المدينة تقدم الإغاثة للوافدين الجدد الذين يأتون إليها
لماذا تدفع النساء الثمن الأكبر في كارثة الزلزال؟

"تحدق دعاء رضوان في صور زوجها وأبنائها غير قادرة على تصور الفاجعة، إذ قتلوا جميعا جراء الزلزال"، وهذي مأساة امرأة واحدة بين آلاف النساء اللواتي كن ضحايا الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا، الأسبوع الماضي، وأسفر عن مقتل ما يفوق 41 ألفا حتى الآن.

لكن، وكأن الحزن الذي سيظل يلازمهن طوال حياتهن لا يكفي، إذ تشير شهادات وتقارير منظمات إنسانية إلى أن النساء، السوريات بالتحديد، يواجهن أزمات أخرى متمثلة في عدم توفر الرعاية الصحية لهن، وخاصة للحوامل، واختفاء الفوط الصحية، بالإضافة إلى تداول شهادات عن حالات تحرش داخل مراكز الإيواء.

وفي وقت يحتاج ملايين الأشخاص إلى مساعدات إنسانية كالغذاء والدواء والملبس في ظل عدم وجود مأوى لكثير من الناجين في الشتاء القارس، تدفع النساء دائماً أثماناً مضاعفة في وقت الأزمات، بسبب ضعف وصول الخدمات الصحية المراعية لأوضاعهن، بحسب ما ذكرت منظمة "فيوليت"، المعنية بحقوق الإنسان ومقرها تركيا، على صفحتها على موقع "فيسبوك".

"النساء والفتيات السوريات بالتحديد يواجهن مأساة مزدوجة جراء الزلازل"، هكذا وصفت المنظمة الدولية لحقوق الإنسان "أكشن إيد" كيف فاقم الزلزال معاناة النساء السوريات اللائي عانين لسنوات من الحرب في سوريا، وفقدن منازلهن المؤقتة وجيرانهن وأحبائهن وكذلك سبل عيشهن.

ومنظمة "أكشن إيد"، التي تعمل حاليا مع الضحايا على الأرض وسط الكارثة، ذكرت أن اثنتي عشرة سنة من الحرب تركت النساء والأطفال دون آباء أو إخوة أو أزواج، وازداد عدد الأرامل أو الأسر التي تعولها نساء وكذلك الأيتام. وأصبح مستقبلهن مجهول بشكل كبير.

ناجون من الزلزال متحلقون حول النار للتدفئة قرب الأنقاض

وقال أحد العاملين بالطوارئ مع منظمة "فيوليت" شريكة "أكشن إيد"، سوسر تالوستان، في تقرير نشرته المنظمة على موقعها الإلكتروني: "وجدت آلافا من الأمهات وأطفالهن أنفسهم نازحين مرة أخرى من دون أي شيء في حوزتهن وسط درجات الحرارة المنخفضة". وأضاف: "هذه ضربة قاسية للنساء السوريات اللاتي نزحن عدة مرات من منازلهن ويكافحن من أجل التأقلم. والأطفال لا يعرفون حتى معنى كلمة البيت لأنهم ولدوا في الخيام أو يعيشون فيها، وبعضهم لا يعرف حتى معنى كلمة مدرسة".

وقدرت الأمم المتحدة عام ٢٠٢٠ أن خمس الأسر السورية تعولها نساء، وذلك بارتفاع نسبته ٨٠٪ عن عام ٢٠١١.

ويعيش في شمال غرب سوريا 4.2 مليون شخص في ملاجئ مؤقتة بما في ذلك الخيام والمنازل الهشة"، وفقا للأمم المتحدة.  

وأوضحت الأمم المتحدة أنه في ظل أزمة اقتصادية قاسية تعاني العائلات السورية من انعدام الأمن الغذائي، وانهيار الخدمات العامة، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وانقطاع التيار الكهربائي المتكرر، فضلاً عن عدم الوصول إلى المياه النظيفة، مما أدى إلى تفشي الكوليرا في نهاية عام 2022، والتي لا تزال مستمرة.

