فريق إنقاذ يبحث عن ناجين وسط أنقاض مبنى مدمر في تركيا- الصورة بتاريخ 15 فبراير 2023
فريق إنقاذ يبحث عن ناجين وسط أنقاض مبنى مدمر في تركيا- الصورة بتاريخ 15 فبراير 2023

استيقظ طبيب العظام السوري، محمد خليل (38 عاما)، فجأة في الرابعة و16 دقيقة يوم السادس من فبراير، وخرج إلى شرفة شقته في المبنى المكون من سبعة أدوار في مدينة كهرمان مرعش التركية التي كانت مركز الزلزال المدمر.   

"لا أتذكر إلا ثانيتين فقط مما حدث"، يقول خليل لموقع "الحرة"، حيث انهار المبنى رأسا على عقب، في الرابعة و17 دقيقة فجرا، وظل تحت الأنقاض لمدة 62 ساعة.  

بالصدفة

وبينما كانت إحدى الجرافات تزيح ركام المبنى لتفسح طريق الشارع للسيارات المارة، سمع السائق صوت صراخ فجأة، فخرج وطلب المساعدة للبحث عن ناج محتمل وسط الركام. 

كان خليل يصرخ من الألم بسبب إصابته خلال إزاحة الجرافة للركام، والذي أيقظه من غيبوبة، حيث كان فاقدا للوعي قبل هذه اللحظة.  

أخرج عمال الإنقاذ، خليل، من تحت الأنقاض في حالة سليمة، حيث كان غائبا عن الوعي، قبل أن تصيبه الجرافة خلال عملية إزالة بعض ركام المبنى. 

يقول صديقه طبيب العظام، نوار كردية، لموقع "الحرة" إن "خليل بقي سليما ليس فيه أي كسر، لأنه كان في زاوية معينة ضمن فراغ معين، ولم تكن الأوزان الثقيلة فوقه تضغط عليه مباشرة". 

ويضيف: "اضطربت وظائف الكلية لدى خليل لبعض الوقت لكن حالته تحسنت مع العلاج". 

تثير أخبار العثور على ناجين بعد أكثر من 200 ساعة من الزلزال المدمر الذي قتل أكثر من 41 ألفا في تركيا وسوريا في حصيلة أولية، التساؤلات حول إمكانية صمود هؤلاء الأشخاص. 

ناجون في اليوم العاشر

قالت وسائل إعلام تركية إنه جرى إنقاذ امرأة تبلغ من العمر 42 عاما من تحت أنقاض مبنى في مدينة كهرمان مرعش بجنوب تركيا اليوم الأربعاء، بعد 222 ساعة من الزلزال المدمر الذي ضرب المنطقة.

وأظهرت لقطات تلفزيونية عمال الإنقاذ ينقلون المرأة، واسمها مليكة إمام أوغلو، على محفة إلى سيارة الإسعاف.

وتمكن فريق إنقاذ آخر في تركيا بمدينة أنطاكيا في ولاية هاتاي جنوب تركيا، من إنقاذ رجل وزوجته من تحت أنقاض مبنى منهار الأربعاء، حيث نشرت وكالة الأناضول فيديو، يظهر حوارا بين فريق الإنقاذ والرجل قبل إنقاذه، وقالت إنه "تم إنقاذ رجل وزوجته بعد 209 ساعات من تحت الأنقاض". 

ويظهر في الفيديو أن رجال الإنقاذ يسألون الرجل عن أهله ومن معه من ناجين، ويطمئنونه بأنهم سيخرجونهم، ووصفت الوكالة ما حدث بـ"معجزة في اليوم التاسع" بعد الزلزال.

ويتفق عدد من الأطباء تحدث معهم موقع "الحرة" مع وصف خروج أحياء من تحت الأنقاض بعد ثلاثة أيام من الزلزال بأنه "معجزة". 

ويقول الطبيب في مستشفى إدلب الجراحي، وائل حبيب، لموقع "الحرة": أنا أعتبر ما حدث معجزة، لأن الإنسان الطبيعي قد يتحمل عشرة أيام بلا أكل ولكن لا يتحمل إلا ثلاثة أيام فقط بلا شرب. 

وأضاف أن "خروج ناجين في اليوم العاشر، هذا بسبب عناية رب العالمين في المقام الأول، وثانيا الجو البارد الذي نعيش فيه"، مشيرا إلى أن الحر يؤدي إلى الاختناق وانتهاء الطاقة والسوائل في الجسم بسرعة. 

