عمليات البحث والإنقاذ تتواصل في تركيا بعد الزلزال المدمر
جانب من عمليات البحث والإنقاذ عقب الزالزل المدمر

وصل عدد قتلى الزلزال المدمر في تركيا وسوريا لما يفوق 41 ألفا وفقا لرويترز، في وقت يحتاج الملايين لمساعدات إنسانية في ظل عدم وجود مأوى للكثير من الناجين في الشتاء القارس، بينما أصبحت عمليات الإنقاذ قليلة ومتباعدة.

وفي حين تحتفي فرق البحث بين الحين والآخر بالعثور على ناجين، استطاعوا النجاة بأعقوبة، فإن الخبراء يستخلصون الدروس المتعلقة بكيفية مواجهة الكوارث الطبيعية، وفقا لما ذكر موقع "NPR" الإخباري.

تدريب متطوعين محليين

وبناء على مراقبة جهود الإنقاذ، توصل خبير الاستجابة للطوارئ والكوارث الأميركي، فورست لانينغ، لموقع "إن بي آر" إلى أن "الأشخاص الذين سوف يكون لهم أكبر تأثير في عمليات الإنقاذ هم الجيران، وذلك لأنهم موجودون في عين المكان".

وأوضح لانينغ والعديد من من الخبراء أنه بغض النظر عن المنطقة التي ضربها زلزال أو أصابتها كارثة طبيعية أخرى، فيجب أن يعرف الناس يقينا أن المساعدة الفعالة تأتي غالبًا من المجتمع المحلي.

وشدد الخبير الأميركي أن هذا هو أحد الدروس المستخلصة من زلزال هائل بلغت قوته 7.8 درجة وأدى إلى تدمير مناطق واسعة في تركيا وسوريا.

ويعد نشر هذا الوعي وتدريب الأشخاص على عمليات الإنقاذ أمرا هاما في حال تأخر أو عدم وصول فرق إنقاذ محترفة، إذ يرى لايننغ أنها ضرورية لإنقاذ معظم الأرواح في أعقاب حدوث الكارثة مباشرة.

ولفت إلى إن فرص إنقاذ الأشخاص العالقين تحت المباني المنهارة تبدأ بالتضاؤل بشكل كبير بعد اليوم الرابع أو الخامس من حدوث الزلزال، وبالتالي فإن عامل الوقت هو أمر حاسم في مساعدة العالقين تحت الأنقاض.

وفي نفس السياق، قالت رئيسة إدارة العمليات والاستراتيجيات في الجامعة في كلية بوفالو للإدارة، ناتالي سيمبسون، إنه "حتى إذا لم يتمكن أحد المارة من إخراج شخص ما من تحت الأنقاض، فلا يزال بإمكانه تحديد  الأماكن التي يوجد بها الناس العالقون".

وأوضحت أنه سيتم إعطاء الأولوية لجهود الاستجابة في المواقع التي وجد فيها المارة بالفعل أشخاصًا على قيد الحياة.

وقال لانينغ: "يستغرق الأمر وقتًا طويلاً لفحص كل مبنى، فعمال الإنقاذ يضطرون إلى الاستماع وإزالة أجزاء حطام المبنى بعناية للوصول إلى الناس".

وتابع: "وفي حالة زلزال تركيا وسوريا فقد كان هناك آلاف وآلاف من هذه المباني".

وأكد إن هذا الأمر يزداد أهمية (تدريب متطوعين محليين) من "خلال  إدراك حقيقة أن الفرق الدولية تستغرق من 24 إلى 48 ساعة للوصول، كما أنه  لا يوجد في أي بلد ما يكفي من فرق البحث والإنقاذ المحلية للبحث في كل مبنى منهار".

