ناجون من الزلزال متحلقون حول النار للتدفئة قرب الأنقاض
ناجون من الزلزال متحلقون حول النار للتدفئة قرب الأنقاض

بعد أسبوع من الزلزالين المدمرين جنوبي تركيا وشمالي سوريا، ينام مئات الآلاف من الأشخاص في العراء وفي ظروف صعبة بسبب الانخفاض الكبير في درجات الحرارة وغياب حاجياتهم الأساسية.

وقال روبرت هولدن، مدير الاستجابة للحوادث في منظمة الصحة العالمية، في مؤتمر صحفي في جنيف، إن "كثيرا" من الناجين كانوا "في العراء، في ظروف متدهورة ومروعة" مع "اضطرابات كبيرة" في الوصول إلى وقود المياه والكهرباء وإمدادات الاتصالات.

وحذر هولدن من كارثة "ثانية" قد تسبب ضررا لعدد أكبر من الناس من الكارثة الأولية، "إذا لم نتحرك بنفس الوتيرة والشدة التي نتحرك بها في جانب البحث والإنقاذ".

وفي مقاطعة هاتاي بجنوب تركيا، وهي واحدة من أكثر المناطق تضررا من الزلزال والتي قال بعض المواطنين، إن وصول فرق الطوارئ فيها استغرق أياما، ينام الكثيرون في سياراتهم أو في خيام مؤقتة بالقرب من أنقاض الأبنية المدمرة في غياب أماكن أخرى تأويهم.

وتعهد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في خطاب ألقاه الأربعاء الماضي، في مدينة في قهرمان مرعش، قرب مركز الزلزال، بأن الحكومة ستقدم مساعدة فورية للنازحين.

وأكد الرئيس التركي، أن الأشخاص الذين دمرت منازلهم أو الذين لا يعرفون ما إذا كان من الآمن العودة سيتم إيواؤهم في فنادق، قائلا: "لا يمكننا السماح لمواطنينا بالبقاء في الشارع".

وقال نائب الرئيس، فؤاد أوقطاي، إن أكثر من مليون شخص يعيشون في الخيام، في وقت تنخفض فيه درجات الحرارة إلى -9 درجات مئوية.

ويظهر أن الوضع أكثر سوءا بسوريا المجاورة، وصرحت ممثلة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، سيفانكا دانابالا، في إفادة صحفية أن "ما يصل إلى 5.3 مليون شخص في سوريا قد يكونون قد تشردوا بسبب الزلزال".

وأبرزت المسؤولة الأممية أن "هذا عدد ضخم ويصل إلى السكان الذين يعانون بالفعل من نزوح جماعي".

ارتفع عدد قتلى الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في الخامس من فبراير إلى أكثر من 33 ألفا، إلى حدود ساعات الصباح الأولى من يوم الإثنين، ويبدو أن العدد مرشح للزيادة مع تضاؤل فرص العثور على ناجين.

في حي جوكوروفا بمدينة أضنة التركية، وزع متطوعون حساء ساخنا على ناجين، في مخيم كان سابقا سوقا، وتجمع الناجون حول وحدة لشحن الهاتف.

تولين شير أوغلو، تجلس على جالسة على حافة ملعب قريب، مقابل إحدى الخيم التي أصبحت منزلها الحالي، تقول لصحيفة الغارديان، إنها "ممتنة للمتطوعين، بارك الله في شعبنا، قدموا الطعام والبطانيات للجميع ولم يتركونا جائعين أبدا".

ولجأت شير أوغلو وزوجها وابنها في البداية إلى مسجد في الأيام الأولى التي أعقبت الزلازل، قبل أن ينتقلوا إلى هذا المخيم، كاشفة، أنهم يخشون العودة إلى منزلهم، خشية انهياره بعد الأضرار الواضحة التي طالته.

تقول شير إنها كانت تبحث عن منزل منذ ثلاثة أيام، وتستفسر لإيجار واحد، لكن أثمنتها ارتفعت في المنطقة بشكل لا يمكنها تحمله، كاشفة أن الملاك يطالبون بأسعار باهظة.

وخلال قيامه بجولة في البلدات المدمرة، ضاعف إردوغان تعهداته بإعادة البناء بسرعة، وقال خلال زيارة إلى ديار بكر، شرقي البلاد: "خططنا لإعادة بناء مئات الآلاف من المباني"، وتابع: "سنبدأ في اتخاذ خطوات ملموسة في غضون بضعة أسابيع".

وقبلها بأيام، كان المسؤول التركي قد وعد بإعادة بناء جميع المباني المدمرة عبر مساحة شاسعة من جنوب تركيا في غضون عام، وهو تعهد بدا بعيد المنال بينما يكافح المسؤولون لتمشيط أكوام الأنقاض الشاهقة.

أُنقذ أفني بولوت، من تحت الأنقاض بعد أن ضرب زلزال مدينة فارتو التركية في عام 1966، وبعد سبعة وخمسين عاما، يشهد في حياته زلزالا آخر، نجا منه ثانية، ويعيش الآن في خيمة مع عائلته في جوكوروفا.

يقول بولوت للصحيفة البريطانية: "أحوالنا هنا جيدة، لدينا إمكانية الحصول على الطعام والمرحاض والكهرباء"، ويتابع مستدركا: "لكنني ذهبت إلى إسكندرونة، قبل يومين لحضور جنازة أحد أقاربي الذي توفي في الزلزال، ولم يكن هناك أي خيام تقريبا".

