الزلزال أودى بحياة أكثر من ألفي شخص في تركيا وسوريا
الزلزال أودى بحياة أكثر من ألفي شخص في تركيا وسوريا

رغم الرعب الذي أثاره، جاءت تأثيرات الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا بسيطة على سكان لبنان الذي شهد على الأثر، هزة أرضية بقوة 4,8 على مقياس ريختر، تبعها هزات ارتدادية أقل قوة، دون أن يسجل أي إصابات أو انهيارات، وفق ما أحدت سلطاته الرسمية. إلا أن ذلك لم يمنع سقوط ضحايا ومفقودين لبنانيين في تركيا وسوريا. 

يجري الحديث عن 7 ضحايا وأكثر من 30 مفقوداً، وهي أرقام غير رسمية، مبنية على ما يعلنه بالتوالي أهالي الضحايا والمفقودين على مواقع التواصل الاجتماعي، فيما لم يصدر أي إحصاء رسمي حتى الآن عن أي جهة في لبنان، ولاسيما وزارة الخارجية، التي كانت قد دعت في بيان، اللبنانيين الموجودين في سوريا وتركيا الى التقيد بإجراءات وإرشادات السلامة الصادرة عن السلطات المختصة في كلا البلدين، وأرفقت بيانها بأرقام سفارات لبنان في البلدين، للتواصل عند الضرورة والحالات الطارئة.

(سفارة لبنان في أنقرة: 00905059214848  - 00905386076547  سفارة لبنان في دمشق: 00963994386172) 

وضجت مواقع التواصل الاجتماعي في البلاد بصور مفقودين لبنانيين وعناوين سكنهم في تركيا وسوريا، نشرتها صفحات إخبارية ومحلية وحسابات أقاربهم وأهلهم، سعياً للحصول على أي معلومة عنهم، وبهدف لفت الانتباه إليهم كمفقودين، وسط العدد الهائل من الضحايا الذي سقطوا في البلدين نتيجة الزلزال. 

ويتابع اللبنانيون أخبار أعمال البحث والإنقاذ الجارية من أجل جلاء مصير أبنائهم المحتجزين إما تحت الركام أو في المناطق المنكوبة، يعجزون عن مغادرتها، فيما فتحت عائلات أخرى بيوتها لتقبل العزاء بمن فقدوه. وسجل انقاذ نحو 8 لبنانيين كانوا عالقين تحت الأنقاض في أكثر من موقع في تركيا، حيث جرى نقلهم إلى المستشفيات، فيما تم العثور على جثث عدد آخر من المتوفين. 

"غرفة عمليات" 

سفارة لبنان في أنقرة تحولت إلى ما يشبه غرفة عمليات، على حد وصف القنصل اللبناني في أنقرة وسام بطرس، الذي شرح في حديثه لموقع "الحرة" الإجراءات والخطوات التي تتخذها سفارة بلاده مواكبة لمصير مواطنيها في تركيا، حيث وضعت نفسها على تواصل مستمر مع خلية الأزمة في وزارتي الداخلية والخارجية التركية، كذلك مع إدارة دائرة الهجرة و"أفاد"، المعنيين على الأرض بالإنقاذ إلى جانب الهلال التركي. 

كذلك عممت السفارة أرقامها وأرقام طواقم الإنقاذ والبلديات المعنية ليستطيع الناس التواصل معهم حسب مكان تواجدهم، "وهذا ما نحاول إيصاله لجميع أهالي المصابين والمفقودين في تركيا"، وفق بطرس، الذي يلفت وجود قسمين من اللبنانيين الذين تواصلوا مع السفارة، "قسم أبلغ عن اشخاص مفقودين لم يتمكنوا من التواصل معهم منذ وقوع الكارثة، وقدموا لنا آخر موقع جغرافي يعرفونه لهم وأرقامهم ومعلومات عنهم، ونحن بدورنا نحولها لـ "أفاد" من أجل توجيه عمليات الإنقاذ نحوهم." 

"وهناك قسم آخر في عنتاب ومناطق أقل تضرراً، حيث نقوم بالتواصل معهم ومع الأشخاص المعنيين في تلك المناطق، من أجل مساعدتهم وتوجيههم نحو الطرقات السالكة للخروج نحو مناطق آمنة، خاصة وان نسبة كبيرة من تلك المناطق مقطوعة طرقاتها بعدما دمر الزلزال كافة البنى التحتية فيها. كما نعمل على تأمين تواصل لهم مع طواقم الإنقاذ لتأمين ملجأ ومأكل وتدفئة."