وقال إن بعض الناجين حكوا أن نزول المطر في الأيام الماضية ساعدهم على البقاء أحياء حيث كانوا يبللوا شفاههم على الأقل، وبعضهم لم يشعروا بما حدث أساسا حيث غابوا عن الوعي وظلوا في سبات، وهذا حدث أكثر مع الأطفال بسبب الصدمة غالبا، ما جعلهم يحتفظون بطاقة الجسم لفترة أطول، خاصة إذا لم يكن هناك نزيف داخلي أو إصابة جعلتهم يفقدون دما منهم. 

"أتشكك في الأخبار"

وما أن يطلق بعض عمال الإنقاذ الصفارات ونداءاتهم للكف عن الحركة والصمت المطلق، من أجل سماع أي صوت، بعد اكتشاف المستشعرات الحرارية عن احتمالية وجود أحياء عالقين تحت أنقاض أحد المباني المدمرة بفعل الزلزال، يحبس العشرات من الموجودين حول المبنى أنفاسهم ويتسمرون في أماكنهم بدون حركة. 

يخرج الشخص منهكا تماما، غير قادر على تحريك أي جزء من جسمه، فتعلو صيحات التكبير والتهليل والتصفيق وأصوات الصفير، فرحا بخروج ناج جديد. 

بالنسبة لمستشفى حارم الجراحي، فإن آخر ناج حي وصل إليها كان في الساعة السادسة مساء في اليوم الثالث من الزلزال، الأربعاء الثامن من فبراير، بحسب مديرها، وجيه القراط لموقع "الحرة". 

لكن هذه الحالة توفيت بعد عدة ساعات من وصولها للمستشفى بسبب إصابتها بتناذر هرسي شديد. 

يتشكك نوار كردية، وهو مدير صحة دارة عزة بحلب، عندما يسمع خبرا عن انتشال ناج من تحت الأنقاض في اليوم العاشر من الزلزال ولو حتى في اليوم السادس، "لأنه علميا شبه مستحيل". 

ويقول لموقع "الحرة": "علميا، وظائف الكلى تتأثر بشكل شديد إذا ظل الشخص بدون شرب المياه خاصة تحت الأنقاض وتصبح فرصته في الحياة والنجاة قليلة للغاية بعد خمسة أيام". 

ويضيف: "حتى إذا تم إنقاذهم، فكثير منهم يموتون بعد ذلك، حيث يؤدي عدم دخول سوائل إلى الجسم إلى قصور في وظائف الكلى التي لا تتحمل الحياة بدون مياه".  

وأشار إلى أن التناذر الهرسي يعني أن أحد الأطراف المتضمن عضلاته يتهتك، هذه العضلات فيها كمية كبيرة من بروتين الميوغلوبين، ينتقل للدم ثم إلى الكلية ولا تتحمل الكلية تصفية هذه المادة، فتفسد، فيموت الشخص"، مشيرا إلى أن الكلية "من الأعضاء الحيوية وتسمى بالأعضاء النبيلة، وهي تشمل الكلية والقلب والدماغ والكبد". 

مراحل صمود العالقين تحت الأنقاض

وبحسب ما نقلت وكالة فرانس برس عن معاهد الصحة الوطنية الأميركية، فإن قدرة الجسم على الصمود تمر بعدة مراحل. 

بالنسبة للمياه، خلال ساعات يفقد الجسم نحو 1.5 في المئة من الماء ويعاني الشخص من الدوار والعطش وجفاف البشرة.  

وفي اليوم الثاني، يكون الجسم قد فقد نحو أربعة في المئة من الماء، ما يؤدي إلى ضعف في الوظائف الإدراكية والارتباك وتسارع دقات القلب، كما يؤدي النقص الحاد في كمية المياه في الجسم إلى تخثن الدم وتدفق الماء من الخلايا إلى مجرى الدم فتتقلص الخلايا. ويمكن أن يؤدي انخفاض ضغط الدم إلى الإغماء. 

وفي اليوم الثالث، يكون الجسم قد فقد سبعة في المئة من الماء الموجود فيه، ما يتسبب في قصور في الأعضاء وتباطؤ في تدفق الدم إلى الأعضاء غير الحيوية ما يؤدي إلى تضررها، كما تزداد الفضلات الخلوية في غياب تصفية الكلى للدم. 

وقد يستطيع البعض الصمود لمئة ساعة أو أكثر، بدون شرب ماء، في حال عدم التعرض لأشعة الشمس. 

قدرة الجسم على الصمود من دون طعام أو ماء

أما بالنسبة للطعام، فيبدأ الجسم في حالة الجوع، في التغذي في البداية من مخازن الغليكوجين الموجودة في العضلات والكبد.

