كان طبيب التخدير، عبد الباسط خليل (50 عاما)، يعمل بمستشفى حارم الجراحي في إدلب، شمال غربي سوريا، حين شعر وزملاءه بالزلزال، فجر الاثنين الماضي.
خرج الأطباء إلى ساحة المستشفى وانتظروا إلى حين انتهاء الهزة العنيفة، ثم ذهب خليل مسرعا ليلقي نظرة على بيته الذي يبعد خطوات عن المستشفى، وتقطن فيه زوجته وابنته ذات الثمانية أشهر فقط، لكنه وجد المبني قد انهار تماما.
يقول خليل لموقع "الحرة"، بعدما جمدتني الصدمة لعدة دقائق، وجدتي وحيدا أمام البيت المنهار، لا توجد أي آليات ولا بشر، فالكل مشغول بالبحث عن ذويه وأصدقائه في المباني المجاورة، فعدت أدراجي إلى المستشفى لمساعدة زملائي الأطباء في إسعاف الجرحى".
وأضاف "هل تعرف الشعور بأنك تعرف أن زوجتك وطفلتك تحت الأنقاض وقد يكونا أحياء، لكن لا تستطيع أن تفعل أي شيء لإنقاذهما، لكن لم يكن بيدي أي حيلة، فلا آليات ولا معدات، لكني قلت لنفسي قد يكونا في عداد الأموات، والحي أبقى من الميت، فعدت إلى المستشفى".
"المصاب كبير"
وأسفر الزلزال المدمر عن مقتل أكثر من 33 ألف شخص في تركيا وسوريا، في حصيلة غير نهائية.
بعد ثلاثة أيام، وبعد أن تمكن خليل من توفير آلية لرفع الأنقاض والبحث فيها، استطاع العمال إخراج زوجته وطفلته جثتين هامدتين، ووصف مصابه بأنه "كبير للغاية، وأتألم كثيرا لخسارتهما".
ليس خليل وحده الذي عانى من قلة الإمكانات التي كانت يمكن أن تنقذ حياة زوجته وطفلته، حيث عبر مسؤولون طبيون في شمال غرب سوريا، حيث يطلق عليها "المناطق المحررة" والتي لا تخضع لسلطات النظام السوري، في حديثهم مع موقع "الحرة" عن غضبهم من التعامل الدولي مع كارثة الزلزال، مؤكدين أن الكثير من الوفيات حدثت بسبب النقص في الإمكانات والمعدات والأجهزة الطبية والوقود.
الأيادي متعبة كما القلوب في رحلة البحث عن ناجين من تحت أنقاض الأبنية التي دمرها الزلزال، ولكن للأسف هنا كان الموت هو سيد الموقف.
— الدفاع المدني السوري (@SyriaCivilDefe) February 9, 2023
مشاهد من انتشال مدنيين قضوا من تحت أنقاض المباني المدمرة في مدينة سلقين غربي #إدلب، يوم أمس الأربعاء 8 شباط.#الخوذ_البيضاء #زلزال_سوريا #سوريا pic.twitter.com/oaGmngTIH0
ويصف وجيه قراط، وهو جراح عظام ومدير مستشفى حارم الجراحي، الوضع الإنساني والصحي في المدينة بأنه "كارثي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى".
وقال في حديثه مع موقع "الحرة": "نرى دمارا كبيرا في البنية التحتية للمستشفيات التي هي أصلا ضعيفة وهشة بسبب الحرب في السنوات الماضية، هذه المأساة شردت الناس بأكثر مما هي مشردة وصدعت القلوب قبل تصدع البيوت".
فقد مستشفى حارم الجراحي خمسة من كوادره الطبية مع عائلاتهم في الزلزال، فيما فقد اثنان آخران أفرادا من عائلتيهما.
"فقدنا العشرات من الكوادر الطبية"
وقال مسؤول الموارد البشرية في صحة إدلب، مروان محمد الحليب لموقع "الحرة" إن مناطق شمال غرب سوريا فقدت العشرات من الكوادر الطبية في الزلزال، ولا يزال البعض في عداد المفقودين.
وفي مناطق شمال غرب سوريا، "تم تسجيل أكثر من 3812 وفاة نتيجة الزلزال المدمر وأكثر من 6100 مصاب وتدمير أكثر من 550 منزل وتصدع عدد كبير آخر من المرافق، بحيث أصبحت غير قابلة للسكن"، بحسب ما ذكر الحليب، الأحد، مضيفا أن "أرقام الضحايا قابلة للزيادة حيث أن هناك مرضى يعالجون في الرعاية المركزة وحالتهم صعبة للغاية مع قلة الإمكانات المتوفرة".
