حوالي 150 شاحنة محملة بالمساعدات دخلت لسوريا عبر معبري باب الهوى وباب السلامة. أرشيفية
حوالي 150 شاحنة محملة بالمساعدات دخلت لسوريا عبر معبري باب الهوى وباب السلامة. أرشيفية

تتوالى النكبات على السوريين، من حرب مستمرة منذ عقد، وزلزال مدمر ضرب شمال وشرق البلاد، وهو ما دفع إلى إرسال كميات كبيرة من المساعدات للمواطنين المتضررين، والتي على ما يبدو أن المطاف انتهى بجزء منها في مستودعات تابعة لفصائل موالية لتركيا، وفق تقارير.

ويؤكد تقرير نشره المرصد السوري لحقوق الإنسان أن الفصائل الموالية لتركيا مثل أحرار الشرقية والعمشات وغيرها، استولت على "المساعدات الإغاثية المسروقة من المتضررين في عفرين".

وأكدت الأمم المتحدة، الخميس، عبور حوالي 143 شاحنة تحمل مساعدات إنسانية إلى شمال غرب سوريا منذ 9 فبراير عبر معبري باب الهوى وباب السلامة على الحدود مع تركيا.

وشملت المساعدات المقدمة من ست وكالات تابعة للأمم المتحدة: خياما ومواد غير غذائية مثل فرش وبطانيات وملابس شتوية وأدوات لفحص الكوليرا، وأدوية أساسية، ومواد غذائية من برنامج الغذاء العالمي، بحسب تقرير لوكالة فرانس برس.

كيف يتم الاستيلاء على المساعدات؟

اتهامات لفصائل موالية لتركيا بسرقة المساعدات. أرشيفية

مدير المرصد، رامي عبدالرحمن كشف لموقع "الحرة" أن آلية الاستيلاء على المساعدات من قبل الفصائل المسلحة، تجري من خلال أن "العديد من الجمعيات تقوم باستلام المساعدات من الجهات الدولية بناء على قوائم لعائلات مسجلة لديها".

وأضاف "أنه بعد أن تتسلم الجمعيات هذه المساعدات يقومون بتسليم جزء بسيط منها لبعض العائلات، ولكن غالبيتها يذهب للفصائل بالاتفاق معهم، ناهيك عن استثناء إيصال أي مساعدات للأكراد".

ويسكن في مناطق شمال وغرب سوريا أكثر من أربعة ملايين شخص، قرابة ثلاثة ملايين منهم في إدلب نصفهم تقريبا نازحون، بينما يقيم 1.1 مليون في شمال حلب.

مدير منصة مجهر الإعلامية، عكيد جولي، قال إن هناك "شحنات مساعدات يتم الاستيلاء عليها من قبل الفصائل المسلحة الموالية لتركيا بمجرد دخولها للبلدات المنكوبة، مثل ما حصل مع المساعدات التي وصلت لبلدة جنديرس التي دمرها الزلزال".

وقال في رد على استفسارات "الحرة" إنه "بعد اليوم الثاني من الزلزال، قام سكان القرى المحيطة بإرسال المساعدات العينية إلى ذويهم داخل جنديرس، وفي طريقها تعرضت الشاحنة لهجوم نفذه مسلحون من فصيل جيش الشرقية".

وأوضح جولي أن الفصائل الموالية لتركيا لا تقوم بالاستيلاء على المساعدات العينية فقط "إذ أنها فرضت تأخذ نسبة على أي حوالة مالية تصل لمكاتب الحوالات حتى وإن كانت مساعدة للسكان المتضررين من الزلزال، ويفرضون على أصحاب المكاتب إبلاغهم على الفور حين يتجاوز المبلغ المرسل 3 آلاف دولار".

ونشر مستخدمون على شبكات التواصل الاجتماعي مقاطع تظهر عملية تفريغ مساعدات داخل إحدى مستودعات الفصائل المسلحة، ولم يتسن لموقع "الحرة" التأكد منها.

