عمليات البحث داخل الأنقاض في تركيا
عمليات البحث داخل الأنقاض في تركيا

بات زلزال تركيا والكارثة التي خلفها منذ أربعة أيام "الأكثر دموية" في تاريخ البلاد منذ عام 1939، وهو ما تشير إليه آخر الإحصائيات المتعلقة بأعداد الضحايا، إذ بلغ عدد القتلى حتى ساعة إعداد هذا التقرير ووفق هيئة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد) 18 ألفا و342 وعدد المصابين 75 ألفا و242.

في اليوم الخامس من الكارثة تواصل فرق البحث والإنقاذ عمليات انتشال الضحايا وإخلاء المصابين، وخاصة في المناطق التي كان الوصول إليها صعبا في الأيام الماضية، مثل مدينتي أنطاكيا وكهرمان مرعش، فيما اتجهت للمضي بمراحل أخرى من عمليات الاستجابة، حسب ما قال مسؤول هيئة إغاثية تركية لموقع "الحرة".

وترتبط المراحل بالشروع بعمليات بناء "مدن خيام" في المناطق المنكوبة، على رأسها مدينة غازي عنتاب، والتي نالت نصيبها من الكارثة بـ2529 قتيلا وأكثر من 12 ألف مصاب، يخضعون للعلاج في مشافي المدن التركية الأخرى، والميدانية التي تم تأسيسها على عجل.

وأعلن وزير البيئة والتخطيط العمراني والتغير المناخي، مراد كوروم في بيان من غازي عنتاب، الجمعة أن أنشطة البحث والإنقاذ، التي نفذت في البداية في 1324 مبنى مدمرا، مستمرة حاليا في 108 بنايات.

بدوره تحدث مسؤول إغاثي أنه تم نصب 15 ألف و350 خيمة حتى الآن في المدينة، بالإضافة إلى 500 كرافانة في الأحياء المنكوبة بعنتاب، مثل الإصلاحية ونورداجي، ومن المقرر أيضا إنشاء ملاجئ مؤقتة أخرى في الأيام المقبلة، لأكثر من 130 ألف مواطن.
ولا تقتصر "مدن الخيام" على غازي عنتاب التي تبعد عن مركز الزلزال في كهرمان مرعش قرابة 80 كيلومترا، بل تنسحب أيضا إلى باقي المناطق المنكوبة، في خطوة لمساعدة المنكوبين المقدرة أعدادهم بمئات الآلاف، فيما قضوا أيامهم الأربعة الماضية في الشوارع وبالسيارات.

ووفق الوزير كوروم من المقرر إقامة 25 ألف خيمة في المناطق المنكوبة.

"على 3 مراحل"

في غضون ذلك جاء في بيان عن هيئة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد) أنه وبعد الزلزال الذي بلغت قوته 7.7 درجة في كهرمان مرعش، حدث ما مجموعه 1509 هزة ارتدادية.

ويعمل في المنطقة ما مجموعه 121128 فردا و 12244 مركبة ومعدات بناء، وتتوزع على المقاطعات العشر التي دخلت في "حالة طوارئ"، بعدما صدّق البرلمان عليها يوم الخميس، في أعقاب إعلان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان عنها.

وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أنه تم إجلاء 75780 مواطنا إلى مقاطعات أخرى، في وقت بدأ "الهلال الأحمر التركي" ومنظمات إنسانية غير حكومية بتسليم ما مجموعه 204 مطبخ متنقل ومطابخ ميدانية إلى المناطق المتضررة، بالإضافة إلى مواصلة عملهم في توزيع البطانيات وتقديم خدمات الدعم النفسي والاجتماعي.

وتحدث المسؤول الإعلامي مصطفى أوزبك عضو مجلس إدارة "هيئة الإغاثة الإنسانية" التركية (ıhh) لموقع "الحرة" عن عمليات استجابة يتم العمل عليها في الوقت الحالي، وهي على 3 مراحل. 

وبالنظر إلى حجم الكارثة "يمكننا القول إن فرق البحث والإنقاذ تواجه صعوبات، كما أن الظروف الجوية الباردة والممطرة في مختلف المناطق تجعل ظروف العمل أكثر صعوبة".

