مخيم للناجين من الزلزال - صورة تعبيرية. أرشيف
مخيم للناجين من الزلزال - صورة تعبيرية. أرشيف

بعد مرور أكثر من أسبوعين على كارثة الزلزال المدمّر باتت "الخيمة" حلم لآلاف العائلات المشردة والمنكوبة في شمال سوريا، في وقت لم يلبث أفرادها أن يخرجوا من صدمة الأيام الأولى، وبحسب ما تحدث سكان وعمال إغاثة لموقع "الحرة" تشهد المنطقة هناك "أزمة سكن لا حل قريب لها"، وترتبط بسلسلة أسباب تتالت تفاصيلها وتداعياتها على نحو تدريجي.

وكان حجم الانهيار الكبير في المباني فضلا عن تصدع الكثير منها قد دفع غالبية السكان في الشمال السوري، بقسميه محافظة إدلب وريف حلب إلى الانتقال للعيش ضمن خيام قماشية، بعدما قضوا ليال طوال في العراء، في مشهدٍ انعكس بالسلب، وضاعف من حجم الكارثة، التي خيّمت أولا بآلاف القتلى والمصابين.

أحمد سليمان أحد الناجين "بأعجوبة" من انهيار منزله في مدينة حارم بريف إدلب، بعد ضرب الزلزال الأول، وبينما قصد "منزلا عربيا" من طابق واحد مع عائلته المؤلفة من خمسة أفراد انعدمت خيارات السكن أمامه، في أعقاب الزلزال الأخير الذي حصل قبل أيام.

ويقول لموقع "الحرة" إنه اضطر للخروج من "المنزل العربي رغم أنه آمن قياسا بالأبنية الطابقية"، فيما لم يتمكن حتى الآن من الحصول على "خيمة قماشية"، نظرا للطلب الكبير الحاصل عليها، والأسعار الباهظة التي بات يطلبها التجار والورشات المنتجة لها.

"لم يعد أحد في الشمال السوري يجرؤ على العيش تحت سقف وبين جدران إسمنتية، وخاصة مع استمرار تسجيل الهزات الارتدادية. معظم السكان اتجهوا للعيش في خيام ينصبونها أمام منازلهم المتصدعة أو بعيدا عن المناطق المكتظة بالبنايات".

لكن ووفق ما يضيف الشاب "هناك آلاف العائلات تترقب فرصة للحصول على خيمة بعدما تحولت إلى حلم. سعر الواحدة يصل في السوق الآن إلى 250 و300 دولار. يقال إن ارتفاع سعرها يرتبط بأسعار الحديد لكن الأمر يرتبط أيضا بجشع تجار الدم".

"أزمة إيواء كبيرة"

وتشير إحصائيات حصل عليها موقع "الحرة" من فريق "منسقو الاستجابة في الشمال السوري" الإنساني إلى أن المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة باتت تشهد "أزمة إيواء كبيرة عقب الزلازل الأخيرة التي حدثت".

وترتبط الأزمة بارتفاع كبير في أعداد النازحين في المنطقة، والذين تجاوز عددهم أكثر من 189,843 بينهم 55,362 نازح ضمن مراكز الإيواء المنتشرة في المنطقة.

كما لوحظ أيضا مع استمرار النشاط الزلزالي في المنطقة لجوء الآلاف من المدنيين إلى الخروج إلى الشوارع والطرقات العامة والبقاء فيها مع أي هزات ارتدادية في المنطقة.

وبموازاة ذلك تخلت آلاف العائلات عن مساكنها غير المتضررة واختارت البقاء في المناطق الخالية المنخفضة، خوفا من أي حالة تدمير جديدة للمنازل والتي تحتاج بمعظمها إلى عمليات فحص هندسي للتأكد من صلاحيتها.

وبلغت أعداد المنازل المدمرة في الشمال بفعل الزلزال 1,314 منزلا، مع وجود منازل غير صالحة للسكن وبحاجة إلى الهدم بعدد 14,128، فيما سجل ظهور التصدعات في 10,833 منزلا آخرا.

ويوضح مدير الفريق الإنساني، محمد حلاج، لموقع "الحرة" أن أزمة الإيواء الكبيرة وتلك المتعلقة بـ"حلم الحصول على خيمة" مرتبطة بعدة أسباب، أولها أن الأفراد المنكوبين اضطروا للعيش بعد انهيار وتصدع منازلهم في المخيمات التي كانت في الأساس مشيدة في المنطقة، ما أسفر عن ضغط كبير فيها.

وهناك سبب آخر يتعلق بـ"مراكز الإيواء" التي تم إنشاؤها من قبل المنظمات الإنسانية خلال الأيام الماضية، إذ أنها "ليست مؤهلة بشكل كامل ولا تتضمن خصوصية"، ما دفع كثيرين للتوجه للحصول على خيام بشكل شخصي للعيش فيها.

ويقول حلاج: "بعد الزلزال الأخير الذي ضرب أنطاكيا التركية في 20 فبراير الحالي أصبحت العائلات تخاف من البقاء في الطوابق العالية، في وقت تأخرت عمليات رصد المباني المتصدعة من جانب المهندسين".