وفي اليوم الثاني تقريبا، يبدأ الجسم في التغذي من مخازن الدهون، حيث تشكل الأحماض الدهنية من مخازن الليبيد المصدر الرئيسي للطاقة، ما يؤدي إلى خسارة كبيرة في الوزن. وقد يصاب الشخص بضباب الدماغ والتعب والدوار. 

وتستنفد مخازن الدهون في غضون أيام أو أسابيع، وفقا لتكوين الجسم. 

ويبدأ الجسم بعد ذلك في حرق البروتين داخل العضلات بما في ذلك القلب. ويؤدي عدم تناول أي طعام إلى هشاشة في العظام وهلوسة وخطر الإصابة بسكتة قلبية. 

عند وصول الناجي للمستشفى يبدأ الأطباء، بحسب الدكتور وائل حبيب، بالإنعاش الحياتي للمريض، وفتح الأوردة، وفحص ما إذا كان هناك مشكلة تنفسية، أو نزيف، أو احتياج أي طرف للبتر.

"أمر معقد"

وقال إن حساب المدة التي يمكن أن يصمد فيها الشخص تحت الأنقاض في الزلازل أمر معقد ويرتبط بعدة عوامل، أهمها صحة الشخص قبل حدوث الزلزال، ودرجة تحمله، وفييزولوجيا الجسد، والمكان الذي انحشر فيه بعد الزلزال، سواء كان ضيقا أم كان هناك ضغط على الجسم، ودرجة حرارة المكان". 

ويؤكد أن "الطقس البارد ساعد في عدم فقدان السوائل بسرعة بسبب عدم التعرق، أما الغذاء فالجسم يتحمل لفترة عدم الطعام"، مؤكدا في الوقت ذاته إلى أنه "دائما هناك أشياء نادرة وعجيبة وغريبة تحصل".  

ويقول عامل الإنقاذ التركي، عبد القادر بولاتوغلو، بعد انتشال أحد الناجين من تحت الأنقاض، في اليوم التاسع من الزلزال، الثلاثاء، إن "الإنسان يمكن أن يعيش تحت الأنقاض حتى 20 يوما تقريبا، لأن هذا ما حدث في زلزال إزمير وإسطنبول". 

وقال "أتذكر أنه تم العثور على أحياء بعد 18 أو 19 يوما تحت الأنقاض"، مشيرا إلى أنه "إذا لم يصب الشخص بأذى وكان في وضعية معينة بفراغ جيد، فهذا ممكن". 

ويقول الطبيب في مستشفى الأمل التخصصي  للجراحة العظمية في إدلب، إبراهيم الخطيب، لموقع "الحرة" إن أي ناج كان يأتيهم بعد اليوم الثالث، يخضع لمراقبة عامة أكثر بالطبع خاصة لوظائفه الحيوية، نظرا لخوفنا من إصابته بأي أمراض في الكلى خاصة بسبب نقص السوائل". 

وأضاف: "بعد أربعة أيام كان يأتينا حالات من تحت الأنقاض مصابة بهرس في الأعضاء، وهذا يعني أنه قد يكون مصابا بقصور في الكلى فنحوله إلى قسم الكلى وقسم منهم يحتاج إلى غسيل في الكلى". 

"عادت الحياة لي للمرة الثانية"

لكن الطبيب وائل حبيب، يؤكد أن الناجين كما يحتاجون إلى متابعة وظائفهم الحيوية، أحيانا يتوجب دعمهم نفسيا قبل علاجهم عضويا، لأنهم يسألون عن عائلتهم ويصابون بالصدمة عند معرفة أن كل عائلتهم ماتوا في الزلزال. 

وبالفعل أصيب الطبيب، محمد خليل، بصدمة نفسية، عندما تم إنقاذه في اليوم الثالث من الزلزال، عندما تم إخباره أن زوجته طبيبة النساء والتوليد، رنا خليل أوغلو (32 سنة)، وأولاده الثلاثة، ووالدته حليمة عبده (58 سنة)، الذين كانوا في الشقة معه، عندما انهار إثر الزلزال المدمر الذي راح ضحيته أكثر من 41 ألفا في تركيا وسوريا، قد ماتوا. 

وقبل اليوم الأربعاء، كان خليل يحسبهم جميعا في عداد الأموات، قبل أن تصله مكالمة هاتفية تنبأه بأن ابنه الأصغر صاحب الأربع سنوات، حي يرزق وموجود في دار أيتام. 

وبعد أن كان خليل في صدمة جراء اعتقاده بانه فقد عائلته كلها التي لجأت إلى تركيا وحصلت على جنسيتها، في الزلزال، عادت إليه الحياة للمرة الثانية. 

