البكاء والعويل يسمع من تحت الأنقاض في سوريا وسط عدم تواجد فرق الإنقاذ الدولية
البكاء والعويل يسمع من تحت الأنقاض في سوريا وسط عدم تواجد فرق الإنقاذ الدولية

تدفقت آلاف الأطنان من المساعدات الإنسانية الدولية إلى تركيا جراء الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب البلاد وأجزاء من الشمال السوري أيضا.

واستجابت فرق الدعم من أماكن بعيدة مثل تايوان لطلب المساعدة من الحكومة التركية. لكن سوريا، المنقسمة على نفسها والمعزولة عن معظم العالم، تُركت تواجه الكارثة بمفردها، وفق تقرير لصحيفة "واشنطن بوست".

في زيارة "نادرة" للمناطق السورية المتضررة بشدة جراء الزلزال المدمر والتي تسيطر عليها الجماعات المسلحة المدعومة من تركيا، وجدت صحيفة "واشنطن بوست" مجتمعات محاصرة ووحيدة ومصابة بـ "الصدمة والحيرة".

استغرق الأمر أربعة أيام حتى توقف أنين الأشخاص المتواجدين تحت الأنقاض الذين صرخوا لإنقاذهم، لا سيما النساء اللواتي كن يصرخن لإنقاذ أطفالهن على وجه الخصوص.

وعلى بعد 10 كلم عن الحدود التركية، لم يكن هناك عمال إنقاذ دوليون لإنقاذ الأشخاص الذين علقوا تحت الأنقاض. ولم تجلب أي شحنات من المواد الطبية للناجين عندما انخفضت المخزونات.

في بلدة جنديرس التابعة لمنطقة عفرين بمحافظة حلب في سوريا، تم انتشال 850 جثة على الأقل بحلول صباح الجمعة.

وعلى الرغم من أن المئات الآخرين لا يزالون في عداد المفقودين، إلا أن عددا قليلا من السوريين لا يزال يعتقد بوجود أشخاص على قيد الحياة تحت المباني التي دمرها الزلزال.

قال رئيس بلدية المدينة، محمود حفار: "كنا بحاجة للمساعدة هنا، وعندما طلبنا، لم يأتِ أبدا".

وكان معبر باب السلامة الحدودي بين تركيا وسوريا شبه خالٍ، الجمعة، إذ تواجدت سيارة إسعاف واحدة فقط كانت تنتظر الدخول، فيما كان السوريون الوحيدون الذين عبروا هم أولئك الذين أعيدوا إلى عائلاتهم في أكياس جثث.

في جيندريس، جاء توزيع المساعدات الوحيد من الجمعيات الخيرية المحلية، أكياس بلاستيكية من الطعام وبطانيات مكدسة على شاحنات مسطحة، حسب الصحيفة.

وبينما كانت الحفارات الضخمة تعمل في الأنقاض بحثا عن صبي يبلغ من العمر 13 عاما، طلب رجل من المراسلين مساعدته في الاتصال بالأمم المتحدة للحصول على المساعدة.

وقال: "ربما لا يعرفون ما حدث في جنديرس. لا أحد يستطيع رؤية هذا وألا يأتي إلى هنا".

لطالما عانى هذا الجزء من سوريا من الأزمات المتتالية، وهو موطن لملايين الأشخاص الذين واجهوا الحرب والنزوح والجوع والمرض. وحتى قبل الزلزال، كان هناك 4.1 مليون شخص بحاجة إلى مساعدة إنسانية في هذا الجيب السوري.

في بلدة صوران الصغيرة التي تبعد 16 كلم عن الحدود التركية، قال محمد جاسم، 21 عاما، "سمعنا أن الأسوأ كان في جنديرس".

وكان جاسم ذهب للمساعدة في جهود الإنقاذ بعد أن علم أن عمته وزوجها وأطفالهم قتلوا في منزلهم بجنديرس.

وأضاف "قالوا إن هناك المئات تحت الأنقاض ولم يكن لديهم المعدات اللازمة لمساعدتهم".

كان جاسم يسمع صرخات طوال اليوم تأتي من تحت الركام، قائلا: "تخيل تسمع صوت البكاء بعد أربعة أيام" من وقوع الزلزال، مردفا أنه "أمر لا يمكن تصوره. لقد مات الجميع".

والخميس، وصلت أول قافلة مساعدات من الأمم المتحدة إلى المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد في شمال سوريا، وسط دعوات إلى عدم "تسييس" عمليات الإغاثة، على خلفية الصراع القائم بين النظام وفصائل المعارضة المسيطرة على هذه المنطقة.

وأكد مازن علوش، المسؤول الإعلامي في معبر باب الهوى الحدودي الوحيد المفتوح بين البلدين المتضررين، أن "أول قافلة مساعدات من الأمم المتحدة دخلت بعد أربعة أيام من الزلزال".

والجمعة، أعلنت منظمة الدفاع المدني السوري المعروفة باسم "الخوذ البيضاء"، عن انتهائها من عمليات البحث والإنقاذ والانتقال لمرحلة البحث والانتشال، وذلك بعد خمسة أيام من كارثة الزلزال الذي ضرب مناطق في تركيا وسوريا.