ويؤكد تقرير المرصد أن "غالبية أهالي قرى عفرين لم تصلهم المساعدات الإغاثية، عدا قريتي حمام و فقيرا، حيث وزعت مؤسسة البارزاني الخيرية على جميع المحتاجين في القريتين دون تمييز".

المحلل السياسي الكردي، إبراهيم كابان، قال لموقع "الحرة" إن "المعلومات من البلدات الأكثر تضررا بالزلزال تؤكد أن الفصائل المسلحة الموالية لتركيا تعمل على الاستيلاء وتقاسم المساعدات فيما بينها، ناهيك عن سطوها على حتى المساعدات المالية التي تصل للأهالي".

المطلوب من المجتمع الدولي 

غالبية المتضررين من الزلزال في سوريا لم تصلهم المساعدات. أرشيفية

ودعا عبدالرحمن مؤسسات المجتمع الدولي إلى توصيل المساعدات بشكل مباشر للمتضررين وعدم الاعتماد على جمعيات غير موثوقة والتي تقوم باستغلال "الأزمة بشكل بشع".

من جانبه يرى جولي أن "المجتمع الدولي أخفق في إيصال المساعدات للمتضررين في المدن المدمرة"، داعيا إلى إيجاد "إيجاد آلية مناسبة بشكل سريع من شأنها تخفيف الأعباء على هؤلاء الناس، وأن يتم إرفاق مراقبين أممين مع تلك قوافل المساعدات للإشراف على عملية توزيعها وصولها إلى المتضررين".

ويتفق المحلل كابان مع هذا الرأي، بضرورة تدخل "مؤسسات المجتمع الدولي بشكل مباشر لإيصال المساعدات للمتضررين".

وبعد مرور 12 يوما على الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من عشرات الآلاف في تركيا وسوريا، ما زال الوضع الإنساني معقد في شمال غرب سوريا حيث تسيطر المعارضة على منماق واسعة، وهو ما يسبب بطء وصول المساعدات إلى هذه المنطقة التي أنهكتها سنوات من الحرب.

زلزال
استياء بعد فيديو "مقزز" لتوزيع مبالغ زهيدة بطريقة "مستفزة جدا" على متضرري الزلزال بشمال سوريا
قال المرصد السوري لحقوق الإنسان المعارض، الجمعة، إنه حصل على شريط مصور تم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي يظهر قيام مجموعة مسلحة تابعة للجيش السوري الحر باستغلال "فاضح" لمعاناة متضرري الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا الأسبوع الماضي وراح ضحيته الآلاف.

وقبل الزلزال، كانت تقريبا كل المساعدات الإنسانية الضرورية لأكثر من أربعة ملايين شخص يعيشون في هذا الجزء من البلاد، تمر عبر معبر واحد هو "باب الهوى"، وتوقفت العمليات عبره مؤقتا بسبب الأضرار الناتجة عن الزلزال.

ووافقت دمشق مؤخرا على فتح معبرين حدوديين آخرين لتدخل الأمم المتحدة المزيد من المساعدات من بينها معبر باب السلامة.

ويربط معبر باب السلامة تركيا بشمال محافظة حلب، حيث يقطن 1.1 مليون شخص في مناطق تحت سيطرة فصائل سورية موالية لأنقرة. وهو معبر تجاري وعسكري تستخدمه تركيا والفصائل الموالية لها.

وتعد المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية في شمال حلب ومحافظة إدلب، حيث يقيم قرابة ثلاثة ملايين شخص تحت سيطرة هيئة تحرير الشام "النصرة سابقاً" وفصائل أخرى أقل نفوذا، من أكثر المناطق تضررا بالزلزال المدمر.

عفراء تبتسم حتى للغرباء
قصة عفراء جذبت أنظار العالم وسط المآسي التي خلفها الزلزال المدمر

 الطفلة التي ولدت تحت أنقاض منزل أسرتها الذي دمره الزلزال المميت في تركيا وسوريا قبل ستة أشهر تتمتع الآن بصحة جيدة وتحب أسرتها بالتبني والابتسام حتى للغرباء.

