إنقاذ ناجي من تحت الأنقاض بعد حوالي 198 ساعة من الزلزال المدمر في أديامان بتركيا في 14 فبراير 2023
إنقاذ ناجي من تحت الأنقاض بعد حوالي 198 ساعة من الزلزال المدمر في أديامان بتركيا في 14 فبراير 2023

في تركيا، يعمل فريقا أميركيا على إنقاذ العديد من الضحايا والعالقين تحت الأنقاض أثر الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد فجر الاثنين الماضي وبلغت قوته 7,8 درجات، وفقا لتقرير لشبكة "NPR".

وبعد مرور أسبوع على الكارثة، قالت هيئة إدارة الكوارث والطوارئ إن عدد القتلى في تركيا يتجاوز الآن إجمالي 31643 قتيلا، مما يجعل زلزال الاثنين الماضي الأسوأ في تاريخ تركيا الحديث، وفقا لـ"رويترز".

وحسب "فرانس برس"، فقد انتشل عناصر الإنقاذ المزيد من الناجين من تحت الأنقاض، بعد أسبوع من الزلزال الهائل الذي أودى بأكثر من 35 ألف شخص في تركيا وسوريا حتى الآن وفق أحدث حصيلة غير نهائية حذرت الأمم المتحدة من أنها قد "تتضاعف".

وليل الأحد الاثنين، انتشل سبعة أشخاص أحياء، وفق الصحافة التركية، بينهم طفل يبلغ ثلاث سنوات في كهرمان مرعش وامرأة تبلغ 60 عاما في بسني في محافظة أديامان. كما أنقذت امرأة تبلغ 40 عاما بعد 170 ساعة تحت الأنقاض في غازي عنتاب.

وصباح الخميس، وصل الفريق الأميركي المكون من 150 شخصا إلى مدينة أديامان، بجنوب شرق تركيا، على متن طائرة نقل مخصصة للقوات الجوية من طراز C-17، حسب "NPR".

وسرعان ما أقام الفريق معسكرا أساسيا في ملعب كرة قدم، بعدما أحضروا معهم خيامهم الميدانية ومولداتهم ومعدات الأقمار الصناعية، وحتي خيام المراحيض الخاصة بهم.

وكان لفريق البحث والإنقاذ المتمركز في الولايات المتحدة والذي تم نقله إلى تركيا "هدفا واحدا فقط"، وهو العثور على أشخاص أحياء.

ويقول جون موريسون، فريق فيرجينيا الدولي للبحث والإنقاذ في المناطق الحضرية "فيرفاكس" التابع للوكالة الأميركية للتنمية الدولية، "نحن هنا للمشاركة في عمليات إنقاذ الأشخاص المدفونين بعمق في الهياكل الخرسانية المسلحة"، مضيفا "لقد جئنا بكل الأدوات التي نحتاجها لتنفيذ (عمليات الإنقاذ) هذه."

وتشمل الأدوات معدات تكسير الخرسانة، ومناشير يدوية كهربائية، وأجهزة استماع متطورة، وكاميرات متخصصة وكلاب مدربة تدريبا عاليا.

ويقول موريسون، المتحدث باسم الفريق "لا نريد أن نكون عبئًا على المجتمع، لذلك نحضر كل ما نحتاجه، بما في ذلك الطعام والماء والمأوى والطاقة وجميع معدات الإنقاذ وجميع المعدات الطبية."

وبعد أكثر أربعة أيام على الزلزال، قال خبير الإنقاذ، مايك كوفاتش، الجمعة، إن الفريق في "سباق مع الزمن".

وكانت درجات الحرارة تنخفض إلى ما دون الصفر في الليل، وقال العديد من السكان وبعض المسؤولين إنهم فقدوا الأمل في العثور على أي شخص آخر على قيد الحياة. 

لكن كوفاتش قال إنه "في زلازل أخرى تم انتشال الناس من تحت الأنقاض بعد أكثر من أسبوع من وقوع الكارثة".

كيف يعمل فريق كلاب الإنقاذ؟

يشير مارك كامبيت قائد إحدى وحدات الكلاب الخاصة بالإنقاذ في الفريق، إلى حصولهم على تقرير يفيد باحتمال وجود أشخاص ما زالوا على قيد الحياة وسط كومة حطام لما كان في السابق شقة من خمسة طوابق في وسط مدينة أديامان.