وبعد 12 عاما من الحرب الأهلية الطاحنة، أصبح شمال غرب سوريا ملاذا لملايين المدنيين أو المقاتلين السابقين الذين يخشون على سلامتهم إذا عادوا إلى مناطق الحكومة.

وجاء زكريا طباخ، 26 عاما، إلى جنديرس من حلب، المدينة التي دمرت بسبب براميل الأسد والغارات الجوية. وبنى طباخ حياة جديدة في جنديرس، حيث تزوج وأنجب طفلين.

وبسبب الزلزال، فقد طباخ زوجته وطفله عبدالهادي البالغ من العمر سنتين فقط بعد أن بقيا تحت الأنقاض.

عفراء تبتسم حتى للغرباء
قصة عفراء جذبت أنظار العالم وسط المآسي التي خلفها الزلزال المدمر

 الطفلة التي ولدت تحت أنقاض منزل أسرتها الذي دمره الزلزال المميت في تركيا وسوريا قبل ستة أشهر تتمتع الآن بصحة جيدة وتحب أسرتها بالتبني والابتسام حتى للغرباء.

قضت الطفلة عفراء، ذات الشعر الداكن، عشر ساعات تحت الأنقاض بعد أن ضرب الزلزال سوريا وتركيا، في 6 فبراير الماضي، وتسبب في وفاة والديها وأربعة من أشقائها في بلدة جنديرس شمالي سوريا. وعندما تم العثور عليها، كان حبلها السري لا يزال متصلا بوالدتها.

جذبت قصتها أنظار العالم في ذلك الوقت، وعرض كثيرون من جميع أنحاء العالم تبنيها.

وبعد أن أمضت أياما في أحد المستشفيات شمالي سوريا، أُخرجت عفراء وتم تسليمها إلى عمتها وزوجها اللذين يقومان بتربيتها مع بناتهما الخمس وابنيهما.

وقال والدها المتكفل برعايتها، خليل السوادي، إن عفراء تم تسليمها لأسرة عمتها بعد أيام من إجراء اختبار الحمض النووي للتأكد من أن الفتاة وعمتها مرتبطتان بيولوجيا.

بدت عفراء، يوم السبت، مستمتعة بينما كانت تتأرجح على أرجوحة حمراء تتدلى من السقف ويدفعها السوادي إلى الأمام والخلف.

وقال السوادي، وهو يجلس القرفصاء وعفراء في حجره: "هذه الطفلة ابنتي... هي بالضبط مثل أطفالي".

وأضاف السوادي أنهم يقضون النهار في شقة استأجرها، لكن في الليل تذهب الأسرة إلى خيمة من الخيام لقضاء الليلة، حيث لا يزال أطفاله يعانون من صدمة الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص في جنوبي تركيا وشمالي سوريا.

وفقا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، سجل أكثر من 4500 وفاة و10400 إصابة في شمال غربي سوريا بسبب الزلازل. وقدر بأن 43 في المئة من المصابين نساء وفتيات، بينما كان 20 في المئة من المصابين أطفال، تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 14 عاما.

وضرب الزلزال المدمر الذي بلغت قوته 7.8 درجات على مقياس ريختر في الساعات الأولى من 6 فبراير وتلته عدة توابع. وكان شمال غربي سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة من بين المناطق الأكثر تضررا ، حيث يعيش أكثر من 4.5 مليون شخص، معظمهم من النازحين بسبب الصراع الذي قتل أكثر من نصف مليون شخص.

يقول السوادي، عندما تكبر عفراء، سيخبرها بقصة إنقاذها وكيف قُتل والداها وأشقاؤها في الزلزال المدمر. وأضاف أنه إن لم يخبرها، فستخبرها زوجته أو الأبناء.

وبعد يوم من وصول الطفلة إلى المستشفى، أسماها المسؤولون هناك "آية". لكن بعد تكفل أسرة عمتها برعايتها، أطلق عليها اسم "عفراء"، تيمنا بوالدتها الراحلة.

بعد أيام من ولادة عفراء، أنجبت عمتها طفلة أسمتها عطاء. ومنذ ذلك الوقت، كانت ترضِع الطفلتين، حسبما أوضح السوادي.

وتابع "عفراء تشرب الحليب وتنام معظم اليوم".

يشير السوادي إلى أنه تلقى عدة عروض بالعيش في الخارج، لكنه رفض لأنه يريد البقاء في سوريا، حيث عاش والدا عفراء وحيث ماتا.

كان والد عفراء البيولوجي، عبد الله تركي مليحان، في الأصل من قرية خشام في دير الزور شرقي سوريا، لكنه غادر، في عام 2014، بعد سيطرة تنظيم "داعش" على القرية، وفق ما قاله صالح البدران، عم والد عفراء.

وأوضح السوادي "نحن سعداء للغاية بها، لأنها تذكرنا بوالديها وأشقائها. إنها تشبه والدها وشقيقتها نوارة كثيرا".