مئات الآلاف من المنازل انهارت أو تضررت بسبب زلزالي السادس من فبراير 2023
مئات الآلاف من المنازل انهارت أو تضررت بسبب زلزالي السادس من فبراير 2023

"أخشى من أن يحدث هذا الأمر المروع في اللحظة التي تطأ فيها قدمي المنزل"، لم تعد الشابة التركية ميليسا غوكمن، 23 عاما، إلى بيتها منذ السادس من فبراير الماضي، وهو اليوم الذي ضرب فيه زلزالان مدمران البلاد وأسفرا عن مقتل 55 ألف شخص وشردا أعدادا أكبر من ذلك بكثير.

أمضت غوكمن الشهرين الماضيين في مدينة تكيرداغ التركية، حيث تتلقى مساعدة من طبيب نفسي، بحسب شبكة "سي بي سي" الكندية. 

وبالرغم من أن غوكمن تعلم أن منزلها في ملطية نجا من الكارثة، فإن سقوط منازل أخرى من حولها ووفاة سكانها، أثر عليها نفسيا وأصبحت تنام بصعوبة بالغة. 

وقالت "بالرغم من أنني أحد المحظوظين، فإنه من الصعب رؤية من حولي في المدينة التي عشت فيها 23 عاما يعانون بهذا الشكل، ستكون عملية طويلة بالنسبة لي للتعافي والعودة إلى شخصيتي القديمة". 

وتوضح أن المنطقة المحيطة بمنزلها تحولت إلى مكان مليء بالحطام، "حتى المدارس والمباني التجارية، لم يعد أي منها موجودا، يبدو الأمر وكأنني أشاهد فيلم رعب".

أحياء بالكامل تدمرت بسبب الزلزال في تركيا

وانهار أكثر من 236 ألف مبنى أو تعرض لأضرار جسيمة في كل من تركيا وسوريا. 

وغوكمن ليست الناجية الوحيدة من الزلزال التي تعاني من آثار صدمة نفسية بسبب الكارثة المروعة. وتحذر منظمات من أزمة صحة عقلية تلوح في الأفق.

وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من 5.4 مليون طفل في منطقة الزلزال معرضون لخطر الإصابة بالقلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة.

ونقلت الصحيفة عن منسق حماية الطفل في مدينة أنطاكيا التركية، محمد علي عقيل، أنه يتعامل مع أطفال بعضهم أصبح يخشى الظلام، ولا يستطيعون النوم". 

يشير إلى أن الزلازل التي تكررت في الأسابيع الماضية، أثرت أيضا على كيفية تفاعل الأطفال مع بعضهم البعض.

منازل اختفت وبقيت أخرى بعد زلزال السادس من فبراير

وقال: "أصبح بعض الأطفال أكثر عدوانية مع أشقائهم وأصدقائهم وأقرانهم، وأكثر هدوءا وخوفا من كل شيء. يريدون دائما أن يكونوا مع والديهم أو أشقائهم الأكبر سنا."

يحاول عقيل وعمال الإغاثة الآخرون خلق مساحة آمنة لهؤلاء الأطفال للعودة إلى الحياة الطبيعية. وقال: "في هذه الأماكن نرقص ونستمع إلى الموسيقى ونلعب كرة القدم، ونحاول تقديم أنشطة تعليمية". 

لا يقتصر الدعم على الأطفال، حيث عبر شباب وآباء وأمهات عن مخاوفهم بشأن صحتهم العقلية وحاجتهم إلى المساعدة النفسية.

ومع ذلك، فإن العثور على مساحات آمنة يمثل تحديا بحد ذاته. 

الأطفال معرضون لخطر الإصابة بالقلق والاكتئاب واضطراب ما بعد صدمة الزلزال

فعلى سبيل المثال، كانت أنطاكيا واحدة من المدن التي تضررت بشدة من الزلازل، وأصبح أكثر من نصف المدينة إما تحت الأنقاض أو تضررت بشدة، بما في ذلك منزل عقيل.

وقال "إذا كانت لديك حالة طارئة وتريد الذهاب إلى المستشفى، فإن المستشفى نفسه أصبح عبارة عن خيمة". 

تعمل مجموعات الإغاثة جنبا إلى جنب مع السلطات المحلية لتلبية الاحتياجات النفسية والاجتماعية الهائلة. نشرت وزارة الأسرة والخدمات الاجتماعية التركية أكثر من 3700 عامل اجتماعي في جميع أنحاء منطقة الزلزال.

لكن على الرغم من الاستجابة المنسقة بين السلطات الحكومية وجماعات الإغاثة، يقول عقيل إن الاحتياجات على الأرض تفوق بكثير الموارد المتاحة.

سوريا.. الأزمة معقدة

أما في سوريا، فإن الحرب الأهلية المستمرة منذ 12 عاما، استنزفت موارد الصحة النفسية. وجاءت الزلازل لتضيف عبئا جديدا على المجتمع الذي يعيش بالفعل وسط أزمات إنسانية متعددة.

مناطق في شمال غرب سوريا تضررت بشدة بسبب الزلزال

ويقول المسؤول عن سوريا في منظمة غول العالمية، نبراس حاج حمدان، "تشير التقديرات إلى أن أكثر من مليون شخص في شمال غرب سوريا يحتاجون إلى دعم عقلي ونفسي اجتماعي، ولا يتوفر حاليا سوى 24 اختصاصيا نفسيا". 

ويوضح حمدان أن الناس في شمال غرب سوريا ليسوا معتادون على هذه الحالات، "لذلك في الدقائق القليلة الأولى من الهزات، كان رد فعل بعض السوريين بالتوجه إلى أقبيتهم تحت الأرض، كما اعتادوا في حالات القصف"، مشيرا إلى أنه تم انتشال جثث من قبو المباني. 

