نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا مطولا، الخميس، تضمن مقابلات مع أتراك تضرروا نتيجة الزلزال، وقال أحدهم إن "لا أنطاكيا بعد اليوم"، فيما أضاف آخرون أن الزلزال "دمر مدينة وحضارة".
ووسط مشاهد الدمار والمعاناة واسعة النطاق في البرد القارس، يبدو الحزن على سكان فقدوا أقارب أو أصدقاء، أو خسروا أملاكهم وضاعت ذكرياتهم.
وتقول الصحيفة "كانوا ينامون في أي مكان، في شوارع خالية من الضوء، وفي حدائق صغيرة، بجوار مدرسة ابتدائية، على منحدر يضم إحدى أقدم الكنائس المسيحية في العالم".
وتقع أنطاكيا، العاصمة القديمة لمقاطعة هاتاي، ضمن المنطقة الأكثر تضررا من أسوأ زلزال شهدته تركيا منذ ما يقرب من قرن، كان الآلاف يكافحون من أجل استيعاب الكارثة التي قلبت حياتهم رأسا على عقب وتركت الكثيرين بلا منزل ولا ممتلكات ولا ذكريات، وبالنسبة للبعض، لا مستقبل هنا.
وكان الكثيرون يكافحون من أجل قضاء ليلة أخرى. كانت السيارات باردة للنوم وصغيرة جدا بحيث لا تتسع لمعظم العائلات. لكنها يمكن أن تكون أكثر دفئا من الخيام.
وللتعبير عن الأوضاع التي يعيشها الكثيرون في المدينة، قالت، سابا يجيت (52 سنة)، والتي تعمل مربية، "لا كهرباء، لا ماء، لا مرحاض".
وفي المدينة المنكوبة يبيت الكثيرون في العراء وفي أماكن غير متوقعة مثل أحد أسواق الخضار، الذي تحولت فيه الأكشاك لأسرّة مؤقتة، في وقت يشتكي فيه المواطنون من ضعف الإغاثة.
ويقول سكان إن الخضراوات جاءت من مجموعات إغاثة، وهي الغذاء الوحيد المتاح لمعظم الناس في أنطاكيا.
وليلة الخميس كانت رابع ليلة يقضيها معظم الناس في أنطاكيا في النوم بالخارج، حيث فقد الكثيرون منازلهم في الزلزال، في حين خشي آخرون من أن تؤدي أدنى هزة ارتدادية إلى سقوط المنازل والشقق المتضررة أيضا، وسط خوف من الذهاب إلى الداخل لاستخدام المراحيض القليلة التي كانت تعمل.
وقالت صبرية كاروغلان (70 سنة)، التي جلست على كرسي بمنطقة جبلية مطلة على المدينة، وكانت تلف نفسها ببطانية رقيقة: "بينما ننتظر الخيام، سنموت هنا على مقاعدنا".
وفي شأن متصل، تقول فرانس برس "في مدينة أنطاكيا التي دمرها الزلزال قطع عمال مناجم مسافة ألف كيلومتر لتقديم المساعدة. وقد تسلح هؤلاء بمعاول ومجارف ومناشير تستخدم في المناجم وهم يحاولون مساعدة أشخاص عالقين تحت كتل الإسمنت والحديد".
وأضافت "كانت جرافة تساعد في إزالة الركام عندما طلب منها المشرف على فريق عمال منجم زوغولداك قرب البحر الأسود، التوقف. وكان يحطم بمطرقته كتلة من الإسمنت وطلب غطاء بعدما عثر على طفل ميتا في سريره. وقد حمل الوالد جثة الطفل الملفوفة بشرشف بين ذراعيه صامتا".
نسيبة كولوبيجي أوغلو، التي تمكنت من الخروج سالمة من سريرها مع ابنتها، فقدت ستة من أقاربها في الزلزال ولم تعد تأمل بالعثور عليهم أحياء. وهي ممتنة لعمال المناجم، لكنها حانقة من الحكومة وتندد ببطء عمليات الإغاثة شأنها في ذلك شأن، هاكان تنريوردي، وهو من سكان مدينة أديامان في جنوب تركيا، وفقا للوكالة.
وأوضح هذا الأخير "نحن مجروحون في الصميم من أن أحدا لا يدعمنا".
وأضاف، محمد يلديريم، غاضبا "لم أر أحدا قبل الساعة 14:00 من اليوم التالي للزلزال" أي بعد 34 ساعة على أول زلزال موضحا "لا دولة ولا شرطة ولا جنود. عار عليكم لقد تركتمونا لحالنا".
ويذكر تقرير الصحيفة المطول أن مدينة أنطاكيا "تأسست عام 300 قبل الميلاد، من قبل جنرال سابق للإسكندر الأكبر، وتعرضت للتدمير وإعادة البناء عدة مرات. وكانت مركزا تجاريا قويا، وكانت ذات يوم ثالث أكبر مدينة في الإمبراطورية الرومانية".
وتعاقبت على المدينة حضارات قديمة، وكانت تضم أماكن تاريخية، مثل كنيسة مبنية في كهف، ومساجد حجرية قديمة في أقدم جزء من المدينة، وموقعا يضم قطعة من الفسيفساء البيزنطية الجميلة.
"لا أنطاكيا بعد اليوم"، هكذا قال، كاظم قسيري (41 عاما)، وهو صاحب فندق "سافون" الراقي في أنطاكيا، والذي كان ينام في سيارة في فناء الفندق مع حوالي 25 من الأقارب والموظفين وأقاربهم وأصدقائهم.
وأضاف "لقد فقدت أصدقائي. لقد فقدت الأماكن والمباني حيث أكلت وشربت مع أصدقائي. لقد فقدت كل ذكرياتي. ليس لدي أي سبب للعيش في هاتاي بعد الآن. لأنه لا يوجد شيء".
ووفقا للتقرير "لم يستثن أحد من الكارثة. في بعض الأحياء، تحطم كل مبنى أو تضرر. وحتى في أقدم جزء من المدينة، دمرت المساجد القديمة والكنائس والمعبد اليهودي كلها بالكامل تقريبا".
وقال عيسى سولماز (51 عاما)، والذي نشأ في أحد أحياء أنطاكيا قبل الانتقال إلى إسطنبول للعمل، بعد أن أنقذ شقيقه والدتهما من تحت أنقاض منزلها، إن "كل شيء كنا نعرفه كأطفال وكل شيء عرفة آباؤنا وأجدادنا قد اختفى".
وأضاف سولماز: "أنت تنام، تستيقظ ثم لا تتذكر طفولتك بعد الآن"، وتوقع أن يغادر معظم سكان أنطاكيا المدينة. "إنه فقدان للذاكرة. إنها ليست مدينة، لقد اختفت. إنه تاريخ كامل. إنها حضارة".
ولفت التقرير إلى أن جميع المحلات التجارية والمطابخ والمطاعم تدمرت، ويأتي الطعام من مساعدات إنسانية، وغالبا ما يتضمن العدس مع المعكرونة العادية أو التونة المعلبة أو البسكويت.
وأشار إلى أن الكهرباء والمياه والوقود والغاز والاتصالات انقطعت عن المدينة أيضا جراء الزلزال، ويعاني الناجون من البرد، ورغم أن مجموعات إغاثة وزعت بعض البطانيات والملابس الدافئة، كان على الأشخاص الذين ينامون في العراء حرق أي شيء يمكنهم العثور عليه للتدفئة.