"هل يمكن أن تكون الحكومة التركية مسؤولة بشكل ما عن كارثة الزلزال؟ وهل كان من الممكن تفاديه ببعض القرارات الإدارية الصائبة؟ وهل يدفع الآن آلاف الضحايا من الأتراك ثمن سوء التصرف الحكومي؟" تساؤلات طرحتها وكالة "أسوشيتد برس" في تقريرها، الجمعة، الذي يشير إلى أن الإهمال في اتباع إجراءات السلامة في أنظمة وقوانين البناء التركية، والتي كانت معروفة قبل الزلزال، لعب دورا حاسما في تعميق الكارثة.
ونقل التقرير عن الخبراء قولهم إن تركيا تجاهلت على مدار سنوات طويلة فرض قوانين البناء الحديثة واتباع قواعد الأمان، بل وشجعت الاستثمار العقاري وتوسيع أعمال التشييد والبناء في المناطق التي حذر خبراء في الجيولوجيا والهندسة من احتمالية تعرضها للزلازل منذ سنوات عديدة.
هذا الإهمال والتراخي في تطبيق القانون أصبح الآن محل نقاش وتدقيق في أعقاب الزلزال المدمرة الذي وقع، الاثنين، ودمر ما لا يقل عن ١٢ ألف مبنى وراح ضحيته أكثر من 23 ألف شخص في أنحاء تركيا وسوريا.
ويؤكد خبراء متخصصون في التخطيط والهندسة المعمارية تحدثت معهم "أسوشيتد برس" أن "فداحة هذه الكارثة سببها معايير البناء الرديئة من مواد وأساليب والمخالفة للقواعد الحكومية، وليس الزلزال".
وقال الخبراء للوكالة إنه من الطبيعي حدوث مثل هذه الكارثة على هذا المستوى لأن المناطق التي تضررت من الزلزال كانت تضم مبان قديمة متهالكة بالإضافة إلى المباني الحديثة التي لم تتبع قواعد البناء الصحيحة.
وأضافوا أن هذه المشكلة تم تجاهلها لأن معالجتها سيكون مكلفا اقتصاديا، وسيمثل عبئا على الحكومة التي تعاني من ضعف شعبيتها بالأساس.
وهاجم خبراء سياسات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي اعترف بالفعل بوجود "أوجه قصور" في استجابة البلاد للكارثة، وطالبوا بمحاسبته وجميع المسؤولين الآخرين عن أعمال البناء التي ساعدت في دفع النمو الاقتصادي في تركيا وبالتالي تعزيز مكانة وشعبية حزب العدالة والتنمية.
وذكرت الوكالة دلائل عدة على الإهمال الحكومي، مثل منح عفو للشركات والأفراد المسؤولين عن انتهاكات معينة لقوانين البناء في البلاد والاكتفاء بالغرامة وذلك قبل وقت قصير من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة في تركيا في عام 2018، وأعلنت وقتها أن أكثر من نصف جميع المباني في تركيا، التي تمثل حوالي 13 مليون شقة، لا تمتثل للمعايير بما في ذلك البناء بدون تراخيص وإضافة توسيعات مثل طوابق وشرفات، بالإضافة إلى وجود ما يسمى بالمنازل العشوائية التي يسكنها منخفضو الدخل.
"هذا العفو أضفى الشرعية على المباني غير الآمنة وكان وسيلة لتأمين الأصوات لأردوغان وحزبه"، وفقا لما نقلته الوكالة عن رئيس غرفة المهندسين المعماريين في تركيا، قائلا" "ندفع الثمن الآن بآلاف القتلى ودمار آلاف المباني، فضلا عن الخسائر الاقتصادية".
وتعد المدن الفقيرة هي المتضرر الأكبر، بحسب التقرير الذي أوضح أنه في عام 2021، حذرت غرفة المهندسين الجيولوجيين في تركيا من خلال عدة تقارير من خطورة حالات المباني في المناطق التي حطمها الزلزال هذا الأسبوع، بما في ذلك كهرمان مرعش وهاتاي وعثمانية.
وأشارت "أسوشيتد برس" إلى أن كارثة الزلزال ستتسبب بإضعاف موقف أردوغان وحزبه في الانتخابات برلمانية ورئاسية، في مايو القادم، في وقت يعاني فيه من انحسار شعبيته بسبب التدهور اقتصادي وارتفاع التضخم، خاصة أنه طالما كان يروج لفكرة أنه صاحب طفرة البناء والمعمار في تركيا في السنوات الماضية.
مشكلة أخرى يواجهها أردوغان ذكرتها "أسوشيتد برس" في تقرير آخر لها وهي أن سوء الطقس الشتوي والأضرار التي لحقت بالطرق والمطارات تسببت في إعاقة الاستجابة للكارثة. واشتكى البعض في تركيا من أن الحكومة كانت بطيئة في الاستجابة، وهو تصور قد يصعب وضع الرئيس التركي.
ونقلت الوكالة عن عدد المواطنين الأتراك قولهم إنهم يبيتون في الشوارع خوفا من العودة لمنازلهم التي يمكن أن تنهار بسبب توابع الزلزال لكنهم في الوقت نفسه يخشون من الحديث خوفا من انتقام الحكومة منهم.