ساعة تلو أخرى تمر بالكثير من الضحايا والألم والشعور بالعجز لمئات آلاف العائلات في تركيا وسوريا، وفي اليوم الثالث لكارثة الزلزال المدمّر لا يختلف الواقع الأليم كثيرا إلا بجزئية يفرضها "السباق مع الزمن"، الذي يخوضه عمال بحث وإنقاذ في كلا البلدين، بينما باتت جهودهم المتواصلة تكشف شيئا فشيئا أهوال ما خلفه تحرك الأرض، فجر الاثنين.
في تركيا، وحتى ساعة إعداد هذا التقرير، ارتفع عدد ضحايا الزلزال إلى أكثر من 8500 قتيل، ونحو 50 ألف جريح، في وقت تم إحصاء عدد المباني المنهارة بـ6744، حسب ما أعلن الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، ملعنا من منطقة كهرمان مرعش أنه تم تحديد ميزانية من قبل وزارة الخزانة والمالية للمتضريين، وأنه سيتم تسليم 10 آلاف ليرة لكل أسرة منكوبة.
في المقابل، وعلى الطرف الآخر من الحدود، ارتفعت حصيلة الضحايا في مناطق سيطرة فصائل المعارضة بسوريا إلى 1400 وفاة وأكثر من 2700 مصاب، وفي مقابلهم أعلنت وزارة الصحة في حكومة النظام السوري أن الحصيلة في مناطق سيطرة الأخير وصلت إلى أكثر من 1200 مصاب.
وبما أن مركز الزلزال المدمّر كان في منطقة كهرمان مرعش جنوبي تركيا القريبة من الحدود فقد كانت المناطق المحيطة بها هناك ضمن ولاية هاتاي الأكثر تضررا، وكذلك الأمر بالنسبة لسوريا، التي تركّزت الأضرار الكارثية فيها بشكل أساسي على المناطق الواقعة بالقرب من الحدود، في محافظتي حلب وإدلب.
في هاتاي لم تحّل الكارثة فقط على المواطنين الأتراك، الذين راح منهم الآلاف حتى الآن بين ضحايا ومنكوبين تحت الأنقاض وفي المشافي وعلى جانبات الطرق، بل ضربت تداعياتها أيضا اللاجئين السوريين، الذي يقطن القسم الأعظم منهم الحدود، منذ سنوات الحرب الماضية في بلدهم.
وكانت تلك المنطقة الحدودية الوجهة المفضّلة لكثير من السوريين، الذين اختاروا العيش على أطلال بلدهم سوريا، بينما اضطروا للمكوث هناك والعمل، نظرا لرخص المنطقة، من حيث إيجارات المنازل والأسعار المتعلقة بحياتهم اليومية.
على مدى اليومين الماضيين لم يتوقف النعي بين أوساط السوريين المقيمين في تركيا، ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي كتب كثيرون أسماء ضحاياهم من أقاربهم ومعارفهم هنا وهنا، بينما اتجه آخرون للبحث وهم تائهين، في مسعى للحصول على أي خبر عن المفقودين.
"مشتتون وغير قادرين على التركيز. من التفكير بالحصول على قنينة ماء إلى الأسئلة التي لا نعرف لها جواب. أين نذهب بحالنا"، يقول الشاب السوري قحطان الشرقي لموقع "الحرة"، وهو يتحدث بكلمات لا يعرف كيف يصف بها أهوال الحاصل في ولاية هاتاي الجنوبية.
يوضح الشاب أن المئات من الضحايا مازالوا تحت الأنقاض، بينما هناك الآلاف من الأسر التركية والسورية تائهة في الشوارع، تنتظر أحبابها تحت الركام، وما إذا كانوا على قيد الحياة حتى الآن بعد مرور ساعات طويلة. ويضيف: "في الحي الذي أقطن فيه هناك أكثر من 400 منزل مدمّر. منذ 3 أيام وأنا في الشوارع مع عائلتي. أين نذهب؟"
"نعوش تعبر الحدود"
ومن خلال معبر باب الهوى الواصل بين تركيا وسوريا عبرت خلال الساعات الماضية أكثر من 100 جثة لأشخاص سوريين قضوا تحت الأنقاض في ولاية هاتاي، بحسب ما يقول مدير المكتب الإعلامي في المعبر، مازن علوش لموقع "الحرة".
وبعيدا عن أي مساعدات إنسانية أو أممية، يوضح علوش أن "أكثر من 120 جثة دخلت منذ فجر الاثنين، وهناك العشرات من الجثث قادمة على الطريق"، إذ تعمل وزارة الصحة التركية على نقلهم إلى النقطة الحدودية، لتتكفل كوادر "باب الهوى" فيما بعد بنقلها إلى الداخل السوري.
الناشط الحقوقي المهتم بأوضاع اللاجئين السوريين، طه الغازي، وصل صباح الأربعاء إلى المناطق المنكوبة في جنوبي تركيا، للوقوف على أحوال السوريين هناك، ولتسليط الضوء على الفاجعة التي حلّت على مئات الآلاف منهم، سواء في هاتاي أو مدينة غازي عنتاب الحدودية أيضا.
ويقول الغازي لموقع "الحرة": "بالنسبة للمناطق الجنوبية من تركيا، خاصة كهرمان مرعش وأنطاكيا، تشهد تواجدا كبيرا للسوريين منذ سنوات، معظمهم كانوا يقيمون في الأحياء الشعبية القديمة".