ويقول أوزبك: "من الضروري الخوض في العمليات الصعبة من أجل توفير احتياجات التغذية والمأوى اللازمة لفرق البحث والإنقاذ للعمل بطريقة صحية، وتنفيذ نقل المعدات والخدمات اللوجستية الأخرى".

ولم يسفر الزلزال عن انهيار مبانٍ بأكملها على رؤوس ساكنيها، بل خلّف حالة من الشلل الكامل في الساعات الأولى، بعدما تضررت مطارات الولايات الجنوبية، ليقتصر الوصول إلى هناك على طرقات البر، ومن خلال البحر، إذ أعلنت وزارة الدفاع التركية دخول عدة سفن تتبع لها على الخط، من أجل إسعاف المصابين.

في المقابل وعلى مدى الأيام الأربعة الماضية حشد متطوعون أتراك وسوريون في جميع أنحاء البلاد لمساعدة الضحايا والمنكوبين، بما قد يسد وبشكل أولي تداعيات الفاجعة التي باتوا يعيشون فيها، ولاسيما أن الكارثة الحاصلة لم تستهدف مدينة واحدة أو اثنتين بل توسعت رقعتها الجغرافية، لعشر مقاطعات، وهو ما ضاعف من تداعياتها، وأخّر وصول الدعم الفوري، من جانب عمال البحث والإنقاذ. 

ويوضح المسؤول الإنساني التركي أن "الجغرافيا المتأثرة كبيرة جدا، وتؤثر بالتأكيد على وقت الوصول إلى الضحايا، ومع ذلك نظمت الفرق بسرعة هائلة وانطلقت، وبدأوا العمل في المحافظات التي وصلوا إليها، دون راحة ودون انقطاع".

"لا يمكننا أن نتوقع وجود أطقم في الموقع فور وقوع الزلزال. وقت التحضير والخروج من 5-6 ساعات في المعايير الدولية. كانت الفرق في المقاطعات المجاورة على رأس حطام المباني في 3-4 ساعات وهذا نجاح كبير".

ويتابع أوزبك أنه ووفقا للمعلومات المتاحة "لا توجد منطقة متضررة لم يتم الوصول إليها".

لكن ومع ذلك، نظرا للعدد الكبير من المباني المنهارة، يتوقع المتحدث أن تستمر عملية الاستجابة لبضعة أسابيع أخرى.

ويوضح بالقول: "لأنه إلى جانب أعمال البحث والإنقاذ، يجب توفير احتياجات مأوى مؤقتة (خيمة - طعام - مشروب) ، كما يجب إجراء تقييم للأضرار وأعمال إزالة الحطام. بعد ذلك، يبدأ عمل التحسين".

"ناجون في اليوم الخامس"

وعلى الرغم من تضاءل فرص العثور على أحياء تحت الأنقاض مع دخول الكارثة يومها الخامس، إلا أن فرق البحث والإنقاذ أعلنت العثور على ناجين في كهرمان مرعش، ومدن منكوبة أخرى، وبلغ عددهم 7.

وبعد التواصل مع شقيقتين تحت الأنقاض صباح الجمعة، تم انتشالهما وهن أحياء، كما أفادت الأنباء أنه تم إنقاذ المواطنة السورية فاطمة، بعد 100 ساعة من الزلزال. 

وتم إخراج المهندس المدني حكمت يغيتباش البالغ من العمر 30 عاما مصابا بجروح في الساعة 100 من عمليات البحث والإنقاذ في 600 منزل في منطقة أنطاكيا بولاية هاتاي.

وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن الطقس الشتوي السيئ ودرجات الحرارة المنخفضة إلى ما تحت الصفر، تصعب بشدة عمليات الإنقاذ وتقلل فرص صمود العالقين تحت الأنقاض في تركيا وسوريا.

ويقول الخبراء إن الحفاظ على الإرادة النفسية والعقلية المركزة على البقاء قد يكون أمرا حاسما للبقاء على قيد الحياة، فيما يتفق الأطباء أنه "من النادر العثور على ناجين بعد اليوم الخامس، ولذلك فإنه بداية من اليوم السابع ستفكر معظم فرق البحث والإنقاذ في التوقف بحلول ذلك الوقت".

