مع تفاقم مأساة الزلزال الذي ضرب تركيا وشمال سوريا، يتهم ناشطون النظام في دمشق بمحاولة استغلال الأزمة بالضغط وابتزاز المجتمع الدولي بشأن المساعدات، ناهيك عن تعزيز تمدد الوجود الإيراني في بعض المناطق.
وعربيا ظهرت العديد من الأصوات التي تنادي من أجل إعادة سوريا ضمن المجتمع العربي، وإعادة العلاقات مع دمشق، وهو ما حذرت منه واشنطن في تصريحات سابقة.
وأعلنت منظمة الصحة العالمية، السبت، أن عدد المتضررين من جراء الزلزال المدمر في سوريا بلغ نحو 11 مليون شخص، ناهيك عن تعرض 20 منشأة صحية على الأقل في شمال غرب البلاد، بينها أربعة مستشفيات، لأضرار.
ويرى محللون سياسيون تحدثوا لموقع "الحرة" أن مأساة الزلزال قد تكون بوابة لعودة العلاقات العربية-السورية، وسيعمل النظام في دمشق على استثمار معاناة الناس لتحقيق مكاسب له.
"كارثة إنسانية!"
المحلل السياسي الكردي، إبراهيم كابان، قال إن "النظام السوري يتبع استراتيجية لاستغلال أزمة الزلزال، والتي يستخدم فيها أذرعه الإعلامية في نشر البروبوغندا، في استثمار ما حصل للضغط على المجتمع الدولي من أجل إلغاء العقوبات عنه وفك الحصار الاقتصادي".
وأوضح كابان المقيم في ألمانيا في حديث لموقع "الحرة" أن "العقوبات الدولية أضرت كثيرا بالنظام في دمشق والذي أصبح على حافة الانهيار، ولكنه الآن يعيد تجديد علاقاته مع بعض الأنظمة التي تسعى لتقديم الدعم له بذريعة المساعدات الإنسانية".
ولقي أكثر من 3500 حتفهم في سوريا بحسب بيانات الجمعة.
ووصلت عشرات الطائرات المحملة بالمساعدات إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية منذ، الاثنين، في حين لم يصل سوى القليل إلى منطقة شمال غرب البلاد الأكثر تضررا، بحسب تقرير لوكالة رويترز.
وفي الأوقات العادية، تقدم الأمم المتحدة المساعدات إلى شمال غرب سوريا الذي تسيطر عليه المعارضة عبر الحدود مع تركيا عبر نقطة تفتيش واحدة، وهي سياسة تنتقدها دمشق باعتبارها تنتهك سيادتها.
المحلل السياسي مدير مؤسسة غنوسس للأبحاث في لندن، عمار وقاف، يرفض الاتهامات بأن النظام في دمشق يحاول استغلال "مآساة الزلزال"، مؤكدا أننا الآن "أمام كارثة إنسانية تحتاج إلى تكاتف الجميع".
وأضاف في اتصال هاتفي مع موقع "الحرة" أن النظام السوري خاضع للعقوبات منذ سنوات "وهذا الأمر يحد من قدرته على الاستجابة بشكل كبير، ويضعف من جهود الإغاثة المطلوبة".
وأشار إلى أن "المساعدات التي تذهب لسوريا تصل لفئات متضررة من الزلزال، وحتى فئات فقيرة بسبب الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها العديد من المناطق بسبب الحرب".
وقال مبعوث إيطاليا إلى دمشق إن شحنة من المساعدات الإنسانية الإيطالية الموجهة إلى مناطق تسيطر عليها الحكومة في سوريا وصلت إلى بيروت، السبت، في أول مساعدة أوروبية من الزلزال لحكومة دمشق.
وقال القائم بالأعمال، ماسيميليانو دانتونو، لرويترز إن الشحنة التي تزن 30 طنا تشمل أربع سيارات إسعاف و13 حاوية من المعدات الطبية. وأضاف أن فريقا من أربعة أطباء في طريقه أيضا لمناطق سيطرة الحكومة السورية.
والخميس، عادت قافلة مساعدات كانت قادمة من المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد في سوريا إلى المناطق التي ضربها الزلزال في الشمال الغربي للبلاد، وفشلت في الوصول إلى من هم في حاجة إليها في أحدث مثال على تعقيد جهود الإغاثة بسبب العداوات الناجمة عن الحرب الأهلية.
ويقول محللون لوكالة رويترز إن الرئيس السوري، بشار الأسد، يسعى لتحقيق مكاسب سياسية من الزلزال الذي دمر أجزاء كبيرة من سوريا وتركيا ويضغط من أجل إرسال مساعدات خارجية عبر الأراضي السورية للتحرر تدريجيا من العزلة الدولية المفروضة عليه.
بوابة لعودة العلاقات
ويرى المحلل السياسي وقاف أن الأزمة الحالية "قد تكون بوابة وفرصة جيدة لإعادة العلاقات بين سوريا وبقية الدول العربية".
وبين أن "عودة العلاقات السورية- العربية ليس بالأمر السيء، وأزمة الزلزال فرصة للجميع لتجاوز الخلافات، وعودة التكاتف العربي".