نساء تعاين الأضرار بعد الزلزال المدمر

سلامة النساء وأطفالهن الذين نزحوا بالفعل مرات عديدة بسبب النزاع يعتبر مصدر قلق كبير بالنسبة للمديرة الإقليمية لمنظمة "أكشن إيد" في المنطقة العربية، رشا نصر الدين، قائلة لموقع "الحرة": "العديد من النساء المتضررات من الزلزال اليوم هن ربات أسر، وهذه الكارثة تزيد من معاناتهن، ويحتجن إلى دعم مضاعف. هناك حاجة ملحة للغذاء والماء والبطانيات والمأوى والملابس الشتوية، بالإضافة إلى أدوية الحوامل واللواتي يرضعن".

وأضافت أنه "خلال فترات الأزمات والكوارث، أغلب المساعدات التي تأتي تكون بهدف الإغاثة، ويتم نسيان المنتجات التي تحتاج لها النساء".

"وتواجه أغلب النساء صعوبات في الوصول إلى وسائل النظافة والفوط الصحية والملابس الداخلية، فضلا عن المرافق الصحية" بحسب نصر الدين.

ووفقا لـ"أكشن إيد"، تصبح الحوامل بسبب محدودية الوصول إلى خدمات الاستشفاء والرعاية الطبية اللازمة، معرضات لخطر حدوث مضاعفات.

وعرض الزلزال في سوريا وتركيا نحو ٣٥٠ ألف سيدة حامل للخطر مع إمكانية محدودة للوصول إلى المستشفيات. كما أن الأمهات المرضعات معرضات لخطر جفاف الحليب بالإضافة إلى عدم توفر الألبان الصناعية، كما أن هناك خطرا متزايدا من فقر الدورة الشهرية. 

لذلك بعد أيام من وقوع كارثة الزلزال، أطلقت ناشطات على وسائل التواصل الاجتماعي حملات لتلبية وتوفير هذه الاحتياجات، لكن قوبلت هذه الطلبات بالاستخفاف".

معاناة أخرى تمر بها النساء والفتيات داخل مراكز الإيواء وهي خروج شهادات لتعرض كثيرات للتحرش، لكن لم يتم التأكد منها أو التحقيق فيها حتى الآن بسبب حجم الكارثة الكبير.

وفي هذا الشأن، قالت نصر الدين "للحرة": "في كارثة مثل هذه، تكون النساء والفتيات أكثر عرضة للخطر وأكثر عرضة لخطر الاستغلال مثل التحرش. لذلك فإن حمايتهن وسلامتهن هي أولويتنا القصوى. نحن نقدم خدمات الحماية والمساحات الآمنة للنساء لإيواء أطفالهن وإرضاعهم وغسلهم والحصول على الدعم العاطفي اللازم للتكيف مع الصدمات، لكن في النهاية، إمكانياتنا لا تزال محدودة ونحتاج لتكاتف دولي ودعم مادي لتقديم مساعدة أكبر وأكثر كفاءة".

النساء والأطفال هم المتضررون الأكبر من الزلزال

وقبل الزلزال، كانت حوالي ٧ ملايين امرأة وفتاة سورية بحاجة إلى خدمات صحية ضرورية ودعم ضد العنف الجنسي والجسدي، وهو الأمر الذي يزداد في حالة الطوارئ كون النساء أكثر عرضة لخطر الاستغلال، بحسب "أكشن إيد".

وفي حديثها للحرة، أوضحت نصر الدين أن المنظمات الدولية التي كان لديها مساحات آمنة للنساء والفتيات وأماكن للرعاية الصحية والنفسية، عانت من الانهيار وتضرر كثير منها بسبب الزلزال في شمال غربي سوريا، لذلك أصبح اليوم من الضروري خلق مساحات بديلة لهؤلاء النساء تمكنهن من التواجد مع بعضهن البعض بنفس المكان ومشاركة خصوصيتهن، ويكون لديهن القدرة على الوصول لاحتياجاتهن الخاصة.

عبء مضاعف تتحمله النساء وقت الأزمات ويتم تناسيه تحديدا في مجتمعاتنا العربية. وتشير نصر الدين إلى أنه بالإضافة إلى تعرض النساء لضغط نفسي كبير كونهن أمهات أو زوجات أو فتيات خسرن عائلاتهن، فإن عليهن أيضا تحمل مسؤولية الاهتمام بالأطفال وتأمين الطعام، فضلا عن الصدمة بسبب الأزمة. لذلك تقول المديرة الإقليمية لـ"أكشن إيد" إن الضغط النفسي في هذه الفترة يكون مضاعفا على النساء، بالتالي يصبحن في حاجة أكبر للدعم النفسي والاجتماعي.