انتشار سريع للجيش

في كثير من دول العالم يتم الاستعانة بقوات الجيش للمساعدة في عمليات الإنقاذ والإجلاء عند وقوع الكوارث الكبيرة، بيد أن هذا لم يكن متوافر في سوريا التي تعاني نزاعا دمويا وانقساما كبيرين، وضعفا في إمكانيات قوات النظام في هذا المجال، كما أن الحكومة التركية تلقت الكثير من اللوم لعدم الاستعانة بالجيش بشكل فوري وكبير في عمليات الإنقاذ.

وتقول سيمبسون إنها تتمنى في كل مرة تقع فيها كارثة هائلة أن تحدث تعبئة فورية لأطقم الإنقاذ والجيش، مضيفة: "ولكن هذا ليس هو الحال دائمًا، ولم يكن الأمر كذلك في تركيا وسوريا".

وأردفت:"أكبر نقطة فشل في الاستجابة للطوارئ هي الفشل في التعرف على حقيقة أن هذه حالة طارئة".

وأضافت أنه في العديد من المناطق حول العالم، بما في ذلك تركيا، فإن الجيش هو الأفضل تجهيزًا للعمل للتعامل مع هذه النوعية من الكوارث، لاسيما لجهة استخدام القواعد الجوية والمطارات العسكرية لهبوط وانطلاق طائرات المساعدات والتي تحمل طواقم الإنقاذ.

وشددت سيمبسون على أن تركيا "منطقة معرضة للزلازل وستكون دائمًا عرضة لكوارث من هذا الحجم".

وأردفت: "هذا درس مهم للغاية، فهو يؤكد ضرورة الاستجابة بسرعة من قبل القوات المسلحة، خاصة في المناطق التي يصعب الوصول عليها، وأعتقد أن ما حدث في سوريا وتركيا سوف يؤثر على صانعي القرار في مناطق أخرى من العالم عند حدوث كوارث مشابهة"

وختمت بالقول: "هذا تذكير بضرورة الاستفادة من إمكانيات الجيوش بأسرع وقت حتى يكون الناس أفضل حالا". 

"الوقاية خير من العلاج"

من جهتها، قالت مديرة فريق المساعدة في حالات الكوارث في هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، ليندساي ديفيس إن "تلك النوازل المدمرة (مثل زالزل سوريا وتركيا) تذكرنا بأهمية البحوث العملية وتطبيقها على الأرض  من خلال تعزيز البنية التحتية وتطبيق أفضل المعايير في إنشاء الأبنية والمرافق ومشاركة الخبرات  العملية في مجال مجابهة الكوارث".

وزادت: "على الرغم من أهمية عمليات البحث والإنقاذ، إلا أن الأمر واضح جدًا في أن العمل على الأضرار والوقاية من الحوادث الطبيعية الكبرى هما الأكثر فعالية عندما يتعلق الأمر بتقليل خسائر الكوارث إلى الحد الأدنى".

واستشهدت بالجهود الضائعة من قبل الحكومات التركية لأنه لم يتم وضع معايير في البناء والبنية التحتية والإمدادات اللوجستية في المناطق المعرضة لخطر الزلازل.

وبحسب خبراء فإن الزلازل الكبرى التي ضربت تركيا في عامي 1999 و 2011 كانت بمثابة درسين مهمين للمسؤولين لجهة ضرورة العمل على تطبيق معايير أفضل وأكثر جود في تصميم وبناء المباني في البلاد.

وقال لانينغ إن هذه الكارثة الأخيرة تؤكد مدى أهمية قيام المجتمعات العالمية في المناطق المعرضة للزلازل بتعزيز البنية التحتية لتحمل كارثة مثل تلك التي حدثت في تركيا وسوريا.

عفراء تبتسم حتى للغرباء
قصة عفراء جذبت أنظار العالم وسط المآسي التي خلفها الزلزال المدمر

 الطفلة التي ولدت تحت أنقاض منزل أسرتها الذي دمره الزلزال المميت في تركيا وسوريا قبل ستة أشهر تتمتع الآن بصحة جيدة وتحب أسرتها بالتبني والابتسام حتى للغرباء.