بالنسبة إلى عدد المفقودين الذين انقطع الاتصال معهم، يلفت بطرس إلى أن السفارة تلقت اتصالات بشأنهم "من 30 جهة في لبنان، ولكن لا يمكن الحسم بعددهم فهناك عائلات كاملة وهناك أفراد وهناك جهات عدة استسفروا وأبلغونا عن المفقودين نفسهم وبالتالي في أزمة كبيرة كهذه لا معنى للحديث عن أرقام حالياً لأنها تتغير بين الدقيقة والأخرى بحسب ما يستجد من معطيات."

أما بالنسبة إلى الأشخاص في غازي عنتاب والمناطق المتضررة، فعددهم أقل حيث تواصل مع السفارة نحو 18 لبنانياً، على حد تأكيد بطرس، "وهؤلاء نتواصل معهم وهم بخير، ولكن لا يستطيعون مغادرة المنطقة بسبب انقطاع الطرقات والدمار الذي لحق بالبنى التحتية".

لا عدد واضح للجرحى في المستشفيات حتى الآن، لكن يوم أمس شهد بحسب بطرس، انقاذ مجموعة من 5 لبنانيين نقلوا إلى المستشفيات فيما جهود الإنقاذ لا تزال مستمرة، لافتا إلى أن حجم الأزمة أكبر من تركيا وفرق الإنقاذ التركية غير كافية لتغطية مساحة الدمار الهائلة، ولذلك هناك مساعدات من كل الدول بما فيها لبنان الذي أرسل أيضاً فرق إنقاذ".

وكان لبنان قد أرسل فرق إنقاذ للمساعدة في مهمات البحث وإزالة الأنقاض والإسعاف إلى تركيا وسوريا، من الصليب الأحمر والجيش اللبناني والدفاع المدني إضافة إلى مجموعات إغاثة أهلية، على غرار العديد من دول العالم. 

يشير بطرس إلى الجهد الكبير الذي يبذله طاقم السفارة اللبنانية في أنقرة، رغم قلة عدده (6 أشخاص ضمنهم السفير والقنصل) إلا أنه لا يكفي لتغطية حجم الكارثة والاستفسارات والاتصالات الواردة، "ولا يجب أن ننسى أن في تركيا آلاف القتلى على الأرض وجهود الإغاثة والانقاذ لا يمكنها أن تخصص أو تستثني أي أحد أو جنسية معينة، وانما يعملون بطريقة احترافية بحسب حجم الدمار في الأحياء والأبنية وحسب معلوماتهم حول الناجين."

انتظار طويل

منذ وقوع الزلزال، لم يسمع مصطفى ماروق عن شقيقته أي خبر، انقطع التواصل نهائيا، ودخل الأهل في لبنان بمرحلة انتظار طويل، للحصول على أي معلومة حول مصيرهم. نشر مصطفى رقمه الشخصي على مواقع التواصل الاجتماعي طالباً أي مساعدة ممكنة، ويتابع هاتفه على مدار الساعة بانتظار أي اتصال يحمل إليه جديد. 

عليا كانت قد انتقلت مع زوجها وأولادها قبل شهرين للعيش في تركيا، وذلك بعدما تقاعد زوجها من الجيش اللبناني، وقرر الحصول على الجنسية التركية عبر وادته التي تحملها، ولكونهم انتقلوا حديثاً "فإن كل أرقامهم المستخدمة على تطبيق واتساب هي أرقام لبنانية، وفي ظل انقطاع الانترنت انقطع كل التواصل، حتى أن هناك رقماً تركياً مع أحد أبنائها نحاول الاتصال عليه ولكنه مغلق طيلة الوقت"، وفق ما يروي مصطفى لموقع "الحرة". 

ويضيف "هم في منطقة تدعى "سمندغ" في انطاكيا، انتقلوا ليسكنوا هناك منذ نحو شهرين بسبب الأوضاع في لبنان والأزمة المعيشية، واستأجروا منزلاً جديداً يعيشون فيه، هناك أفراد وعدونا بالتوجه إلى مكان إقامتهم من أجل استطلاع منزلهم وننتظر نتيجة الوعود التي تلقيناها لمعرفة ما جرى. "نحن اليوم عائلة فاقدة ل٥ أفراد منها، يمكن لأي أحد أن يتخيل وضعنا وما نعانيه." 

الأمر نفسه ينطبق على كل عائلة لبنانية تجهل مصير أبنائها، ومن بينهم عائلتا إيلي حداد، من منطقة حاريصا، وباسل حبقوق من مغدوشة، حيث أطلقوا بدورهم أيضاً، حملات على مواقع التواصل الاجتماعي للمساعدة في انقاذ أبنائهم لمعرفة مصيرهم بعدما انهار عليهم جزئياً فندق "أوزهان" الذي كانوا يقيمون فيه بمنطقة أنطاكيا. 

