العوائل المفجوعة لا تعرف مصير ذوييها بعد الزلزال
العوائل المفجوعة لا تعرف مصير ذوييها بعد الزلزال

مع تلاشي الصدمة الفورية جراء الزلزال المدمر في تركيا وسوريا، بدأ حجم المأساة الإنسانية بالظهور، كما تقول صحيفة "واشنطن بوست".

ولا يزال من غير المعروف عدد الجثث المتواجدة تحت الأنقاض فيما لا يزال عديد من الناجين لا يعرفون الحقيقة الكاملة عما فقدوه.

وتتذكر اللاجئة السورية في تركيا، نجوى إيبش، أنها استيقظت في تلك الليلة الكارثية لتجد جثة زوجها، حسن، ملفوفة حولها.

كان معيل الأسرة حسن، 37 عاما، أنقذ زوجته نجوى، 27 عاما، وطفلهما الأصغر، ماجد، في أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا.

وخرجت نجوى من الكارثة وهي تتعالج من جراحها في المستشفى، لكنها لا تزال تجهل مصير ابنها الأوسط، محمد، إذ لم يجرؤ أحد من عائلتها على إبلاغها بوضعه وهي حزينة على فقدان زوجها، بحسب صحيفة "واشنطن بوست".

كانت نجوى في حيرة من أمرها وعيناها داكنتان من التعب. وقالت، الجمعة، بصوت خافت: "لقد مرت خمسة أيام. من الصعب تصديق ذلك".

وعندما بدأت الأرض تهتز في بلدة "الإصلاحية" الجبلية في تركيا، قفز ابن نجوى الأكبر منير البالغ من العمر 12 عاما من النافذة وهرع إلى الشارع طالبا المساعدة من جده وأقارب والدته.

وجاء والد نجوى وإخوتها إلى مكان الحادث دون أن ينجحوا في إزالة الركام وسط الظلام الدامس قبل أن تصل سيارات الإنقاذ.

كان أقاربها عاجزين عن رفع كتل الطين عما تبقى من غرفة النوم. ولاحقا في النهار، رأوا جثة حسن الذي توفي بجانب زوجته نجوى المصابة. وتمكنوا من الوصول إلى يدها من خلال الحفر في الأنقاض وهي في حالة كارثية.

"كانت نجوى في حالة هيستيرية وظلت تصرخ أن حسن وأولادها قد ماتوا"، وفقا لوصف ابن عمها مصطفى شيخ في حديثه للصحيفة الأميركية.

وقال إنها "أرادت أن نتركها هناك. وأن تدفنها الحجارة أيضا".

وتواجه العائلات المكلومة معضلة في جنوبي تركيا وشمالي سوريا، حيث يحاول الأقارب حماية أحبائهم المفجوعين من الألم المضاعف بعدم إبلاغهم عن مصير ذويهم.

واستغرق وصول سيارات الإنقاذ عدة ساعات لموقع الحادثة وفي غضون ذلك ظل أقارب نجوى يحاولون تشتيت انتباهها بالنكات وقصص من سوريا والحديث عن الطعام الذي سيطبخونه معا.

في بعض الأحيان كانت تضحك دون نفس، وفي أحيان أخرى كانت غاضبة. وسألت مرارا وتكرارا عن أطفالها. لكن بعد ذلك قاطعهم صوت في مكان ما أعمق تحت الأنقاض.

كان الصوت لنجلها محمد وهو يقول لهم إن ظهره يؤلمه.

وأدى اتساع نطاق الدمار إلى عدم وجود معدات حفر كافية لإنقاذ الأشخاص الذين ظلوا تحت الركام. في كل من تركيا وسوريا، لقي أشخاص حتفهم عندما أزالت معدات بدائية الأنقاض عن الناجين.

وبدون المعدات المناسبة، استغرق الأمر ساعات لإنقاذ نجوى أولا ثم محمد.

وأصيبت ساق نجوى بجروح بالغة وتم نقلها إلى المستشفى، فيما خرج محمد مبتسما.

وقال عمه، مصطفى إيبش: "نعتقد أنه كان في حالة صدمة. لا يمكن القول في ذلك الوقت إن هناك خطأ ما".

ولكن سرعان ما عرفوا أن الطفل الصغير مصاب، لكنهم لا يملكون الشجاعة لإبلاغ نجوى بمصير ولدها الذي نقله خاله، عمر، إلى المستشفى دون إخبارها ليتم تشخيصه بأنه مصاب بفشل كلوي.

بحلول الجمعة، كان الطفل محمد على أجهزة الإنعاش، إذ يقول الأطباء إنه عانى من تلف شديد في الدماغ ولا يتوقعون أن يتعافى.

