"حجم الدمار هائل جدا، كان المشهد أشبه بمنطقة تعرضت لهجوم نووي كبير، إبادة كاملة ولا مظاهر للحياة. على امتداد رحلتنا من مطار أضنة إلى كهرمان مرعش، وعلى مدى 11 ساعة في الحافلة، لم نر سوى مشاهد الركام والأبنية المتساقطة على جوانب الطرقات، ما من منزل سليم، حتى الأبنية التي لا زالت واقفة، تصدعت بالكامل وهجرها سكانها."
هكذا يصف محمد هدبا، من فوج إطفاء بيروت، ما شاهده فريق الإنقاذ اللبناني، الذي انطلق إلى تركيا بعد ساعات على وقوع كارثة الزلزال، بتكليف من الحكومة اللبنانية. حيث كان لموقع "الحرة" مقابلات مع عناصر الفريق في طريق عودتهم بالحافلة من كهرمان مرعش، بعد انتهاء مهمتهم، قدموا خلالها شهادات صادمة عاينوها على مدى أيام خلال عمليات الانقاذ.
وكانت الحكومة اللبنانية قد أرسلت فريقي إنقاذ مع وقوع الكارثة، توجه الأول إلى تركيا والثاني إلى سوريا للمساهمة في عمليات الإنقاذ، وتألفت الفرق من مجموعات نخبة منتدبة من فوج الإطفاء والدفاع المدني والصليب الأحمر إضافة إلى الجيش اللبناني.
أول الواصلين
وصل فريق الإنقاذ اللبناني إلى تركيا، الاثنين، "كنا الفريق الأول الذي يصل إلى مدينة البستان في كهرمان مرعش، حيث بدأت مهمتنا بمجرد وصولنا، وكان لا يزال الأمل كبيرا في العثور على ناجين، فكلما مر الوقت كلما قلت الحظوظ"، وفق ما يقول رئيس شعبة العلاقات العامة في فوج إطفاء بيروت النقيب علي نجم، في حديثه لموقع "الحرة".
حجم الدمار الذي عاينه الفريق كان "أكبر من الوصف" وفق نجم الذي كان ضمن الفريق المتواجد في تركيا، "مبان خالية كليا ومناطق مهجورة بالكامل، وما من شيء على حاله، الطرقات الرئيسية بين المناطق وداخل المدن كلها خارج الخدمة، متشققة ومنهارة، وفي أكثر من مكان كانوا ينصحوننا بعدم اكمال طريقنا بسبب خطر انهيارها، لكن كان لدينا مهمة علينا اتمامها."
"حتى معالم المناطق نفسها تغيرت على أهلها، فمن كانوا يساعدوننا في التنقل بين المهمات، ما عادوا يعلمون كيف يتجهون، حيث تدمرت المدينة ودلالاتها، وكل الأماكن استحالت ركاما فباتت تشبه بعضها البعض."
كانت مهمة الفريق الأساسية هي الإنقاذ، بحسب ما يوضح نجم، "أي البحث عن الأحياء، بكونه يتطلب تدخلا سريعا ومعدات خفيفة أكثر من المعدات الثقيلة التي تعمل بقوة على الأرض، وكنا قد اصطحبنا معنا معداتنا من بيروت."
فور وصول الفريق اللبناني إلى المدينة، أنشأ غرفة عمليات مصغرة لتلقي الإنذارات والمعلومات والاتصالات حول الأماكن المرجح فيها وجود أحياء بين الأنقاض، وذلك بالتنسيق مع الجمعيات الأهلية والسلطات المحلية وأبناء المنطقة.
وفي اتصال ورد عند الساعة الرابعة فجرا، تبلغ الفريق بوجود مبنى يسمع منه أصوات أحياء من تحت الركام.
انقاذ الأم وابنتها
في اليومين الماضيين ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بمشاهد انقاذ الفريق اللبناني لأم حامل وابنتها من تحت الركام في مدينة البستان، بعد نحو 48 ساعة على وقوع الكارثة، كان محمد هدبا المنقذ الذي دخل إليهما في حفرتهما حيث احتجزتا تحت الأنقاض.