عفراء تبتسم حتى للغرباء
قصة عفراء جذبت أنظار العالم وسط المآسي التي خلفها الزلزال المدمر

 الطفلة التي ولدت تحت أنقاض منزل أسرتها الذي دمره الزلزال المميت في تركيا وسوريا قبل ستة أشهر تتمتع الآن بصحة جيدة وتحب أسرتها بالتبني والابتسام حتى للغرباء.

قضت الطفلة عفراء، ذات الشعر الداكن، عشر ساعات تحت الأنقاض بعد أن ضرب الزلزال سوريا وتركيا، في 6 فبراير الماضي، وتسبب في وفاة والديها وأربعة من أشقائها في بلدة جنديرس شمالي سوريا. وعندما تم العثور عليها، كان حبلها السري لا يزال متصلا بوالدتها.

جذبت قصتها أنظار العالم في ذلك الوقت، وعرض كثيرون من جميع أنحاء العالم تبنيها.

وبعد أن أمضت أياما في أحد المستشفيات شمالي سوريا، أُخرجت عفراء وتم تسليمها إلى عمتها وزوجها اللذين يقومان بتربيتها مع بناتهما الخمس وابنيهما.

وقال والدها المتكفل برعايتها، خليل السوادي، إن عفراء تم تسليمها لأسرة عمتها بعد أيام من إجراء اختبار الحمض النووي للتأكد من أن الفتاة وعمتها مرتبطتان بيولوجيا.

بدت عفراء، يوم السبت، مستمتعة بينما كانت تتأرجح على أرجوحة حمراء تتدلى من السقف ويدفعها السوادي إلى الأمام والخلف.

وقال السوادي، وهو يجلس القرفصاء وعفراء في حجره: "هذه الطفلة ابنتي... هي بالضبط مثل أطفالي".

وأضاف السوادي أنهم يقضون النهار في شقة استأجرها، لكن في الليل تذهب الأسرة إلى خيمة من الخيام لقضاء الليلة، حيث لا يزال أطفاله يعانون من صدمة الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص في جنوبي تركيا وشمالي سوريا.

وفقا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، سجل أكثر من 4500 وفاة و10400 إصابة في شمال غربي سوريا بسبب الزلازل. وقدر بأن 43 في المئة من المصابين نساء وفتيات، بينما كان 20 في المئة من المصابين أطفال، تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 14 عاما.

وضرب الزلزال المدمر الذي بلغت قوته 7.8 درجات على مقياس ريختر في الساعات الأولى من 6 فبراير وتلته عدة توابع. وكان شمال غربي سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة من بين المناطق الأكثر تضررا ، حيث يعيش أكثر من 4.5 مليون شخص، معظمهم من النازحين بسبب الصراع الذي قتل أكثر من نصف مليون شخص.

يقول السوادي، عندما تكبر عفراء، سيخبرها بقصة إنقاذها وكيف قُتل والداها وأشقاؤها في الزلزال المدمر. وأضاف أنه إن لم يخبرها، فستخبرها زوجته أو الأبناء.

وبعد يوم من وصول الطفلة إلى المستشفى، أسماها المسؤولون هناك "آية". لكن بعد تكفل أسرة عمتها برعايتها، أطلق عليها اسم "عفراء"، تيمنا بوالدتها الراحلة.

بعد أيام من ولادة عفراء، أنجبت عمتها طفلة أسمتها عطاء. ومنذ ذلك الوقت، كانت ترضِع الطفلتين، حسبما أوضح السوادي.

وتابع "عفراء تشرب الحليب وتنام معظم اليوم".

يشير السوادي إلى أنه تلقى عدة عروض بالعيش في الخارج، لكنه رفض لأنه يريد البقاء في سوريا، حيث عاش والدا عفراء وحيث ماتا.

كان والد عفراء البيولوجي، عبد الله تركي مليحان، في الأصل من قرية خشام في دير الزور شرقي سوريا، لكنه غادر، في عام 2014، بعد سيطرة تنظيم "داعش" على القرية، وفق ما قاله صالح البدران، عم والد عفراء.

وأوضح السوادي "نحن سعداء للغاية بها، لأنها تذكرنا بوالديها وأشقائها. إنها تشبه والدها وشقيقتها نوارة كثيرا".