آلاف السوريين فقدوا حياتهم جراء الزلزال
آلاف السوريين فقدوا حياتهم جراء الزلزال

بعد 4 أيام من الزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا وسوريا وتسجيل آلاف القتلى والمصابين أعلنت حكومة النظام السوري 4 محافظات سورية "منكوبة"، في خطوة يراها محامون ومراقبون "متأخرة"، وأنها ترتبط بـ"تسويات"، وبالسلوك الذي اتبعه الأخير خلال الأيام الماضية، "مستغلا الكارثة لتحقيق مآرب سياسية". 

ومنذ الساعات الأولى للزلزال، يوم الاثنين الفائت، طالب النظام السوري برفع العقوبات المفروضة عليه بذريعة الحد من تداعيات هذه الكارثة الطبيعية، وإتاحة إدخال المعدات الثقيلة، للإسهام في رفع الأنقاض وإنقاذ العالقين تحت الركام، فيما ادعى أن "العقوبات الأميركية هي من تحوّل دون الاستجابة للكارثة"، الأمر الذي نفته الأخيرة، بسلسلة توضيحات ردّت من خلالها على المزاعم. 

وجاء ذلك على لسان وزير خارجيته، فيصل المقداد والمستشارة الخاصة في الرئاسة السورية، بثينة شعبان، فيما اتجه الأول لاشتراط دخول المساعدات الأممية من مناطق سيطرة النظام باتجاه شمال غرب سوريا المنكوب، وأن "لا تصل للإرهابيين"، حسب تعبيره. 

وجاء في بيان لـ"مجلس الوزراء السوري" في أعقاب جلسته صباح الجمعة: "تعد المناطق المتضررة في محافظات حلب واللاذقية وحماة وإدلب نتيجة الزلزال الذي أصابها مناطق منكوبة، وبما يترتب على ذلك من آثار". 

وفي وقت لم تذكر حكومة النظام السوري الإجراءات المترتبة على هذا الإعلان، وعن أسباب تأخير هذه الخطوة، يوضح محامون أن الموضوع "متعلق بتسويات معينة". 

ويعتقد المحامي السوري المقيم في دمشق، عارف الشعال أن التسويات قد ترتبط بـ"موافقة الحكومة السورية على تسهيل وصول المنظمات الإغاثية للمناطق غير الخاضعة لسيطرتها مقابل الحصول على مساعدات دولية، وتعليق مؤقت للعقوبات وفق الآلية الدولية للمناطق المنكوبة". 

وبخصوص ما سيترتب على هذا الإعلان يضيف المحامي لموقع "الحرة": "ستتدفق المساعدات الدولية بتسهيل كبير من الحكومة، وهو ما لمسناه باحتساب البنك المركزي السعر الموازي للعملات القريب جدا من سعر السوق السوداء لتحويلات المنظمات الدولية للقطع الأجنبي". 

وقبل ساعات من صباح الجمعة أقر البنك المركزي السوري "سعر صرف عادل للأمم المتحدة مطابق لسعر الصرف التي تحصل عليه بقية الجهات التي تحمل على تحويل مبالغ من خلال القنوات الرسمية". 

وجاء في قرار للمصرف: "تعتبر الحوالات الخارجية الواردة إلى المنظمات الأممية والإنسانية والهيئات التابعة لها ومنظمة الهلال الأحمر العربي السوري والمحولة لأغراف الاستجابة الطارئة للزلزال في سوريا مستثناة من أحكام القرار 145 تاريخ الأول من فبراير 2023، لجهة سعر الصرف المطبق، بحيث يتم تطبيق سعر الصرف الوارد في نشرة الحوالات والصرافة بتاريخ ورود الحوالة". 

ماذا يعني "منكوبة"؟ 

ويقول محللون إن رأس النظام السوري، بشار الأسد يسعى لتحقيق مكاسب سياسية من الزلزال الذي دمر أجزاء كبيرة من سوريا وتركيا، ويضغط من أجل إرسال مساعدات خارجية عبر الأراضي السورية للتحرر تدريجيا من العزلة الدولية المفروضة عليه. 

وحتى الآن لم تكشف الأمم المتحدة عن خططها المتعلقة بالاستجابة للمناطق السورية المنكوبة، سواء تلك الخاضعة لسيطرة النظام السوري أو في شمال غرب سوريا، حيث تسيطر فصائل المعارضة، والتي لم تدخلها حتى الآن إلا قوافل "روتينية ومجدولة بشكل مسبق"، حسب ما قال عمال إغاثة لموقع "الحرة" في وقت سابق. 

وتُنقل المساعدات الإنسانية المخصصة لشمال غرب سوريا عادة من تركيا عبر باب الهوى، نقطة العبور الوحيدة التي يضمنها قرار صادر عن مجلس الأمن حول المساعدات العابرة للحدود، لكن الطرق المؤدية الى المعبر تضررت جراء الزلزال، ما أثر موقتا على قدرة الأمم المتحدة على استخدامه، حسب ما أعلنت الأخيرة، قبل يومين. 