موقع "الحرة" تواصل مع شقيق حبقوق، الذي أكد تلقيه أنباء من السفارة اللبنانية في انقرة، تفيد انه تم التأكد من وجود نحو 18 شخصا من ضمنهم الشبان اللبنانيين الثلاثة في الفندق فيما عمليات الانقاذ لا تزال جارية. 

وبحسب حبقوق، فإن شقيقه كان قد وصل إلى تركيا قبيل وقوع الزلزال، متوجهاً مع زملاء له في رحلة عمل، حيث يعمل في إصلاح الشاحنات الكبيرة، وفقد الاتصال به بعد الكارثة. 

يذكر أن عدداً كبيراً من اللبنانيين كانوا قد انتقلوا للعيش والعمل والدراسة في تركيا خلال السنوات الثلاث الماضية، بسبب الأزمة الاقتصادية والأوضاع المعيشية الصعبة التي يشهدها لبنان، وهو ما يفسر وجود أعداد كبيرة اللبنانيين من بين الضحايا والمفقودين، فضلاً عن كون تركيا مقصداً للسياح اللبنانيين والتجار. 

ضحايا ومفقودين.. والأعداد إلى ارتفاع

وبحسب ما نشره الأهالي والأقارب على مواقع التواصل الاجتماعي، تأكد نجاة عائلة من آل العلي من بلدة العبودية – عكار، في تركيا، كما عُثر على الشاب محمد شما ونجله، وهو بخير وبصحة جيّدة حيث تواصل هاتفياً مع أقاربه. فيما يبقى مصير زوجته مجهولاً وعمليّات البحث عنها مستمرّة.

ولا يزال الاتصال مفقوداً مع الشاب عبد النور عجاج، الذي يقيم مع أهله وإخوته في تركيا. كما فقد الاتصال بالشابة فاطمة رامز زكريا وهي من سكان منطقة التبانة طرابلس. 

وتأكد وفاة 3 لبنانيين على الأقل في سوريا، حيث نعى أهالي جبل محسن في طرابلس، الشابة سيلينا الهضام ووالدتها سوسن، اللتين تُوفيتا في اللاذقية، بسبب الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا.

ونعت بطريركية الروم الكاثوليك في حلب بسوريا، الأب عماد ضاهر كاهن كنيسة السيدة العذراء للروم الكاثوليك في حلب، وهو لبناني الجنسية من بلدة البرامية – صيدا، بعد العثور على جثمانه تحت أنقاض المبنى الذي كان يقطنه بمنطقة العزيزية – حماة.

وكان قد تأكد خبر وفاة الطبيب اللبناني وسام محمد خير الاسعد وابنته ونجت زوجته، وهم من منطقة وادي خالد شمالي لبنان، حيث نعاهما النائب اللبناني محمد سليمان. 

كذلك توفيت الروائية اللبنانية، دلال زين الدين مع أولادها وحفيدها، في مدينة أنطاكيا، وهي المعروفة بمواقفها المساندة للثورة السورية، من أشهر رواياتها "عمامة وجسد". 

ويواصل عمال الإغاثة في تركيا وسوريا جهود البحث عن ناجين بين الأنقاض بعد الدمار الهائل الذي تسبب فيه زلزالان قويان، هزّا البلدين، الاثنين، مخلفين أزيد من 5 آلاف قتيل وآلاف الجرحى والعالقين وسط الركام.

وضرب الزلزال الذي بلغت قوته 7,8 درجة قرب غازي عنتاب في جنوب شرق تركيا، الاثنين، عند الساعة 04:17 بالتوقيت المحلي (01:17 ت غ) على عمق حوالى 17:9 كلم، وفق المعهد الأميركي للمسح الجيولوجي.

ويتوقع أن ترتفع هذه الحصيلة غير النهائية، إذ لا يزال عدد كبير جدا من الأشخاص تحت الأنقاض.

ويصعب من عمليات الإنقاذ والبحث تقطع الطرقات والدمار الهائل الذي أصاب البنى التحتية ما جعل الوصول إلى أماكن الانهيار مهمة صعبة، لاسيما في ظل عاصفة ثلجية تضرب تركيا والشمال السوري، وانخفاض درجات الحرارة الذي زاد من معاناة العالقين تحت الركام والمشردين من منازلهم بعد انهيارها. 