وقال السكان المحليون إنه تم العثور على ثلاثة أشخاص أحياء في الموقع في وقت سابق من اليوم. 

ويتحقق فريق كامبيت المكون من أربعة أشخاص وكلب من أن "الحطام مستقر" ثم يندفع الكلب الذي يُدعى بيتر بان، ليشم سطح كومة الحطام.

ويقول كامبيت إن" كلاب البحث تحاول التركيز على روائح معينة".

وفي سياق متصل، يقول بول سيرزان، أحد المتخصصين في البحث والإنقاذ بالفريق، إن "الكلاب يمكن أن تفرق بين الموتى والأشخاص الأحياء، ويمكنهم أيضا معرفة الفرق بين رائحة شخص خرج في الهواء الطلق وشخص محبوس".

ويشير إلى أنهم "يدربون كلاب البحث والإنقاذ للعثور على روائح مركزة معينة".

ويقول سيرزان عن الأشخاص المحاصرين في مبنى منهار: "أثناء دفنك، تكون هناك رائحة، وعندما يتم احتواء رائحتك، فهي تتراكم وتزداد قوة لذلك نقوم بتدريب (الكلاب) لتجد تلك الرائحة القوية".

ومع وجود آلاف الأشخاص في عداد المفقودين، يمكن لكلاب البحث والإنقاذ، معرفة أماكن وجود أشخاصا تحت الأنقاض الشاسعة.

ويقول مايك كوفاتش "قد يبدو كما لو أن لا أحد يستطيع البقاء على قيد الحياة وسط حطام مبنى سكني، لكن البناء الخرساني المسلح في تركيا يمكن أن يسقط بطرق تخلق فجوات كبيرة".

وخلال عملية البحث لم يعثر الكلب "على أي شيء"، لذلك قام الفريق بإعداد جهاز الاستماع الزلزالي Delsar الذي يمكنه اكتشاف الأصوات الخافتة من داخل كومة الحطام، حيث يقوم الفريق بفحص الفتحات بكاميرات رقمية قابلة للتمديد.

معجزة

مع تقدم فترة الظهيرة، وبعد فحص الجانب الخلفي من كومة الأنقاض، طلب كامبيت من كلب الإنقاذ تمشيط المنطقة مرة أخرى.

وهذه المرة توقف الكلب أمام فتحة في الحطام وبدأ في النباح بقوة، قبل أن ينبح في بقعة ثانية قريبة من الأولى.

ويقول كامبيت إن هذا مؤشر قوي على أن "شخصا ما على قيد الحياة أو كان مؤخرا على قيد الحياة في تلك البقعة".

بعد فترة وجيزة من نباح الكلب، أعلن فريق من عمال المناجم الأتراك الذين كانوا يحفرون على الجانب الآخر من الحطام أنهم اتصلوا بامرأة وطفل محاصرين في موقعهم. 

ويساعد الفريق الأميركي عمال المناجم الأتراك، ومدهم ببعض أدوات الحفر المتخصصة وأرسل إليهم فريقا طبيا أميركيا، ومن خلال مترجم تم مناقشة أفضل السبل لإخراج المرأة من تحت الأنقاض.

وأكدت ليلى يلماز البالغة من العمر 38 عاما والتي كانت تعيش في المبنى، أثناء مرقبة عمل فريق الإنقاذ، أنها تشعر بسعادة غامرة لأن أحد جيرانها لا يزال على قيد الحياة داخل كومة الحطام الهائلة، قائلة أنها "معجزة".

مع حلول الليل، قام فريقي البحث بإعداد أضواء البناء لمواصلة العمل على الجانبين المتعاكسين من حقل الحطام، قبل أن يتمكن الأتراك أخيرا من إخراج المرأة وأحد أطفالها على قيد الحياة.

وبحث الفريق الأميركي بشكل مكثف في المكان الذي نبح فيه الكلب، ولكن في النهاية لم يعثر إلا على "بقايا بشرية".

ولا تكف حصيلة الزلزال عن الارتفاع وقد تتضاعف بحسب الأمم المتحدة، وبلغت مساء الاثنين 35 ألفا و331 قتيلا على الأقل، بينهم 31 ألفا و643 قتيلا في تركيا وما لا يقل عن 3688 قتيلا في سوريا.