يروي هدبا تفاصيل العملية لموقع "الحرة" حيث بدأت استجابة الفريق للبلاغ فور وروده فجرا. "حضّرنا الفرقة بالمعدات اللازمة وانطلقنا، بعد الكشف على المبنى حددنا المكان الذي سنبدأ العمل منه، وتمكنا من سماع أصوات المرأة الحامل المحاصرة مع ابنتها، على عمق ثلاثة طوابق تحت الأرض."
"بدأنا العمل بيدينا، صدقا أن أصابعنا تحفرت، والمشكلة أننا اضطررنا لرفع الأنقاض حجر بحجر، فأي خطأ من شأنه أن يؤدي لمزيد من الانهيارات في المكان، فيقتل الناجين أو المنقذين، وقد يؤدي إلى سقوط صخور على رؤوس الناجين، فضلا عن ذلك فإن اعمال رفع الأنقاض تنتج الكثير من الغبار والدخان الذي من شأنه أن يؤدي لاختناقهم، وهذا ما كنا نحاول تفاديه عبر سكب الماء طيلة الوقت في مكان الحفر لمنع الغبار من الانتشار"، وفق ما يؤكد هدبا.
استمرت العملية لمدة 9 ساعات من الحفر، بحسب المنقذ، "اضطررنا لقص عواميد الحديد والإسمنت، كانت أشبه بمعجزة فعلميا بعد الدخول في اليوم الثالث على الكارثة تتضاءل جدا احتمالات العثور على أحياء، لاسيما في ظل انخفاض درجات الحرارة التي بلغت حد الـ 15 درجة تحت الصفر، ولكن سبحان الله كان نصيبهم أن بقوا أحياء."
ويتابع هدبا روايته للتفاصيل: "في البداية قمنا بحفر نفق إليهم، تمكنا عبره من إيصال الغذاء والماء والأوكسيجين لهم، أولا قدمنا لهما السكر والأوكسيجين، بناء على نصيحة الطبيب المواكب، من ثم أوصلنا لهم الماء والغذاء."
استعان الفريق بمترجم تركي – عربي، وعبره تواصل مع الامرأة المحاصرة وعلم منها أنها حامل، وأن ابنتها إلى جانبها تلفظ أنفاسها الأخيرة، في هذه اللحظة يقول هدبا "انهمرت الدموع من أعيننا، كل الفريق كان يبكي، وزاد حزننا حين استطعنا أن ندخل كاميرا ونصور طبيعة المكان العالقين به، كانت ظروف لا تصدق، كانت الأم وابنتها عالقتان في مساحة أقل من متر واحد، والركام يحيط بهم من كل ناحية. ولكن ذلك اعطانا دافع أكبر وأمل للعمل."
خلال مهمة الإنقاذ، ضربت المنطقة هزة ارتدادية، "طلبوا مني اخلاء المكان بسرعة بسبب الهزة خوفا من انهيار الركام علينا، ورغم خطورة الأمر، لم استجب للتحذيرات، واستمريت في العمل إلى أن نجحت في انتشال الطفلة، كنت قد بلغت مرحلة قررت فيها إما أن أنقذهم أو أموت إلى جانبهم."
وبحسب تأكيد هدبا، لم يعثر في مدينة البستان على أي ناجين، باستثناء الامرأة وابنتها، "ولهذا السبب ضجت القصة كثيرا، كان شعورا لا يوصف، حتى الناس التي تجمعت حولنا في الشوارع كانوا يقبلوننا ويشكروننا فلم يخرج غيرهم في كامل المنطقة على قيد الحياة."
شعور تشاركه كامل الفريق مع محمد، ومن بينهم المسعف في الصليب الأحمر اللبناني عبد الله زغيب، الذي كان مشاركا في العملية، يقول لموقع "الحرة" إن الشعور الذي انتاب الجميع لم يكن قابلا للوصف، "المساهمة في انقاذ حياة أشخاص، خاصة مع فرحة الشباب بنجاتهم وفرحة الناس من حولنا، منحتنا دفعا قويا وفعالية لنستمر بالعمل، حتى لو بحثنا بأيدينا، خاصة وأن انقاذ الناس هو مجال عملنا وهدفنا الأسمى."