وكانت وسائل إعلام النظام السوري قد تحدثت، مساء الخميس، أن الأخير "أبلغ الجانب الأممي بأنه في حال تأخرت المنظمات الدولية في أداء واجباتها وتسلم المساعدات، فإن سوريا لن تتردد في إدخال هذه المساعدات وحدها لمساعدة الأهالي المنكوبين". 

ونقلت صحيفة "الوطن" شبه الرسمية عن مصادر لم تسمها أن "المفاوضات وصلت إلى نقطة التفاهم، والمساعدات الإنسانية ستدخل عبر معبر سراقب يوم السبت على أبعد تقدير". 

ويرى المحامي السوري، غزوان قرنفل أن أسباب تأخر النظام السوري في إعلان المحافظات السورية الأربعة منكوبة ترتبط بمحاولته "الاستثمار السياسي للوضع، والسعي لاستقدام المعونات من قنواته خلال الأيام الماضية"، وبالتالي ستكون له سلطة على عملية التوزيع. 

ويقول قرنفل لموقع "الحرة": "في حالة المناطق المنكوبة سيكون للمنظمات الأممية الإنسانية دور في إدخال المساعدات وتوزيعها، وبالتالي الاستقلالية". 

في المقابل فإن عدم الإعلان عن أنها "منكوبة" كان سيتيح للنظام السوري استلام الدعم الإنساني، والإشراف على عملية التوزيع، و"هو ما سعى إليه". 

"هدف التأخير كان محاولة خلق نوع من تعامل الأمر الواقع مع حكومة النظام باستجلاب المساعدات وإدخالها دون الإعلان كمناطق منكوبة، وبذلك انفتاحا لكسر العزلة"، حسب تعبير المحامي السوري. 

والإعلان عن "منطقة منكوبة" مصطلح سياسي يتعلق بآلية طلب مساعدات الإغاثة الدولية، وهو يخضع لمعايير دولية تحدّ من صلاحيات السلطات الوطنية في كيفية التصرف بهذه المساعدات. 

وبذلك يقول المحامي عارف الشعال: "يندرج تحت باب التجاذبات والحسابات السياسية، وهذا ما يفسر تصريح رئيس الوزراء ومن بعده وزير الصحة ((احتمال)) الإعلان عن مناطق معينة بأنها منكوبة دون الإعلان رسميا عن ذلك بالرغم من أنها منكوبة فعلا". 

ويبدو أن "التجاذبات السياسية أثمرت وبدأنا نلحظ نتائجها كإرسال قافلة حكومية لإدلب، وتعليق مؤقت للعقوبات وغيرها"، وفق الشعال.  

بدوره يعتقد الدكتور في الاقتصاد، كرم شعار أن التفسير المتعلق بحديث المحامي الشعال "منطقي"، بقوله: "هناك حالات كثيرة منذ 2011 رأينا فيها مقاربات من نوع غير معلن، وبالفعل الأمم المتحدة والنظام تمكنوا من الوصول إلى تسوية، رغم أن هذا الأمر لم يعلن للعامة". 

ويضيف شعار لموقع "الحرة": "الأمر يمكن تقسيمه لنوعين، الأول متفهم والثاني غير متفهم"، موضحا: "المتفهم له علاقة بصعوبة العمل على الأرض في سوريا وتغول النظام السوري على كل مفاصل الحياة وعدم سماحه للمؤسسات الأممية في سوريا بالعمل إلا مع منظماته المسجلة". 

"لهذا السبب التفاوض مع النظام هو أمر متوقع"، ويرى الدكتور في الاقتصاد أن "الأمر غير المتفهم يرتبط بتسويات العقود التي أبرمتها منظمات أممية مع شركات أمنية متورطة في جرائم ومسؤولين من بينهم متورط بمجزرة التضامن". 

"إعفاءات من الخزانة" 

وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية، في بيان الجمعة، إعفاء أية معاملات متعلّقة بجهود إغاثة ضحايا الزّلزال في سوريا من العقوبات، وذلك لمدة 180 يوما، وحتى تاريع الثامن من أغسطس المقبل. 

وأصدرت الوزارة "الترخيص السوري العام GL 23"، وسمحت بموجبه بجميع المعاملات المتعلقة بالإغاثة من الزلزال لمدة 6 أشهر، والتي كانت محظورة بموجب لوائح العقوبات المفروضة على النظام السوري. 

وقال نائب وزير الخزانة والي أدييمو"بينما يتجمع الحلفاء الدوليون والشركاء الإنسانيون لمساعدة المتضررين، أود أن أوضح تماماً أن العقوبات الأمريكية في سوريا لن تقف في طريق الجهود المبذولة لإنقاذ حياة الشعب السوري". 

وأضاف: "بينما تحتوي برامج العقوبات الأمريكية بالفعل على استثناءات قوية للجهود الإنسانية، تصدر وزارة الخزانة اليوم ترخيصا عاما شاملا لتفويض جهود الإغاثة من الزلزال، حتى يتمكن أولئك الذين يقدمون المساعدة من التركيز أكثر على ما هو مطلوب لإنقاذ الأرواح وإعادة البناء". 