عفراء تبتسم حتى للغرباء
قصة عفراء جذبت أنظار العالم وسط المآسي التي خلفها الزلزال المدمر

 الطفلة التي ولدت تحت أنقاض منزل أسرتها الذي دمره الزلزال المميت في تركيا وسوريا قبل ستة أشهر تتمتع الآن بصحة جيدة وتحب أسرتها بالتبني والابتسام حتى للغرباء.

قضت الطفلة عفراء، ذات الشعر الداكن، عشر ساعات تحت الأنقاض بعد أن ضرب الزلزال سوريا وتركيا، في 6 فبراير الماضي، وتسبب في وفاة والديها وأربعة من أشقائها في بلدة جنديرس شمالي سوريا. وعندما تم العثور عليها، كان حبلها السري لا يزال متصلا بوالدتها.

جذبت قصتها أنظار العالم في ذلك الوقت، وعرض كثيرون من جميع أنحاء العالم تبنيها.

وبعد أن أمضت أياما في أحد المستشفيات شمالي سوريا، أُخرجت عفراء وتم تسليمها إلى عمتها وزوجها اللذين يقومان بتربيتها مع بناتهما الخمس وابنيهما.

وقال والدها المتكفل برعايتها، خليل السوادي، إن عفراء تم تسليمها لأسرة عمتها بعد أيام من إجراء اختبار الحمض النووي للتأكد من أن الفتاة وعمتها مرتبطتان بيولوجيا.

بدت عفراء، يوم السبت، مستمتعة بينما كانت تتأرجح على أرجوحة حمراء تتدلى من السقف ويدفعها السوادي إلى الأمام والخلف.

وقال السوادي، وهو يجلس القرفصاء وعفراء في حجره: "هذه الطفلة ابنتي... هي بالضبط مثل أطفالي".

وأضاف السوادي أنهم يقضون النهار في شقة استأجرها، لكن في الليل تذهب الأسرة إلى خيمة من الخيام لقضاء الليلة، حيث لا يزال أطفاله يعانون من صدمة الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص في جنوبي تركيا وشمالي سوريا.

وفقا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، سجل أكثر من 4500 وفاة و10400 إصابة في شمال غربي سوريا بسبب الزلازل. وقدر بأن 43 في المئة من المصابين نساء وفتيات، بينما كان 20 في المئة من المصابين أطفال، تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 14 عاما.

وضرب الزلزال المدمر الذي بلغت قوته 7.8 درجات على مقياس ريختر في الساعات الأولى من 6 فبراير وتلته عدة توابع. وكان شمال غربي سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة من بين المناطق الأكثر تضررا ، حيث يعيش أكثر من 4.5 مليون شخص، معظمهم من النازحين بسبب الصراع الذي قتل أكثر من نصف مليون شخص.

يقول السوادي، عندما تكبر عفراء، سيخبرها بقصة إنقاذها وكيف قُتل والداها وأشقاؤها في الزلزال المدمر. وأضاف أنه إن لم يخبرها، فستخبرها زوجته أو الأبناء.

وبعد يوم من وصول الطفلة إلى المستشفى، أسماها المسؤولون هناك "آية". لكن بعد تكفل أسرة عمتها برعايتها، أطلق عليها اسم "عفراء"، تيمنا بوالدتها الراحلة.

بعد أيام من ولادة عفراء، أنجبت عمتها طفلة أسمتها عطاء. ومنذ ذلك الوقت، كانت ترضِع الطفلتين، حسبما أوضح السوادي.

وتابع "عفراء تشرب الحليب وتنام معظم اليوم".

يشير السوادي إلى أنه تلقى عدة عروض بالعيش في الخارج، لكنه رفض لأنه يريد البقاء في سوريا، حيث عاش والدا عفراء وحيث ماتا.

كان والد عفراء البيولوجي، عبد الله تركي مليحان، في الأصل من قرية خشام في دير الزور شرقي سوريا، لكنه غادر، في عام 2014، بعد سيطرة تنظيم "داعش" على القرية، وفق ما قاله صالح البدران، عم والد عفراء.

وأوضح السوادي "نحن سعداء للغاية بها، لأنها تذكرنا بوالديها وأشقائها. إنها تشبه والدها وشقيقتها نوارة كثيرا".