لكن غصة الفريق عادت بعد العثور على جثتين في المكان، تبين أنهما يعودان إلى زوج الامرأة وابنها، كانا قد توفيا تحت الأنقاض. ومع ذلك فإن نجاح الفريق في انتشال الأم الحامل وابنتها أعطاه سمعة طيبة في المنطقة، يقول هدبا "ازداد الطلب علينا بالاسم، كلما سمع أحد صوتا من تحت الركاب يطلب حضور الفريق اللبناني، وضعت الناس كل أملها بنا بعد نجاح عملية الإنقاذ.
صعوبات لا تنتهي
"أثناء تنقلنا، كانت بزاتنا تتغطى بالصقيع والجليد لشدة البرد فتصبح بيضاء اللون"، وفق المنقذ في الدفاع المدني اللبناني يوسف الملاح، "كنا نعمل بظروف صعبة جدا، ففي النهار درجة الحرارة تصل إلى خمس درجات تحت الصفر، وتتدنى ليلا إلى 18 تحت الصفر، ولكن حين نكون في المهمة ننسى التعب والبرد".
أما من ناحية نجم، فيرى أن أبرز الصعوبات التي واجهها الفريق كان حاجز اللغة مع المجتمع التركي، "فنوعية عملنا تتطلب تواصلا مع الأهل وأخذ المعلومات منهم، فيما الذين يتحدثون بالعربية قليلون جدا، فضلا عن الإنكليزية أو الفرنسية، فكنا دائما بحاجة مترجمين أتراك من أجل التواصل مع الناس وأخذ المعلومات منهم عن الأبنية التي نعمل فيها."
إضافة إلى ذلك، "لم يكن هناك أي وسيلة تواصل فالاتصالات متقطعة، ولا محال تجارية، أو أماكن لتقديم الخدمات، أو شراء أو شحن الهواتف، كان العمل صعب لأن طبيعة الأرض صعبة ومختلفة جدا عن طبيعة الأرض في لبنان"، وفق نجم.
لا تنتهي الصعوبات التي يستذكرها أعضاء الفريق، بالنسبة إلى زغيب مثلا، كان أخطر ما في الأمر الهزات الارتدادية التي تحصل بين الساعة والأخرى، "فتضعنا جميعا تحت الخطر من منقذين أو سكان. وبكوننا نشهد أمامنا على المأساة ونتائج الزلازل والانهيارات، فكنا نضطر لترك كل شيء من يدنا والابتعاد."
هاجس تشاركه زغيب مع هدبا الذي يؤكد أن الهزات الارتدادية والزلازل باتت روتين يتكرر كل ساعة أو ساعتين. "كنا نخشى أن يهبط مكان اقامتنا علينا أيضا، ولا يمكن البقاء في خيمة أو في الخارج في ظل البرد.
يستذكر المنقذ اللبناني قصة سيدة تركية نجت من الزلزال الكبير، "أصرت على العودة إلى منزلها لإحضار بعض الأغراض، رغم أن ذلك ممنوعا، ولكنها توجهت خلسة إلى المنزل ودخلت، وإذ بهزة ارتدادية تضرب بالتزامن فانهار المنزل عليها وتوفيت وعملنا على سحب جثتها. ولأننا كنا من أول فريق انقاذ وصل، فقد شهدنا في المدينة كافة الهزات الارتدادية وما أدت إليه من دمار لاحق وتسببت به من خطر."
يضيف هدبا "عانينا حتى بتوفير الطعام في اليومين الأولين، إلى أن بدأ يصلنا الغذاء، فلا مطاعم ولا متاجر ولا مخازن ولا السلطات المحلية قادرة على توفير أي شيء في ظل الكارثة القائمة، فلا مياه ولا غاز، المنطقة منكوبة بكل معنى الكلمة. أضف إلى كل ذلك سماكة الثلوج كانت مرتفعة جدا. كنا نعمل ويدينا ترتجف. لم نكن نتوقع كل ذلك."
مشردون بين منازلهم
القصص من فوق الركام لا تقل مأساوية عما جرى تحت الركام، فبحسب هدبا "الناس التي باتت تعيش مشردة على الطرقات راحت تشعل أثاث المنازل المدمرة، لتفادي التجمد، ولا أعلم كيف ينجو المشردون في العراء، بلا بطانيات ولا ملابس ولا مدافئ."