قضت الطفلة عفراء، ذات الشعر الداكن، عشر ساعات تحت الأنقاض بعد أن ضرب الزلزال سوريا وتركيا، في 6 فبراير الماضي، وتسبب في وفاة والديها وأربعة من أشقائها في بلدة جنديرس شمالي سوريا. وعندما تم العثور عليها، كان حبلها السري لا يزال متصلا بوالدتها.

جذبت قصتها أنظار العالم في ذلك الوقت، وعرض كثيرون من جميع أنحاء العالم تبنيها.

وبعد أن أمضت أياما في أحد المستشفيات شمالي سوريا، أُخرجت عفراء وتم تسليمها إلى عمتها وزوجها اللذين يقومان بتربيتها مع بناتهما الخمس وابنيهما.

وقال والدها المتكفل برعايتها، خليل السوادي، إن عفراء تم تسليمها لأسرة عمتها بعد أيام من إجراء اختبار الحمض النووي للتأكد من أن الفتاة وعمتها مرتبطتان بيولوجيا.

بدت عفراء، يوم السبت، مستمتعة بينما كانت تتأرجح على أرجوحة حمراء تتدلى من السقف ويدفعها السوادي إلى الأمام والخلف.

وقال السوادي، وهو يجلس القرفصاء وعفراء في حجره: "هذه الطفلة ابنتي... هي بالضبط مثل أطفالي".

وأضاف السوادي أنهم يقضون النهار في شقة استأجرها، لكن في الليل تذهب الأسرة إلى خيمة من الخيام لقضاء الليلة، حيث لا يزال أطفاله يعانون من صدمة الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص في جنوبي تركيا وشمالي سوريا.

وفقا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، سجل أكثر من 4500 وفاة و10400 إصابة في شمال غربي سوريا بسبب الزلازل. وقدر بأن 43 في المئة من المصابين نساء وفتيات، بينما كان 20 في المئة من المصابين أطفال، تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 14 عاما.

وضرب الزلزال المدمر الذي بلغت قوته 7.8 درجات على مقياس ريختر في الساعات الأولى من 6 فبراير وتلته عدة توابع. وكان شمال غربي سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة من بين المناطق الأكثر تضررا ، حيث يعيش أكثر من 4.5 مليون شخص، معظمهم من النازحين بسبب الصراع الذي قتل أكثر من نصف مليون شخص.

يقول السوادي، عندما تكبر عفراء، سيخبرها بقصة إنقاذها وكيف قُتل والداها وأشقاؤها في الزلزال المدمر. وأضاف أنه إن لم يخبرها، فستخبرها زوجته أو الأبناء.

وبعد يوم من وصول الطفلة إلى المستشفى، أسماها المسؤولون هناك "آية". لكن بعد تكفل أسرة عمتها برعايتها، أطلق عليها اسم "عفراء"، تيمنا بوالدتها الراحلة.

بعد أيام من ولادة عفراء، أنجبت عمتها طفلة أسمتها عطاء. ومنذ ذلك الوقت، كانت ترضِع الطفلتين، حسبما أوضح السوادي.

وتابع "عفراء تشرب الحليب وتنام معظم اليوم".

يشير السوادي إلى أنه تلقى عدة عروض بالعيش في الخارج، لكنه رفض لأنه يريد البقاء في سوريا، حيث عاش والدا عفراء وحيث ماتا.

كان والد عفراء البيولوجي، عبد الله تركي مليحان، في الأصل من قرية خشام في دير الزور شرقي سوريا، لكنه غادر، في عام 2014، بعد سيطرة تنظيم "داعش" على القرية، وفق ما قاله صالح البدران، عم والد عفراء.

وأوضح السوادي "نحن سعداء للغاية بها، لأنها تذكرنا بوالديها وأشقائها. إنها تشبه والدها وشقيقتها نوارة كثيرا".