وأضاف "للأسف كانت حقيقة الاستجابة للكارثة داخلية، من خلال أبناء البلد عبر فرق الاستجابة التي جمعت تبرعات من الناس وعبر الجمعيات الصغيرة في الوقت ااذي غابت فيه منظمات الأمم المتحدة مثل منظمة الصحة العالمية"، معتبرا أن "الاستجابة الضعيفة في مقابل المساعدات التي انهالت للنظام السوري، تشعرنا وكأننا لسنا بشرا"، متسائلا "هل قدرنا أن نحمل في حقائب سفرنا مآسينا".
وتابع: "تصور أن النظام المجرم الذي هدم البييوت وقتل البشر وشرد أكثر من 4 ملايين إنسان، قدمت إليه مساعدات من دول عدة رغم أن القتلى في المناطق المحررة أضعاف ما عانته المناطق التي يسيطر عليها النظام".
وأثنى رئيس النظام السوري، بشار الأسد، على "التعاطف العربي" مع بلاده إزاء الكارثة، منتقدا في الوقت نفسه موقف الدول الغربية التي اتهمها بـ"تسييس الوضع في سوريا".
"أجلنا علاج بعض الحالات"
ويعتبر مدير مستشفى الأمل للنساء والتوليد والأطفال في حارم، حسام قره محمد، أن "الوضع الآن في مشافي حارم الثلاثة، في مرحلة التعافي من الصدمة".
وقال: "بالإضافة إلى الوفيات، تعاملنا مع إصابات مهددة للحياة، كانت معظم الإصابات في اختصاصات الجراحة العظمية والعصبية، كسور في العمود الفقري والرقبة وكسور في الأطراف".
وأضاف أن المستشفيات الثلاثة في حارم تتعامل مع توابع الزلزال، مشيرا إلى أن مستشفى النساء والتوليد والأطفال يعمل على محور دعم المصابين من خلال إيجاد أماكن إيواء وتأمين خدمات صحة إنجابية وأطفال هؤلاء الأسر وإسعافهم".
وتابع: "حتى هذه اللحظة لم نتلق أي مساعدات، كل ما وصلنا عبارة عن مساعدات محلية يتم تدويرها بين المشافي، بإشراف مديرية صحة إدلب لضمان تقديم خدمة صحية حسب المتاح من إمكانات".
وأشار مدير مستشفى حارم الجراحي، وجيه قراط، أن "هناك حالات كثيرة جدا تعاني من كسور وأجلنا علاجها للأسف لأننا نحتاج إلى أجهزة تثبيت داخلي وخارجي بسبب كثرة الإصابات".
وقال مدير صحة إدلب، زهير قراط، لموقع "الحرة": "حتى الآن دخلت 14 شاحنة في مساعدات خجولة قليلة للغاية، لا تكفي 5 في المئة من الاحتياجات، مشيرا إلى أنها دخلت خلال اليومين الخامس والسادس بعد الزلزال".
وأوضح أنه "في الأيام الثلاثة الأولى بعد الزلزال، وهي الفترة الأصعب، لم تدخل لنا أي مساعدات"، مضيفا "استنفدنا فيها كل مخزوناتنا الطبية القليلة أصلا، وكان هناك انقطاع للتيار الكهربائي وتوقفت محطات الأكسجين بسبب نقص الوقود"، مشيرا إلى أن الدفاع المدني السوري أوقف الأحد، عمليات البحث عن عالقين تحت الأنقاض، بسبب نقص المعدات وعدم وجود أمل في وجود ناجين بعد سبعة أيام من الزلزال.
واستقبل مستشفى حارم الجراحي مساء، السبت، آخر حالة وفاة من ضمن 393 تلقاها بحسب قراط، بالإضافة إلى أشلاء تم انتشالها من تحت أنقاض مباني المدينة،
وظهرت شعارات "الأمم المتحدة" مقلوبة على بقايا المنازل المدمرة، في إشارة لتخاذلها تجاه المدنيين.
#زلزال_سوريا
— Maryame Mohammed (@RaMaryame) February 12, 2023
"الأمم المتحدة خذلتنا" pic.twitter.com/QbbSp2gwem
"#الأمم_المتحدة خذلتنا".. وقفة احتجاجية في #سرمدا تنديداً بخذلان #الشمال_السوري بعد #الزلزال#الأسد_لص_المساعدات#أورينت pic.twitter.com/pErdy7ZM9v
— Orient أورينت (@OrientNews) February 11, 2023
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، أطلق السوريون هاشتاغات مثل "الأمم المتحدة خذلتنا"، ووسوم أخرى تطالب بإنقاذ العالقين، من بينها "أنقذوا الشمال السوري"، و"أنقذوا العالقين تحت الأنقاض".