من جهته يرى نجم أن "أكثر ما يزعج ويؤسف ويشعرك بواجب أن تقوم بما يفوق استطاعتك وامكاناتك، هو وجود الأهل الناجين أمام المباني المهدمة، ينتظرون وصول فرق الإنقاذ، يستمعون إلى نفس أو همس أو صوت من أحد في الداخل، حين كانوا يروننا كفريق إنقاذ يتمسكون بنا وبثيابنا لنبحث لهم عن أحبابهم تحت الركام، لحسن الحظ أخرجنا عددا من الأحياء ولسوء الحظ كان العدد الأكبر متوفين."
المشهد الذي لا يمكن نسيانه بحسب النقيب في فوج الإطفاء، "هو وقوف الأم والأخ والابن على أطلال الأبنية ينادون أحباءهم تحت الركام، وضع لا يمكن تخيله يتسبب بألم كبير، لاسيما وأنه وضع عام، كل الشوارع تتكرر فيها نفس المشاهد طيلة النهار، وما باليد حيلة."
في اليوم الأخير من مهمة الفريق، وفي طريق مغادرتهم، صادفوا شخصا يقف في الشارع ويصرخ بصوت عالي، بحسب ما يروي نجم، "تقدمنا نحوه، فدلنا على قطتين في منزله المتصدع والذي تم اخلاؤه، تقفان على النافذة وتصدران أصواتا، وهو يقف في الأسفل ينادي عليهما ويبكي، فلا يمكنه الصعود إلى المبنى لإخراجهم ولا بمقدورنا نحن أيضا الصعود إلى المبنى بكونه متصدع بشكل كبير ومهدد بالانهيار في أي لحظة، وما من آلية بإمكانها الوصول إلى الداخل، خاصة واننا هنا نتعامل مع حيوانات يمكن أن تهرب منا عند وصولنا إليها، وبالتالي الخطر مرتفع جدا. رحلنا وما كان بإمكاننا أن نفعل شيئا."
مشاهد لا تنسى
بدوره يقول الملاح، "هناك مشاهد تراها وتنساها في اللحظة نفسها، ولكن هناك مشاهد تطبع ولا تنسى، والوصف في هذه الحالة لا يكفي لنقل الصورة الفعلية لما رأيناه هناك، للوهلة الأولى استذكرنا فوراً مشاهد ما بعد انفجار مرفأ بيروت، نتيجة الدمار الكبير وصراخ الناس من تحت الأنقاض ومن فوقها، كان مشهد لا يمكن لعقل أن يتخيله."
ويضيف "الطوابق متساقطة على بعضها لا فراغ بين الطابق والآخر، وبالتالي نسبة النجاة ضئيلة جدا بكونه ليس انهيارا مائلا، وضعنا كامل خبراتنا في المكان الذي عملنا به وبالمعدات المتوفرة لدينا، ولكن بصراحة كان عمل الفريق أعلى من المعدات بكثير، باندفاع وتنظيم وتوجيه."
بحسب زغيب فقد أجرى الفريق اللبناني تقييما بسيطا لما شهده في هذه التجربة، "خلصنا إلى أن كل الحروب التي عايشناها والكوارث التي شهدناها في لبنان، لا تقارن بحجم ما رأيناه في تركيا، في الحروب كنا نرى شارع أو مبنى مدمر، ولكن لا يمكن أن ترى مدن بأكملها سويت بالأرض وأهلها جميعا في الطرقات."
أمر يؤكد عليه نجم إذ "لم يكن شيئا يشبه ما اعتدنا عليه في لبنان، هناك مدن بكاملها متضررة أهاليها مشردين بأكملهم. في الحرب يذهب الأهالي إلى أقاربهم أو أماكن آمنة ليكونوا فيها، في تركيا لم يعد هناك مقصد للذهاب إليه، وأغراضهم في منازلهم عاجزون عن احضارها، هناك أشخاص لا يزالون بثياب النوم التي خرجوا بها اثناء الزلزال."
ويضيف "خلال عمليات الإنقاذ "وجدنا أمواتا بوضعية القرفصاء، ورأينا جثثا تمتد خلف بعضها البعض صفا تحت الأنقاض، كانت الوضعيات تحكي ما عاشوه في اللحظات الأخيرة، إن كان من خوف أو من محاولات هرب."