وتوقعت منظمة الصحة العالمية الثلاثاء أن تكون حصيلة قتلى الزلزال "أعلى بثماني مرات من الأرقام الأولى" المنشورة، وقالت إن عدد المتضررين من الزلزال قد يصل إلى "23 مليونا بينهم نحو خمسة ملايين في وضع ضعف".

عفراء تبتسم حتى للغرباء
قصة عفراء جذبت أنظار العالم وسط المآسي التي خلفها الزلزال المدمر

 الطفلة التي ولدت تحت أنقاض منزل أسرتها الذي دمره الزلزال المميت في تركيا وسوريا قبل ستة أشهر تتمتع الآن بصحة جيدة وتحب أسرتها بالتبني والابتسام حتى للغرباء.

قضت الطفلة عفراء، ذات الشعر الداكن، عشر ساعات تحت الأنقاض بعد أن ضرب الزلزال سوريا وتركيا، في 6 فبراير الماضي، وتسبب في وفاة والديها وأربعة من أشقائها في بلدة جنديرس شمالي سوريا. وعندما تم العثور عليها، كان حبلها السري لا يزال متصلا بوالدتها.

جذبت قصتها أنظار العالم في ذلك الوقت، وعرض كثيرون من جميع أنحاء العالم تبنيها.

وبعد أن أمضت أياما في أحد المستشفيات شمالي سوريا، أُخرجت عفراء وتم تسليمها إلى عمتها وزوجها اللذين يقومان بتربيتها مع بناتهما الخمس وابنيهما.

وقال والدها المتكفل برعايتها، خليل السوادي، إن عفراء تم تسليمها لأسرة عمتها بعد أيام من إجراء اختبار الحمض النووي للتأكد من أن الفتاة وعمتها مرتبطتان بيولوجيا.

بدت عفراء، يوم السبت، مستمتعة بينما كانت تتأرجح على أرجوحة حمراء تتدلى من السقف ويدفعها السوادي إلى الأمام والخلف.

وقال السوادي، وهو يجلس القرفصاء وعفراء في حجره: "هذه الطفلة ابنتي... هي بالضبط مثل أطفالي".

وأضاف السوادي أنهم يقضون النهار في شقة استأجرها، لكن في الليل تذهب الأسرة إلى خيمة من الخيام لقضاء الليلة، حيث لا يزال أطفاله يعانون من صدمة الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص في جنوبي تركيا وشمالي سوريا.

وفقا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، سجل أكثر من 4500 وفاة و10400 إصابة في شمال غربي سوريا بسبب الزلازل. وقدر بأن 43 في المئة من المصابين نساء وفتيات، بينما كان 20 في المئة من المصابين أطفال، تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 14 عاما.

وضرب الزلزال المدمر الذي بلغت قوته 7.8 درجات على مقياس ريختر في الساعات الأولى من 6 فبراير وتلته عدة توابع. وكان شمال غربي سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة من بين المناطق الأكثر تضررا ، حيث يعيش أكثر من 4.5 مليون شخص، معظمهم من النازحين بسبب الصراع الذي قتل أكثر من نصف مليون شخص.

يقول السوادي، عندما تكبر عفراء، سيخبرها بقصة إنقاذها وكيف قُتل والداها وأشقاؤها في الزلزال المدمر. وأضاف أنه إن لم يخبرها، فستخبرها زوجته أو الأبناء.

وبعد يوم من وصول الطفلة إلى المستشفى، أسماها المسؤولون هناك "آية". لكن بعد تكفل أسرة عمتها برعايتها، أطلق عليها اسم "عفراء"، تيمنا بوالدتها الراحلة.

بعد أيام من ولادة عفراء، أنجبت عمتها طفلة أسمتها عطاء. ومنذ ذلك الوقت، كانت ترضِع الطفلتين، حسبما أوضح السوادي.

وتابع "عفراء تشرب الحليب وتنام معظم اليوم".

يشير السوادي إلى أنه تلقى عدة عروض بالعيش في الخارج، لكنه رفض لأنه يريد البقاء في سوريا، حيث عاش والدا عفراء وحيث ماتا.

كان والد عفراء البيولوجي، عبد الله تركي مليحان، في الأصل من قرية خشام في دير الزور شرقي سوريا، لكنه غادر، في عام 2014، بعد سيطرة تنظيم "داعش" على القرية، وفق ما قاله صالح البدران، عم والد عفراء.

وأوضح السوادي "نحن سعداء للغاية بها، لأنها تذكرنا بوالديها وأشقائها. إنها تشبه والدها وشقيقتها نوارة كثيرا".