عفراء تبتسم حتى للغرباء
قصة عفراء جذبت أنظار العالم وسط المآسي التي خلفها الزلزال المدمر

 الطفلة التي ولدت تحت أنقاض منزل أسرتها الذي دمره الزلزال المميت في تركيا وسوريا قبل ستة أشهر تتمتع الآن بصحة جيدة وتحب أسرتها بالتبني والابتسام حتى للغرباء.

قضت الطفلة عفراء، ذات الشعر الداكن، عشر ساعات تحت الأنقاض بعد أن ضرب الزلزال سوريا وتركيا، في 6 فبراير الماضي، وتسبب في وفاة والديها وأربعة من أشقائها في بلدة جنديرس شمالي سوريا. وعندما تم العثور عليها، كان حبلها السري لا يزال متصلا بوالدتها.

جذبت قصتها أنظار العالم في ذلك الوقت، وعرض كثيرون من جميع أنحاء العالم تبنيها.

وبعد أن أمضت أياما في أحد المستشفيات شمالي سوريا، أُخرجت عفراء وتم تسليمها إلى عمتها وزوجها اللذين يقومان بتربيتها مع بناتهما الخمس وابنيهما.

وقال والدها المتكفل برعايتها، خليل السوادي، إن عفراء تم تسليمها لأسرة عمتها بعد أيام من إجراء اختبار الحمض النووي للتأكد من أن الفتاة وعمتها مرتبطتان بيولوجيا.

بدت عفراء، يوم السبت، مستمتعة بينما كانت تتأرجح على أرجوحة حمراء تتدلى من السقف ويدفعها السوادي إلى الأمام والخلف.

وقال السوادي، وهو يجلس القرفصاء وعفراء في حجره: "هذه الطفلة ابنتي... هي بالضبط مثل أطفالي".

وأضاف السوادي أنهم يقضون النهار في شقة استأجرها، لكن في الليل تذهب الأسرة إلى خيمة من الخيام لقضاء الليلة، حيث لا يزال أطفاله يعانون من صدمة الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص في جنوبي تركيا وشمالي سوريا.

وفقا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، سجل أكثر من 4500 وفاة و10400 إصابة في شمال غربي سوريا بسبب الزلازل. وقدر بأن 43 في المئة من المصابين نساء وفتيات، بينما كان 20 في المئة من المصابين أطفال، تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 14 عاما.

وضرب الزلزال المدمر الذي بلغت قوته 7.8 درجات على مقياس ريختر في الساعات الأولى من 6 فبراير وتلته عدة توابع. وكان شمال غربي سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة من بين المناطق الأكثر تضررا ، حيث يعيش أكثر من 4.5 مليون شخص، معظمهم من النازحين بسبب الصراع الذي قتل أكثر من نصف مليون شخص.

يقول السوادي، عندما تكبر عفراء، سيخبرها بقصة إنقاذها وكيف قُتل والداها وأشقاؤها في الزلزال المدمر. وأضاف أنه إن لم يخبرها، فستخبرها زوجته أو الأبناء.

وبعد يوم من وصول الطفلة إلى المستشفى، أسماها المسؤولون هناك "آية". لكن بعد تكفل أسرة عمتها برعايتها، أطلق عليها اسم "عفراء"، تيمنا بوالدتها الراحلة.

بعد أيام من ولادة عفراء، أنجبت عمتها طفلة أسمتها عطاء. ومنذ ذلك الوقت، كانت ترضِع الطفلتين، حسبما أوضح السوادي.

وتابع "عفراء تشرب الحليب وتنام معظم اليوم".

يشير السوادي إلى أنه تلقى عدة عروض بالعيش في الخارج، لكنه رفض لأنه يريد البقاء في سوريا، حيث عاش والدا عفراء وحيث ماتا.

كان والد عفراء البيولوجي، عبد الله تركي مليحان، في الأصل من قرية خشام في دير الزور شرقي سوريا، لكنه غادر، في عام 2014، بعد سيطرة تنظيم "داعش" على القرية، وفق ما قاله صالح البدران، عم والد عفراء.

وأوضح السوادي "نحن سعداء للغاية بها، لأنها تذكرنا بوالديها وأشقائها. إنها تشبه والدها وشقيقتها نوارة كثيرا".