"من خبرتنا كنا نعلم أن العدد الأكبر من الناس يتجمعون في وقت الكارثة عند أدراج الأبنية"، بحسب هدبا، "وعلى هذا الأساس كنا عندما نصل إلى أي بناء نبدأ البحث من نقطة الدرج، ومعظم الضحايا وجدناهم عند الأدراج، وهناك أيضا وجدنا الامرأة الناجية وابنتها.
ويتابع "كنا ننتقل من مهمة إلى أخرى دون أن نأخذ نفسا أو نستريح، فمشهد الناس التي تنتظرنا وتستنجد بنا وتتصل للإبلاغ عن وجود أحياء في مبان معينة، جعلنا عاجزين عن التوقف، فالأهل يبنون الأمل على الدقيقة والثانية وينتظرون على أحر من الجمر مصير أبنائهم، يسمعون أصوات أو يرنون على الهواتف فيحددون مكانهم."
أما بالنسبة إلى الملاح، فكل المشاهد تشبه بعضها، "الكارثة بحد ذاتها مؤثرة بكل تفصيل منها، ولكن أثر ما ترك تأثيرا علي كان الفريق بحد ذاته، المكون من كل مؤسسات الإغاثة في لبنان ومن كل المناطق اللبنانية وأفواجها، عملنا للمرة الأولى سويا فكان كفريق يعرف بعضه وعمل مع بعضه منذ سنوات، وهذا الأمر ليس سهلا في ظل الكوارث والضغوطات، لكن الرسالة والواجب كان الأولوية الأولى للجميع."
انتهاء المهمة: بإنقاذ جديد
آخر مهمة كان يعمل عليها الفريق اللبناني بالتعاون مع فرق الإنقاذ المحلية، تستهدف انتشال 11 جثة من تحت الأنقاض، نجح الفريق بانتشال 5 جثث وغادروا لتتابع الفرق التركية العملية.
وفيما كان الفريق بطريقه إلى المطار، تبلغوا العثور على أحد الناجين تحت أحد المباني حيث كانوا يعملون، استنادا إلى احداثيات الفريق اللبناني، الذي أعرب المنقذون الأتراك عن امتنانهم له، على مساهمته الفاعلة التي قدمها، وهو ما عاد وأكده سفير لبنان في تركيا غسان المعلم، الذي لفت في تصريحات صحفية، الى أن "الفريق قام باكتشاف أساليب جديدة لانقاذ أشخاص من تحت الأنقاض، واستطاع انقاذ الكثير من الأحياء، كما حصل على تهنئة من قبل السلطات التركية."
لكن المهمة انتهت بحسب نجم، "فبعد مرور أكثر من 72 ساعة، بات من الصعب جدا العثور على ناجين وبدأ العمل يتركز على الآليات الثقيلة لإزالة الركام واتمام البحث عن الجثث، وهذا ما لا نملكه نحن ولا نعرف الطرقات ولا يمكننا قيادة آليات الفرق التركية وبالتالي انتهت مهمتنا الأساسية."
ويضيف "المهم اننا تمكنا من صنع فارق بسيط. وعدنا مرتاحين للمهمة التي اديناها على أكمل وجه، ويكفينا حجم التقدير والشكر الذي تلقيناه من الناس هناك، كانت أكثر كلمة تركية فهمناها "تشكرات".
في سوريا: المهمة مستمرة
إلا أن المهمة في سوريا لم تنته بعد، بحسب ما يؤكد رئيس مركز حمانا في الدفاع المدني، لويس قمري، في حديث لموقع "الحرة"، حيث لا يزال الفريق اللبناني يقوم بعمليات الإنقاذ والبحث تحت الأنقاض، لاسيما وأن "عمليات الإنقاذ في سوريا كانت ضعيفة جدا نسبة لحجم الدمار، كان هناك نقص معدات ونقص عناصر مختصة، فضلا عن قلة البعثات الدولية التي توجهت إلى سوريا نسبة لما حصل في تركيا، ولو جرى ذلك لربما كان بالإمكان انقاذ عدد أكبر من الأحياء."
كان يفترض بالفريق اللبناني أن يتجه إلى مدينة اللاذقية، إلا أن حجم الدمار الهائل في مدينة جبلة، دفع رئيس البعثة لاتخاذ القرار ببدء العمل فيها فورا، قبل الوصول إلى اللاذقية.