وحتى الأربعاء حلّت محافظة حلب في المرتبة الثانية من حيث الوفيات بعد اللاذقية، بتسجيلها 415 حالة وفاة، لكنها جاءت الأولى في عدد الإصابات بـ1050 إصابة، وفق تصريحات وزير الصحة، حسين الغباش. 

وحتى ظهر الجمعة أحصى "الدفاع المدني السوري" وفاة أكثر من ألفين و37 شخصا وإصابة أكثر من ألفين و950 آخرين، في شمال غربي سوريا، بينما أعلن وزير الصحة الغباش، مساء الخميس أحدث إحصائية لأضرار الزلزال، موضحا أن عدد الوفيات ارتفع إلى ألف و347 حالة وفاة وألفين و295 إصابة، في حصيلة غير نهائية. 

عفراء تبتسم حتى للغرباء
قصة عفراء جذبت أنظار العالم وسط المآسي التي خلفها الزلزال المدمر

 الطفلة التي ولدت تحت أنقاض منزل أسرتها الذي دمره الزلزال المميت في تركيا وسوريا قبل ستة أشهر تتمتع الآن بصحة جيدة وتحب أسرتها بالتبني والابتسام حتى للغرباء.

قضت الطفلة عفراء، ذات الشعر الداكن، عشر ساعات تحت الأنقاض بعد أن ضرب الزلزال سوريا وتركيا، في 6 فبراير الماضي، وتسبب في وفاة والديها وأربعة من أشقائها في بلدة جنديرس شمالي سوريا. وعندما تم العثور عليها، كان حبلها السري لا يزال متصلا بوالدتها.

جذبت قصتها أنظار العالم في ذلك الوقت، وعرض كثيرون من جميع أنحاء العالم تبنيها.

وبعد أن أمضت أياما في أحد المستشفيات شمالي سوريا، أُخرجت عفراء وتم تسليمها إلى عمتها وزوجها اللذين يقومان بتربيتها مع بناتهما الخمس وابنيهما.

وقال والدها المتكفل برعايتها، خليل السوادي، إن عفراء تم تسليمها لأسرة عمتها بعد أيام من إجراء اختبار الحمض النووي للتأكد من أن الفتاة وعمتها مرتبطتان بيولوجيا.

بدت عفراء، يوم السبت، مستمتعة بينما كانت تتأرجح على أرجوحة حمراء تتدلى من السقف ويدفعها السوادي إلى الأمام والخلف.

وقال السوادي، وهو يجلس القرفصاء وعفراء في حجره: "هذه الطفلة ابنتي... هي بالضبط مثل أطفالي".

وأضاف السوادي أنهم يقضون النهار في شقة استأجرها، لكن في الليل تذهب الأسرة إلى خيمة من الخيام لقضاء الليلة، حيث لا يزال أطفاله يعانون من صدمة الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص في جنوبي تركيا وشمالي سوريا.

وفقا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، سجل أكثر من 4500 وفاة و10400 إصابة في شمال غربي سوريا بسبب الزلازل. وقدر بأن 43 في المئة من المصابين نساء وفتيات، بينما كان 20 في المئة من المصابين أطفال، تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 14 عاما.

وضرب الزلزال المدمر الذي بلغت قوته 7.8 درجات على مقياس ريختر في الساعات الأولى من 6 فبراير وتلته عدة توابع. وكان شمال غربي سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة من بين المناطق الأكثر تضررا ، حيث يعيش أكثر من 4.5 مليون شخص، معظمهم من النازحين بسبب الصراع الذي قتل أكثر من نصف مليون شخص.

يقول السوادي، عندما تكبر عفراء، سيخبرها بقصة إنقاذها وكيف قُتل والداها وأشقاؤها في الزلزال المدمر. وأضاف أنه إن لم يخبرها، فستخبرها زوجته أو الأبناء.

وبعد يوم من وصول الطفلة إلى المستشفى، أسماها المسؤولون هناك "آية". لكن بعد تكفل أسرة عمتها برعايتها، أطلق عليها اسم "عفراء"، تيمنا بوالدتها الراحلة.

بعد أيام من ولادة عفراء، أنجبت عمتها طفلة أسمتها عطاء. ومنذ ذلك الوقت، كانت ترضِع الطفلتين، حسبما أوضح السوادي.

وتابع "عفراء تشرب الحليب وتنام معظم اليوم".

يشير السوادي إلى أنه تلقى عدة عروض بالعيش في الخارج، لكنه رفض لأنه يريد البقاء في سوريا، حيث عاش والدا عفراء وحيث ماتا.

كان والد عفراء البيولوجي، عبد الله تركي مليحان، في الأصل من قرية خشام في دير الزور شرقي سوريا، لكنه غادر، في عام 2014، بعد سيطرة تنظيم "داعش" على القرية، وفق ما قاله صالح البدران، عم والد عفراء.

وأوضح السوادي "نحن سعداء للغاية بها، لأنها تذكرنا بوالديها وأشقائها. إنها تشبه والدها وشقيقتها نوارة كثيرا".