وكانت نجوى تسأل عن مصير ابنها من سريرها في المستشفى دون أن يخبرها أحد عن ابنها بعد أن قضت عدة أيام على السرير الأبيض دون أن يقوم أحد من الطاقم الطبي بغسل دم زوجها عن شعرها.

في الإصلاحية، لم يرَ ابنا نجوى الآخران والدتهما منذ أن غادرت إلى المستشفى، على بعد قرابة 100 كلم في غازي عنتاب.

وعندما سأل منير أقاربه عن مكان والده، توقف عن السؤال بعد أن قالوا له إنه في رحلة عمل.

عفراء تبتسم حتى للغرباء
قصة عفراء جذبت أنظار العالم وسط المآسي التي خلفها الزلزال المدمر

 الطفلة التي ولدت تحت أنقاض منزل أسرتها الذي دمره الزلزال المميت في تركيا وسوريا قبل ستة أشهر تتمتع الآن بصحة جيدة وتحب أسرتها بالتبني والابتسام حتى للغرباء.

قضت الطفلة عفراء، ذات الشعر الداكن، عشر ساعات تحت الأنقاض بعد أن ضرب الزلزال سوريا وتركيا، في 6 فبراير الماضي، وتسبب في وفاة والديها وأربعة من أشقائها في بلدة جنديرس شمالي سوريا. وعندما تم العثور عليها، كان حبلها السري لا يزال متصلا بوالدتها.

جذبت قصتها أنظار العالم في ذلك الوقت، وعرض كثيرون من جميع أنحاء العالم تبنيها.

وبعد أن أمضت أياما في أحد المستشفيات شمالي سوريا، أُخرجت عفراء وتم تسليمها إلى عمتها وزوجها اللذين يقومان بتربيتها مع بناتهما الخمس وابنيهما.

وقال والدها المتكفل برعايتها، خليل السوادي، إن عفراء تم تسليمها لأسرة عمتها بعد أيام من إجراء اختبار الحمض النووي للتأكد من أن الفتاة وعمتها مرتبطتان بيولوجيا.

بدت عفراء، يوم السبت، مستمتعة بينما كانت تتأرجح على أرجوحة حمراء تتدلى من السقف ويدفعها السوادي إلى الأمام والخلف.

وقال السوادي، وهو يجلس القرفصاء وعفراء في حجره: "هذه الطفلة ابنتي... هي بالضبط مثل أطفالي".

وأضاف السوادي أنهم يقضون النهار في شقة استأجرها، لكن في الليل تذهب الأسرة إلى خيمة من الخيام لقضاء الليلة، حيث لا يزال أطفاله يعانون من صدمة الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص في جنوبي تركيا وشمالي سوريا.

وفقا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، سجل أكثر من 4500 وفاة و10400 إصابة في شمال غربي سوريا بسبب الزلازل. وقدر بأن 43 في المئة من المصابين نساء وفتيات، بينما كان 20 في المئة من المصابين أطفال، تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 14 عاما.

وضرب الزلزال المدمر الذي بلغت قوته 7.8 درجات على مقياس ريختر في الساعات الأولى من 6 فبراير وتلته عدة توابع. وكان شمال غربي سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة من بين المناطق الأكثر تضررا ، حيث يعيش أكثر من 4.5 مليون شخص، معظمهم من النازحين بسبب الصراع الذي قتل أكثر من نصف مليون شخص.

يقول السوادي، عندما تكبر عفراء، سيخبرها بقصة إنقاذها وكيف قُتل والداها وأشقاؤها في الزلزال المدمر. وأضاف أنه إن لم يخبرها، فستخبرها زوجته أو الأبناء.

وبعد يوم من وصول الطفلة إلى المستشفى، أسماها المسؤولون هناك "آية". لكن بعد تكفل أسرة عمتها برعايتها، أطلق عليها اسم "عفراء"، تيمنا بوالدتها الراحلة.

بعد أيام من ولادة عفراء، أنجبت عمتها طفلة أسمتها عطاء. ومنذ ذلك الوقت، كانت ترضِع الطفلتين، حسبما أوضح السوادي.

وتابع "عفراء تشرب الحليب وتنام معظم اليوم".

يشير السوادي إلى أنه تلقى عدة عروض بالعيش في الخارج، لكنه رفض لأنه يريد البقاء في سوريا، حيث عاش والدا عفراء وحيث ماتا.

كان والد عفراء البيولوجي، عبد الله تركي مليحان، في الأصل من قرية خشام في دير الزور شرقي سوريا، لكنه غادر، في عام 2014، بعد سيطرة تنظيم "داعش" على القرية، وفق ما قاله صالح البدران، عم والد عفراء.

وأوضح السوادي "نحن سعداء للغاية بها، لأنها تذكرنا بوالديها وأشقائها. إنها تشبه والدها وشقيقتها نوارة كثيرا".