إردوغان ركز بشكل كبير على البناء
إردوغان ركز بشكل كبير على البناء

اعتقد سكان مجمع سكني فاخر في جنوب تركيا أن شققهم "مقاومة للزلازل" حتى انهار المبنى مثل قطعة دومينو في الزلزال المدمر الذي وقع الأسبوع الماضي وتسبب في مقتل المئات من سكان المجمع.

وأصبح مجمع (رونيسانس ريزيدانس) السكني الذي وصفته الإعلانات بأنه "قطعة من الفردوس" لدى افتتاحه قبل 10 سنوات محور الغضب الشعبي.

ووقف الناجون بجانب أكوام من الأنقاض كانت ذات يوم مبنى مؤلف من 249 شقة في انتظار أخبار أحبائهم مع تواري آمال بقائهم على قيد الحياة.

وقال حمزة الباسلان (47 عاما) وهو صائغ مجوهرات "عاش شقيقي هنا 10 سنوات... قيل إنها آمنة من الزلزال، لكن يمكنك رؤية النتيجة".

وأضاف "تم تقديمه على أنه أجمل سكن في العالم. إنه في حالة مروعة. لا يوجد فيه أسمنت ولا حديد مناسب. إنه جحيم حقيقي".

وبعد 11 يوما من وقوع الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 43 ألف شخص في تركيا وسوريا وترك ملايين آخرين بلا مأوى، يتزايد الغضب بشأن ما يعتبره الأتراك ممارسات بناء فاسدة وتطوير عمراني معيبة بشدة.

وتقدر وزارة التطوير العمراني في تركيا أن 84700 مبنى انهار أو تضرر بشدة.

وبينما انهارت مباني مجمع رونيسانس ريزيدانس السكني، ظلت مبان قديمة كثيرة قائمة بالقرب من المجمع.

وقالت امرأة فقدت ابنتيها تحت الأنقاض "استأجرنا هذا المكان كمكان للنخبة، ومكان آمن".

ويعتقد أيضا أن لاعب كرة القدم الدولي الغاني المفقود كريستيان اتسو الذي لعب لنادي هاتاي سبور المحلي قد عاش في المجمع.

واتهم عشرات الأشخاص الذين أجرت رويترز معهم مقابلات في مدينة هاتاي التي بها المجمع المقاولين باستخدام مواد رخيصة أو غير مناسبة واتهموا السلطات بالتهاون في إنشاءات دون المستوى.

وقال الباسلان "من المسؤول؟ الجميع الجميع الجميع".

وقالت وكالة أنباء الأناضول التركية إن، محمد يسار كوسكون، مطور المجمع، اعتقل في مطار إسطنبول بينما كان يستعد لركوب طائرة متجهة إلى الجبل الأسود مساء الجمعة الماضي.

وبحسب وثائق قضائية اطلعت عليها الأناضول، قال محامي كوسكون، كوبرا كالكان كولاك أوغلو، للإدعاء العام "الجمهور يبحث عن مجرم، عن مذنب. تم اختيار موكلي ليكون هذا الجاني". وأضاف المحامي أن موكله ينفى ارتكاب أي مخالفة.

ونقلت الأناضول عن كوسكون قوله للإدعاء العام إن المبنى متين وحصل على جميع التراخيص اللازمة.

طفرة البناء في عصر إردوغان

وتعهدت تركيا بالتحقيق في انهيار مبان وتحقق مع 246 مشتبها بهم حتى الآن بينهم مطورو عقارات و27 منهم تحتجزهم الشرطة.

وقال وزير العدل التركي، بكر بوزداغ، "لن يتم إزالة الأنقاض من دون جمع الأدلة. وسيجري تقييم كل من كان مسؤولا عن إنشاء وتشطيب واستخدام المباني".

وركز حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة الرئيس، رجب طيب إردوغان، بشكل كبير على البناء مما ساعد على دفع النمو خلال عقدين من الزمن في السلطة، على الرغم من أن القطاع عانى في السنوات الخمس الماضية مع تعثر الاقتصاد.

واتهمت أحزاب المعارضة حكومته بعدم تطبيق لوائح البناء، وسوء إنفاق الضرائب الخاصة التي جمعت بعد الزلزال الكبير السابق في عام 1999 من أجل جعل المباني أكثر مقاومة للزلازل.

وفي السنوات العشر حتى عام 2022، تراجعت تركيا 47 مرتبة في مؤشر منظمة الشفافية الدولية لقياس الفساد إلى المرتبة 101 بعد أن كانت في المرتبة 54 من أصل 174 دولة في عام 2012.

ويزعم إردوغان أن المعارضة تشيع الأكاذيب لتشويه سمعة الحكومة وعرقلة الاستثمار.

وعلى بعد ثلاثة كيلومترات من رونيسانس ريزيدانس، يقبع مبنى حكومي متضرر له صلة بوزارة التطوير العمراني التركية، وقال سكان محليون ونشطاء إن الوثائق المهمة المتعلقة بسلامة المباني ومراقبة الجودة تناثرت بين الأنقاض.

وقال عمر ميس، المحامي من اسطنبول، إنه كان يراقب الأنقاض ويحاول إنقاذ ما يمكن أن يكون دليلا حيويا على الرغم من تدمير بعض الوثائق في وقت بحث فيه المشردون عن أي شيء يمكن حرقه التماسا للدفء.

وقال ميس "كان هناك وثائق رسمية كثيرة ذات توقيعات أصلية. كان من الضروري حفظها وحمايتها... حتى يمكن تقديم المسؤولين عن هذه الكارثة إلى العدالة".

