الناجون من الزلزال معرضون لعدة أمراض
الناجون من الزلزال معرضون لعدة أمراض

بعد الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا الأسبوع الماضي، وخلف عشرات آلاف القتلى ومئات آلاف الجرحى، تتزايد المخاوف من انتشار الأوبئة والأمراض المعدية في المناطق المنكوبة، في وقت تطرح فيه تساؤلات عن الصحة الجسدية والنفسية للناجين، والعناية والمتابعة التي يحتاجها ضحايا الزلزال.

وأعلنت منظمة الصحة العالمية، السبت، أن عدد المتضررين من جراء الزلزال المدمر بلغ نحو 26 مليون شخص. وعبرت منظمات إنسانية عن قلقها من انتشار وباء الكوليرا الذي ظهر مؤخرا في سوريا، وفقا لفرانس برس.

وأعلنت الوكالة الأميركية للتنمية (يو أس أيد)، الخميس، أن الولايات المتحدة ستقدم مساعدة بقيمة 85 مليون دولار إلى تركيا وسوريا بعد الزلزال.

وقالت الوكالة في بيان إن التمويل سيتم تسديده لشركاء على الأرض "بهدف تقديم المساعدة الطارئة الضرورية إلى ملايين الأشخاص".

وأضافت أن التمويل سيدعم أيضا تأمين مياه الشرب النظيفة والصرف الصحي لمنع تفشي الأوبئة.

وتعرضت آلاف المباني للتدمير كليا وجزئيا نتيجة الزلزال، فيما تضررت البنية التحتية لشبكات المياه والصرف الصحي في المناطق المنكوبة، وهو ما يزيد من خطر انتشار الأوبئة والأمراض المعدية مثل الكوليرا.

وبالإضافة إلى ذلك، يرى أطباء متخصصون أن هناك احتمالية لأن ترتفع أعداد الوفيات لدى الجرحى والمصابين الناجين من الزلزال.

تبعات سلبية على الصحة

وفي هذا الشأن يقول الدكتور ضرار بلعاوي، مستشار علاج الأمراض المعدية، إن هناك عدة تبعات سلبية للزلزال على الصحة.

وأوضح بلعاوي في حديثه لموقع "الحرة" أن "أهم هذه التبعات السلبية والمحزنة هي الوفيات، وهي ستحدث على ثلاث موجات".

وقال إن "الموجة الأولى هي الضربة المباشرة عند حدوث الزلزال، والموجة الثانية تكون بعد أيام، وهي عندما يستسلم المصابون للتهتكات والتمزقات وتضرر الأعضاء الداخلية، والموجة الثالثة تحدث بعد أسابيع وقد تستمر لأشهر، وذلك بسبب الالتهابات التي قد تحدث لدى بعض الناجين وبسبب فشل الأعضاء الداخلية".

الأمراض العضوية

وبالنسبة للأمراض التي يتوقع انتشارها بعد الزلزال، يقول بلعاوي إن "هناك نوعين من الأمراض، النوع الأول هو الأمراض العضوية، والنوع الثاني هو الأمراض النفسية".

وأضاف أن "الأمراض العضوية قد تحصل بسبب عدم وجود مياه نظيفة للشرب وبسبب تدمير شبكات الصرف الصحي، وبالتالي عدم وجود مراحيض، وقد يسبب ذلك انتشارا للأمراض المعدية، وأيضا بسبب أنه الآن بعد أيام من الزلزال ستبدأ جثث البشر وجيف الحيوانات بالتحلل، وبالتالي هذا يشكل بيئة خصبة لانتشار الأمراض".

وتابع أن أهم هذه الأمراض التي يمكن أن تنتشر هي "الأمراض التنفسية، مثل التهابات الرئة، خصوصا عند الأطفال وكبار السن، والإسهالات بكافة أنواعها الفيروسية والجرثومية، والكوليرا والملاريا، بسبب النواقل مثل البعوض والذباب والفئران والقوارض".

وأشار مستشار علاج الأمراض المعدية، إلى أن هناك أسباب أخرى لانتشار الأمراض، ومنها أن "هناك اتصال مباشر بين فرق الإنقاذ وجثث البشر وجيف الحيوانات، وبالتالي ممكن أن يصاب أعضاء هذه الفرق بالأمراض مثل التهاب الكبد الوبائي (ب) و(ج)، والسل، وغيرها من الأمراض".

