، فؤاد أقطاي، إن هذه الكارثة تحدث "مرة كل مائة عام" وإن بلاده يجب أن تكون مستعدة لارتفاع عدد القتلى. 

وأفاد وزير التعليم التركي بأن المدارس في جميع أنحاء مقاطعات البلاد البالغ عددها 81 ستغلق حتى 13 فبراير. 

من جهته أعلن وزير الدفاع التركي، خلوصي، أكار أنه سيتم إنشاء مستشفى ميداني متنقل في هاتاي لتلبية حاجة المتضررين، وصرح أنه تم تسليم الوجبات التي أعدت في مطابخ الثكنات لنحو 15 ألف ناج من الزلزال. 

عفراء تبتسم حتى للغرباء
قصة عفراء جذبت أنظار العالم وسط المآسي التي خلفها الزلزال المدمر

 الطفلة التي ولدت تحت أنقاض منزل أسرتها الذي دمره الزلزال المميت في تركيا وسوريا قبل ستة أشهر تتمتع الآن بصحة جيدة وتحب أسرتها بالتبني والابتسام حتى للغرباء.

قضت الطفلة عفراء، ذات الشعر الداكن، عشر ساعات تحت الأنقاض بعد أن ضرب الزلزال سوريا وتركيا، في 6 فبراير الماضي، وتسبب في وفاة والديها وأربعة من أشقائها في بلدة جنديرس شمالي سوريا. وعندما تم العثور عليها، كان حبلها السري لا يزال متصلا بوالدتها.

جذبت قصتها أنظار العالم في ذلك الوقت، وعرض كثيرون من جميع أنحاء العالم تبنيها.

وبعد أن أمضت أياما في أحد المستشفيات شمالي سوريا، أُخرجت عفراء وتم تسليمها إلى عمتها وزوجها اللذين يقومان بتربيتها مع بناتهما الخمس وابنيهما.

وقال والدها المتكفل برعايتها، خليل السوادي، إن عفراء تم تسليمها لأسرة عمتها بعد أيام من إجراء اختبار الحمض النووي للتأكد من أن الفتاة وعمتها مرتبطتان بيولوجيا.

بدت عفراء، يوم السبت، مستمتعة بينما كانت تتأرجح على أرجوحة حمراء تتدلى من السقف ويدفعها السوادي إلى الأمام والخلف.

وقال السوادي، وهو يجلس القرفصاء وعفراء في حجره: "هذه الطفلة ابنتي... هي بالضبط مثل أطفالي".

وأضاف السوادي أنهم يقضون النهار في شقة استأجرها، لكن في الليل تذهب الأسرة إلى خيمة من الخيام لقضاء الليلة، حيث لا يزال أطفاله يعانون من صدمة الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص في جنوبي تركيا وشمالي سوريا.

وفقا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، سجل أكثر من 4500 وفاة و10400 إصابة في شمال غربي سوريا بسبب الزلازل. وقدر بأن 43 في المئة من المصابين نساء وفتيات، بينما كان 20 في المئة من المصابين أطفال، تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 14 عاما.

وضرب الزلزال المدمر الذي بلغت قوته 7.8 درجات على مقياس ريختر في الساعات الأولى من 6 فبراير وتلته عدة توابع. وكان شمال غربي سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة من بين المناطق الأكثر تضررا ، حيث يعيش أكثر من 4.5 مليون شخص، معظمهم من النازحين بسبب الصراع الذي قتل أكثر من نصف مليون شخص.

يقول السوادي، عندما تكبر عفراء، سيخبرها بقصة إنقاذها وكيف قُتل والداها وأشقاؤها في الزلزال المدمر. وأضاف أنه إن لم يخبرها، فستخبرها زوجته أو الأبناء.

وبعد يوم من وصول الطفلة إلى المستشفى، أسماها المسؤولون هناك "آية". لكن بعد تكفل أسرة عمتها برعايتها، أطلق عليها اسم "عفراء"، تيمنا بوالدتها الراحلة.

بعد أيام من ولادة عفراء، أنجبت عمتها طفلة أسمتها عطاء. ومنذ ذلك الوقت، كانت ترضِع الطفلتين، حسبما أوضح السوادي.

وتابع "عفراء تشرب الحليب وتنام معظم اليوم".

يشير السوادي إلى أنه تلقى عدة عروض بالعيش في الخارج، لكنه رفض لأنه يريد البقاء في سوريا، حيث عاش والدا عفراء وحيث ماتا.

كان والد عفراء البيولوجي، عبد الله تركي مليحان، في الأصل من قرية خشام في دير الزور شرقي سوريا، لكنه غادر، في عام 2014، بعد سيطرة تنظيم "داعش" على القرية، وفق ما قاله صالح البدران، عم والد عفراء.

وأوضح السوادي "نحن سعداء للغاية بها، لأنها تذكرنا بوالديها وأشقائها. إنها تشبه والدها وشقيقتها نوارة كثيرا".