الأزمة الإنسانية تتعمق في سوريا إثر الزلزال الذي أصاب بلادا تعيش حربا أهلية منذ أكثر من عقد وتراجع التمويل الدولي لمنظمات الإغاثة

ومثل غوكمن في تركيا، فإن بعض الناجين في سوريا يخشون العودة إلى ديارهم.

ويقول حمدان: "أخبرتني زميلتي في العمل أنها عندما صعدت إلى شقتها، شعرت بأن الأرض تتحرك من تحت قدمها، لذلك بعض الناس يفضلون البقاء في الخيام". 

ويضيف أن ابنة زميل آخر له أصبحت تستيقظ مرعوبة في منتصف الليل قائلة "هناك زلزال يا أبي، هيا لنخرج من هنا". 

تتوقع منظمة غول أن تكون الأسابيع المقبلة أكثر صعوبة بالنسبة للأشخاص المتأثرين، حيث تواجه مجموعات الإغاثة العاملة في شمال غرب سوريا تخفيضات في التمويل من الجهات المانحة التي تُستنزف مواردها أيضا بسبب التعامل مع أزمات أخرى في أماكن أخرى، مثل الجفاف في شرق أفريقيا والفيضانات في باكستان والحرب في أوكرانيا.

وقال حمدان إن منظمته ستنسحب من 73 قرية وبلدة، "وهذا يعني التوقف عن دعم 19 ألف مستفيد وهم من بين أكثر الناس احتياجا". 

عفراء تبتسم حتى للغرباء
قصة عفراء جذبت أنظار العالم وسط المآسي التي خلفها الزلزال المدمر

 الطفلة التي ولدت تحت أنقاض منزل أسرتها الذي دمره الزلزال المميت في تركيا وسوريا قبل ستة أشهر تتمتع الآن بصحة جيدة وتحب أسرتها بالتبني والابتسام حتى للغرباء.

قضت الطفلة عفراء، ذات الشعر الداكن، عشر ساعات تحت الأنقاض بعد أن ضرب الزلزال سوريا وتركيا، في 6 فبراير الماضي، وتسبب في وفاة والديها وأربعة من أشقائها في بلدة جنديرس شمالي سوريا. وعندما تم العثور عليها، كان حبلها السري لا يزال متصلا بوالدتها.

جذبت قصتها أنظار العالم في ذلك الوقت، وعرض كثيرون من جميع أنحاء العالم تبنيها.

وبعد أن أمضت أياما في أحد المستشفيات شمالي سوريا، أُخرجت عفراء وتم تسليمها إلى عمتها وزوجها اللذين يقومان بتربيتها مع بناتهما الخمس وابنيهما.

وقال والدها المتكفل برعايتها، خليل السوادي، إن عفراء تم تسليمها لأسرة عمتها بعد أيام من إجراء اختبار الحمض النووي للتأكد من أن الفتاة وعمتها مرتبطتان بيولوجيا.

بدت عفراء، يوم السبت، مستمتعة بينما كانت تتأرجح على أرجوحة حمراء تتدلى من السقف ويدفعها السوادي إلى الأمام والخلف.

وقال السوادي، وهو يجلس القرفصاء وعفراء في حجره: "هذه الطفلة ابنتي... هي بالضبط مثل أطفالي".

وأضاف السوادي أنهم يقضون النهار في شقة استأجرها، لكن في الليل تذهب الأسرة إلى خيمة من الخيام لقضاء الليلة، حيث لا يزال أطفاله يعانون من صدمة الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص في جنوبي تركيا وشمالي سوريا.

وفقا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، سجل أكثر من 4500 وفاة و10400 إصابة في شمال غربي سوريا بسبب الزلازل. وقدر بأن 43 في المئة من المصابين نساء وفتيات، بينما كان 20 في المئة من المصابين أطفال، تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 14 عاما.

وضرب الزلزال المدمر الذي بلغت قوته 7.8 درجات على مقياس ريختر في الساعات الأولى من 6 فبراير وتلته عدة توابع. وكان شمال غربي سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة من بين المناطق الأكثر تضررا ، حيث يعيش أكثر من 4.5 مليون شخص، معظمهم من النازحين بسبب الصراع الذي قتل أكثر من نصف مليون شخص.

يقول السوادي، عندما تكبر عفراء، سيخبرها بقصة إنقاذها وكيف قُتل والداها وأشقاؤها في الزلزال المدمر. وأضاف أنه إن لم يخبرها، فستخبرها زوجته أو الأبناء.

وبعد يوم من وصول الطفلة إلى المستشفى، أسماها المسؤولون هناك "آية". لكن بعد تكفل أسرة عمتها برعايتها، أطلق عليها اسم "عفراء"، تيمنا بوالدتها الراحلة.

بعد أيام من ولادة عفراء، أنجبت عمتها طفلة أسمتها عطاء. ومنذ ذلك الوقت، كانت ترضِع الطفلتين، حسبما أوضح السوادي.

وتابع "عفراء تشرب الحليب وتنام معظم اليوم".

يشير السوادي إلى أنه تلقى عدة عروض بالعيش في الخارج، لكنه رفض لأنه يريد البقاء في سوريا، حيث عاش والدا عفراء وحيث ماتا.

كان والد عفراء البيولوجي، عبد الله تركي مليحان، في الأصل من قرية خشام في دير الزور شرقي سوريا، لكنه غادر، في عام 2014، بعد سيطرة تنظيم "داعش" على القرية، وفق ما قاله صالح البدران، عم والد عفراء.

وأوضح السوادي "نحن سعداء للغاية بها، لأنها تذكرنا بوالديها وأشقائها. إنها تشبه والدها وشقيقتها نوارة كثيرا".