تركيا تعتقل عشرات المقاولين والمهندسين بعد الدمار الذي خلفه الزلزال
تركيا تعتقل عشرات المقاولين والمهندسين بعد الدمار الذي خلفه الزلزال

نفذت السلطات التركية حملة اعتقالات، السبت، طالت عشرات المقاولين والمهندسين المعماريين الذين ألقيت عليهم مسؤولية انهيار المباني جراء الزلزال المدمر، وفقا لتقارير إعلامية محلية أوردتها صحف أميركية.

وتصاعد الغضب الشعبي بسبب جهود الإنقاذ الحكومية البطئية بعد أن لامست أرقام ضحايا الزلزال 25 ألف قتيل في تركيا وحدها.

وذكرت وكالة أنباء الأناضول الحكومية، السبت، أن أكثر من 100 شخص اعتقلوا في جميع أنحاء المقاطعات العشر المتضررة من الزلزال، حيث أمرت وزارة العدل التركية المسؤولين في تلك المقاطعات بإنشاء "وحدات للتحقيق في جرائم الزلزال".

كما أمرت وزارة العدل بتعيين مدعين عامين لتوجيه تهم جنائية ضد جميع "المقاولين والمسؤولين" عن انهيار المباني التي أخفقت في تلبية القوانين الحالية المستحدثة بعد زلزال كارثي مماثل وقع عام 1999.

وتأتي الاعتقالات في الوقت الذي يواجه فيه الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، غضبا شعبيا متزايدا من وتيرة جهود الإنقاذ.

وذكرت وسائل إعلام رسمية أن أحد المعتقلين هو، محمد يسار كوسكون، المقاول الذي بنى "رونسانز ريزيدنس"، وهو مبنى مدمر في مقاطعة هاتاي جنوب تركيا.

وقال كوسكون المحتجز في مطار إسطنبول في بيان أوردته صحيفة "وول ستريت جورنال" إنه اتبع جميع القوانين وقوانين البناء في تشييد المبنى السكني.

في حي ساراكنت في أنطاكيا، أشار السكان إلى بناء رديء في مبنى فاخر حديث التشييد مكون من 14 طابقا مع حوالي 90 شقة، انهار على نفسه بعد الزلزال.

في حديث لصحيفة "نيويورك تايمز"، قال رجل رفض الكشف عن اسمه وكان يقف بالقرب من المبنى بينما كان يشاهد عمال الإنقاذ يعملون، "الخرسانة مثل الرمل. تم بناؤه بسرعة كبيرة".

وذكرت وكالة أنباء تركية أن من بين المعتقلين، محمد إرتان أكاي، باني مجمع منهار بمدينة غازي عنتاب المنكوبة، والذي اتهم بالقتل غير العمد وانتهاك قانون البناء العام.

وقال مكتب المدعي العام في غازي عنتاب إنه أصدر أمر الاحتجاز بعد فحص الأدلة التي تم جمعها من بين أنقاض المجمع الذي بناه.

كما وعد إردوغان بإعادة بناء كل منزل دمر في غضون عام. وقال السبت إن الحكومة خصصت 100 مليار ليرة تركية (5.3 مليار دولار) لإعادة الإعمار.

بينما وضعت تركيا قوانين بناء جديدة بعد زلزال عام 1999، قال السكان إنها لم تطبق في كثير من الأحيان؛ لأن المقاولين يهدفون لكسب المزيد من المال باللجوء لمواد أولية رخيصة من بين أشياء أخرى.

مسعود كوبارال، تاجر سيارات قتلت والدته في الزلزال، عبر عن غضبه من الدولة لعدم بذل المزيد من الجهد لضمان تشييد المباني بشكل جيد.

وقال إن "الدولة مسؤولة"، مردفا أنه "إذا كان لديك مبلغ صغير من الديون، فإن الدولة تطاردك وتجدك، لكنها لا تتحقق من (جودة) المباني"، بحسب "نيويورك تايمز".

إلى ذلك، قال خبير جيولوجي إن كارثة السادس من فبراير سببت دمارا أكثر من أي زلزال ذي حجم مماثل بسبب الاستيطان في مواقع خاطئة.

في حديث لصحيفة "حريت ديلي نيوز" التركية الناطقة باللغة الإنكليزية، قال أستاذ الجيولوجيا بجامعة إسطنبول التقنية، جنك يلتيرق، إن مناطق الاستيطان في المنطقة المنكوبة تم اختيارها بشكل غير صحيح.

وأضاف: "تكشف صور الأقمار الصناعية أن الزلازل لم تلحق أضرارا بالمنازل في المناطق القريبة قليلا من الصدوع أو في مناطق التلال".

وقال إن هذا الزلزال الذي شهدته تركيا، الإثنين الماضي، لم يكن غير مسبوق من حيث الشدة، مستشهدا بزلزال ضرب مدينة كايكورا النيوزيلندية عام 2016 والذي بلغت قوته 7.8 درجة وأدى إلى مقتل شخصين وإصابة 57 آخرين.

وأرجع يلتيرق أسباب الدمار الهائل الذي خلفه الزلزال لعوامل عدة من الأبنية الشاهقة إلى امتدادها على الأرض، حيث انتقد منح تصاريح البناء للمناطق التي لا تستوفي الاشتراطات.