وأسفرت العوامل المذكورة مجتمعة إلى الأزمة الحاصلة، في وقت يشير مدير الفريق الإنساني إلى أن مناطق الشمال السوري تحتاج الآن إلى 20 ألف خيمة "لحل نصف المشكلة وليس المشكلة كاملة"، حسب تعبيره.

"تفصيل وعلى عجل"

على مدى السنوات الماضية من الحرب كان للمخيمات العشوائية والنظامية في شمال غربي البلاد صورة واحدة لم تخرج منها إلا مشاهد الأسى والحال المنهك، لكن ومع حلول الكارثة الحالية التي لم تُبقٍ أي شيء على حاله فوق الأرض باتت هذه الرقع القماشية ملاذا آمنا لمن بات عاجزا عن تأمين منزل بعد انهيار مسكنه، أو الخائف من العودة إلى الجدران التي باتت متصدعة، بعدما كانت تأويه.

ومع ذلك ونظرا للطلب الكبير عليها تحولت هذه "الرقع القماشية إلى حلم يتمناه كثيرون". وفي حين تمكن البعض من شرائها بمبالغ تزيد عن 300 دولار تحوّل آخرون لتفصيلها "بناء على الطلب"، كما هو الحال بالنسبة لأحمد هود.

استنفد الشاب المهجّر من ريف حمص جميع خياراته في الأيام الماضية، ما دفعه للشروع بالبدء بعملية صناعة الخيمة في إحدى الورش بمدينة سرمدا بريف إدلب الشمالي، ويقول لموقع "الحرة" إن "تكلفة هذه العملية أقل من الخيمة الجاهزة والتي تحوي على قضبان حديدية".

ويضيف أن العديد من الورش باتت تتجه لوضع قضبان بلاستيكية أو من القصب داخل الخيام التي تصنعها، نظرا للتكلفة العالية عند وضع قضبان الحديد".

وذلك ما يشير إليه مدير "منسقو الاستجابة" حلاج بقوله: "هناك غلاء كبير في مادة الحديد. السكان في منطقة العلاني القريبة من سلقين بدأوا يستخدمون القصف (قطع) وخراطيم البلاستيك لتشييد الخيام. الأمر خطر لكنه الحل المتوفر حاليا".

ويضيف حلاج: "العدد الكبير من المنكوبين في الشمال السوري أصبح يضاف إليه في الأيام الماضية اللاجئون القادمين من تركيا. هؤلاء في معظمهم مهجرون من محافظات سورية خاضعة لسيطرة النظام السوري، وليس لديهم أي مأوى".

ويوضح الناشط الإعلامي، عدنان الإمام، أن "الخيمة الواحدة في شمال سوريا وقبل كارثة الزلزال كان سعرها يصل إلى 50 دولارا أما اليوم 250 و300 دولار".

ويقول الإمام لموقع "الحرة": "كثير من العائلات باتت تتجه للتفصيل بـ120 دولار. الخيمة بهذه العملية لا تقاوم قياسا بالخيام المعروفة باسم (السفينة والقوس) التي كانت تقدمها المنظمات الأممية".

"شائعات وجشع تجار"

وحتى الآن وصل عدد المتضررين إثر الزلزال في شمال سوريا إلى 965,833 نسمة، ومن المتوقع ازدياد أعداد المتضررين إلى 1.3 مليون نسمة، نتيجة الزيادة الهائلة في أعداد المحتاجين للمساعدات الإنسانية الطارئة.

وتقدر الخسائر المادية الأولية حتى الآن مع إجراء الحسابات الأولية بقيمة 356 مليون دولار أميركي، وتزداد الأرقام في حال الحسابات الدقيقة وإكمال إحصاء الأضرار المادية في المنطقة، حسب بيانات فريق "منسقو الاستجابة".

وتوضح البيانات أنه يتوقع تعافي المنطقة بنسبة 60 في المئة بعد ثلاث سنوات من الكارثة الأخيرة، وتحتاج إلى 5 سنوات للعودة إلى الوضع الذي كانت عليه ما قبل الكارثة.

محمد عقيل قناص، وهو مدير مكتب منظمة "المنتدى السوري" في مدينة سرمدا بريف إدلب، يرى أن أزمة الخيام في المنطقة تتفرع إلى أكثر من سبب، ويرتبط الأول بأن عددها خلال العامين الماضيين كان قليلا، في وقت كانت المسارات تتجه لدى السكان إلى عملية التوطين ضمن المنازل.

وكانت الأزمة قد ظهرت تفاصيلها بشكل أساسي بعد الزلزال الأول في السادس من شهر فبراير الحالي، وبينما حاولت المنظمات تقديمها من المستودعات الخاصة بها لم تتلق أي دفعات جديدة من الأمم المتحدة، كما يقول قناص.

ويضيف لموقع "الحرة": "في الوقت الحالي هناك تصنيع محلي، لكن الأمر يحتاج لوقت طويل ومواد أولية. هذه المواد وبكل أنواعها قليلة جدا في الشمال السوري".

