بلدة إرزين التركية
تقع إرزين على بعد أقل من 50 ميلا من مركز الزلزال | Source: Social Media

دمر الزلزال الذي ضرب تركيا الأسبوع الماضي مبان على طول أميال في بعض المناطق، بينما صمدت في وجهه بلدة صغيرة، تدعى إرزين، وهو ما أثار عدة تساؤلات.

وبينما أدى الزلزال، الذي بلغت قوته 7.8، إلى مقتل أكثر من 40 ألف قتيل في كل من تركيا وسوريا، قال عمدة إرزين، أوكس أوغلو، إن أحدا لم يمت في بلدته ولم يسقط أي مبنى، وفق ما نقلت عنه صحيفة "نيويورك تايمز".

تقول الصحيفة الأميركية بشأنه "اغتنم العمدة هذه الفرصة للتفاخر بأنه منع منذ فترة طويلة البناء غير السليم، والذي أصبح الآن مثار اهتمام السلطات والمواطنين في جميع أنحاء تركيا". 

لكن المهندسين والعلماء ينسبون الفضل إلى عوامل أخرى تضافرت لإنقاذ المدينة، مثل البناء على أحدث التقنيات المقاومة للزلازل، وموقع إرزين على أرض صلبة جدًا.

وقال عمر إيمري، وهو خبير أمضى 40 عامًا في دراسة خطوط الصدع في المنطقة ويعمل الآن مع مجموعة بحثية خاصة، إن"حالة التربة هي السبب الرئيسي لعدم تعرض المدينة لأضرار جسيمة".

وتقع إرزين على بعد أقل من 50 ميلا من مركز الزلزال، وهي أقرب من مدن في الجنوب مثل إسكندرون وأنطاكيا التي تعرضت للدمار، وتحول جزء كبير منها إلى أنقاض.

وأصيبت إسكندرون بأضرار كبيرة جراء الزلزال، مع حريق كبير في الميناء، بينما غمرت مياه البحر الشوارع، ودمرت الشقق والمتاجر.

وتم بناء العديد من مدن وقرى المنطقة فوق طبقات الرمل والطين في مجرى النهر القديم.

وقال إيمري إن تلك التربة، مثل الأرض الساحلية الناعمة تحت إسكندرون، كانت أكثر عرضة للاهتزاز.

وأكد أن "الرواسب الناعمة المليئة بالمياه تجعل المدن والقرى معرضة بشكل أكبر لأضرار للزلازل".

في المقابل، توجد إرزين في منطقة أعلى من مستوى سطح البحر، وقد تم بناؤها على أرض صلبة تتكون من "صخر أساسي وحبوب رمل أكثر خشونة"، كما قال تامر دومان، الخبير الجغرافي.

وقال دومان إن التربة الصلبة تعمل كممتص للصدمات بين الهياكل وموجات الزلزال، مما يقلل من تأثر المباني.

ليست سابقة

قال علماء جيولوجيا إن هناك حالات أخرى أدت فيها التربة القاسية إلى الحد من الأضرار، بما في ذلك في عام 1999، عندما صمدت قرية صغيرة تسمى تافسانسيل زلزالا بقوة 7.6 درجة أدى إلى مقتل الآلاف في غرب تركيا.

وفي واحدة من أكثر المناطق نشاطا زلزاليا في العالم، حولت السلطات  في تركيا اهتمامها الآن للعثور على مقاولين يمكن تحميلهم مسؤولية الانهيارات، وقد احتجزت بالفعل العشرات. 

وتم اتهام مقاولين باستخدام مواد رخيصة وتجنب قوانين البناء الخاصة بتلافي الكوارث الطبيعية "بغرض تسريع مشاريعهم وتسمين أرباحهم".

بهذا الخصوص، قال أوغلو، عمدة إرزين، إنه اضطر لإيقاف مقاولين كانوا يعملون على تسريع البناء دون مراعاة شروط سلامة البنايات.

مستشار رئيس البلدية، إيراي غون، قال هو الآخر "بالفعل، لم يسمح رئيس البلدية بالبناء غير القانوني في السنوات الأربع الماضية"، مؤكدا أن مكتبه أبلغ المدعين العامين عن مقاولين من هذا الشكل، وأمر بهدم مشاريع رديئة كانوا قد بدأوها.

وقلل العديد من المهندسين من أقوال العمدة ومستشاره، لكنهم أقروا بأن بالمدينة مهندسون جيدون، وأن التراخي في تطبيق القانون قد لعب دورا في الدمار خارج إرزين.

وقال مهندس مدني من إسكندرون، رفض الكشف عن اسمه "هذه هي مشكلتنا في تركيا: يمكن لأي شخص في هذا البلد لديه أرض أن يقرر البناء - جزارا كان، أو مزارعا أو طاهيا".

وقال المتحدث ذاته، "التقطت خرسانة من مبنى منهار فتفتت بين أصابعي مثل الرمل". 

ووصف الحزم الرقيقة للغاية والمصنوعة من الفولاذ الرخيص، وفق تعبيره، بأنها متصلة بتركيبات ضعيفة للغاية وقال: "الزلزال لم يكن القاتل الحقيقي هنا، الأمر يتعلق بجودة بنائنا كذلك".