قضت الطفلة عفراء، ذات الشعر الداكن، عشر ساعات تحت الأنقاض بعد أن ضرب الزلزال سوريا وتركيا، في 6 فبراير الماضي، وتسبب في وفاة والديها وأربعة من أشقائها في بلدة جنديرس شمالي سوريا. وعندما تم العثور عليها، كان حبلها السري لا يزال متصلا بوالدتها.

جذبت قصتها أنظار العالم في ذلك الوقت، وعرض كثيرون من جميع أنحاء العالم تبنيها.

وبعد أن أمضت أياما في أحد المستشفيات شمالي سوريا، أُخرجت عفراء وتم تسليمها إلى عمتها وزوجها اللذين يقومان بتربيتها مع بناتهما الخمس وابنيهما.

وقال والدها المتكفل برعايتها، خليل السوادي، إن عفراء تم تسليمها لأسرة عمتها بعد أيام من إجراء اختبار الحمض النووي للتأكد من أن الفتاة وعمتها مرتبطتان بيولوجيا.

بدت عفراء، يوم السبت، مستمتعة بينما كانت تتأرجح على أرجوحة حمراء تتدلى من السقف ويدفعها السوادي إلى الأمام والخلف.

وقال السوادي، وهو يجلس القرفصاء وعفراء في حجره: "هذه الطفلة ابنتي... هي بالضبط مثل أطفالي".

وأضاف السوادي أنهم يقضون النهار في شقة استأجرها، لكن في الليل تذهب الأسرة إلى خيمة من الخيام لقضاء الليلة، حيث لا يزال أطفاله يعانون من صدمة الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص في جنوبي تركيا وشمالي سوريا.

وفقا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، سجل أكثر من 4500 وفاة و10400 إصابة في شمال غربي سوريا بسبب الزلازل. وقدر بأن 43 في المئة من المصابين نساء وفتيات، بينما كان 20 في المئة من المصابين أطفال، تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 14 عاما.

وضرب الزلزال المدمر الذي بلغت قوته 7.8 درجات على مقياس ريختر في الساعات الأولى من 6 فبراير وتلته عدة توابع. وكان شمال غربي سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة من بين المناطق الأكثر تضررا ، حيث يعيش أكثر من 4.5 مليون شخص، معظمهم من النازحين بسبب الصراع الذي قتل أكثر من نصف مليون شخص.

يقول السوادي، عندما تكبر عفراء، سيخبرها بقصة إنقاذها وكيف قُتل والداها وأشقاؤها في الزلزال المدمر. وأضاف أنه إن لم يخبرها، فستخبرها زوجته أو الأبناء.

وبعد يوم من وصول الطفلة إلى المستشفى، أسماها المسؤولون هناك "آية". لكن بعد تكفل أسرة عمتها برعايتها، أطلق عليها اسم "عفراء"، تيمنا بوالدتها الراحلة.

بعد أيام من ولادة عفراء، أنجبت عمتها طفلة أسمتها عطاء. ومنذ ذلك الوقت، كانت ترضِع الطفلتين، حسبما أوضح السوادي.

وتابع "عفراء تشرب الحليب وتنام معظم اليوم".

يشير السوادي إلى أنه تلقى عدة عروض بالعيش في الخارج، لكنه رفض لأنه يريد البقاء في سوريا، حيث عاش والدا عفراء وحيث ماتا.

كان والد عفراء البيولوجي، عبد الله تركي مليحان، في الأصل من قرية خشام في دير الزور شرقي سوريا، لكنه غادر، في عام 2014، بعد سيطرة تنظيم "داعش" على القرية، وفق ما قاله صالح البدران، عم والد عفراء.

وأوضح السوادي "نحن سعداء للغاية بها، لأنها تذكرنا بوالديها وأشقائها. إنها تشبه والدها وشقيقتها نوارة كثيرا".