في غضون ذلك وبعدما ضرب زلزال آخر طرفي الحدود في يوم 20 من شهر فبراير يشير المسؤول في المنظمة الإنسانية إلى أن "الناس لم تعد تجرؤ على الجلوس في المنزل. هناك أثر نفسي كبير. الجميع يريد العيش في الخيام، سواء إن كانت منازلهم منهارة أو متصدعة". "أصبح لدينا سلسلة أزمات. الناس تريد الشعور بالأمان وتقول أي بناء سيقتلنا".

ويضاف إلى الأسباب الأخرى "تناقل الإشاعات بأن الزلازل ستظل سنة، فضلا عن الأخبار التي بات يتناقلها كثيرون نقلا عن المنجم الهولندي، فرانك هوغربيتس"، فضلا عن "استغلال التجار للأزمة الحاصلة"، إذ اعتبر قناص أنهم "يستغلون ما يحصل بأنفس ضعيفة".

عفراء تبتسم حتى للغرباء
قصة عفراء جذبت أنظار العالم وسط المآسي التي خلفها الزلزال المدمر

 الطفلة التي ولدت تحت أنقاض منزل أسرتها الذي دمره الزلزال المميت في تركيا وسوريا قبل ستة أشهر تتمتع الآن بصحة جيدة وتحب أسرتها بالتبني والابتسام حتى للغرباء.

قضت الطفلة عفراء، ذات الشعر الداكن، عشر ساعات تحت الأنقاض بعد أن ضرب الزلزال سوريا وتركيا، في 6 فبراير الماضي، وتسبب في وفاة والديها وأربعة من أشقائها في بلدة جنديرس شمالي سوريا. وعندما تم العثور عليها، كان حبلها السري لا يزال متصلا بوالدتها.

جذبت قصتها أنظار العالم في ذلك الوقت، وعرض كثيرون من جميع أنحاء العالم تبنيها.

وبعد أن أمضت أياما في أحد المستشفيات شمالي سوريا، أُخرجت عفراء وتم تسليمها إلى عمتها وزوجها اللذين يقومان بتربيتها مع بناتهما الخمس وابنيهما.

وقال والدها المتكفل برعايتها، خليل السوادي، إن عفراء تم تسليمها لأسرة عمتها بعد أيام من إجراء اختبار الحمض النووي للتأكد من أن الفتاة وعمتها مرتبطتان بيولوجيا.

بدت عفراء، يوم السبت، مستمتعة بينما كانت تتأرجح على أرجوحة حمراء تتدلى من السقف ويدفعها السوادي إلى الأمام والخلف.

وقال السوادي، وهو يجلس القرفصاء وعفراء في حجره: "هذه الطفلة ابنتي... هي بالضبط مثل أطفالي".

وأضاف السوادي أنهم يقضون النهار في شقة استأجرها، لكن في الليل تذهب الأسرة إلى خيمة من الخيام لقضاء الليلة، حيث لا يزال أطفاله يعانون من صدمة الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص في جنوبي تركيا وشمالي سوريا.

وفقا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، سجل أكثر من 4500 وفاة و10400 إصابة في شمال غربي سوريا بسبب الزلازل. وقدر بأن 43 في المئة من المصابين نساء وفتيات، بينما كان 20 في المئة من المصابين أطفال، تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 14 عاما.

وضرب الزلزال المدمر الذي بلغت قوته 7.8 درجات على مقياس ريختر في الساعات الأولى من 6 فبراير وتلته عدة توابع. وكان شمال غربي سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة من بين المناطق الأكثر تضررا ، حيث يعيش أكثر من 4.5 مليون شخص، معظمهم من النازحين بسبب الصراع الذي قتل أكثر من نصف مليون شخص.

يقول السوادي، عندما تكبر عفراء، سيخبرها بقصة إنقاذها وكيف قُتل والداها وأشقاؤها في الزلزال المدمر. وأضاف أنه إن لم يخبرها، فستخبرها زوجته أو الأبناء.

وبعد يوم من وصول الطفلة إلى المستشفى، أسماها المسؤولون هناك "آية". لكن بعد تكفل أسرة عمتها برعايتها، أطلق عليها اسم "عفراء"، تيمنا بوالدتها الراحلة.

بعد أيام من ولادة عفراء، أنجبت عمتها طفلة أسمتها عطاء. ومنذ ذلك الوقت، كانت ترضِع الطفلتين، حسبما أوضح السوادي.

وتابع "عفراء تشرب الحليب وتنام معظم اليوم".

يشير السوادي إلى أنه تلقى عدة عروض بالعيش في الخارج، لكنه رفض لأنه يريد البقاء في سوريا، حيث عاش والدا عفراء وحيث ماتا.

كان والد عفراء البيولوجي، عبد الله تركي مليحان، في الأصل من قرية خشام في دير الزور شرقي سوريا، لكنه غادر، في عام 2014، بعد سيطرة تنظيم "داعش" على القرية، وفق ما قاله صالح البدران، عم والد عفراء.

وأوضح السوادي "نحن سعداء للغاية بها، لأنها تذكرنا بوالديها وأشقائها. إنها تشبه والدها وشقيقتها نوارة كثيرا".