وردد آخرون الانتقادات الأخيرة لحكومة الرئيس رجب طيب إردوغان، بشأن التشريع، الذي تم سنه قبل بضع سنوات، والذي سمح لأصحاب العقارات بدفع رسوم للإعفاء من مخالفات البناء دون تعديل مبانيهم.

وقال أورهان ساريالتون، عضو مجلس إدارة اتحاد غرف المهندسين والمعماريين الأتراك، وهي مجموعة على خلاف متكرر مع حزب العدالة والتنمية الحاكم: "لقد طلبنا مرارا من الحكومة فرض عمليات تفتيش قبل منح العفو".

وقال ساريالتون أيضا إن البنائين الذين يريدون تجاوز اللوائح ينشئون شركات تفتيش خاصة بهم "ليفحصوا أنفسهم بأنفسهم".

وقال أيضا إن إسقاط المسؤولية عن كاهل المقاولين هو رفع المسؤولية عن كاهل الحكومة كذلك.

عفراء تبتسم حتى للغرباء
قصة عفراء جذبت أنظار العالم وسط المآسي التي خلفها الزلزال المدمر

 الطفلة التي ولدت تحت أنقاض منزل أسرتها الذي دمره الزلزال المميت في تركيا وسوريا قبل ستة أشهر تتمتع الآن بصحة جيدة وتحب أسرتها بالتبني والابتسام حتى للغرباء.

قضت الطفلة عفراء، ذات الشعر الداكن، عشر ساعات تحت الأنقاض بعد أن ضرب الزلزال سوريا وتركيا، في 6 فبراير الماضي، وتسبب في وفاة والديها وأربعة من أشقائها في بلدة جنديرس شمالي سوريا. وعندما تم العثور عليها، كان حبلها السري لا يزال متصلا بوالدتها.

جذبت قصتها أنظار العالم في ذلك الوقت، وعرض كثيرون من جميع أنحاء العالم تبنيها.

وبعد أن أمضت أياما في أحد المستشفيات شمالي سوريا، أُخرجت عفراء وتم تسليمها إلى عمتها وزوجها اللذين يقومان بتربيتها مع بناتهما الخمس وابنيهما.

وقال والدها المتكفل برعايتها، خليل السوادي، إن عفراء تم تسليمها لأسرة عمتها بعد أيام من إجراء اختبار الحمض النووي للتأكد من أن الفتاة وعمتها مرتبطتان بيولوجيا.

بدت عفراء، يوم السبت، مستمتعة بينما كانت تتأرجح على أرجوحة حمراء تتدلى من السقف ويدفعها السوادي إلى الأمام والخلف.

وقال السوادي، وهو يجلس القرفصاء وعفراء في حجره: "هذه الطفلة ابنتي... هي بالضبط مثل أطفالي".

وأضاف السوادي أنهم يقضون النهار في شقة استأجرها، لكن في الليل تذهب الأسرة إلى خيمة من الخيام لقضاء الليلة، حيث لا يزال أطفاله يعانون من صدمة الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص في جنوبي تركيا وشمالي سوريا.

وفقا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، سجل أكثر من 4500 وفاة و10400 إصابة في شمال غربي سوريا بسبب الزلازل. وقدر بأن 43 في المئة من المصابين نساء وفتيات، بينما كان 20 في المئة من المصابين أطفال، تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 14 عاما.

وضرب الزلزال المدمر الذي بلغت قوته 7.8 درجات على مقياس ريختر في الساعات الأولى من 6 فبراير وتلته عدة توابع. وكان شمال غربي سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة من بين المناطق الأكثر تضررا ، حيث يعيش أكثر من 4.5 مليون شخص، معظمهم من النازحين بسبب الصراع الذي قتل أكثر من نصف مليون شخص.

يقول السوادي، عندما تكبر عفراء، سيخبرها بقصة إنقاذها وكيف قُتل والداها وأشقاؤها في الزلزال المدمر. وأضاف أنه إن لم يخبرها، فستخبرها زوجته أو الأبناء.

وبعد يوم من وصول الطفلة إلى المستشفى، أسماها المسؤولون هناك "آية". لكن بعد تكفل أسرة عمتها برعايتها، أطلق عليها اسم "عفراء"، تيمنا بوالدتها الراحلة.

بعد أيام من ولادة عفراء، أنجبت عمتها طفلة أسمتها عطاء. ومنذ ذلك الوقت، كانت ترضِع الطفلتين، حسبما أوضح السوادي.

وتابع "عفراء تشرب الحليب وتنام معظم اليوم".

يشير السوادي إلى أنه تلقى عدة عروض بالعيش في الخارج، لكنه رفض لأنه يريد البقاء في سوريا، حيث عاش والدا عفراء وحيث ماتا.

كان والد عفراء البيولوجي، عبد الله تركي مليحان، في الأصل من قرية خشام في دير الزور شرقي سوريا، لكنه غادر، في عام 2014، بعد سيطرة تنظيم "داعش" على القرية، وفق ما قاله صالح البدران، عم والد عفراء.

وأوضح السوادي "نحن سعداء للغاية بها، لأنها تذكرنا بوالديها وأشقائها. إنها تشبه والدها وشقيقتها نوارة كثيرا".