وأضاف أن الأوراق تضمنت بيانات الخرسانة وعن اختبارات المقاومة للزلازل. وأضاف "قرأت أنباء عن مقاولين اعتقلوا بعد الزلزال لكن عندما نفكر في هذا الدمار ومدى انتشاره.. يجب أن يكون هناك مزيد".

وقالت وزارة التطوير العمراني إن الوثائق ستنقل إلى أرشيف الوزارة في المدينة وسيتم تخزينها رقميا.

وقال مسؤولو القطاع إن نحو 50 في المئة من إجمالي 20 مليون مبنى في تركيا تخالف قوانين البناء.

وفي عام 2018، طبقت الحكومة عفوا لإضفاء الشرعية على أعمال البناء غير المسجلة، وهو ما حذر مهندسون ومعماريون من أنه قد يعرض الأرواح للخطر.

وتقدم نحو 10 ملايين شخص بطلب للاستفادة من العفو وتم قبول 1.8 مليون طلب.

ودفع أصحاب العقارات أموالا لتسجيل المباني التي كانت خاضعة حينذاك لضرائب ومستحقات مختلفة.

وقالت الحكومة إنها ضرورية لإزالة الخلافات بين الدولة والمواطنين وتقنين الأبنية.

وقال عمر ميس، المحامي، "للأسف، اعتبر هذا العفو في بلدنا، بطريقة أو بأخرى، نعمة عامة".

عفراء تبتسم حتى للغرباء
قصة عفراء جذبت أنظار العالم وسط المآسي التي خلفها الزلزال المدمر

 الطفلة التي ولدت تحت أنقاض منزل أسرتها الذي دمره الزلزال المميت في تركيا وسوريا قبل ستة أشهر تتمتع الآن بصحة جيدة وتحب أسرتها بالتبني والابتسام حتى للغرباء.

قضت الطفلة عفراء، ذات الشعر الداكن، عشر ساعات تحت الأنقاض بعد أن ضرب الزلزال سوريا وتركيا، في 6 فبراير الماضي، وتسبب في وفاة والديها وأربعة من أشقائها في بلدة جنديرس شمالي سوريا. وعندما تم العثور عليها، كان حبلها السري لا يزال متصلا بوالدتها.

جذبت قصتها أنظار العالم في ذلك الوقت، وعرض كثيرون من جميع أنحاء العالم تبنيها.

وبعد أن أمضت أياما في أحد المستشفيات شمالي سوريا، أُخرجت عفراء وتم تسليمها إلى عمتها وزوجها اللذين يقومان بتربيتها مع بناتهما الخمس وابنيهما.

وقال والدها المتكفل برعايتها، خليل السوادي، إن عفراء تم تسليمها لأسرة عمتها بعد أيام من إجراء اختبار الحمض النووي للتأكد من أن الفتاة وعمتها مرتبطتان بيولوجيا.

بدت عفراء، يوم السبت، مستمتعة بينما كانت تتأرجح على أرجوحة حمراء تتدلى من السقف ويدفعها السوادي إلى الأمام والخلف.

وقال السوادي، وهو يجلس القرفصاء وعفراء في حجره: "هذه الطفلة ابنتي... هي بالضبط مثل أطفالي".

وأضاف السوادي أنهم يقضون النهار في شقة استأجرها، لكن في الليل تذهب الأسرة إلى خيمة من الخيام لقضاء الليلة، حيث لا يزال أطفاله يعانون من صدمة الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص في جنوبي تركيا وشمالي سوريا.

وفقا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، سجل أكثر من 4500 وفاة و10400 إصابة في شمال غربي سوريا بسبب الزلازل. وقدر بأن 43 في المئة من المصابين نساء وفتيات، بينما كان 20 في المئة من المصابين أطفال، تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 14 عاما.

وضرب الزلزال المدمر الذي بلغت قوته 7.8 درجات على مقياس ريختر في الساعات الأولى من 6 فبراير وتلته عدة توابع. وكان شمال غربي سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة من بين المناطق الأكثر تضررا ، حيث يعيش أكثر من 4.5 مليون شخص، معظمهم من النازحين بسبب الصراع الذي قتل أكثر من نصف مليون شخص.

يقول السوادي، عندما تكبر عفراء، سيخبرها بقصة إنقاذها وكيف قُتل والداها وأشقاؤها في الزلزال المدمر. وأضاف أنه إن لم يخبرها، فستخبرها زوجته أو الأبناء.

وبعد يوم من وصول الطفلة إلى المستشفى، أسماها المسؤولون هناك "آية". لكن بعد تكفل أسرة عمتها برعايتها، أطلق عليها اسم "عفراء"، تيمنا بوالدتها الراحلة.

بعد أيام من ولادة عفراء، أنجبت عمتها طفلة أسمتها عطاء. ومنذ ذلك الوقت، كانت ترضِع الطفلتين، حسبما أوضح السوادي.

وتابع "عفراء تشرب الحليب وتنام معظم اليوم".

يشير السوادي إلى أنه تلقى عدة عروض بالعيش في الخارج، لكنه رفض لأنه يريد البقاء في سوريا، حيث عاش والدا عفراء وحيث ماتا.

كان والد عفراء البيولوجي، عبد الله تركي مليحان، في الأصل من قرية خشام في دير الزور شرقي سوريا، لكنه غادر، في عام 2014، بعد سيطرة تنظيم "داعش" على القرية، وفق ما قاله صالح البدران، عم والد عفراء.

وأوضح السوادي "نحن سعداء للغاية بها، لأنها تذكرنا بوالديها وأشقائها. إنها تشبه والدها وشقيقتها نوارة كثيرا".