"الواقع خلال السنوات الماضية فرض عليهم أن يتواجدوا في أحياء متوسطة ودون ذلك، لذلك ومع حلول كارثة الزلزال بات مئات الآلاف منهم بين قتلى ومشرد وتحت الأنقاض، وخاصة في أحياء مدينة أنطاكيا (نارليجا، جمهورييت محلسي)"، وفق الغازي.
ولا توجد أي إحصائية تفصّل عدد اللاجئين السوريين الذين قضوا خلال الساعات الماضية إثر الزلزال الذي ضرب المدن الجنوبية لتركيا، فيما تعطي جميع التصريحات الرسمية التركية أرقاما موحدة، دون تحديد جنسيات.
لكن المنشورات التي شهدتها مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"تويتر" تشير إلى أرقام مروعة لحجم الضحايا السوريين، وهو ما بدا من النعوات التي تمت كتابتها، لتظهر فقدان عوائل بأكملها لأرواحها، بينما لا يوجد أي خبر عن آلاف أخرى.
ويوضح الناشط الحقوقي الغازي: "نحن بحاجة الآن لتواجد منظمات مجتمع مدني سورية على الأرض. لا يوجد لدينا فرق من الجانب السوري، ومعظم المنظمات تسعى إلى موضوع رفد مناطق الزلزال ببعض الاحتياجات الغذائية والشتوية والأموال. الأهم هو التواجد على الأرض".
ويقول: "كثير من الأسر السورية يتم استخراجها من تحت الأنقاض بصدمة. هي لا تدرك لأي شيء أمامها، وبحاجة لأناس يساعدوها على الذهاب إلى مراكز الإيواء والمشافي".
"الوضع كارثي. في أيام القصف لم نعش هكذا وضع، وهناك أطفال ورضع سوريون يتواجدون في مشافي بولايات تركية مجاورة لمنطقة الزلزال. عائلاتهم لا تعرف عنهم شيئا، ونحن لا نعرف مصيرهم"، كما تابع الناشط الحقوقي.
"جهود للتحرك"
وكانت رئاسة الهجرة التركية ألغت، مساء الثلاثاء، شرط استخراج إذن سفر بالنسبة للسوريين المقيمن في المناطق المنكوبة التي تعرضت للزلزال جنوبي البلاد للتنقل بين المدن، لكن القرار استثنى مدينة إسطنبول من الإلغاء.
وجاء القرار الصادر، بعد تواصل جهات سورية مع رئاسة الهجرة، وأشار إلى أن السلطات قررت إلغاء إذن السفر "بشكل مؤقت" من المناطق "المنكوبة" بالنسبة للسوريين، ويعتبر هذا القرار نافذا منذ صدوره.
وستكون ولاية إسطنبول مستثناة منه، إذ يستمر تطبيق قوانين إذن السفر فيها، بينما تعتبر إقامة اللاجئ في مدينة أخرى قانونية لمدة 90 يوما.
وتشترط السلطات التركية منذ عام 2016، على السوريين الحاملين لبطاقات "الحماية المؤقتة" (كيملك) الإقامة في الولاية المسجلة فيها بياناتهم وعناوينهم، ومن غير المسموح لهم التنقل بحرية بين الولايات التركية إلا بالحصول على إذن سفر بشكل مجاني.
ويجد السوريون المقيمون في تركيا، وخاصة في الولايات الحدودية الجنوبية، صعوبة بالغة في الحصول على إذن سفر، وخاصة إلى ولاية اسطنبول التي تحاول السلطات التركية تخفيف وجود السوريين فيها.
ويقول الناشط الحقوقي الغازي إن "معظم العائلات السورية اللاجئة في كهرمان مرعش وأنطاكيا وهاتاي وأورفة باتت غير قادرة على العودة إلى منازلها".
وتحدث عن "كوارث ولدتها الكارثة"، مضيفا: "هناك أحياء بأكملها دمرت بفعل الزلزال، ولن تنتهي إعادة إعمار هذه الأحياء قبل عام من الآن. لذلك لن يكون بمقدور العائلات السورية اللاجئة العودة إلى منازلها ومناطقها السكنية طيلة هذه المدة".
ويسعى الناشط الحقوقي مع منظمات حقوقية تركية ودولية لإلغاء برنامج "التخفيف"، الذي أعلنت عنه وزارة الداخلية التركية في شهر فبراير من العام الفائت، وإلغاء قرار إغلاق الأحياء أمام إقامة اللاجئين السوريين (قرابة 1169 حي في 52 ولاية).
ويوضح الغازي أن "إلغاء قرار إغلاق الأحياء واجب إنساني يتحتم على رئاسة الهجرة تطبيقه في أقرب وقت، ولا سيما وأنّ أفراد العائلات السورية اللاجئة التي باتت مجبرة على الإقامة في ولايات أخرى ستكون بحاجة للخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية".
وفي غضون ذلك أعلنت "اللجنة السورية-التركية المشتركة" في بيان الأربعاء أن السلطات التركية قررت إخلاء منطقة إصلاحية التابعة لغازي عنتاب من السكان، على أن يتاح للسوريين المقيمين في ذلك الحي الانتقال إلى أنقرة وإسطنبول وإزمير دون الحاجة إلى "إذن سفر".