دعا رئيس مجلس النواب العراقي، محمد الحلبوسي، خلال المؤتمر الخامس للبرلمان العربي ورؤساء المجالس والبرلمانات العربية، السبت، إلى "عودة سوريا إلى محيطها العربي والإقليمي والدولي"، بحسب تقرير نشرته وكالة الأنباء العراقية "واع".
وأشار إلى أن" العراق باشر في هذه الأزمة الأخيرة بفتح المنافذ لإيصال المساعدات الشعبية و الحكومية كافة وهنالك دور واضح للوقوف مع الشعب السوري الشقيق".
ويعتقد المحلل السياسي كابان، بأن الأزمة ستتيح لدمشق "إعادة إحياء العلاقات مع العديد من الدول العربية"، مضيفا أن "دمشق كانت على تواصل مع بعض الأنظمة العربية خلال الفترة الماضية".
وقال إن "على الدول العربية أن تعي تماما أن أكثر المناطق التي تضررت في سوريا من الزلزال هي تلك المناطق خارج سيطرة نظام دمشق، وهي تحتاج لإيصال المساعدات لها تحت مظلة دولية وليس تحت مظلة النظام".
وأكد كابان أننا لا "ندعو إلى وقف المساعدات الإنسانية إلى سوريا، ولكن يجب على المجتمع الدولي والقوى الكبرى إيصالها لمستحقيها المتضررين بشكل حقيقي من الزلزال"، إضافة إلى عدم "إعطاء نظام بشار الأسد لما يشبه صك غفران عما فعله من قتل وتهجير للسوريين".
والشهر الماضي، أكدت واشنطن على موقفها المعارض لأي خطوة تطبيعية مع نظام الأسد. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، في يناير الماضي، إن الأسد، " ارتكب أعمالا وحشية، وقواته ارتكبت جرائم حرب، وسنواصل العمل على محاسبة النظام، وتشجيع شركائنا وحلفائنا على عدم التطبيع معه وعلى تطبيق القرار ٢٢٥٤".
وأضاف قوله: "أوضحنا أننا لن نطبع ولا نؤيد أية دولة تقوم بالتطبيع مع نظام الأسد".
وتعتقد الكاتبة، جويس كرم، في مقال منشور على موقع "الحرة" بأن "الفشل الدولي على مستوى المساعدة والإغاثة في سوريا لا مبرر له، وهو اليوم سيعبد الطريق لإعادة بعض الدول فتح جسورها مع بشار الأسد".
وقالت إنه "بعد اتصال من الرئيس الإماراتي محمد بن زايد والمصري عبد الفتاح السيسي بالأسد، ستعجل الهزة قطار التطبيع العربي مع الأسد. اليوم، الدول الغربية ما زالت تعيد تحفظاتها وتكرر أنها لن ترسل المساعدات عبر الأسد، إنما دمشق تعول أولا على التطبيع الإقليمي وتحديدا العربي والتركي. فالمال ولو جاء من أوروبا أو الخليج أو أفريقيا لا يهم الأسد، والغطاء الإقليمي هو أكثر من كاف لتعويمه سياسيا".
وتابعت كرم بأن "عودة الأسد إلى الجامعة العربية دفع باتجاهها الأردن والإمارات وتحفظت عليها السعودية ومعها مصر بعد ضغوط غربية. إنما اليوم والسيسي قد اتصل بالأسد والغرب منشغل بأوكرانيا، فقد تدفع الكارثة بدعوة دمشق من باب المساعدة وإعادة الإعمار".
والجمعة، قرر الرئيس التونسي، قيس سعيد، رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي في سوريا في خطوة لإعادة العلاقات بشكل كامل مع دمشق.
واعتبر الرئيس التونسي الذي قطعت بلاده العلاقات مع دمشق قبل 10 سنوات بسبب انتهاكات بحق محتجين، أن قضية النظام السوري شأن داخلي وأن السفير يعتمد لدى الدولة وليس النظام.
وأرسلت تونس طائرات إغاثة إلى سوريا تتضمن فرق إنقاذ وحماية مدنية وأطباء ومساعدات غذائية وصلت بالفعل إلى مطار حلب الخاضع لسيطرة النظام السوري.
وخلال الأيام الماضية، تلقى الأسد اتصالين هاتفيين من الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، والجزائري، عبدالمجيد تبون، عبرا عن تضامنهما مع الشعبين السوري والتركي، وأعربا عن استعدادهم لتقديم المساعدة.
وفي إطار متصل أكدت وزارة الخارجية الفرنسية الخميس إن النهج السياسي الذي تتبعه باريس تجاه الحكومة السورية لن يتغير، وأن المساعدات المقدمة لسوريا بعد الزلزال المدمر ستكون عبر المنظمات غير الحكومية وآلية الأمم المتحدة.
وأضاف متحدث باسم الوزارة فرانسوا ديلما في إفادة مقتضبة للصحفيين "نهجنا السياسي لم يتغير ونعمل لصالح الشعب السوري بخلاف بشار الأسد" في إشارة للرئيس السوري.