We died
— @Mr.Alhamdo (@Mr_Alhamdo) February 12, 2023
Thanks for your neglect
That's what written on the rubble of a destroyed area#UNFailedUs#الأمم_المتحدة_خذلتنا pic.twitter.com/2GdDihQIqL
فيما انتشرت هاشتاغات تشيد بجهود "الخوذ البيضاء"، و"الدفاع المدني السوري"، فيما وصفهم البعض بأصحاب "القلوب البيضاء".
#الخوذ_البيضاء الشئ الوحيد الأبيض في حياة السوريين آخر 12 عام .#الخوذ_البيضاء #زلزال_سوريا #سوريا_تستغيث #زلزال_سوريا_وتركيا pic.twitter.com/s3036QYUNd
— دارين العبدالله (@Daren_ALabdalla) February 11, 2023
فتح معبر باب السلامة
والاثنين، انتقل زهير قراط، ومدير الدفاع المدني، رائد الصالح، للجانب التركي، للقاء مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، في اجتماع امتد نحو ساعة، للوقوف على حالة المساعدات الإنسانية العاجلة التي تحتاجها المناطق المحررة.
وقال قراط لموقع "الحرة": "اضطررت إلى الذهاب إلى تركيا والعودة إلى سوريا اليوم من أجل لقائه، ومعرفة مصير المساعدات"، كاشفا أن "غريفيث أخبرني أنه سيتم إدخال مساعدات يوم الاثنين عبر معبر باب السلامة الذي فتح بشكل طارئ بسبب الزلزال بعد تدخلات دولية".
وتتدفق المساعدات الإنسانية الدولية إلى تركيا، لكن الوصول إلى سوريا أكثر تعقيدًا إذ تشهد البلاد حرباً ويخضع نظامها لعقوبات دولية.
وتُنقل المساعدات الإنسانية المخصّصة لشمال غرب سوريا عادةً من تركيا عبر باب الهوى، نقطة العبور الوحيدة التي يضمنها قرار صادر عن مجلس الأمن بشأن المساعدات العابرة للحدود. لكن الطرق المؤدية الى المعبر تضررت من جراء الزلزال، مما أثر موقتاً في قدرة الأمم المتحدة على استخدامه.
وحول ما دار في اللقاء، قال قراط: "من جانبنا أبلغناهم بأن هناك وفيات كثيرة حدثت بسبب تقصير الأمم المتحدة، وحملناهم المسؤولية عنها، لكنه عزا هذا التأخير إلى بعض العراقيل والروتين والبيروقراطية".
وأضاف: "سألته عن سيطرة هذه المعوقات فقط في مناطق شمال غرب سوريا، بينما تحدث مثلها في مناطق النظام، وأن مثل هذه الحالات الإنسانية من المفترض ألا تنطبق عليها مشكلات الروتين والبيروقراطية، لكن لم يكن هناك تبرير واضح".
لكن قراط أشار إلى أن غريفيث أخبرهم بأن هناك مبلغا تم تخصيصه لمناطق شمال غرب سوريا، وسيتم العمل على إنفاقه من خلال المساعدات خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، وأن العمل سيبدأ من يوم الاثنين".
وحذّر مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، الأحد، بأن حصيلة الزلزال الشديد في تركيا وسوريا "ستتضاعف أو أكثر".
من جهة أخرى، حدد الحليب، بعض المطالب التي لا تستطيع الجمعيات الصغيرة المحلية توفيرها للتعامل مع توابع الزلزال مؤكدا أن "هذه الجهات ليس لديها القدرة على شراء أجهزة أو مواد ذات تكاليف مرتفعة نحن بحاجة إليها في المرحلة المقبلة".
وقال لموقع "الحرة": "على سبيل المثال لا الحصر، نحتاج إلى ديزل لتشغيل المشافي لـ24 ساعة باليوم، ومحطات الأكسجين ومنظومة الإسعاف".
وأضاف: "نحتاج إلى أدوية وبشكل خاص تلك الخاصة بالتخدير، فضلا عن مستهلكات جراحية وجلسات غسيل الكلى، ومستهلكات عظمية ومثبتتات خارجية وصفائح وبراغي وأسياخ".
وتابع: "نحتاج سيارات إسعاف لنقل المصابين إلى المشافي، فضلا عن توفير أماكن إيواء ليتم نقل المصابين إليه بعد أن يتم إخراجهم من المستشفيات، وتأمين الطعام والغذاء لهم".