أمراض نفسية

وبعيدا عن الأمراض الجسدية والأوبئة المعدية، يقول بلعاوي إن هناك أمراض نفسية قد تظهر لدى الناجين من الزلزال.

وتوقع أن تحدث أمراض نفسية "مثل رهاب الزلازل وبعض أنواع اضطراب المزاج، مثل الاكتئاب، واضطراب ما بعد الشدة، وهو ما قد يتمثل بكوابيس لدى الأطفال والكبار".

كما تحدث بلعاوي عن "متلازمة دوار ما بعد الزلزال التي قد تحدث للأشخاص الناجين الذين استشعروا الزلزال والهزات والموجات (الرجة) الارتدادية، فيحدث عندهم دوار (دوخة) لمدة أسبوع أو أسبوعين بعد الزلزال".

العناية والمتابعة

ولدى سؤاله عن العناية والمتابعة التي يحتاجها ضحايا الزلزال، قال بلعاوي "أهم شيء أن يكون هناك مستشفيات ميدانية، وكوادر صحية مدربة، وأجهزة طبية، وأدوية، وسوائل وريدية".

كما لفت إلى أمور هامة أخرى، ومنها ضرورة قيام "المنظمات المدنية بتوفير المياه الصالحة للشرب، والأغذية الصحية"، بالإضافة إلى "تصنيف المرضى إلى فئات، مثل من يحتاج لتدخل علاجي سريع، كالذين تعرضوا للتجلطات والتهتكات والتمزقات، وهناك مرضى بحاجة لأدوية، مثل الإنسولين، وهناك أشخاص قد تكون أوضاعهم الصحية أفضل ولا يحتاجون لتدخل علاجي سريع".

تأثر الأطفال

وتأثر أكثر من سبعة ملايين طفل بالزلزال المدمر في تركيا وسوريا الأسبوع الماضي، وفق ما أعلنت الأمم المتحدة، الثلاثاء، معربة عن مخاوف من أن يكون "الآلاف" غيرهم لقوا حتفهم.

وقال المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، جيمس إلدر، للصحفيين في جنيف "في تركيا، كان مجموع الأطفال الذين يعيشون في المحافظات العشر التي ضربها الزلزالان 4,6 مليون طفل. في سوريا، تأثر 2,5 مليون طفل".

وكان إلدر يتحدث في الوقت الذي بدأت فيه فرق الإنقاذ في إنهاء عمليات البحث عن ناجين من الزلزال الكارثة الذي خلف أكثر من 35 ألف قتيل في البلدين.

وقال إلدر إن "اليونيسف تخشى مقتل آلاف الأطفال"، محذرا من أنه "حتى من دون التحقق من الأرقام، من الواضح بشكل مأساوي أن الأعداد ستستمر في الازدياد".

وأعرب عن خشيته من أن الحصيلة النهائية ستكون "مخيفة".

وأشار إلى أنه بالنظر إلى عدد القتلى الكارثي والمتزايد، من الواضح أن "العديد، العديد من الأطفال فقدوا أهاليهم في هذه الزلازل المدمرة".

وحذر من أن "الرقم سيكون مرعبا".

ويواجه مئات آلاف الأشخاص المشردين البرد والجوع بين الأنقاض، وفقا لفرانس برس.

وقال إلدر إن عائلات مع أطفالها "تنام في الشوارع ومراكز التسوق والمدارس والمساجد ومحطات الحافلات وتحت الجسور، وما زالت مع أطفالها في مناطق مفتوحة خوفا من العودة إلى منازلها".

وأضاف أن "عشرات آلاف العائلات تتعرض للعوامل الجوية في فترة من العام شديدة البرودة وسط الثلوج والأمطار"، مشيرا إلى تقارير بشأن ارتفاع أعداد الأطفال الذين يعانون من انخفاض حرارة الجسم والتهابات الجهاز التنفسي.