يتحدث قمري عن "مشهد دمار شامل في المدينة، صوت صراخ الناس يعم المكان، من تحت الأرض ومن فوقها، أنين وبكاء وانتحاب، لم نكن نعلم من أين نبدأ، كان هناك صعوبة كبيرة جدا في الانطلاق بالعمل، عدد الضحايا كبير جدا، والأهالي الذين ينتظرون سحب أبنائهم من تحت الأنقاض أكبر بكثير من عدد فرق الإنقاذ، الضغط النفسي هائل جدا، لاسيما وأننا نعمل وبقربنا أهالي الضحايا ينتظرون النتيجة، ومع كل ضحية ننتشلها يتصاعد الصراخ من جديد."
ويتابع "ما رأيته من دمار في جبلة لم يمر عليّ طيلة حياتي، بكل عمليات الإنقاذ التي شاركت بها وكل الحروب والانفجارات التي شهدها لبنان، تخيل كان بإمكاننا سحب قضبان الحديد من عواميد الإسمنت بأيدينا، حتى الإسمنت تفتت."
أنقذ الفريق في اليوم الأول فتاة صغيرة بعد انتشال جثة أمها وأخيها وأبيها، وفق ما يؤكد قمري، "ولكن للأسف من بعدها لم نعثر على أي ناجين."
منذ ثلاثة أيام، يبحث قمري مع الفريق عن شاب عمره 17 عاما كان مع والده عند حدوث الزلزال، تم انتشال والده، وبحسب شهادته فإنه كان إلى جانبه عندما انهار المبنى، "ورغم عثورنا عليه وإزالة كل الردم المحيط، لم نعثر على أحد، ولا يعلم أحد مصيره، ولا يزال هذا الأمر يشغل بالي طيلة الوقت، أين اختفى؟"
فرص الناجين تتضاءل
من جهته يلفت المنقذ علي صفي الدين، رئيس مركز الدفاع المدني في مدينة صور، المتواجد بدوره في سوريا، أن المشكلة تكمن في كون "سوريا بعيدة عن الأضواء نسبة لتركيا، إن لناحية حجم الكارثة أو لناحية المساعدات، أو حتى لناحية دعم جهود فرق الإنقاذ، فحيث نتواجد نحن ليس هناك إلا الفريق اللبناني يعمل إلى جانب الفرق السورية."
ويضيف صفي الدين، "حجم الكارثة هنا كبير جدا، هناك عدد ضخم من المباني المتضررة، والمهدم منها هبط مثل البسكويت، الطبقات فوق بعضها البعض، وهذا يقلل من احتماليات وجود ناجين، فالمباني لم تهبط عن جنبها وانما اطبقت على نفسها، لم نعد نجد أحياء بين الركام للأسف، فالمشكلة أن النسبة الأكبر من الدمار هو دمار كامل وهناك أحياء كاملة سقطت على الأرض."
وتتضاءل حظوظ العثور على ناجين بمرور الوقت في ظل البرد القارس، فبحسب قمري بعد 72 ساعة على الكارثة، تضعف الآمال كثيرا في العثور على ناجين، لاسيما مع درجات الحرارة المنخفضة جدا التي ضربت المنطقة، حيث عثرنا على العديد من الجثث المزرقة، والتي تشير إلى أنهم ماتوا من البرد وليس من الدمار."
حرفية عالية
منذ وصول الفريق اللبناني إلى سوريا، نجح في سحب جثث عشرات الضحايا، وفق صفي الدين، حيث تم العمل بطريقة تقنية دقيقة جدا، اعتمادا على معدات الإنقاذ الهيدروليكية والمقصات والجلخ وغيرها، حيث تم تقسيم الفريق إلى مجموعات تتناوب للمحافظة على استمرار العمل على مدار الساعة، "ومع ذلك يحصل العنصر منا على ساعتي راحة في اليوم فقط."
إلا أن ضعف احتمالات النجاة، وعدم تحديد مواقع لناجين دفع الفريق اللبناني للبدء بالعمل بسرعة لمواكبة حجم الكارثة، حيث بدأ استخدام آليات كبيرة في اعمال الإنقاذ، "ولكن بالوقت نفسه نراعي الدقة للحفاظ على أجساد الضحايا كما هي دون أن تتشوه الجثث احتراما لهم ولمشاعر أهلهم"، وفق صفي الدين.
