مزيان، طفلة في الـ12 من عمرها، فقدت ذويها في الزلزال المدمر الذي ضرب مناطق بشمال غرب سوريا، ولم تعد ترغب في أي شيء سوى "رؤية أمها".
مزيان وملايين الأطفال الآخرين سيعانون تبعات الكارثة التي قتل فيها نحو 41 ألف شخص في تركيا سوريا، وفق حصيلة غير نهائية، وبات العديد من الأطفال الذين فقدوا أسرهم بأكملها بحاجة إلى الرعاية الصحية والنفسية.
وتوثق صحيفة واشنطن بوست الأميركية شهادات ناجين من الزلزال في بلدة جنديرس الحدودية مع تركيا، وهي من أكثر المناطق تضررا في سوريا. من بينهم الطفلة مزيان، التي كانت الناجية الوحيدة من أسرتها التي قضت عندما انهارت شقتها.
الطفلة السورية كانت الابنة الكبرى ولديها شقيق توأم هو رشيد، ثم مات الجميع، ولم تعد لرؤية منزلها منذ أن أخرجها عمال الإنقاذ من تحت الأنقاض، ولا ترغب الآن في استعادة أي متعلقات لها. وقالت وفق الصحيفة: "فقط أريد أمي".
وتشير الصحيفة إلى مشكلة صعوبة التعرف على ذويي العديد من هؤلاء الأطفال، بعد أن أصبحت هذه المنطقة بعد 12 عاما من الحرب الأهلية موطنا لملايين الأشخاص من جميع أنحاء البلاد.
"صدمة فوق صدمة"
وقالت نور آغا، عاملة الإغاثة في بلدة جنديرس: "لم نتمكن من التحقق من قواعد البيانات... بعض الأطفال لم يتمكنوا حتى من إخبارنا بأسمائهم، لقد أصيبوا بصدمة شديدة".
وتنقل فرانس برس عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) إن أكثر من سبعة ملايين طفل، 2.5 مليون منهم في سوريا قد تأثروا بالزلزال.
وبالنظر إلى عدد القتلى الكارثي والمتزايد، أوضحت المنظمة "العديد من الأطفال فقدوا أهاليهم"، محذرة من أنّ "الرقم سيكون مرعبا".
وقال المتحدث باسم المنظمة، جيمس إلدر، في تصريحات أدلى لها لفرانس برس إن الزلزال بمثابة "صدمة فوق صدمة" بالنسبة للأطفال.
وتقول مسؤولة التواصل والمناصرة في المجلس الدنماركي للاجئين، سماح حديد، لفرانس برس: "نعلم من خلال كوارث مماثلة، أنّ الأطفال عرضة لخطر نفسي شديد بسبب حجم الصدمة".
وتوضح "من الشائع جدا أن يعاني الأطفال في هذه المرحلة من كوابيس متكررة"، مضيفة أنه "من المهم الآن أن يبقى هؤلاء الأطفال على تواصل مع أحبائهم وأن يحظوا بالحماية والدعم الذي يحتاجونه".
وقالت ليلى هاسو، من "شبكة حراس" لواشنطن بوست التي تقدم الدعم النفسي والاجتماعي للقصر في شمال غرب سوريا: "معظمهم في سن مبكرة جدا، ومن ثم يصعب التواصل معهم".
وتشير إلى أن الأطفال في الفئة العمرية بين 11 و14 عاما، يتذكرون الزلازل وكذلك سنوات الحرب، وهناك حالات انتحار في هذه الفئة حتى قبل الزلزال.
وفي بلدة عفرين، لم يخرج محمد محمد، البالغ من العمر ثماني سنوات، من المستشفى بعد لأن الأطباء كانوا قلقين من أنه لايزال مذهولا لدرجة أنه لا يستطيع الكلام. وقالت عمته، ياسمين، التي جلست بجانب سريره إن والديه قد توفيا.
وتشير فرانس برس إلى حالة الطفلة هناء، التي نقلت إلى أحد مستشفيات شمال غرب سوريا. ومنذ ذلك الحين، لا تكلّ عن السؤال يوميا عن والديها وشقيقتها الصغرى، من دون أن تعلم أنها الناجية الوحيدة من عائلتها بعد الزلزال المدمر.
ويقول عبدالله، عم الطفلة لوكالة فرانس برس: "تسأل يوميا عن والدها ووالدتها. حتى الآن لم نخبرها أنهم توفوا مع شقيقتها، التي قلنا لها إنها مريضة مثلها وتتلقى العلاج في جناح آخر".
وفي بلدة حارم، حيث دمر الزلزال 35 مبنى على الأقل، نجا الطفل ألب، البالغ ثلاث سنوات بأعجوبة، بعد بقائه لـ40 ساعة تحت أنقاض منزل عائلته التي توفي جميع أفرادها.
ويقول عزت حميدي (30 عاما)، خال الطفل من مستشفى للأطفال في سرمدا: "ابن اختي هو الناجي الوحيد، فقد أمه وأبيه وإخوته".
ويتولى حميدي رعاية الطفل الموضوع في قسم العناية في المستشفى وهو "مهدد ببتر أطرافه السفلية". ويقول بحسرة: "سأل لمرة واحدة منذ سحبه من تحت الردم عن والدته"، موضحا أنه إجمالا "فاقد للوعي ويئن" باستمرار من الألم.
وبعد مرور أكثر من أسبوع على الكارثة، لاتزال العائلات والسلطات على جانبي الحدود التركية السورية تحاول معرفة عدد الأطفال الذين تيتموا وكيفية الاعتناء بهم.
والعديد من هؤلاء يعيشون في الخيام وأجنحة المستشفيات أو ينامون في السيارات أو في شقق أقرب أقربائهم.
وبينما تبدو ميزان، من بلدة جيندريس، أفضل حالا، إذ وجدت عمها الذي سيعتني بها، يبدو أن الأمر سيكون صعبا بالنسبة لأطفال أخرين لا يعرف أسماء ذويهم.
وتتذكر إحدى عاملات الإغاثة كيف قاومت طفلة تم إخراجها من تحت الأنقاض عمال الإغاثة وظلت تصرخ في وجههم بشكل هستيري، لأنها تريد أن يعيدوها إلى أسرتها التي كانت لا تزال تحت أنقاض المنزل.
لكن ورغم أن مزيان وجدت عمها الذي تعهد برعايتها، إلا أن الوضع الاقتصادي في المنطقة التي تعد من أفقر مناطق البلاد يلقى أعباء جديدة على أسرة عمها، وهو لديه طفلان بالفعل، ولا يكاد يغطي راتبه كعامل باليومية أساسيات المعيشة. وقال: "ستكون قرة عيني الآن، ستكون ابنتنا"، لكنه أضاف: "أنا لا أعرف كيف سنفعل ذلك".
وتواجه السلطات السورية مشاكل أكثر تعقيدا من تركيا في مسألة تتبع اليتامى، لأسباب من بينها أن الأرقام التي يتم توثيقها في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة لا تتم مشاركتها مع مناطق سيطرة المعارضة في الشمال الغربي.