ويتابع "إذا قالوا إن منازلنا آمنة، يمكننا العودة إليها، أما الآن ليس لدينا خيار سوى البقاء هنا"، مضيفا: "نحن فقط لا نستطيع تحمل الانتقال، ابني في إزمير، ربما يمكنني البقاء هناك".

بالمقابل، يقول ناجون آخرون إنهم سيخاطرون بالعودة إلى ديارهم حتى لو تعرضت لأضرار بليغة، بسبب عدم قدرتهم على البقاء في الخيام، أو لعدم توفرها.

"لا نستطيع البقاء في الخيام، تصبح باردة في الليل، ولدي طفل صغير أصابته نزلة برد"، تقول بوسه إرسوي، التي تعيش في سيارتها منذ وقوع الزلزال، رغم تصريحها بأنها غير متأكدة مما إذا كانت البيوت آمنة، لأن عمال الطوارئ من وكالة إدارة الكوارث التركية AFAD لم يتفقدوه بعد. 

وتضيف في حديثها للغارديان: "ماذا عسانا نفعل؟ ليس لدينا مكان آخر نذهب إليه"، مضيفة أن والديها "يضطران إلى النوم في غرفة اجتماعات مع ما يصل إلى 25 شخصا آخر في فندق في منطقة أضنة.

عفراء تبتسم حتى للغرباء
قصة عفراء جذبت أنظار العالم وسط المآسي التي خلفها الزلزال المدمر

 الطفلة التي ولدت تحت أنقاض منزل أسرتها الذي دمره الزلزال المميت في تركيا وسوريا قبل ستة أشهر تتمتع الآن بصحة جيدة وتحب أسرتها بالتبني والابتسام حتى للغرباء.

قضت الطفلة عفراء، ذات الشعر الداكن، عشر ساعات تحت الأنقاض بعد أن ضرب الزلزال سوريا وتركيا، في 6 فبراير الماضي، وتسبب في وفاة والديها وأربعة من أشقائها في بلدة جنديرس شمالي سوريا. وعندما تم العثور عليها، كان حبلها السري لا يزال متصلا بوالدتها.

جذبت قصتها أنظار العالم في ذلك الوقت، وعرض كثيرون من جميع أنحاء العالم تبنيها.

وبعد أن أمضت أياما في أحد المستشفيات شمالي سوريا، أُخرجت عفراء وتم تسليمها إلى عمتها وزوجها اللذين يقومان بتربيتها مع بناتهما الخمس وابنيهما.

وقال والدها المتكفل برعايتها، خليل السوادي، إن عفراء تم تسليمها لأسرة عمتها بعد أيام من إجراء اختبار الحمض النووي للتأكد من أن الفتاة وعمتها مرتبطتان بيولوجيا.

بدت عفراء، يوم السبت، مستمتعة بينما كانت تتأرجح على أرجوحة حمراء تتدلى من السقف ويدفعها السوادي إلى الأمام والخلف.

وقال السوادي، وهو يجلس القرفصاء وعفراء في حجره: "هذه الطفلة ابنتي... هي بالضبط مثل أطفالي".

وأضاف السوادي أنهم يقضون النهار في شقة استأجرها، لكن في الليل تذهب الأسرة إلى خيمة من الخيام لقضاء الليلة، حيث لا يزال أطفاله يعانون من صدمة الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص في جنوبي تركيا وشمالي سوريا.

وفقا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، سجل أكثر من 4500 وفاة و10400 إصابة في شمال غربي سوريا بسبب الزلازل. وقدر بأن 43 في المئة من المصابين نساء وفتيات، بينما كان 20 في المئة من المصابين أطفال، تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 14 عاما.

وضرب الزلزال المدمر الذي بلغت قوته 7.8 درجات على مقياس ريختر في الساعات الأولى من 6 فبراير وتلته عدة توابع. وكان شمال غربي سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة من بين المناطق الأكثر تضررا ، حيث يعيش أكثر من 4.5 مليون شخص، معظمهم من النازحين بسبب الصراع الذي قتل أكثر من نصف مليون شخص.

يقول السوادي، عندما تكبر عفراء، سيخبرها بقصة إنقاذها وكيف قُتل والداها وأشقاؤها في الزلزال المدمر. وأضاف أنه إن لم يخبرها، فستخبرها زوجته أو الأبناء.

وبعد يوم من وصول الطفلة إلى المستشفى، أسماها المسؤولون هناك "آية". لكن بعد تكفل أسرة عمتها برعايتها، أطلق عليها اسم "عفراء"، تيمنا بوالدتها الراحلة.

بعد أيام من ولادة عفراء، أنجبت عمتها طفلة أسمتها عطاء. ومنذ ذلك الوقت، كانت ترضِع الطفلتين، حسبما أوضح السوادي.

وتابع "عفراء تشرب الحليب وتنام معظم اليوم".

يشير السوادي إلى أنه تلقى عدة عروض بالعيش في الخارج، لكنه رفض لأنه يريد البقاء في سوريا، حيث عاش والدا عفراء وحيث ماتا.

كان والد عفراء البيولوجي، عبد الله تركي مليحان، في الأصل من قرية خشام في دير الزور شرقي سوريا، لكنه غادر، في عام 2014، بعد سيطرة تنظيم "داعش" على القرية، وفق ما قاله صالح البدران، عم والد عفراء.

وأوضح السوادي "نحن سعداء للغاية بها، لأنها تذكرنا بوالديها وأشقائها. إنها تشبه والدها وشقيقتها نوارة كثيرا".