دقائق بعد الزلزال، تمكن علي العيد من الخروج من منزله المنهار في بلدة جنديرس السورية التي تسيطر عليها المعارضة، لينضم إلى آلاف الناجين الآخرين الذين كانوا ينتظرون بالشوارع المليئة بالركام، وصول مساعدات لم تأت.
في الأيام الموالية، نام علي وعائلته في البرد القارس وسط أنقاض ما كان ذات يوم مسجدا، قبل أن يتمكن من تأمين إحدى الخيام القليلة من إحدى الجمعيات الخيرية المحلية، مقابل 150 دولارا دفعها إلى أحد السكان المحليين الذي يتهم من طرف عدد من قاطني البلدة بتخزين الإمدادات النادرة التي وصلت المنطقة.
واستجاب المجتمع الدولي على الفور لزلزال 6 فبراير، وأرسل مئات الملايين من الدولارات في شكل إمدادات وفرق إنقاذ متخصصة إلى جنوب تركيا المنكوبة، على بعد ساعة بالسيارة شمال جنديريس.
لكن هذه البقعة "المتخلى عنها"، لم تصلها أي مساعدات دولية لما يقرب من أسبوع بحسب الفاينانشيال تايمز، مما ترك المصابين والناجين أمام الأمر الواقع ليدبروا الوضع بأنفسهم، الأمر الذي اعتادوا فعله مرارا وتكرارا، على مدار 12 عاما الماضية، بحسب شهاداتهم.
يقول عيد: "كان يجب أن أعرف أنه لا أحد سيأتي لمساعدتنا"، "لا أحد قام بذلك على الإطلاق".
وحوصر ما يقرب من 4 ملايين شخصا، شمال غرب محافظة إدلب، فيما يعيش حوالي مليوني شخص في مناطق خاضعة للسيطرة التركية وتعتمد بشكل كبير على دعم أنقرة، بما في ذلك سكان جنديرس، الذين يعتمدون أساسا على المساعدات الخارجية للبقاء على قيد الحياة.
واعترف مارتن غريفيث، منسق الأمم المتحدة للمساعدات، بأن المنظمة فشلت في شمال غرب سوريا، مضيفا أن من واجبه إصلاح ذلك. لكن يبقى من غير الواضح كيف يمكن أن يحدث ذلك على نطاق واسع أو بالسرعة الكافية، بحسب الفاينانشيال تايمز.
وتشير الصحيفة ذاتها إلى أن عمليات تسليم المساعدات إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام تعرضت لـ"التسييس" منذ بداية الحرب، ولا سيما من قبل الأسد وحليفته روسيا في مجلس الأمن.
وتابعت أن الطرفين قاما معا بتقييد تدفقات المساعدات تدريجيا، ونادرا ما أعربت الأمم المتحدة، التي تعمل في المناطق التي يسيطر عليها النظام والمعارضة، عن رفضها للوضع، والذي يقول متابعون إن ذلك ما ساعدها في الحفاظ على الوصول إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام على حساب السكان اليائسين في الشمال الغربي.
وتمكنت صحيفة الفاينانشيال تايمز من "وصول نادر" إلى المنطقة كجزء من رحلة سهّلتها الحكومة التركية التي تسيطر على المنطقة، كاشفة أنها وجدت "الناس يتصارعون مع خسارتهم الفادحة" بعد الزلزال.
وأقام الناجون خيما في كل مكان، وسط صفوف المباني المنهارة وفي بساتين الزيتون المنتشرة في المنطقة، فيما لجأ آخرون إلى أقاربهم في مستوطنات الخيام القديمة، حيث عاشوا لسنوات.
وأشارت الصحيفة إلى أن ملابس السكان رثة بالأوساخ والغبار الذي علق بملابسهم منذ أن هرعوا إلى خارج منازلهم في الساعات الأولى من يوم 6 فبراير بعد الزلزال المدمر.
يقول محمد من حمص إنه اقترض 50 دولارا لشراء ملابس وطعام لنفسه ولرضيعه، مضيفا "ربما نُعاقب لأننا نجونا من الحرب".. ويسأل قبل أن يبتعد "هل لديك أي حليب للأطفال؟".
ولمدة أربعة أيام، توقفت معظم المساعدات التي تصل المناطق بسبب الأضرار التي لحقت بالمعبر بسبب الزلزال، وتحت الضغوط الدولية المكثفة، قالت الأمم المتحدة، الاثنين، إن دمشق ستفتح معبرين حدوديين آخرين، مما يسمح لعدة شاحنات بالمرور يوم الثلاثاء.
لكن سرعان ما شجب عمال الدفاع المدني في شمال غرب سوريا هذه الخطوة، واعتبروا أن الأمم المتحدة قدمت "مكسبا سياسيا مجانيا" لنظام الأسد. وفي غضون ذلك، وجدت قوافل الأمم المتحدة المرسلة عبر خطوط النظام باتجاه الشمال الغربي نفسها محاصرة من قبل مسلحي فرع سابق للقاعدة.
وكانت معظم مساعدات الأمم المتحدة التي تم إرسالها منذ الزلزال مخططة مسبقا، ولم تشمل معدات الإغاثة أو الإنقاذ في حالات الطوارئ، بحسب الصحيفة.
وشهدت فاينانشيال تايمز، جمعيات خيرية محلية توزع مساعدات، تزامنا مع بدء وصول شاحنات من إقليم كردستان العراق والسعودية وقطر، كما أرسلت وكالة الإغاثة في حالات الكوارث التركية مساعدات أيضا.
غير أن الأمور تبقى بالبلدة "فوضوية بقدر ما هي يائسة"، ويخشى السكان المحليون، من أن استمرار هذه الأوضاع يعني عدم حصولهم على ما يحتاجون من أساسيات.
وتقول ديما أبوش، التي كانت تحتمي في مكان قريب من منزلها المنهار: "يجب أن تأتي المجموعات الدولية وتوزع المساعدات"، "وإلا ، فإن الجميع هنا سيقاتلون بعضهم البعض حتى الموت للحصول على مخلفات الأغذية".
من جانبه، يقول مقاتل لم يذكر اسمه: "ماذا تتوقع بعد 12 عاما بدون دولة؟ لقد تُركنا هنا لنتعفن إلى جانب جثث الموتى".