عفراء تبتسم حتى للغرباء
قصة عفراء جذبت أنظار العالم وسط المآسي التي خلفها الزلزال المدمر

 الطفلة التي ولدت تحت أنقاض منزل أسرتها الذي دمره الزلزال المميت في تركيا وسوريا قبل ستة أشهر تتمتع الآن بصحة جيدة وتحب أسرتها بالتبني والابتسام حتى للغرباء.

قضت الطفلة عفراء، ذات الشعر الداكن، عشر ساعات تحت الأنقاض بعد أن ضرب الزلزال سوريا وتركيا، في 6 فبراير الماضي، وتسبب في وفاة والديها وأربعة من أشقائها في بلدة جنديرس شمالي سوريا. وعندما تم العثور عليها، كان حبلها السري لا يزال متصلا بوالدتها.

جذبت قصتها أنظار العالم في ذلك الوقت، وعرض كثيرون من جميع أنحاء العالم تبنيها.

وبعد أن أمضت أياما في أحد المستشفيات شمالي سوريا، أُخرجت عفراء وتم تسليمها إلى عمتها وزوجها اللذين يقومان بتربيتها مع بناتهما الخمس وابنيهما.

وقال والدها المتكفل برعايتها، خليل السوادي، إن عفراء تم تسليمها لأسرة عمتها بعد أيام من إجراء اختبار الحمض النووي للتأكد من أن الفتاة وعمتها مرتبطتان بيولوجيا.

بدت عفراء، يوم السبت، مستمتعة بينما كانت تتأرجح على أرجوحة حمراء تتدلى من السقف ويدفعها السوادي إلى الأمام والخلف.

وقال السوادي، وهو يجلس القرفصاء وعفراء في حجره: "هذه الطفلة ابنتي... هي بالضبط مثل أطفالي".

وأضاف السوادي أنهم يقضون النهار في شقة استأجرها، لكن في الليل تذهب الأسرة إلى خيمة من الخيام لقضاء الليلة، حيث لا يزال أطفاله يعانون من صدمة الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص في جنوبي تركيا وشمالي سوريا.

وفقا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، سجل أكثر من 4500 وفاة و10400 إصابة في شمال غربي سوريا بسبب الزلازل. وقدر بأن 43 في المئة من المصابين نساء وفتيات، بينما كان 20 في المئة من المصابين أطفال، تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 14 عاما.

وضرب الزلزال المدمر الذي بلغت قوته 7.8 درجات على مقياس ريختر في الساعات الأولى من 6 فبراير وتلته عدة توابع. وكان شمال غربي سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة من بين المناطق الأكثر تضررا ، حيث يعيش أكثر من 4.5 مليون شخص، معظمهم من النازحين بسبب الصراع الذي قتل أكثر من نصف مليون شخص.

يقول السوادي، عندما تكبر عفراء، سيخبرها بقصة إنقاذها وكيف قُتل والداها وأشقاؤها في الزلزال المدمر. وأضاف أنه إن لم يخبرها، فستخبرها زوجته أو الأبناء.

وبعد يوم من وصول الطفلة إلى المستشفى، أسماها المسؤولون هناك "آية". لكن بعد تكفل أسرة عمتها برعايتها، أطلق عليها اسم "عفراء"، تيمنا بوالدتها الراحلة.

بعد أيام من ولادة عفراء، أنجبت عمتها طفلة أسمتها عطاء. ومنذ ذلك الوقت، كانت ترضِع الطفلتين، حسبما أوضح السوادي.

وتابع "عفراء تشرب الحليب وتنام معظم اليوم".

يشير السوادي إلى أنه تلقى عدة عروض بالعيش في الخارج، لكنه رفض لأنه يريد البقاء في سوريا، حيث عاش والدا عفراء وحيث ماتا.

كان والد عفراء البيولوجي، عبد الله تركي مليحان، في الأصل من قرية خشام في دير الزور شرقي سوريا، لكنه غادر، في عام 2014، بعد سيطرة تنظيم "داعش" على القرية، وفق ما قاله صالح البدران، عم والد عفراء.

وأوضح السوادي "نحن سعداء للغاية بها، لأنها تذكرنا بوالديها وأشقائها. إنها تشبه والدها وشقيقتها نوارة كثيرا".