بعد معاناتهم الكبيرة على مدى نحو 12 من الحرب في سوريا، وجد النازحون في المناطق الخاضعة للمعارضة في شمالي البلاد أنفسهم أمام كارثة زلزال مدمر، ما زاد من حمل الأعباء عليهم ورفع حصيلة الدمار والموت بين ظهرانيهم.
وبحسب تقرير خاص لصحيفة "التايمز" فإن الزالزل الذي ضرب مناطق واسعة من تركيا وسوريا، قد أوجد العديد من المشاكل والعقبات أمام منظمات الإغاثة والنشطاء في تلك البقعة، ومنها صعوبة تحديد هوية الكثير من الضحايا الذين قضوا تحت الأنقاض.
ويوضح المحامي السوري، حسن كولي، أن بعض منظمات المجتمع المدني في المناطق التي لا تخضع لسيطرة نظام بشار الأسد، كانت قد تمكنت وخلال سنوات الحرب من تطوير برتوكول للتعامل مع الجثث المجهولة الهوية التي كان يجري انتشالها من حطام المباني التي دمرتها حملة القصف بالبراميل المتفجرة التي شنتها القوات النظامية بين عامي 2012 و 2016.
وكولي كان عضوا في فرع حلب لجمعية المحامين السوريين الأحرار، وهي جماعة معارضة تأسست في الأراضي التي يسيطر فصائل المعارضة، وعن الاستفادة من ذلك برتوكول في الكارثة الجديدة، يقول: "لقد قمنا بالتعاون مع مسؤولين من مجلس البلدية في بلدة جنديرس، بوضع سجل لإحصاء الجثث المجهولة الهوية".
وتابع: "نقوم بتصوير جثث الضحايا وربط كل صورة برقم القبر الذي يدفن فيه الجثمان، وذلك على أمل أن يتعرف عليه أحد من ذويه لاحقا، وهو ما حصل في حالة واحدة على الأقل حتى الآن".
وما يزيد من صعوبة المهمة أن معظم الأهالي في "المناطق المحررة" هم اللاجئين، وليسوا من المجتمع المحلي، فمنطقة إدلب على سبيل المثال كان سكانها قبل الأزمة لا يزيد عن مليون نسمة، ولكنهم الآن أكثر من أربعة ملايين شخص.
وفي منطقة عفرين، ومن بينها بلدة جنديرس، ارتفع عدد سكان ما قبل الأزمة والبالغ 250 ألفًا إلى ما يقرب من 700 ألف، وفقًا لمدير الصحة المحلي، أحمد الحاج حسن.
وبلدة جنديريس التي تشتهر بزراعة الزيتون كان عدد قاطنيها قبل الأزمة 17 ألف نسمة، ولكنها أضحت موطنا لنحو 115 ألف شخص، ومع مقتل 1200 ضحية حتى الآن، فإنها تعتبر المنطقة الأكثر تضررًا في سوريا من الزلزال.
ويقول نائب رئيس المجلس المحلي لبلدة جنديرس، يزن نصر، والذي كان عمره لا يتجاوز 18 عاما عندما نزح من الرقة إلى شمال غربي سوريا إن الوضع محزن وكئيب للغاية في البلدة.
وأوضح أن أول شيء فعله بعد وقوع الزلزال هو الاستفادة من مهاراته كمهندس في تصليح الألواح الشمسية وتوليد الطاقة اللازمة لإعادة العمل إلى أبراج شبكات الهواتف والإنترنت.
ويردف: "وليتني لم أفعل ذلك، فقد بدأ الأهالي بتلقي رسائل واتصالات مؤلمة بتفيد بوفاة أو فقدان أقاربهم تحت الأنقاض".
ويوضح المسؤولون في جنديريس أن كون معظم سكان بلدة ليس من الأهالي، جعلهم يواجهون أيضا مشكلة الأطفال اليتامي الذين فقدوا ذويهم في الكارثة وليس لهم من يعتني بهم من أقارب أو معارف.
ولكن بعض من هؤلاء الأطفال كان محظوظين، فالطفل محمد، البالغ من العمر 8 أعوام، وجد سيدة عجوز في عفرين تكفلت برعايته، بعد وفاة والديه شقيقتيه تحت الأنقاض.
وأما نصر، فيرى أن أس البلاء وأصله لايزال يمكن في الحرب التي شهدتها البلاد على مدار أكثر من عقد والتي تسببت في نزوح الملايين إلى المناطق التي نكبت بالزلزال.
ويقول هو يقف أمام أنقاض صيدلة عائلته: "ليتني كنت مت قبل أن أرى كل هذا الدمار والخراب".