ويقول لموقع "الحرة": "كانت المرة الأولى عندما فقدت الوعي، ثم عدت إلى الحياة، واليوم بعلمي أن ابني حي يرزق، ما يعني أن زوجتي وولدي والآخرين أمجد (ست سنوات)، وخليل (تسع سنوات)، وأمي، قد يكونوا على قيد الحياة". 

عفراء تبتسم حتى للغرباء
قصة عفراء جذبت أنظار العالم وسط المآسي التي خلفها الزلزال المدمر

 الطفلة التي ولدت تحت أنقاض منزل أسرتها الذي دمره الزلزال المميت في تركيا وسوريا قبل ستة أشهر تتمتع الآن بصحة جيدة وتحب أسرتها بالتبني والابتسام حتى للغرباء.

قضت الطفلة عفراء، ذات الشعر الداكن، عشر ساعات تحت الأنقاض بعد أن ضرب الزلزال سوريا وتركيا، في 6 فبراير الماضي، وتسبب في وفاة والديها وأربعة من أشقائها في بلدة جنديرس شمالي سوريا. وعندما تم العثور عليها، كان حبلها السري لا يزال متصلا بوالدتها.

جذبت قصتها أنظار العالم في ذلك الوقت، وعرض كثيرون من جميع أنحاء العالم تبنيها.

وبعد أن أمضت أياما في أحد المستشفيات شمالي سوريا، أُخرجت عفراء وتم تسليمها إلى عمتها وزوجها اللذين يقومان بتربيتها مع بناتهما الخمس وابنيهما.

وقال والدها المتكفل برعايتها، خليل السوادي، إن عفراء تم تسليمها لأسرة عمتها بعد أيام من إجراء اختبار الحمض النووي للتأكد من أن الفتاة وعمتها مرتبطتان بيولوجيا.

بدت عفراء، يوم السبت، مستمتعة بينما كانت تتأرجح على أرجوحة حمراء تتدلى من السقف ويدفعها السوادي إلى الأمام والخلف.

وقال السوادي، وهو يجلس القرفصاء وعفراء في حجره: "هذه الطفلة ابنتي... هي بالضبط مثل أطفالي".

وأضاف السوادي أنهم يقضون النهار في شقة استأجرها، لكن في الليل تذهب الأسرة إلى خيمة من الخيام لقضاء الليلة، حيث لا يزال أطفاله يعانون من صدمة الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص في جنوبي تركيا وشمالي سوريا.

وفقا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، سجل أكثر من 4500 وفاة و10400 إصابة في شمال غربي سوريا بسبب الزلازل. وقدر بأن 43 في المئة من المصابين نساء وفتيات، بينما كان 20 في المئة من المصابين أطفال، تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 14 عاما.

وضرب الزلزال المدمر الذي بلغت قوته 7.8 درجات على مقياس ريختر في الساعات الأولى من 6 فبراير وتلته عدة توابع. وكان شمال غربي سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة من بين المناطق الأكثر تضررا ، حيث يعيش أكثر من 4.5 مليون شخص، معظمهم من النازحين بسبب الصراع الذي قتل أكثر من نصف مليون شخص.

يقول السوادي، عندما تكبر عفراء، سيخبرها بقصة إنقاذها وكيف قُتل والداها وأشقاؤها في الزلزال المدمر. وأضاف أنه إن لم يخبرها، فستخبرها زوجته أو الأبناء.

وبعد يوم من وصول الطفلة إلى المستشفى، أسماها المسؤولون هناك "آية". لكن بعد تكفل أسرة عمتها برعايتها، أطلق عليها اسم "عفراء"، تيمنا بوالدتها الراحلة.

بعد أيام من ولادة عفراء، أنجبت عمتها طفلة أسمتها عطاء. ومنذ ذلك الوقت، كانت ترضِع الطفلتين، حسبما أوضح السوادي.

وتابع "عفراء تشرب الحليب وتنام معظم اليوم".

يشير السوادي إلى أنه تلقى عدة عروض بالعيش في الخارج، لكنه رفض لأنه يريد البقاء في سوريا، حيث عاش والدا عفراء وحيث ماتا.

كان والد عفراء البيولوجي، عبد الله تركي مليحان، في الأصل من قرية خشام في دير الزور شرقي سوريا، لكنه غادر، في عام 2014، بعد سيطرة تنظيم "داعش" على القرية، وفق ما قاله صالح البدران، عم والد عفراء.

وأوضح السوادي "نحن سعداء للغاية بها، لأنها تذكرنا بوالديها وأشقائها. إنها تشبه والدها وشقيقتها نوارة كثيرا".