وحذر من أن إعادة الإعمار في المنطقة لا يجب أن تتم بالطريقة نفسها، مبينا أن احتمال وقوع زلزال بنفس الحجم وارد.

وخلف الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا دمارا واسعا بعد انهيار عدد كبير من المباني في وقت لا تزال فيه جهود عمليات الإنقاذ مستمرة في محاولات يائسة للعثور على ناجين.

وقال مسؤولو الأمم المتحدة إن هناك مليون شخص أو أكثر في المنطقة المتضررة بلا مأوى في فصل الشتاء البارد، حيث ضغط عمال الإغاثة لجلب الطعام والمياه النظيفة والسكن المؤقت إلى المناطق المتضررة، خاصة في شمال غرب سوريا.

وتواجه المساعدات الإنسانية الدولية عقبات عدة حتى تصل لمناطق في شمال غرب سوريا بسبب الحرب الأهلية التي تستمر منذ 12 عاما.

عفراء تبتسم حتى للغرباء
قصة عفراء جذبت أنظار العالم وسط المآسي التي خلفها الزلزال المدمر

 الطفلة التي ولدت تحت أنقاض منزل أسرتها الذي دمره الزلزال المميت في تركيا وسوريا قبل ستة أشهر تتمتع الآن بصحة جيدة وتحب أسرتها بالتبني والابتسام حتى للغرباء.

قضت الطفلة عفراء، ذات الشعر الداكن، عشر ساعات تحت الأنقاض بعد أن ضرب الزلزال سوريا وتركيا، في 6 فبراير الماضي، وتسبب في وفاة والديها وأربعة من أشقائها في بلدة جنديرس شمالي سوريا. وعندما تم العثور عليها، كان حبلها السري لا يزال متصلا بوالدتها.

جذبت قصتها أنظار العالم في ذلك الوقت، وعرض كثيرون من جميع أنحاء العالم تبنيها.

وبعد أن أمضت أياما في أحد المستشفيات شمالي سوريا، أُخرجت عفراء وتم تسليمها إلى عمتها وزوجها اللذين يقومان بتربيتها مع بناتهما الخمس وابنيهما.

وقال والدها المتكفل برعايتها، خليل السوادي، إن عفراء تم تسليمها لأسرة عمتها بعد أيام من إجراء اختبار الحمض النووي للتأكد من أن الفتاة وعمتها مرتبطتان بيولوجيا.

بدت عفراء، يوم السبت، مستمتعة بينما كانت تتأرجح على أرجوحة حمراء تتدلى من السقف ويدفعها السوادي إلى الأمام والخلف.

وقال السوادي، وهو يجلس القرفصاء وعفراء في حجره: "هذه الطفلة ابنتي... هي بالضبط مثل أطفالي".

وأضاف السوادي أنهم يقضون النهار في شقة استأجرها، لكن في الليل تذهب الأسرة إلى خيمة من الخيام لقضاء الليلة، حيث لا يزال أطفاله يعانون من صدمة الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص في جنوبي تركيا وشمالي سوريا.

وفقا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، سجل أكثر من 4500 وفاة و10400 إصابة في شمال غربي سوريا بسبب الزلازل. وقدر بأن 43 في المئة من المصابين نساء وفتيات، بينما كان 20 في المئة من المصابين أطفال، تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 14 عاما.

وضرب الزلزال المدمر الذي بلغت قوته 7.8 درجات على مقياس ريختر في الساعات الأولى من 6 فبراير وتلته عدة توابع. وكان شمال غربي سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة من بين المناطق الأكثر تضررا ، حيث يعيش أكثر من 4.5 مليون شخص، معظمهم من النازحين بسبب الصراع الذي قتل أكثر من نصف مليون شخص.

يقول السوادي، عندما تكبر عفراء، سيخبرها بقصة إنقاذها وكيف قُتل والداها وأشقاؤها في الزلزال المدمر. وأضاف أنه إن لم يخبرها، فستخبرها زوجته أو الأبناء.

وبعد يوم من وصول الطفلة إلى المستشفى، أسماها المسؤولون هناك "آية". لكن بعد تكفل أسرة عمتها برعايتها، أطلق عليها اسم "عفراء"، تيمنا بوالدتها الراحلة.

بعد أيام من ولادة عفراء، أنجبت عمتها طفلة أسمتها عطاء. ومنذ ذلك الوقت، كانت ترضِع الطفلتين، حسبما أوضح السوادي.

وتابع "عفراء تشرب الحليب وتنام معظم اليوم".

يشير السوادي إلى أنه تلقى عدة عروض بالعيش في الخارج، لكنه رفض لأنه يريد البقاء في سوريا، حيث عاش والدا عفراء وحيث ماتا.

كان والد عفراء البيولوجي، عبد الله تركي مليحان، في الأصل من قرية خشام في دير الزور شرقي سوريا، لكنه غادر، في عام 2014، بعد سيطرة تنظيم "داعش" على القرية، وفق ما قاله صالح البدران، عم والد عفراء.

وأوضح السوادي "نحن سعداء للغاية بها، لأنها تذكرنا بوالديها وأشقائها. إنها تشبه والدها وشقيقتها نوارة كثيرا".