ويضيف "بفضل الحرفية التي ابديناها في العمل، بتنا مطلوبين بالاسم كفريق لبناني، حيث بدلنا أماكن عملنا مرات عدة آخرها أمس، بعدما طلبونا للعمل في مكان جديد سقط فيه أربعة ضحايا، وأتممنا المهمة بـ 48 دقيقة، فالفريق الذي أرسل إلى سوريا متخصص جدا وخاض دورات تدريبية مكثفة وعالية ولديه تجارب عدة في الكوارث."
يلفت كل من صفي الدين وقمري إلى حجم ترحيب ومساعدة شعبية كبيرة من قبل أهالي المدينة لفريق الإنقاذ، "قوبلنا باهتمام شعبي كبير، كثيرون ساعدوا وعرضوا المساعدة وقدموا طعاما وشرابا وسألونا عن حاجاتنا، وكنا نوجههم إلى الناس المشردين الذين هم بحاجة لتلك المساعدات والمعونات، خاصة وأن هناك حجما كبيرا من الناس خارج منازلها، فنحو 75 في المئة من مدينة جبلة ما عادت قابلة للسكن، وبناياتها متصدعة، فيما السلطات أعطت أوامر لكافة الأشخاص بعدم المبيت في بيوتهم، حيث ينام الناس في ملعب رياضي، بينما لجأ البعض إلى دور العبادة"، وفق قمري.
أصعب المواقف
وعلى الرغم من المشاهد المأساوية السائدة، يشير صفي الدين إلى أن الفريق حافظ على تماسكه وثباته على الأرض وأمام السكان، وكانت الأولوية لأعمال الإنقاذ فقط.
لكن أصعب المواقف التي واجهها كان مع طفل "قالوا لنا إنه لا يزال حيا تحت الأنقاض قبل أن نصل، كان عالقا قرب أمه وأبيه، ويده عالقة بحديد البناء الذي سقط عليهم، وقد توفي، كان هناك صعوبات بالغة بانتشاله، حتى أن أقاربه اقترحوا أن نقطع يده لتسهيل انتشاله، لكنني رفضت، وبقينا نعمل أربع ساعات تحت طابق منهار حتى نجحنا في سحب جثته كاملة دون أي تشوه، هذا المشهد أثر بي كثيرا."
صفي الدين كان قد خسر ابنته في جنوب لبنان خلال "حرب تموز" عام 2006، "خلال عمليات الإنقاذ أنا انتشلتها وانتشلت زوجتي، وبعد انفجار مرفأ بيروت، انقذت طفلة أمضت 15 ساعة تحت الركام، وبقيت 32 يوما خارج منزلي، كل تلك التجارب هي التي تمدني اليوم بالقوة والمعنويات من أجل متابعة العمل، هذا الدافع الإنساني كان يحركني قبل أن تستشهد ابنتي، وازداد هذا الدافع بعدما استشهدت، بت انظر لكل طفل وكأنه ابنتي، وكل رجل كأنه والدي وكل مسنة هي أمي، هذا هو عملنا ومتى يستدعينا الواجب في أي دولة سنكون حاضرين لتلبيته."
يذكر أن منظمة الصحة العالمية اعتبرت أن محنة سوريا "تفوق التوقعات"، طالبة من دول العالم تقديم يد العون، فيما أعلن المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غيبرييسوس توجهه إلى سوريا إلى جانب كل من رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومسؤول الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة.
وقال غيبرييسوس "أنا في طريقي إلى سوريا حيث تدعم منظمة الصحة العالمية الخدمات الصحية الأساسية في المناطق التي ضربها الزلزال الأخير، استنادا إلى عملنا في البلاد منذ وقت طويل".
من ناحيته أعلن الدفاع المدني السوري أن آلاف الضحايا لا يزالون تحت الأنقاض، معلنا الوصول "إلى نقطة حرجة نحتاج فيها إلى دعم دولي."
وكان مدير مرصد قنديللى التركي لرصد الزلازل اعتبر أمس أن زلزال تركيا وسوريا يعادل قوة 130 قنبلة ذرية، في حين رجح المعهد الإيطالي للجيوفيزياء أن يكون زلزال سوريا وتركيا أكبر زلزال تم تسجيله على اليابسة.